بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمّد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين، سيما بقية الله في الأرضين.

نحمد الله تعالى على أن منحنا من العمر و الفرصة ما ندرك به شهر رمضان آخر. من بركات هذا الشهر جلستنا الصميمية العامة هذه التي تجمع مسؤولي البلاد و مدراء النظام الإسلامي الرئيسيين، فهي جلسة يجتمع فيها الأصدقاء و المسؤولون و يأنسون ببعضهم، و هي إلى ذلك مناسبة لاستماع كلمات سيكون ذكرها و استماعها إن شاء الله مفيداً للبلاد و للناس و للأجواء العامة في المجتمع.

أشكر الإخوة و الأخوات الأعزاء لتفضلهم بالحضور و تشكيل هذه الجلسة، و أشكر حضرة السيد رئيس الجمهورية لهذا التقرير المفصل الذي عرضه. نتمنى أن يوفق الله تعالى كل المسؤولين و جميع الحضور هنا و كل الذين يقدمون الخدمات و الجهود في شتى أرجاء البلاد و في القطاعات المختلفة، و يجزل لهم الأجر، و ستُرى جهودكم و خدماتكم – أين ما كنتم – في ميزان العدل الإلهي إن شاء الله، و ينالها الثواب من الله سبحانه.

النقطة الأساسية التي أروم ذكرها في هذه الجلسة هي أنه بعد كل نصر يمنحه الله تعالى للإنسان، يكون من واجب الإنسان تقديم الشكر و الحمد لله سبحانه و تعالى. بعد أن منّ الله عزّ و جلّ علينا بالموفقية في مجال معين من واجبنا مضاعفة التضرّع و التوسّل و التوجّه له سبحانه. هذا هو واجبنا. قال عزّ و جلّ: «إذا جاء نصر الله و الفتح و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبّح بحمد ربّك و استغفره إنه كان تواباً» (1). النصر فضل إلهي يجب أن يقرّبنا إلى الله أكثر و يُحيي علاقتنا بالله و يضاعف من تضرّعنا لله سبحانه و تعالى. نشكر الله، فقد تعاقبت الانتصارات و الحمد لله على هذا الشعب نصراً بعد نصر. و كان آخر هذه الانتصارات – و قد كان نصراً كبيراً – عملية الانتخابات و المشاركة الشعبية الجماهيرية. كان للشعب الإيراني عموماً و لمسؤولي البلاد على نحو الخصوص دورهم في هذه الملحمة السياسية، و قد شملتهم هذه الألطاف و النصرة الإلهية. الآن و قد شملتنا النصرة الإلهية و استطعنا صناعة هذه الملحمة الكبيرة – و سوف تظهر آثار هذه الملحمة الكبرى في المجالات و القطاعات المختلفة تدريجياً – يجب أن نرفع أيدي التضرّع و التوسّل أمام العناية الإلهية و نشكر الله سبحانه و تعالى و نحمده. خصوصاً و أن الشهر هو شهر رمضان المبارك، و هذه بحد ذاتها فرصة و توفيق و إقبال أننا نعيش هذه اللحظة الحاسمة من المسيرة السياسية للبلاد في شهر الرحمة الإلهية. و قد قيل: «و هذا شهر الإنابة و هذا شهر التوبة و هذا شهر المغفرة و الرحمة و هذا شهر العتق من النار و الفوز بالجنة» (2).

هذا من أدعية أيام شهر رمضان المبارك. رمضان شهر الإنابة و التوبة. و التوبة معناها العودة عن الطريق الخطأ الذي سرنا فيه بذنوبنا و غفلتنا. معنى الإنابة أن نتوجّه لله تعالى في الحال و المستقبل. قيل إن الفرق بين التوبة و الإنابة هو أن التوبة حالة ترتبط بالماضي، و الإنابة تتعلق بالحاضر و المستقبل. نستغفر الله تعالى و نعتذر و نعود إليه من ذنوبنا و خطايانا و أفعالنا القبيحة التي صدرت عنا في مختلف المجالات و الممارسات، و ننيب أيضاً في حالنا و مستقبلنا و نعزز علاقتنا القلبية بالله. رمضان شهر الرحمة و المغفرة. قيل: «و هذا شهر العتق من النار».. إنه شهر التحرر و الانعتاق من النار. و الانعتاق من النار هو في الواقع الانعتاق من هذه الخطايا و المعاصي و الذنوب التي نقترفها. ذنوبنا و خطايانا هي الشكل الناسوتي لتلك العذابات الأخروية. إذا كنا هنا نمارس الظلم و نغتاب و نسيئ القول لذا و ذاك و نتجاوز حدودنا و نتجاوز واجباتنا و تكاليفنا، فلكل واحد من هذه الأعمال صورته الأخروية التي تظهر و تتجسّم يوم القيامة بشكلها الخاص، ألا و هو العذاب الإلهي. قال الشاعر: «يا من مزّقت قميص يوسف / لن تنهض من هذا النوم الثقيل إلّا و أنت ذئب» (3). إيذاء الناس في هذه الدنيا يتجلى في عالم الآخرة على شكل عذاب إلهي و تحوّل الإنسان العاصي إلى ذئب. «هذا شهر العتق من النار و الفوز بالجنة». الفوز بالجنة هو أن نصلح هنا أعمالنا و نطهّر قلوبنا و نؤدّي العبادات و الواجبات و نرغب في النوافل، و نراعي الصدق و الأمانة و الصداقة و الإخلاص تجاه المؤمنين، فيكون هذا هو الدخول إلى الجنة الذي تتجلى و تتجسّد به أعمالنا الصالحة يوم القيامة.. إنها تتجسّد يومئذ على شكل النعم الإلهية التي وعد بها المؤمنون و المتقون.

