بسم الله الرحمن الرحيم (1)
كما هو المألوف دوماً فإن اللقاء بكم أيها الشباب الأعزاء طيّب و مُلهم جداً بالنسبة لي، و باعث في الغالب على خطوات عملية في السياسات و الخطط و البرامج. و الأشياء التي ذكرها الأعزاء في كلماتهم كانت في الغالب ذات مغزى و جديرة بالملاحظة و التنبّه. لم أسجّل اليوم شيئاً، لأنني كنت اعتزم أن آخذ الكلمات المكتوبة كلها. و سوف يجمعون في مكتبنا - و الأعزاء يسمعون مني الآن ما أقوله - المقترحات و يفرزونها، فبعضها ضروري و لازم لنا و يجب أن نتفطن له، و سوف يجري التفطن له إن شاء الله، و بعضها مما يجب التذكير به للمؤسسات و الأجهزة المختلفة أو تبليغه لها أو اقتراحه عليها. و ذكر الأعزاء بعض النقاط تحتاج إلى إيضاحات، أي أن المراد لم يتضح بالنسبة لي. أشار أحد الأعزاء مثلاً إلى ضرورة إعداد خارطة للعلم (2)، و لم أفهم هل المقصود شيء غير الخارطة العلمية الشاملة التي جرى العمل فيها لفترات طويلة و تم إعدادها كوثيقة و تبليغها؟ و إذا كان المراد شيء آخر غير هذه الخارطة فيجب إيضاحه. قد يكون من اللازم للأعزاء أن يوضّحوا بعض النقاط، و قد تطرح عليهم الأسئلة من مكتبنا و يستطيعون الإدلاء بإجاباتهم و إيضاحاتهم.
أنتم أيها النخبة الأعزاء سواء منكم الحاضرون هنا أو النخبة الكثار الموجودون و الحمد لله في كل أنحاء البلاد، و الذين لم يحضروا لهذه الجلسة لأسباب متعددة، في أي حقل علمي تدرسون و تعملون و تبحثون - سواء العلوم الإنسانية أو العلوم التقنية أو العلوم الأساسية أو العلوم الطبية و العلوم ذات الصلة بالصحة و السلامة، و في أي مجال و حقل آخر تنشطون - كلكم في الواقع مهندسو التقدم المستقبلي للبلاد. أنتم الذين تخططون و تصممون مستقبل بلادكم و مستقبل إيرانكم العزيزة، و إذا تابعتم هذه المهمة إن شاء الله بعزيمة راسخة و همّة عالية و عمل دؤوب فسوف تصلون إلى النتائج و ستصنعون إيران المستقبل. النقطة التي أروم ذكرها لكم هي أن تعلموا أن سياسة «التقدم العلمي بسرعة عالية» سياسة أساسية للنظام الإسلامي. لقد توصّلت مجموعة العقول المفكّرة في البلاد إلى نتيجة أن اجتياز الصعاب و المخاطر و المزالق في إيران الإسلامية إذا كان بحاجة إلى بعض الأركان و المقدمات فإن أحد هذه الأركان هو التقدم العلمي. هذه سياسة أساسية تُتابع منذ نحو عشرة أعوام أو إثني عشر عاماً. و قد عملت الحكومات المختلفة و المسؤولون و العناصر المعنيّة و الشباب و النخبة أنفسهم في هذا المضمار و بذلوا الجهود، و الحمد لله حين يشاهد المرء حصيلة العمل في الوقت الراهن ينبعث في نفسه الأمل و التفاؤل. لقد قلت لكم أيها الشباب مراراً و قلتها للمسؤولين أيضاً و أقولها لكم اليوم أيضاً: لا ريب أن الطاقات الشابة في بلادنا و القدرات الإنسانية في إيران و النخبة الإيرانيين قادرون على إيصال بلادهم و شعبهم إلى قمم التقدم الشاملة. هذه المقدرة و الطاقة و الإمكانية موجودة فيكم. كنا نقول هذا في السابق على أساس أقوال الآخرين و حسب تجاربهم، لكنه تحول تدريجياً إلى تجربة عشناها نحن بأنفسنا. و قد قلت مراراً: أي عمل علمي و تقني تتوفر في البلاد اليوم بناه التحتية يمكن للإيرانيين و الشباب الإيراني و النخبة الإيرانيين تنفيذه و إنجازه، و لا يوجد شيء يمكن القول إن المواهب الإيرانية و النخبة الإيرانيون غير قادرين على إنتاجه و صناعته، إلّا إذا كانت بناه التحتية غير متوفرة في البلاد، و هنا يجب طبعاً توفير هذه البنى التحتية و إيجادها. هذا هو وضع المواهب في بلادنا و مستواها. و تقدم البلاد الحقيقي غير متاح من دون التقدم العلمي. و هذا هو السبب في تأكيدنا على أن هذا هو الخطاب الأصلي و السياسة الأصلية في إيران. التقدم الحقيقي لن يتحقق من دون تقدم العلوم.
