03/11/2013 م
بسم الله الرحمن الرحيم
أنفاسكم الدافئة أيها الشباب الأعزاء في هذه الحسينية تذكرنا اليوم بنفس تلك الملحمة و الحماس الذي كان طوال الأعوام المتمادية منذ مستهل الثورة الإسلامية و إلى الوقت الحاضر دعامة و ضمانة للمسيرة الثورية لشعب إيران. وجود الشباب نعمة إلهية كبرى على هذا البلد و على نظام الجمهورية الإسلامية.. وجود الشباب ذوي الدوافع و المحفزات المشرقة و الراسخة و المعتمدة على المنطق، و ذوي القلوب الطاهرة و النوايا الخالصة الصافية.
جلستنا اليوم أقيمت بمناسبة ذكرى أحداث الثالث عشر من آبان التي وقعت في البلاد على مدى أعوام منذ فترة ما قبل الثورة و إلى ما بعد انتصار الثورة. إنها ثلاث حوادث: حادثة نفي الإمام الخميني في سنة 43 [1964 م] و حادثة المذبحة الوحشية ضد طلبة المدارس في طهران سنة 57 [1978 م]، و حادثة التحرك الشجاع للطلبة الجامعيين باحتلالهم وكر التجسس في سنة 58 [1979 م]. و كل واحدة من هذه الأحداث مرتبطة بنحو من الأنحاء بحكومة الولايات المتحدة الأمريكية. في سنة 43 نفي الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) بسبب اعتراضه على الحصانة القضائية التي تصون أمن المأمورين الأمريكان في إيران و تمنحهم حصانة قضائية، و هكذا كانت تلك القضية ذات صلة بأمريكا. و في سنة 57 قام النظام التابع لأمريكا بمذبحة ضد طلبة المدارس في شوارع طهران، و صبغ أسفلت شوارع طهران بدماء شبابنا و يافعينا دفاعاً عن النظام العميل لأمريكا، و هذا الحدث أيضاً له صلة بأمريكا. و في سنة 58 كانت هناك ضربة مقابلة، بمعنى أن الشباب الشجعان المتديّنين من الطلبة الجامعيين الإيرانيين هجموا على سفارة أمريكا، و كشفوا حقيقة هذه السفارة و هويتها و هي أنها كانت وكراً للتجسّس، و عرضوا هذه الحقيقة على أنظار العالم. في ذلك اليوم أطلق الشباب الإيرانيون على السفارة الأمريكية اسم وكر التجسس، و اليوم، بعد مضي ثلاثين و نيّف من الأعوام على ذلك العهد صار اسم السفارات الأمريكية في أقرب البلدان إلى أمريكا - أعني البلدان الأوربية - وكر تجسس. أي إن الشباب الإيرانيين كانوا متقدمين على مفكرة التاريخ العالمي بثلاثين سنة. و هذه الحادثة أيضاً لها صلتها بأمريكا. ثلاث أحداث كل واحدة لها صلتها بشكل من الأشكال بحكومة الولايات المتحدة الأمريكية و علاقاتها بإيران. لذا أطلق على يوم الثالث عشر من آبان - و ذكراه في يوم غد - اسم «يوم مقارعة الاستكبار».
ما معنى الاستكبار؟ الاستكبار تعبير قرآني. وردت كلمة الاستكبار في القرآن الكريم. الشخص المستكبر و الحكومة المستكبرة و الجماعة المستكبرة هي الجماعة أو الحكومة التي تتقصّد التدخّل في شؤون البشر و الشعوب الأخرى.. تتدخل في كل شؤونهم و أمورهم من أجل صيانة مصالحها. ترى نفسها حرّة و لها حق فرض ما تريد فرضه على الشعوب.. تقرّر لنفسها حق التدخّل في شؤون البلدان، و لا تتحمّل مسؤولية ذلك أمام أي أحد. هذا هو معنى الاستكبار. النقطة المقابلة لهذه الجبهة الظالمة الجائرة هي الجماعة التي تقارع الاستكبار، فما معنى مقارعة الاستكبار؟ إنها تعني بالدرجة الأولى عدم الرضوخ لهذه التعسف و الجور. ليس معنى مقارعة الاستكبار شيئاً مقعداً ملتوياً. مقارعة الاستكبار تعني أن شعباً لا يخضع لتدخلات القوى المستكبرة أو الإنسان المستكبر أو الحكومة المستكبرة، و ما تريد أن تفرضه عليه. هذا هو معنى مقارعة الاستكبار. و سوف يكون لي إن شاء الله في المستقبل فرصة أتحدث فيها لكم بالتفصيل أيها الشباب و الطلبة الجامعيين و طلبة المدارس حول الاستكبار و مقارعة الاستكبار، و لا مجال لهذا الحديث المفصّل الآن. لكن معنى الاستكبار و مقارعة الاستكبار هو هذا على الإجمال.