قال عزّ و جلّ: «و اذكر ربّك في نفسك تضرّعاً و خيفة» (4). ذكر الله بتضرّع رصيد كل الخيرات و البركات التي بوسع المرء أن يظفر بها في مهلة الحياة الدنيا هذه. يجب أن لا يختص ذكر الله هذا بفترات الشدة و المحنة و الجهد و الضغوط، لا، في أطوار الرخاء و الراحة أيضاً و في الفترات التي لا يضايق الإنسان فيها همّ و لا غمّ مادي، يجب عليه أن يحافظ على ذكر الله في قلبه. حينما تطرأ علينا نحن البشر صعاب و شدائد نتذكر الله. يقول سبحانه و تعالى: «فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجّاهم إلى البرّ إذا هم يشركون» (5). يتوجّه الإنسان إلى الله في حين البلاء و الشدة، و حين يرتفع البلاء ينسى الإنسان ربّه. كرّر القرآن الكريم كثيراً – ربما عشر مرات أو أكثر، و لم أحسب ذلك – عتابه على الإنسان بأنه حين يواجه الشدائد و الصعاب يتذكّر الله و يتوجّه له، و حين ترتفع الشدة يغفل. هذه الطريقة تسدّ الطريق عليكم و توقف مسيرتكم. في سورة يونس المباركة جرت الإشارة إلى هذا المعنى مرتين. و في واحدة من المرتين جاءت اللهجة لهجة عجيبة.. لهجة عتاب إلهي شديد علينا، إذ قال عزّ من قائل: «و إذا مسّ الإنسان الضرّ دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً» حين تصيب الإنسان شدة يتوجّه إلى الله فيدعوه و يتضرّع إليه سواء كان نائماً مضطجعاً أو و هو يمشي أو و هو قاعد.. «فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرّ مسّه».. حين ترتفع المشكلة يسير و يتحرك و كأنه لم يطلب منا شيئاً و لم نعطه شيئاً.. إنها الغفلة المحضة.. ثم يقول: «كذلك زيّن للمسرفين ما كانوا يعملون» (6).. اللهجة هنا لهجة حادة فيها توبيخ.

أيها الإخوة و الأخوات.. يجب طلب العون من الله تعالى في كل الأحوال. يجب مواصلة صلتنا القلبية بالله في حال الرخاء و الراحة و في حال المحنة و الكرب. هذا ما يضمن المسيرة التكاملية للإنسان و يحقق له سموّه و رفعته. و هذا ما يمكنه أن يأخذ بأيدينا إلى الهدف الأصلي من الخلقة. نعتقد أن هذا التوسل و التضرع يؤتي نتائجه و ثماره العملية في كل ميادين الحياة. إذا كان هذا التوجّه إلى الله فلن يكون هناك ركود و سكون و يأس و عودة إلى الوراء و توقف و مراوحة في ساحات الحياة المختلفة. و الصبر و التوكل من لوازم العمل و ضرورياته. إنكم مسؤولو البلاد في القطاعات و المجالات المختلفة، و ثمة الكثير من الأعمال و المهام ملقاة على عواتقكم. أعمالكم هي لحياتكم الدنيا و لحياتكم الآخرة في الوقت نفسه، بمعنى أنكم حينما تؤدّون واجباتكم تعمّرون دنياكم و حياتكم و تعمّرون في الوقت نفسه ذواتكم و بواطنكم و أنفسكم. هذا العمل – و هو عمل دنيوي و أخروي في الوقت نفسه – يحتاج إلى عنصرين: الصبر و التوكل. تقول الآية القرآنية الشريفة: «نعم أجر العاملين الذين صبروا و على ربهم يتوكلون» (7). الصبر معناه الإصرار و المقاومة و الصمود و عدم نسيان الهدف. يقول عزّ و جلّ: «إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين» (8). في ساحة المعركة و مواجهة العدو إذا صبرتم تستطيعون بنفس درجة صبركم الانتصار على العدو.

قلنا مراراً و تكراراً إن المعارك في الساحات العالمية المختلفة غالباً ما تكون حرب إرادات. أي طرف تضعف إرادته أسرع سوف ينهزم. معنى الصبر الحفاظ على هذه العزيمة و الإرادة. و معنى التوكّل هو إنجاز العمل و طلب النتيجة من الله. لا يظنن ظان – و بالطبع فإن هذا الظن غير موجود في الأجواء الدينية اليوم، لكنه كان في الماضي و كان هذا الوهم ينشر في الإعلام – أن التوكل يعني الجلوس و القعود و عدم العمل و عدم التحرك ليقوم الله بإمدادنا و إصلاح الأمور و حلّ العقد، لا، التوكل يعني أن تنجز أنت العمل و تطلب النتيجة من الله و تتوقعها منه. و عليه فإن العمل مأخوذ – على حد تعبير طلبة العلوم الدينية – في موضوع التوكل.