بعض البلدان قد تنقل منتجاتها الجوفية و نفطها إلى أصحاب الثروة و العلم في العالم و يشترون بضائعهم و منتجاتهم فتتوفر لديهم ظواهر التقدم، لكن هذا ليس تقدماً. التقدم لا يكون تقدماً إلّا إذا كان ذاتياً و معتمداً على المواهب الداخلية للشعب. و وزن البلدان و الحكومات و الشعوب و اعتبارها تابع لهذا التدفق الداخلي. إذا حصلت تحركات و قفزات و تنمية من الداخل فهذا ما يمنح الوزن و الاعتبار و الأبّهة و القيمة لبلد أو لشعب. أما إذا لم يكن التقدم ذاتياً بل كان مستورداً و من فعل الآخرين فلن يتحقق الاعتبار و القيمة. في زمن النظام الطاغوتي كان الأجانب و الغربيون مستعدون للقيام ببعض الأعمال المتعلقة بالتقنية النووية في إيران، و كانوا مستعدين لإبرام عقود و اتفاقيات. مثلاً محطة بوشهر التي حصلنا عليها بعد كل هذه الأعوام من الجهود كان المقرر أن ينشئها الألمان - و قد استلموا الأموال و ابتلعوها و لم يتحملوا مسؤولية ذلك بعد الثورة - و لنفترض أن البلد الغربي الفلاني كان يريد أن يأتي إلى إيران و ينشئ محطة طاقة نووية و يديرها و ننتفع نحن من الكهرباء الذي تنتجه هذه المحطة. هذا لا يعدّ وزناً و اعتباراً للشعب. الاعتبار و القيمة تحصل للبلاد عندما تبدي عن نفسها قدرات معينة. إذا تحققت هذه القدرات فيكم عندئذ تستطيعون في ظروف متكافئة الانتفاع من قدرات الآخرين، كما سينتفعون هم أيضاً من قدراتكم. و صدق أحد الأعزاء (3) إذ قال إن أي بلد من البلدان لا يستطيع لوحده توفير كافة الجوانب و المستويات اللازمة من العلوم و التقنيات، و عليه أن يأخذ بعض الأشياء من الآخرين، لكن هذا الأخذ من الآخرين لا يكون على شك مدّ الأيدي للآخرين، إنما على شكل معاملات متكافئة و متوازية، تعطون علماً و تأخذون علماً، و تعطون تقنية و تأخذون تقنية، و تبقون محترمين في العالم. هذه حالة ضرورية و لازمة.
و أقولها لكم أيها الشباب الأعزاء، و أنتم من أبناء الثورة و أبناء النظام الإسلامي: إن الجبهة التي تصطف اليوم مقابل إيران الإسلامية و تمارس عداءها ضد إيران إنما تركّز هجامتها على هذه النقطة، أعني اقتدار إيران و تحولها إلى قدرة. إنهم لا يريدون حصول هذا الشيء. يجب أن تنظروا هذه النظرة العامة دوماً لجميع الأحداث و القضايا السياسية و الاقتصادية و الدولية و الإقليمية المتنوعة ذات الصلة ببلادكم، و لا تنسوها. ثمة في العالم اليوم جبهة سياسية قوية لا تريد أن تتحوّل إيران الإسلامية إلى بلد مقتدر و شعب قوي، و قد كانوا على هذه الشاكلة منذ بداية الثورة. و أنقل لكم أنه في سنة 57 حين قامت الثورة الإسلامية و أحدثت تلك الضجة الهائلة في العالم، كتب بعض النخبة السياسيين الكبار في الغرب - مثل كيسنجر، و هانتينغتون، و جوزيف ناي، و أمثالهم من الوجوه البارزة للنخبة السياسية في أمريكا و أوربا - كتبوا مقالات في بداية الثورة و على مدى فترة من الزمن، كان مضمونها تحذيرات للأجهزة السياسية الغربية و النظام السياسي الغربي و الحكومات الغربية من أن هذه الثورة التي وقعت في إيران لا تعني تغيير هيئة حاكمة و حلول هيئة حاكمة محل أخرى، إنما تعني ظهور قوة جديدة في المنطقة التي يسمّونها الشرق الأوسط - و أنا لا أحبّ هذه التسمية أبداً - و التي نسمّيها منطقة غرب آسيا. ثمة قوة جديدة آخذة بالظهور قد لا تضاهي القوى الغربية من حيث التقنية و العلم، لكنها تفوقهم أو هي في مستواهم من حيث النفوذ السياسي و المقدرة على التأثير في الأجواء المحيطة بها، و ستخلق لهم التحديات. هذا ما أعلنوه في يومها و قرعوا أجراس الخطر.