الشعب الإيراني يعتبر نفسه مقارعاً للاستكبار لأنه لم يرضخ لما تريد الحكومة الأمريكية فرضه عليه. الحكومة الأمريكية حكومة مستكبرة ترى لنفسها حق التدخل في شؤون البلدان و إشعال الحروب. و ترون اليوم أن هذه الحالة قد تجاوزت حدود بلدان آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية و وصلت إلى أوربا، فراحوا يتدخلون في أمور الأوربيين أيضاً. وقف شعب إيران مقابل هذا الاستكبار الذي كانت تمارسه حكومة الولايات المتحدة الأمريكية و تدخلاتها و تعسفها و هيمنتها على بلدنا العزيز طوال أعوام متمادية. كانت الحكومة الطاغوتية الملكية حكومة تابعة و مرتهنة لأمريكا و من دون أن يكون لها دعائم و سند داخلي، بل كانت بالاعتماد على أمريكا تفعل في إيران كل ما يريدون، فكانت تظلم الناس و تغتصب حقوقهم و تمارس التمييز بينهم، و تمنع البلد من النمو و الرقي و التنمية التي تعدّ حقه الطبيعي و التاريخي، و كل ذلك من أجل تأمين مصالح أمريكا في إيران. وقف الشعب الإيراني و فجّر الثورة و اجتث جذور المستكبرين في البلاد، و لم يكن كبعض البلدان الأخرى التي جابهت أمريكا لكنها تركت الأمر غير مكتمل، و تلقّت الضربات نتيجة ذلك.
لقد شاهدتُ في أحد البلدان - و لن أذكر الاسم - و هو بلد قارع بريطانيا و كافح ضدها، و أنهى بكفاحه سنين من ظلم البريطانيين و جورهم ضده، و حصل على استقلاله، شاهدتُ أنهم نصبوا في أحد مراكزهم الترفيهية المهمة تمثالاً لقائد بريطاني! فقلنا مستنكرين: ما هذا؟ و قد اطلقوا على اسم المركز الترفيهي اسم ذلك المستعمر المستكبر الذي ارتكب هناك الآف الجرائم! و طبعاً لم يجنوا شيئاً من هذه المداراة و المماشاة، أي إن الضغوط على ذلك البلد استمرت، و لا تزال مستمرة. التماشي مع المستكبر و ممالأته لا تحقق أية مكاسب و منافع لأي بلد من البلدان. اشتبكت الجمهورية الإسلامية الإيرانية و الثورة العظيمة لهذا الشعب مع الاستكبار العالمي و لم تترك الأمر ناقصاً غير تام، لأن الشعب شعر بضربات و سياط أمريكا طوال الأعوام المتمادية على جلده و لحمه، و كان يعلم من هم هؤلاء و ما هم.
هذا المنحى الاستكباري الذي انتهجه الأمريكان و الذي استمروا عليه منذ عشرات الأعوام و إلى اليوم، أدى إلى بروز شعور من الامتعاض و عدم الثقة لدى الشعوب تجاه الحكومة الأمريكية. و هذا الأمر لا يختص ببلادنا. أي بلد اعتمد على أمريكا و وثق بها تلقى الضربات و خسر، حتى الذين كانوا أصدقاء لأمريكا. في بلادنا وثق الدكتور مصدق بالأمريكان و اعتمد عليهم و استعان بهم ليستطيع إنقاذ نفسه من ضغوط البريطانيين، و بدل أن يساعد الأمريكان الدكتور مصدق الذي أحسن الظن بهم تحالفوا مع البريطانيين و بعثوا مأمورهم إلى هنا فدبّر انقلاب الثامن و العشرين من مرداد. وثق مصدق بهم و تلقى ضربات عن ذلك. حتى الذين كانت لهم علاقات جيدة بأمريكا و وثقوا بها تلقوا الضربات منها. و قد كانت العلاقات بين النظام الطاغوتي السابق في إيران و أمريكا صميمية جداً، لكن جشع الأمريكان جعل الكيل يطفح بهم، ففرضوا عليهم مثلاً هذه الحصانة القضائية التي تحدثنا عنها - الحصانة القضائية للمأمورين الأمريكان - و لم يكن لهم من سند و دعامة سوى الأمريكان، فاضطروا للقبول.