استخدام و فائدة الصبر و التوكل، فضلاً عن الأعمال الشخصية، مهم للغاية في شؤون إدارة البلدان. صبرنا و توكلنا لهما فائدتهما و فعلهما في شؤوننا الشخصية من قبيل أن يكون لنا صبرنا و توكلنا في التحصيل الدراسي، فنتقدم و نعمل على أساس الصبر و التوكل، و كذلك في المشاغل الإدارية، و في الرياضة، و في إدارة شؤون العائلة. في أي شأن من الشؤون الشخصية يفعل الصبر و التوكل فعلهما و يتركان تأثيرهما. و الحال على نفس الغرار بالنسبة لإدارة البلاد و الدولة – سواء الإدارة العامة الشاملة أو إدارة الأقسام و القطاعات المختلفة – إذ للصبر و التوكل دورهما الحاسم. من دون الصبر و التوكل لا يمكن للإنسان أداء الواجبات الملقاة على عاتقه لإدارة البلد. بنفاد الصبر و التسرّع و التبرّم و الكسل و اليأس عند مواجهة المشكلات – و هذه كلها حالات نقيضة للتوكل – لا يمكن أداء الأعمال الكبرى، و لا يمكن التقدم إلى الأمام و لا يتسنى حمل مسؤوليات تقدم البلاد الجسيمة الثقيلة.

على صعيد إدارة البلاد – و جميعكم تعملون في هذا المجال بشكل أو بآخر، و تتحملون مسؤوليات اقتصادية و تقنية و ثقافية و علمية و غير ذلك – إذا أردنا أن نستخدم الصبر و التوكل فيجب مراعاة عدة عناصر أساسية و أصلية:

العنصر الأول هو اختيار الاتجاه الصحيح. يجب أن نختار الاتجاه و المسار بنحو صحيح. هذه هي البوصلة و المؤشر الأصلي. إذا اخترنا الاتجاه بشكل خاطئ فإن جهودنا الدؤوبة المضاعفة لن تكون بلا نتيجة و حسب، بل و ستبعدنا عن الطريق الصحيح أكثر فأكثر. يقول الباري عزّ و جلّ: «قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا» (9). مساعيهم و جهودهم و أتعابهم صبّت في الاتجاه الخاطئ و في طريق الضلال. أي إنها لم توضع في الاتجاه الصحيح. يجب اختيار الجهة بصورة صائبة. إذا لم يتوفر هذا المؤشر فإن الجهود و المساعي سوف تبعدنا عن المقصد و الهدف. الاتجاه مهم جداً. و لقد شرحتُ في يوم الرابع عشر من خرداد لهذه السنة في ذكرى رحيل الإمام الخميني الجليل (رضوان الله تعالى عليه) في مرقده الطاهر، شرحتُ اتجاهات الثورة على أساس قراءة الإمام الخميني، و هذه القراءة و هي معتبرة و حجّة بالنسبة لنا. تحدثت بالتفصيل عن التوجّهات على صعيد السياسة الداخلية و على صعيد السياسة الخارجية و على الصعيد الثقافي و على الصعيد الاقتصادي. و هذه الإيضاحات موثقة بكلمات و نصوص الإمام الخميني الراحل (رضوان الله تعالى عليه). و لله الحمد فإن النخبة في إيران و الخبراء و المسؤولين و كل أبناء الشعب في جميع أنحاء البلاد يؤمنون اليوم بالإمام الخميني و يقبلونه و يعتبرونه الملاك و المعيار. و أحياناً تطرح تفسيرات خاطئة للإمام الخميني، أو تفسيرات خاطئة غير صحيحة للاتجاهات التي كان يرمي لها الإمام الخميني، و هذه حالة سيئة و خطيرة. من حسن الحظ أن بيّنات الإمام الخميني أمامنا و في متناول أيدينا: كلمات الإمام الخميني و كتاباته و آثاره أمام أنظارنا جميعاً. و قلنا في ذلك اليوم إن وصية الإمام الخميني و هي موجز و إجمال لتوجهاته متوفرة لدى الجميع. إذن التوجّهات مشخصة و معلومة. و ليست لدينا مشكلة في معرفة التوجّهات و لا نحتاج لأن نشخّص شيئاً. كان الإمام الخميني فقيهاً و حكيماً و واعياً و متعقلاً و ناضجاً و يتكلم بكلام مدروس و دقيق، و يفكر بشكل صحيح، و بهذا الفكر الصحيح أوجد الثورة و أسّس نظام الجمهورية الإسلامية هذا و أقامه و رسم خطوطاً واضحة مشرقة. و عليه، فإن أول عمل يقوم به كل مدير في أي قطاع أو مؤسسة هو أن يأخذ بنظر الاعتبار الاتجاه الصحيح.

العنصر الثاني هو استخدام كل الأدوات المتاحة. يجب إنزال كل الأدوات و الطاقات إلى ساحة العمل. يجب تحويل هذه الاتجاهات إلى سياسات عملية. السياسات العامة جزء من هذه السياسات العملية. و ميثاق الأفق العشريني جزء من هذه السياسات العملية، و السياسات التنفيذية للحكومة في القطاعات المختلفة جزء من هذه السياسات العملية. و البرامج و الخطط التي تصادق عليها الحكومات و مجلس الشورى الإسلامي و تعقد العزم لتنفيذها جزء من هذه السياسات العملية. يجب في هذه السياسات العملية تبيين تلك الأهداف و التوجّهات الكلية، لتكتسب دورها و تبرز.

و العنصر الثالث هو النظر للأولويات. الأعمال و المهام كثيرة، و في بعض الأحيان قد لا تكون هناك الطاقة و القدرة أو الأرصدة و المصادر المالية الكافية لتلبية كل تلك المتطلبات و الأعمال، لذلك ينبغي رسم الأولويات و أخذها بنظر الاعتبار. هذا هو ما نستطيع القيام به على صعيد الإدارة من أجل تحقيق الصبر و التوكل.