و هذا يعني أن ظهور مثل هذه القوة - من وجهة نظرهم - معناه انتهاء نفوذ الغرب في هذه المنطقة الحساسة و الغنية و الاستراتيجية جداً، و هذا القطب الموصل بين ثلاث قارات، و قطب النفط و الثروة و المعادن المهمة التي يحتاجها البشر، و التي كان الغرب مصرّاً على بقاء هيمنته فيها - هيمنته السياسية و الاقتصادية، و هيمنته الثقافية طبعاً - أو تزلزل هذه الهيمنة على الأقل و انتقاصها. هذا ما خمّنوه في ذلك اليوم و كان تخمينهم صحيحاً بالطبع. و اليوم بعد مضي أكثر من ثلاثة عقود تحوّل ذلك الكابوس الذي رأوه إلى واقع، بمعنى أن قوة وطنية كبيرة في المنطقة ظهرت و لم تستطيع شتى صنوف الضغط الاقتصادية و الأمنية و السياسية و النفسية و الإعلامية أن تسقطها، بل على العكس، استطاعت التأثير على شعوب المنطقة و تكريس الثقافة الإسلامية العامة و نشرها، و إشعار شعوب المنطقة بهويتهم.
هذه الأحداث التي وقعت في المنطقة منذ نحو سنتين أحداث مهمة جداً، و ترون ما هي ردود أفعال الغربيين اتجاهها. أحداث مصر و أحداث منطقة شمال أفريقيا و أحداث هذا الجانب، تمثل تطورات مهمة جداً. صحوة الشعوب و هي خالية الأيدي، و وقوفها بوجه الإهانات التي فرضها الغرب و خصوصاً أمريكا عليها عن طريق عملائهم، حدث كبير جداً، و هو بالطبع حدث لم ينته بعد، و هم يتصورون أنهم قمعوه و كبتوه، لكننا نعتقد أنه لم يقمع، و قد كان منعطفاً تاريخياً تجتازه المنطقة في الوقت الحاضر، و لم يتحدد مصيره على نحو نهائي لحد الآن. و هذا ما يعلمه الغربيون أنفسهم، و هو ما يظهر بشكل أو بآخر في تحليلاتهم، فهم لا زالوا قلقين و لا يدرون ما الذي يحدث في المنطقة. و هذا بفضل نهضة شعب إيران و تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و بفضل الثورة الإسلامية التي بشّرت بظهور قوة وطنية عميقة مؤمنة صامدة موهوبة متنامية، و سائرة نحو المقدرة.
طيّب، و اليوم منحتم - أنتم مجموعة النخب في كل أرجاء البلاد، في أي حقل كنتم من حقول العلم و التقنية و البحث العلمي، و الواقع أن عدداً كبيراً من الأفراد يشكّلون هذه المنظومة الهائلة التي تنهض بهذه الرسالة التاريخية - أكتافكم، أنتم أيضاً، لأعباء مثل هذا الحدث العظيم. المهم أن لا تتوقف مسيرتكم و لا تصاب بالرتابة و السكون في وسط الطريق. و هكذا هو الحال في كل الحركات الاجتماعية و السياسية و العسكرية المهمة، فحينما تنطلق الحركة و يبدأ عمل كبير عظيم طويل الأمد يجب عدم السماح بأن يتوقف. و هذا ما شاهدناه عياناً في فترة الدفاع المقدس و في ساحات الحرب و الاشتباكات العسكرية. حينما تنطلق حركة فإذا لم تتلكّأ و تتعرقل فسوف تنتصر، أما إذا خارت العزائم في وسط الطريق، و تغلغلت الشكوك و التردّدات، و عرض الكسل، و تراجع العمل، فسيكون عاقبة ذلك الإخفاق و الفشل. يجب أن لا تسمحوا بتعرقل أو توقف هذه الحركة العلمية المتسارعة.