معنى الحصانة القضائية أنه إذا صفع عريف أمريكي وجه ضابط إيراني كبير، لن يكون من حق أحد ملاحقته. و إذا اعتدى مأمور أمريكي صغير في طهران على رجل إيراني شريف أو امرأة إيرانية شريفة، فلن يكون من حق أحد أن يلاحقه. يقول الأمريكان للإيرانيين ليس من حقكم ملاحقته و محاسبته، إنما سوف نتدبّر الأمر بأنفسنا. لا يمكن أن تصل ذلة شعب من الشعوب إلى أسوء من هذا. فرضوا هذا الشيء، و قد كانوا أصدقاءهم فلم يرحموا حتى أصدقاءهم. نفس محمد رضا بهلوي هذا بعد أن هرب من إيران و وفد لمدة قصيرة على أمريكا طردوه من هناك و لم يبقوه. أي إنهم لم يفوا له حتى بهذا المقدار.. هكذا هم.
الشعوب و حتى الحكومات لا تثق بأمريكا بسبب هذا السلوك و المنحى المشهود في سياسات الأمريكان. كل من وثق بأمريكا نال جزاءه و تلقى الضربات عن ثقته. لذلك يمكن القول حالياً إن أمريكا هي المكروهة و المبغوضة لدى الشعوب أكثر من أية قوة أخرى في العالم. لو تم إجراء استبيان عادل و نزيه لشعوب العالم فلا أظن أن الدرجة السلبية لأية حكومة يمكنها أن تضاهي الدرجة السلبية للحكومة الأمريكية. هكذا هو وضعهم في العالم اليوم. تسمعون الكلام الذي يقوله الأوربيون اليوم ضد الأمريكان. إذن، قضية مقارعة الاستكبار و اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار قضية أساسية نابعة من تحليل صحيح و كلام صائب. و أنتم أيها الشباب الأعزاء و ملايين الشباب من أمثالكم في كل أنحاء البلاد، يجب أن يكون لكم تحليلكم الصحيح لهذه القضايا و الأمور. الشباب في مطلع الثورة لم يكونوا بحاجة لتحليلات و لم يكونوا يريدون تحليلات، فقد كان كل شيء واضحاً بالنسبة لهم، لأنهم كانوا قد شاهدوا كل شيء و اطلعوا عن قرب على تواجد الأمريكان و قسوتهم و السافاك الذي تدرّب على يد الأمريكان. أما أنتم اليوم فيجب أن تفكروا و تحللوا و تدققوا، و لا يكون الأمر مجرد حديث بالألسن، بل ينبغي أن يتبيّن لماذا يعارض الشعب الإيراني الاستكبار، و لماذا يعارض توجّهات الولايات المتحدة الأمريكية، و من أين ينبع هذا الامتعاض و الانزعاج.. هذا ما يجب أن يدركه و يفهمه الشباب اليوم بصورة صحيحة و تحقيقية.
طيب، لأذكر جملة من النقاط حول قضايانا الجارية مع أمريكا، و التي يكثر البحث و الكلام حولها هذه الأيام، و تمثل أسئلة في الأذهان. أولاً لألفت الأنظار إلى نقطة مهمة و ضرورية: جماعة المتفاوضين الإيرانيين مع مجموعة الدول التي تضمّ أمريكا، و هي ست دول تسمى اصطلاحاً خمسة زائد واحد، يجب أن لا يعتبرهم أحد استسلاميين.. هذا خطأ. هؤلاء مأمورو حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و هم من إخوتنا و أبنائنا و من أبناء الثورة، و يقومون بمأمورية معينة. و مأموريتهم الملقاة على عواتقهم صعبة، و هم يجدّون و يسعون بالغ السعي للنهوض بالعمل الملقى على عواتقهم. إذن، يجب عدم إضعاف و إهانة المأمور الذي يعكف على عمله و المسؤول عن عملية معينة، أو وصفه ببعض التعابير التي قد تسمع أحياناً من قبيل أنهم استسلاميون و ما إلى ذلك، لا، ليس الأمر كذلك. و تنبّهوا أيضاً إلى أن هذه المفاوضات التي تجري حالياً مع البلدان الستة - و من ضمنها أمريكا - تختص بالقضايا النووية ليس إلّا. و قد قلت في كلمتي في مدينة مشهد المقدسة بداية هذا العام إنه لا إشكال في المفاوضات حول موضوعات خاصة، لكنني قلت إنني لا أثق و لست متفائلاً بالمفاوضات، و لكن إذا كانوا يريدون التفاوض فليتفاوضوا، و نحن لن يصيبنا ضرر من هذا بإذن الله.