لنلق نظرة عامة للبلاد. من حسن الحظ أن البلاد تمرّ بفترة جيدة. و أقولها لكم: إن فترات نقل المسؤوليات بين الحكومات المتعاقبة من الفترات الجيدة في البلاد و في تاريخنا السياسي. تداول الحكومات و السلطات هذا من المنن الإلهية الكبرى علينا، و هي من الفرص الكبيرة التي توفرت لنا. تأتي أنفاس جديدة و إبداعات جديدة و أعمال جديدة و أذواق جديدة إلى الساحة – هذا ما رسمه الدستور و قرره – و هذه إحدى الفرص. و بالطبع إذا جرى العمل بطريقة أخرى فإن هذه الفرصة ستتبدل إلى تهديدات، و هذا ما يشاهده المرء في بعض البلدان حيث يتم تداول السلطة بالقوة و سفك الدماء و العنف، و ليس الأمر كذلك في بلادنا و الحمد لله. طبعاً ارتكبوا في سنة 88 خطأ كبيراً و ساقوا البلد إلى حافة مثل هذه الهاوية، و أرادوا لبلادنا مثل هذه المشكلة، لكن الله سبحانه و تعالى مدّ يد عونه و استطاع الشعب تجاوز هذه المشكلة. طوال هذه الأعوام المتعاقبة منذ بداية الثورة – باستثناء هذه الفترة القصيرة في سنة 88 – كان تداول السلطة و المسؤوليات في البلاد يتم دوماً بهدوء و طيب و فرح. هذه فرصة مهمة جداً.

و عليه، اليوم حيث يتم تداول السلطة و الحكومة تدخل إلى الساحة مجموعة جديدة و عناصر جديدة و أفكار جديدة و إبداعات و ابتكارات جديدة، و يجب أن يتقدموا بالبلاد إلى الأمام إن شاء الله على أساس ما تم إنجازه لحد الآن و يضيفوا على البناء المشيّد لحد الآن طوابق أخرى. هذه فرصة مهمة جداً و جيدة و هي بمثابة العيد لبلدنا. أي إن تداول السلطة هذا أمر مبارك حقاً. و لتنظر أية جماعة تتولى السلطة نظرة إيجابية للجماعة التي سبقتها. لقد سمعتم هذا التقرير المفصل للدكتور السيد أحمدي نجاد رئيس الجمهورية. تم إنجاز الكثير من المهام و الأعمال البارزة المهمة. و قد تأتي الحكومة اللاحقة فتضيف على حجم العمل هذا بنفس مقداره أو بمقدار ضعفين أو أكثر، فهل ثمة أفضل من هذا للبلاد؟ المهم هو استمرار التوجهات. و بخصوص استمرار التوجهات لديّ بعض النقاط أودّ تذكير المسؤولين و الشعب بها في فرص قادمة إن شاء الله، أما الآن فلا حاجة و لا ضرورة لذكر تلك النقاط.

الشيء الذي من اللازم و من الجيد التنبّه له في الوقت الحاضر هو إلقاء نظرة عامة لبلدنا و للظروف الكلية التي يمرّ بها. لا نريد الانشغال بالتفاصيل – فثمة الكثير من التفاصيل – و لنلق نظرة عامة لشؤون بلادنا العزيزة و نظام الجمهورية الإسلامية لنرى أين نحن و ما نحن. لقد سجّلت هنا جملة من العناصر – ستة أو سبعة عناصر – و هي كلها حقائق و واقعيات:

الحقيقة الأولى هي أن بلدنا بلد له جغرافيا مهمة. موقعنا الجغرافي من المواقع الجغرافية الجيدة في العالم. لو قسمنا بلدان العالم إلى عدة درجات من حيث الموقع الجغرافي فمن المتيقن منه أن إيران ستكون في الدرجات العليا أو في أعلى الدرجات. و هذه ميزة هي ميزة الموقع الجغرافي، و هو ما نمتلكه و قد منّ الله به علينا.

الحقيقة الثانية هي تاريخنا و جذورنا الحضارية. جذورنا الحضارية القديمة و تاريخنا تاريخ زاخر بالمفاخر و الأمجاد، خصوصاً من الحقبة الإسلامية فصاعداً. قبل الإسلام أيضاً كانت هناك في تاريخ بلادنا نقاط متميزة، لكن هذه النقاط الممتازة ازدادت بعد الإسلام مرات و مرات، من حيث العلم و من حيث الصناعة و من حيث القضايا الثقافية و من حيث المفاخر السياسية على اختلاف أنواعها، و من حيث التنمية في البلاد، سواء التنمية الكيفية أو التنمية الكمية. هذا هو تاريخنا. تراثنا العلمي في شتى مجالات العلوم البشرية و العلوم الإلهية تراث نادر النظير. الحق أنه قل ما يوجد بلد في مناطق آسيا و الحضارات القديمة – في الهند و الصين و مصر و ما إلى ذلك – كانت فيه الحال على هذا النحو. أما المناطق الغربية فليست لها سوابق و ماض تاريخي يذكر. و بالتالي فنحن من حيث التحضر من الحضارات البارزة المتفوقة. هذه أيضاً حقيقة من الحقائق.

الحقيقة الثالثة هي الثروات الطبيعية و الإنسانية الملحوظة. قبل أكثر من عشرين سنة كان يقال إن الاحتياطي النفطي للبلاد سينفد و ينتهي في التاريخ الفلاني – و يحددون مقطعاً زمنياً – ، لكن الاكتشافات التي جرت في مجال احتياطيات النفط و الغاز زادت من هذه المدة إلى نحو أربعة أو خمسة أضعاف. و بلادنا غنية أيضاً على صعيد المعادن و الفلزات و في مجال الطاقة و في الاحتياطيات المختلفة التي يحتاجها أي بلد من البلدان لإدارة نفسه.. إننا في هذا المجال بلد استثنائي.