المعنيّ بكلامي طبعاً هم كل أطراف القضية.. بما في ذلك أنتم أيها الشباب الأعزاء الذين تعملون و تطلبون العلم و تبحثون و تحققون و تربّون أنفسكم من الداخل، و تنجزون بعض الأحيان أعمالاً مميزة و لافتة - و هذا الكلام الذي قلتموه هنا من هذه الأعمال، و هو ليس بالعمل الفيزيائي الحركي، بل هو عرض أفكار و طرح آراء و سعي للوصول إلى نظرات أفضل، و هذا من أفضل الأعمال شريطة أن لا يبقى في حدود الذهنيات و الكلام - أنتم معنيّون بهذا الكلام و كذلك الأجهزة و المؤسسات المختلفة من قبيل وزارة العلوم و التعليم العالي، و وزارة الصحّة و المعاونية العلمية لرئاسة الجمهورية.
المعاونية العلمية لرئيس الجمهورية هذه من القطاعات و المؤسسات المهمة جداً و تتولى عملاً حساساً للغاية - و قد تأسّست هذه المعاونية بإصراري و متابعتي منذ عدة سنوات - و هناك أيضاً مؤسّسة النخبة. و قد قدم الذين عملوا هناك خدمات حقيقية، مثل السيدة سلطان خواه، و السيد واعظ زاده، و يتولى مسؤولية هذه المعاونية و هذه المؤسسة اليوم السيد ستاري و هو من أبناء الشهداء (4). توصيتي للمسؤولين في المعاونية العلمية و مؤسسة النخبة هي أن يتابعوا الأعمال و لا يبدأوها من الصفر. لقد أنجزت أعمال ممتازة، ليعملوا على أساس تلك الأعمال السابقة، و ليحاولوا ردم الثغرات و ملأ النواقص و رفع نقاط الضعف بعد تشخيصها و معرفتها، و عدم خسارة أو إفلات نقاط القوة.
و أرى أن أهم عمل يمكن لهاتين الوزارتين و هذه المعاونية أن تقوم به هو أن تركز هممها على تمهيد الأرضية للإبداع العلمي، فالإبداع مهم. يجب عدم توقف تيار الإبداع هذا، كل خطوة يجب أن تمهّد الأرضية لخطوة تالية تأتي بعدها. من أجل أن نستطيع الحفاظ على تيار الإبداع في البلاد لا بدّ من رصد دائم. ليرصد المسؤولون المحترمون في المعاونية العلمية و ليتابعوا التيار العلمي في البلاد، و ينظروا أين هي مواطن العُقد و العرقلة و ما هي المشكلات و حالات عدم التنسيق فيرفعوها. و المجلس الأعلى للثورة الثقافية الذي يخوض في هذه القضايا ضمن حدود واجباته و مسؤولياته يتولى هو أيضاً دوراً مهماً، و هناك أيضاً المعاونية العلمية و هي مؤسسة لجانية للتنسيق بين المؤسسات و الأجهزة، و هناك المؤسسات العلمية في البلاد نفسها أي الوزارتين المذكورتين، و مراكز البحث و التحقيق و مختلف مراكز و مؤسسات العلم و التقانة، و هم منفذو المشاريع و الأعمال.. هؤلاء يجب أن يعملوا كلهم بطريقة منسجمة منسّقة، و يجب رفع حالات عدم التنسيق.