و كذا الحال بالنسبة للمصادر الإنسانية و البشرية. قلنا مراراً – كنا نقول ذلك في البداية عن حدس و ظن لكن الإحصائيات و الأرقام الدولية أيّدت ذلك في ما بعد – بأننا من حيث مرتبة المواهب البشرية في المواقع و الدرجات العليا، أي إننا أعلى من متوسط المجتمعات البشرية في العالم. مواهب البلاد و مواهب شبابنا استثنائية و ممتازة، و أنتم تلاحظون هذا بالتالي. ربما ذكرت هذا مراراً و تكراراً، حسب المعلومات المتوفرة لديّ و التقارير التي تصلني و المشاهدات الموجودة و المتاحة، لا يوجد أي جزء من أجزاء العلوم و التقنيات تتوفر بناه التحتية في البلاد، و لا يستطيع شبابنا و علماؤنا إنجاز أعمال كبيرة في ذلك الجزء. إذا كانوا غير قادرين على شيء فلأن البنى التحتية لذلك الشيء غير متوفرة. و طبعاً يجب أن يوفروا هذه البنى التحتية و هم يعملون على توفيرها و إيجادها. هذه ثروة طبيعية هي الثروة الإنسانية في بلادنا.�

و ثمة حقيقة أخرى يجب أن تلاحظ إلى جانب هذه الحقائق، و هي إننا طوال القرنين أو الثلاثة الماضية تلقينا ضربات قوية من قبل الاستبداد الداخلي و الدكتاتوريات الداخلية في بلادنا، و أيضاً من قبل الهجمات الخارجية. إنها لحقيقة بأننا تلقينا ضربات. يعود تاريخ دخول و تدخل الدول الأجنبية في بلادنا إلى سنة 1800 م، إي إلى مائتين و إثني عشر عاماً مضت حيث حصل أول تدخل أجنبي عن طريق الحكم البريطاني في الهند. جاء جان ملكم الإنجليزي إلى إيران – و المطلعون على الأمر يعلمون تاريخ هذا الحدث – و حصل ما حصل من تبعات. و أدى ضعف تلك الحكومات في مواجهة النفوذ و الهجمات التي شنتها الثقافة الغربية و السياسة الغربية و الحكومات الغربية إلى انفعال البلد، و شيئاً فشيئاً سرنا نحو الضعف و لحقت بنا هزائم. هذه أيضاً حقيقة. إننا في تقديرنا لقضايا البلاد و معرفة الوضع الراهن لا يمكننا تجاهل تلك الحقبة. لقد وجّهوا لنا ضربات شديدة و قوية، و كان لهم نفوذهم السياسي و نفوذهم الثقافي، مضافاً إلى أنهم نهبوا مصادرنا.

للأسف لم تحصل أعمال صحيحة في هذا المجال لحد الآن. على باحثينا و مؤرخينا أن ينجزوا في هذا المجال أعمالاً تفصيلية عميقة بشأن نهب المصادر الاقتصادية للبلاد من قبل البلدان الأجنبية المتنفذة التي تدخلت في إيران، مثل بريطانيا في فترة معينة و روسيا في فترة أخرى و آخرون كانوا إلى جانب هؤلاء – و هؤلاء هم الأساسيون طبعاً – ثم جاءت أمريكا في نهاية المطاف لتمارس نفس هذا الدور.. نهب الثروات، و الهيمنة السياسية، و إهانة الشعب. ما سمعتموه على ألسنة الساسة التابعين للسياسات الغربية و الأجهزة الاستبدادية من إهانات لإيران و الإيرانيين و إنكم غير قادرين و ما إلى ذلك، ناجم كله عن تلك الهيمنة الثقافية الغربية و السيطرة السياسية للغرب على بلادنا. هذه من الحقائق و الواقعيات.

الحقيقة الخامسة هي الصحوة الوطنية في ثلاث فترات متعاقبة. كان لنا صحوة وطنية عامة في ثلاث فترات. الفترة الأولى هي فترة الثورة الدستورية. و الفترة أو المحطة الثانية هي النهضة الوطنية – آية الله كاشاني و الدكتور مصدق – و الفترة الثالثة هي الثورة الإسلامية. و قد هزم الشعب الإيراني في الفترتين الأوليين. كانت النهضة الدستورية نهضة مهمة لكنها هزمت و فشلت. و ثاروا في النهضة الوطنية لكنهم أخفقوا. أما ما هي أسباب هذه الهزيمة فهذا ما يشكل بحوثاً و نقاشات طويلة، و قد كان لكل حالة أسبابها. أما الفترة أو المحطة الثالثة فهي الثورة الإسلامية. هذه هي الحركات الوطنية. و طبعاً كانت هناك حركات و أعمال و نهضات غير عامة – مثل نهضة التنباك و ما شاكل – لكنها لم تكن تحركات وطنية لأجل تغيير و تحوّل جذري في البلاد، إنما كانت لأجل قضايا خاصة معينة. ما يمكن أن يوصف بأنه تحرك وطني و عمل كبير هو هذه المحطات الثلاث. هزمت تلك النهضتان، لكن نهضة الثورة الإسلامية كانت حالة ممتازة فرضت الهزيمة و الركوع على الغرب و المعارضين، و قد كان ذلك بفضل شخص الإمام الخميني و شخصيته و بفضل الأحكام و القوانين التي اعتمد عليها إمامنا الخميني الجليل (رضوان الله تعالى عليه)، و أوجد الجمهورية الإسلامية على أساسها، و رسم خطوطها الواضحة. هذه حقيقة. و عليه، فمقابل تلك الهزيمتين التين كانت لنا في السابق مقابل الهجمات الغربية، كانت لنا هذه المواجهة الناجحة المنتصرة حيال الغرب. و هذه أيضاً بدورها حقيقة.

الحقيقة السادسة هي تجربة التقدم على شتى الصعد. يقول البعض في خصوص القضايا السياسية – سواء السياسة الخارجية أو السياسة الداخلية أو الاقتصاد أو غير ذلك – إنه يجب أن نكون واقعيين. طيّب.. هذا هو الواقع. يجب النظر لهذا الواقع. من أهم الواقعيات و الحقائق تقدم بلدنا إلى الأمام. لقد تغيّر بلد إيران منذ انتصار الثورة – أي في سنة 1357 – و إلى اليوم بمقدار لا نرى له نظيراً في البلدان الأخرى خلال مثل هذه الفترة، أي إنني لا أعلم نظيراً لهذه السرعة في التقدم. البلدان المتحضرة و الصناعية و العلمية المتقدمة كانت مسافة مسيرتهم حتى الوصول إلى الموضع الذي وصلناه إليه اليوم أطول. في حدود علمي يلوح لي أن هذا القدر من التقدم نادر أو منقطع النظير في العالم. لقد تقدمنا في المجالات العلمية – و قد أشار السيد رئيس الجمهورية اليوم لجوانب من هذا التقدم، و طبعاً فإن تقدمنا العلمي أكثر بكثير من هذا، و نحن لا نقولها باعتبارنا مسؤولين داخليين، لا، بل هي تقييمات المراكز العلمية في العالم – و تقدمنا على الصعيد السياسي أيضاً. على المستوى السياسي الداخلي فإن نموذج الديمقراطية الدينية الجديد الذي عرضناه على العالم، و هذه الانتخابات، و هذا التداول للسلطة التنفيذية و السلطة التشريعية في البلاد من أكبر النجاحات. الديمقراطية الدينية ديمقراطية سليمة نزيهة من دون الممارسات و الأساليب و المخادعات الدارجة في العالم. إنني آسف لأن كثيراً من شبابنا غير مطلعين على الأساليب التي يستخدمونها في العالم و في أمريكا و الغرب و أوربا في مواسم الانتخابات و لها ظواهر ديمقراطية لكنها في باطنها غير ديمقراطية. صدرت كتب جيدة في هذا المجال، و قد كتبها الغربيون أنفسهم، فليقرؤها و ليطلعوا عليها.. كيفية انتخاب عمدة أو حاكم في ولاية من ولايات أمريكا، ثم انتخابه سناتوراً، ثم انتخابه رئيساً للجمهورية.. و طريقة دفع الأفراد إلى هذه الساحات و ما هي الأساليب المستخدمة لذلك. ثم لهم أن يقارنوا ذلك بوضعنا هنا حيث يأتي شخص فيقف أمام الناس و يتحدث لهم و قد لا تكون له أحياناً أية سوابق تنفيذية فيستقطب الناس و تنطلق موجة و يهبّ الناس لصناديق الاقتراع ليدلوا بأصواتهم و ينتخبوا بهذه النسب المئوية العالية. هذا نموذج جديد من الديمقراطية، و هو تعبير عن تقدم سياسي في بلادنا.

و كذا الحال في السياسة الخارجية. للجمهورية الإسلامية اليوم دور لا يقبل الإنكار في شتى قضايا المنطقة الأساسية. و هذا ما لا ينكره أحد. هناك التأثير في قضايا منطقتنا و هناك أيضاً التأثير في القضايا العالمية. إذن هناك تقدم في السياسة الداخلية و هناك عرض لنموذج ديمقراطي جديد، و هناك قوة الانتخابات الوطنية، و هناك التأثير في السياسة الخارجية. هذه التأثيرات حقيقة واقعة.

و هناك أيضاً التقدم و التنمية في البناء. حجم العمل و الإنجازات الذي تم خلال هذه الأعوام الثلاثين على صعيد البناء مذهل حقاً. قبل الثورة كنا نذهب للمدن المختلفة و للقرى و للمناطق الفقيرة و المحرومة و نشاهد الوضع، و نعلم كيف كانوا يعملون في ذلك الحين. حين كانت تحدث زلازل – و قد شكلتُ بنفسي في عدة زالزل كبيرة فرق إمداد و إغاثة و عملنا هناك – شاهدنا كيف كانوا يعملون و يتحركون. و الآن في الوقت الراهن لاحظوا أنه حين يقع زلزال في منطقة معينة من البلاد أو تحدث كارثة طبيعية و يتعرض الناس للمشاكل، لاحظوا بأية سرعة تصلهم الإغاثات و الإمدادات. هذا شيء لا يصدق، لكنه حقيقة واقعة.

و كذا الحال على الصعيد الثقافي. لقد أحدثنا تحولاً ثقافياً بمقدار مائة و ثمانين درجة بالنسبة إلى ما كان عليه الوضع قبل الثورة و في عهد الطاغوت. و ليس الكلام هنا عن التفاصيل و الجزئيات، بيد أن نظرة كلية للأمور تدل على تحول بمقدار مائة و ثمانين درجة. طبعاً إذا عملنا بصورة أفضل و ضاعفنا من خبراتنا و أبدينا مزيداً من الجد سنحقق نجاحات على مستوى التفاصيل و الجزئيات أيضاً.