بالطبع نموّنا العلمي في الوقت الحاضر جيد جداً بالمقارنة إلى المنطقة و في المقاييس العالمية. العدد المطلق لنموّنا جيد، و سرعة نموّنا جيدة جداً، بمعنى أن سرعة التقدم العلمي عالية جداً، لكن هذا ليس ملاكاً، بمعنى أن هذه السرعة يجب أن تبقى و يُحافظ عليها. حقيقة سرعة النمو العلمي لا تعني أننا وصلنا إلى الهدف أو حتى أننا اقتربنا من الهدف، ذلك لأننا كنا متأخّرين جداً. و العالم لا ينتظر حتى نتقدم نحن فيبقى يتفرّج علينا، إنما العالم أيضاً يتقدم باستمرار، و طبعاً سرعتنا أكبر و علينا الحفاظ على هذه السرعة. إذا جرى الحفاظ على هذه السرعة في النمو العلمي فسيكون هناك أمل أن نصل إلى القمم و إلى الخطوط الأمامية، و تكون بلادنا و مراكزنا العلمية كما قلت مراراً مراجع علمية للعالم. هذا شيء يجب أن يحصل و سوف يحصل إن شاء الله. و طبعاً لا أتصور أنه سيحصل خلال خمسة أعوام أو عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً، لا، لقد ذكرت قبل سنوات أن لكم أن تصوروا ما بعد خمسين عاماً أو أربعين عاماً قادمة حيث يضطر كل من يريد في العالم أن يطلع على المنجزات العلمية الجديدة إلى إتقان اللغة الفارسية. اعقدوا عزائمكم و هممكم على هذا. اعملوا ما من شأنه أن يحتاج الآخرون في العالم إلى علومكم فيضطرون لإتقان لغتكم ليطلعوا على علومكم. و هذا شيء ممكن و متاح.
كان المرحوم الدكتور چمران - الشهيد چمران - نخبة علمياً، و قد اشتهر بالحرب و الشهادة و البنادق و ما إلى ذلك، لكنه كان نخبة علمياً بارزاً، و كان يدرس في واحدة من الجامعات الأمريكية المعروفة، ثم ترك الدراسة و انتقل إلى لبنان ثم عمل مجاهداً في بلاده. و كان يقول لي إن المتميزين من الطراز الأول في الجامعات الأمريكية - و خصوصاً تلك الجامعة التي كان يدرس فيها - معدودون، لكن الإيرانيين هم الأكثر عدداً بينهم. الإيرانيون أعلى من متوسط المواهب العالمية، و هذا ما سمعناه مرات من أشخاص آخرين، و كما قلت فإن التجارب بدأت تثبت لنا ذلك.
النقطة التي شدّدتُ عليها منذ البداية، و لم تتحقق بشكل كامل لحد الآن هي قضية الصلة بين العلم و الصناعة، و بين الجامعات و المصانع، و بين مراكز البحث العلمي و الصناعة. و أرى منذ سنوات أن هذه القضية تطرح على ألسن الطلبة الجامعيين و النخبة و المسؤولين. هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية. لدينا هنا مجموعة علمية، و هناك مجموعة صناعية، و الصناعيون متعطشون للحصول على التطورات العلمية و بحوث الجامعاتز و المراكز و المؤسسات العلمية و من أجل أن تواصل تدفقها العلمي تحتاج إلى أسواق لاستهلاك علومها. و لا يوجد حالياً بين هذين القطاعين علاقة منطقية تكاملية. و إذا استطعنا مدّ الجسور و العلاقات بين الصناعة و الجامعة، و بين الصناعة و مراكز البحث العلمي، أو بمعنى أعم بين الصناعة و العلم بشكل كامل فستكون النتيجة نمو مراكزنا الصناعية - سوف يراجعون الجامعات لمعالجة مشكلاتهم و سوف يعالجون مشكلاتهم و ينتفعون من التطورات العلمية في عملياتهم الصناعية - و سوف تتقدم جامعاتنا أيضاً، فهي كالسد الذي تم بناؤه لكنه يفتقر إلى شبكات الري، مثل هذا السدّ سيكون طبعاً بدون فائدة. نصف عمل السدّ هو أن نقيم جداراً تجتمع المياه خلفه، و النصف المهم الثاني هو أن نوجد شبكات مياه و ري ليمكن إيصال مياه هذا السد إلى المناطق التي تحتاج للمياه و إلى الأراضي الضامئة. هذا ما يجب أن يحصل و يتم. طبعاً يجب على الشركات و المصانع أن تراجع المراكز العلمية أكثر من السابق، و ينبغي للمراكز العلمية أن تستعد أكثر من السابق. يجب أن نشهد كل عام مئات المشاريع البحثية المطلوبة في الجامعات و المراكز العلمية من قبل المراكز الصناعية و الشركات، و المقصود بالطلبات هنا الطلبات الداخلية طبعاً. و من النقاط التي تعدّ في رأيي من نقاط الضعف المهمة - و كثيراً ما يشير لها الشباب و الأساتذة و غيرهم - هي الأعمال العلمية بطلبات أجنبية، فهي أعمال لا يحتاجها البلد. لا أريد أن أمنع هذا الشيء على نحو العموم، و لكن أن تعملوا هنا عملاً علمياً بحثياً من أجل سدّ حاجة كذا مؤسسة علمية أو تقنية في العالم، و يشترون حصيلة عملكم بأثمان زهيدة، فهذه ليست ميزة. يجب أن تنظروا ما هي الاحتياجات الداخلية. و ما هي المواقع الداخلية التي تحتاج لأعمالكم البحثية - خصوصاً على مستوى الدكتوراه و ما فوق - و ما هي الثغرات التي تردمها بحوثكم و تحقيقاتكم داخل البلد.