المستقبل الواعد المشرق هو الآخر حقيقة من حقائق البلد. هذا الجيل الشاب شيء على جانب كبير من الأهمية و القيمة. ذكرت في شهر رمضان من العام الماضي هنا شيئاً و تمت متابعته بعض الشيء، و لكن ليس بصورة كاملة طبعاً. قضية تحديد النسل عملية خطيرة بالنسبة لبلدنا. هذا ما أقوله لكم و أؤكد عليه. تحديد النسل خطر كبير على بلادنا. لقد سرنا في منطقة الخطر مسافات بعيدة و يجب أن نعود. و كان بوسعنا الحؤول دون ذلك لكننا لم نفعل. ما درسه الخبراء و المتخصصون بنظرة علمية و بدقة علمية يصل بنا إلى نتيجة فحواها أنه وفق هذا السياق سيواجه البلد في المستقبل مشكلات عديدة، و سيصاب بالشيخوخة العامة. تحديد النسل هذا شيء سيئ. طبعاً سمعت أن هناك في مجلس الشورى الإسلامي مشروع يدرسونه و يناقشونه، و لكن حسب ما نقل لنا فإن ذلك المشروع لن يفي بالغرض. المقدار المرصود في ذلك المشروع لا يلبّي الحاجة. على المسؤولين و المهتمين و المعارفين بمقتضيات هذه القضية في مجلس الشورى أن يتفطنوا جيداً و يعملوا بصورة صحيحة.

الحقيقة الثامنة هي أن البلد يواجه جبهة معاندة من الأعداء. مثل الكثير من الأشياء الأخرى و الميادين الأخرى التي نتفرّد بها في العالم، نتفرّد في هذا الشيء أيضاً على مستوى العالم! لا نعرف بلداً توجد أمامه جبهة معارضة معاندة بهذا الطول و العرض، لكنها موجودة قائمة أمامنا. هناك جبهة الرجعية و هناك جبهة الاستكبار و هناك بعض زعماء البلدان الغربية، و بعض الضعفاء من المسؤولين في حكومات المنطقة. ثمة على كل حال جبهة مقابلنا. و طبعاً هناك لهذا الشيء أسبابه المعلومة و التي تقبل الإيضاح و التحليل – و ليس هذا موضع تحليلها و إيضاحها – لكن واقع الأمر هو وجود مثل هذه الجبهة. إننا في مواجهتنا لهذه الجبهة يجب أن نتخذ قرارنا بالاستناد إلى تلك الواقعيات و الحقائق و ننظر لتلك الأهداف الكلية. على كل مسؤول في أي قطاع أن يعلم كيف هو طريق المستقبل في مثل هذه الظروف. يجب أن يستطيع تشخيص هذا الأمر. نعتقد أن هذه الحقائق ترسم لنا طريق المستقبل و تدلنا عليه. الابتكارات و الإبداعات التي يجترحها المدراء و المسؤولون في الحكومة و قطاعاتها المختلفة تعدّ فرصاً للبلاد و نعماً إلهية. العقد الذي نحن فيه – و هو العقد الرابع للثورة الإسلامية – يمكنه أن يكون عقد التقدم و العدالة بالمعنى الحقيقي للكلمة. هذه الواقعيات و الحقائق التي نشاهدها تملي كلها علينا بأننا نستطيع جعل هذا العقد عقد تقدم و عدالة بالمعنى الحقيقي للكلمة.

في التقدم نحو الأهداف المنشودة يجب تعزيز البنية الداخلية للاقتدار. هذا هو أساس القضية. إذا أردنا أن نواصل هذا الطريق و نسير بهذا الاتجاه و نتابع هذه الأهداف و نجعل هذه المثل و المبادئ نصب أعيننا و نتقدم إلى الأمام و نقف بوجه هذه المعارضات و نتحلى بالصبر و التوكل، فيجب أن نعزّز و نمتّن بنية القوة الوطنية في داخل البلاد. و عناصر هذا التعزيز بعضها عناصر دائمية و بعضها عناصر فصلية. من العناصر الدائمية العزيمة الراسخة. و قد ذكرنا أن على المسؤولين الحفاظ على تصميمهم في مواجهة المشكلات و الحفاظ على عزيمتهم الراسخة، و أن لا يتزلزلوا. السير نحو المبادئ يحتاج إلى هذه العزيمة الراسخة. يجب أن لا يتزلزلوا بمشاهدة تقطيب الأعداء و غضبهم و تحركاتهم المعارضة بمختلف أشكالها الإعلامية و السياسية و الاقتصادية و ما إلى ذلك. العزيمة الراسخة للمسؤولين أمر ضروري و كذلك العزيمة الراسخة لأبناء الشعب. و بالطبع فإن هذه الثانية – أي العزيمة الراسخة للشعب – لها لوازمها المعلومة. إذا أردنا الحفاظ على العزيمة الراسخة لدى الشعب فعلينا القيام بسلسلة من الواجبات.

أما العناصر الفصلية – الأشياء التي تكتسب الأولوية للبلاد في الوقت الحاضر – فهي برأيي قضية الاقتصاد و قضية العلم. على مسؤولي البلاد و المخططين لسياسات البلاد و الذين يتولون إدارة الشؤون الأساسية للبلاد أن يتنبهوا لهاتين النقطتين الأصليتين. يجب التشديد على القضايا الاقتصادية في البلاد، كما ينبغي التأكيد و التركيز على قضية التطور العلمي في البلاد. و الاهتمام بالاقتصاد يتخذ لحسن الحظ طابعاً عاماً، فالكلّ مهتمون بالاقتصاد. و الملحمة الاقتصادية جزء من شعار هذا العام. نتمنى كما تحققت الملحمة السياسية، أن تتحقق الملحمة الاقتصادية أيضاً بهمم المسؤولين. طبعاً ليست العمليات الاقتصادية عمليات قصيرة الأمد، فهي ليست أعمال و مشاريع شهر و شهرين و سنة، و لكن يجب البدء بالحركة. و أريد التشديد على قضية العلم و التطور العلمي. لقد كانت مسيرتنا العلمية طوال هذه الأعوام العشرة جيدة جداً، فقد كان التطور العلمي و سرعة هذه التطور جيدة جداً، و لكن يجب أن لا تقل سرعة هذه التطور العلمي. إذا أردنا الوصول إلى ذلك المستوى المنشود و فتح الخطوط الأمامية المتقدمة للعلم في العالم، فيجب الحفاظ على سرعة التقدم العلمي عندنا.

النقطة الثانية التي يمكن الإشارة لها في هذا الصدد هي قضية التعاطي و التواصل مع العالم، و التي كثيراً ما تطرح هذه الأيام. إننا نؤمن بالتعاطي و التواصل مع العالم. في التعامل مع العالم يجب معرفة الطرف المقابل، و إذا لم نعرفه فسوف نخسر. يجب أن لا ننسى ملفات خصومنا. قد لا يعلن المرء أحياناً عن بعض سوابق الطرف المقابل صراحة و لا يذكرها له، لا إشكال في ذلك. أحياناً تتعاملون مع طرف و تريدون إنجاز عمل ما، و تعلمون عنه بعض السوابق، فلا ترون من المصلحة أن تذكروا له هذه السوابق، لا إشكال في هذا، و لكن يجب أن لا تنسوا هذه السوابق، فإذا نسيتموها سوف تخسرون و تنخدعون و تتلقون الضربات.

يقول الأمريكان إننا نريد التفاوض مع إيران. إنهم يقولون هذا منذ سنوات، و هذه ليست فرصة يوجدونها لنا. و قد قلت في بداية السنة إنني لست متفائلاً بمثل هذه المفاوضات. و لا أمنع التفاوض في قضايا خاصة – كالقضية الخاصة التي كانت لنا في العراق و بعض القضايا الأخرى – لكنني لست متفائلاً، لأن تجاربي تدلني على هذا. الأمريكان لا يمكن الوثوق بهم و هم غير منطقيين و غير صادقين في تعاملهم. و الأشهر الأربعة التي مضت على كلمتنا تلك عضّدت تلك الكلمة و أيّدتها و أبرزت مواقف المسؤولين و الساسة الأمريكان بشكل يؤيد هذه الفكرة التي ذكرناها و هي أننا غير متفائلين بالتفاوض. هم أنفسهم أيدوا قولنا بمواقفهم. و الإنجليز بشكل آخر، و الآخرون بأشكال شتى. لا إشكال في التعاطي مع العالم، و قد كنا منذ البداية من أهل التواصل و التعاطي مع العالم، و لكن يجب معرفة الطرف المقابل عند التعامل، و يجب التدقيق في أساليبه. يجب أخذ أهدافه الأساسية و الكلية بعين الاعتبار. قد يصدكم عدو عن مواصلة طريقكم و يقول ممنوع عليكم التقدم أكثر من هذا. ليس التفاهم معه أن توافقوا كلامه و تعودوا من حيث أتيتم، إنما الميزة و الفن في أن تفعلوا ما من شأنه أن تواصلوا طريقكم من دون أن يمنعكم، و إلّا إذا كان الاتفاق و التفاهم بمعنى أن يقول لكم عودوا عن هذا الطريق و توافقون على ذلك و تعودون، فهذه خسارة. ينبغي التفطن لهذه الجوانب و الأمور من قبل المسؤولين و المدراء في الدولة.

طبعاً قضايا المنطقة بدورها قضايا مهمة تحتل مساحات من أذهاننا و اهتماماتنا، و لكن لم يعد ثمة وقت أو مجال.

أيها الإخوة و الأخوات، لقد تحمّلتم و استمعتم، نتمنى أن يشملكم الله تعالى جميعاً بفضله. اللهم، منّ علينا في هذا الشهر بتوفيق التضرّع إليك. اللهم أنقذنا من الجحيم التي نصنعها لأنفسنا بأنفسنا. اللهم اهدنا إلى عمل الخير و الأعمال الصالحة. ربنا نقسم عليك بمحمد و آل محمد، اشمل المسؤولين الذين عملوا لحد الآن و المسؤولين الذين سيبدأون العمل قريباً، اشملهم كلهم بلطفك و عنايتك. الذين بذلوا الجهود لهذا البلد و لهذا الشعب تقبل أعمالهم و جهودهم. اللهم وفق الذين يعتزمون العمل لهذا البلد و يريدون بذل الجهود و تقديم الخدمة للشعب، و اهدهم إلى الصراط المستقيم الذي ترضاه. أرض عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر. و أرض عنا الروح الطاهرة للإمام الخميني الجليل و أرواح الشهداء الطيبة.

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 – سورة النصر، الآيات 1 – 3 .
2 – مصباح المتهجّد، ج 2 ، ص 610 .
3 – من أبيات جلال الدين المولوي الرومي.
4 – سورة الأعراف، الآية 205 .
5 – سورة العنكبوت، الآية 65 .
6 – سورة يونس، الآية 12 .
7 – سورة العنكبوت، الآيتان 58 و 59 .
8 – سورة الأنفال، الآية 65 .
9 – سورة الكهف، الآيتان 103 و 104 .