و عليه، يجب أن تقوم مسابقة جدية كبيرة في الإبداع.. مسابقة بالمعنى الحقيقي للكلمة سواء في العلوم أو في التقنية. في الرسائل الجامعية - و خصوصاً على مستوى الدكتوراه - من الأمور التي يجب حتمياً أخذها بنظر الاعتبار قضية الإبداع و الابتكار. يجب الإشارة أين الإبداع هنا، و يكون هذا هو ملاك التقييم و منح الامتيازات و الدرجات. على المؤسسة الوطنية للنخبة أن تعمل بجدّ و توفر مناخ الحيوية العلمية، فإذا كان هذا سيتشوّق المتخصّص الإيراني في الخارج للعودة، و يتشوّق الشاب الإيراني الموهوب للبقاء في وطنه و دياره و العمل لخدمة بلاده.
و ثمة هنا نقطة أساسية و مهمة هي التقوى و الورع. مجتمع النخبة في البلاد - سواء من الفتيات أو الفتيان و الشباب عموماً و أساتذتهم - تتضاعف قدراتهم في ظل التقوى و الورع و العفة و التوجّه إلى الله، و ستسهل تطوراتهم و صعودهم. من أكبر الامتيازات التي تمتلكونها هو نقاء الشباب. هذا شيء يبقى مع الإنسان دوماً. ثمة في فترة الشباب نقاء و نور يسهّل استنزال الرحمة الإلهية على الإنسان، و إذا سهّل الله تعالى الطريق على الإنسان - فسنيسّره لليسرى - (5) أي إذا سهل العمل و مهد الأسباب للإنسان و وفر له المقدمات فسيصل الإنسان إلى أهدافه بسهولة كبيرة. اعرفوا قدر التقوى و العفة و الإيمان و النقاء و النور الذي تتحلون به - و هو أرضية المعنوية - و اطلبوا من الله تعالى أن يعينكم و يعين بلدكم، لنستطيع إن شاء الله الوصول إلى المحطات التي نتمناها لبلادنا و شعبنا. و أنا بدوري سأدعو لكم الله دوماً إن شاء الله، كما دعوت لكم لحد الآن.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - أقيم الملتقي الوطني للشباب النخبة في إيران في من الثامن حتي العاشر من تشرين الأول 2013 م.
2 - اقتراح السيد محمد حسين نورانيان ( من جامعة نصير الدين الطوسي) بخصوص إنشاء برنامج عملاق لخارطة العلم.
3 - اقتراح السيد على رجب پور (عضو الهيئة العلمية في جامعة الإمام الخميني (رض) بقزوين): ملاحظة أن بلد واحد في العالم اليوم لا يستطيع أن يكون متفوقاً في كل الحقول و المجالات العلمية، و يجب علينا في ضوء مزايانا الفعلية و الكامنة و بالنظر لظروف و فرص الأسواق العالمية، تشخيص المجالات المهمة التي نستطيع الاستثمار فيها، لنكون متفوقين فيها خلال الأعوام القادمة، و هذه الأفكار مشروحة بشكل جيد في الخارطة العلمية الشاملة للبلاد، و على المسؤولين التنفيذيين الاهتمام بالسير على هذا الطريق.
4 - الدكتور سورنا ستاري نجل الشهيد اللواء الطيار منصور ستاري.
5 - سورة الليل، الآية 7 .