إنها تجربة في متناول أيدي الشعب الإيراني - و سوف أتطرّق لهذا الموضوع باختصار - و سوف ترفع هذه التجربة الإمكانيات الفكرية لشعبنا. مثلاً تجربة عامي 82 و 83 [2003 و 2004 م] بخصوص تعليق التخصيب، حيث وافقت الجمهورية الإسلامية في ذلك الحين على تعليق التخصيب لمدة معينة في مفاوضاتها مع الأوربيين. و قد تأخّرنا بسبب ذلك لمدة سنتين، لكن الأمر انتهى لصالحنا. لماذا؟ لأننا أدركنا أنه بتعليق التخصيب لا يمكن عقد الآمال مطلقاً على طرف الشركاء الغربيين. لو لم نكن قد قبلنا في ذلك الحين بهذا التعليق الطوعي - و طبعاً كان مفروضاً بنحو من الأنحاء، لكننا وافقنا عليه، و وافق عليه المسؤولون - فلربما كان سيقول البعض: لو كنتم قد تراجعتم بمقدار قليل لتمّ علاج كل المشكلات و لصار الملف النووي الإيراني ملفاً عادياً. تعليق التخصيب في ذلك الحين كان فيه لنا فائدة إثبات أنه بالتراجع و تعليق التخصيب و تأخير العمل و تعطيل بعض المشاريع لا يمكن معالجة المشكلة، فالطرف الآخر يسعى وراء أشياء و أمور أخرى. هذا ما أدركناه، لذلك عاودنا بعد ذلك عمليات التخصيب. و وضع الجمهورية الإسلامية اليوم يختلف عن سنة 82 من الأرض إلى السماء. كنا نتساوم في ذلك الحين على جهازين أو ثلاثة أجهزة للطرد المركزي، و اليوم تعمل الآلآف من أجهزة الطرد المركزي. عقد شباب إيران و علماؤها و باحثوها و مسؤولوها الهمم و تقدموا بالأمور و الأعمال إلى الأمام. و عليه، فلن نتضرر أو نخسر شيئاً من المفاوضات الجارية في الوقت الحاضر. و بالطبع فإنني كما سبق أن ذكرت لستُ متفائلاً، و لا أظن أن هذه المفاوضات ستثمر النتائج التي يتوقعها شعب إيران، لكنها تجربة و ستزيد الرصيد التجربي لشعب إيران و تعزّزه. لا إشكال فيها و لكن من الضروري أن يكون الشعب يقظاً واعياً. إننا ندعم بكل قوة و إصرار مسؤولينا الذين يعملون و ينشطون في الجبهة الدبلوماسية، لكن الشعب يجب أن يكون واعياً يقظاً و يعلم ما الذي يحدث لكي لا يستطيع بعض الإعلامويين الذين يستلمون رواتبهم من العدو و بعض الإعلامويين الذين لا يستلمون أجورهم من العدو، لكنهم سذّج و بسطاء، أن يضللوا الرأي العام.
من مخادعاتهم و أكاذيبهم أن يوحوا للرأي العام و يلقنوه بأننا إذا استسلمنا في الملف النووي للطرف المقابل فسوف تحلّ كل المشكلات الاقتصادية و المعيشية و ... الخ. هذا ما يروّجوه في إعلامهم. طبعاً الإعلامويون الأجانب يرسمون لهم الخطوط و الاتجاهات بأساليب إعلامية جد ماهرة. و في الداخل يعمل البعض من منطلق السذاجة و بدون نوايا سيئة و يعمل البعض بدافع أغراض معينة على التبليغ و الترويج بأننا لو تراجعنا في هذه القضية و استسلمنا مقابل الطرف الآخر فسوف تعالج كل المشكلات الاقتصادية و غير الاقتصادية. هذا خطأ. لماذا هو خطأ؟ هناك عدة أسباب لذلك. نرغب في أن تفكروا أيها الشباب الأعزاء - سواء أنتم الحاضرون في هذه الجلسة أو الشريحة الشبابية الواعية المثقفة و الشباب الإيراني المتحفز و الطلبة الجامعيون و طلبة المدارس في كل أنحاء البلاد، و قد قلت ذات مرة بأنكم ضبّاط الحرب الناعمة - في هذه القضايا و المسائل.
من هذه القضايا أن عداء أمريكا للشعب الإيراني و للجمهورية الإسلامية الإيرانية لا يدور أساساً حول محور الملف النووي. من الخطأ أن نتصور أن معركة أمريكا ضدنا هي بسبب الملف النووي، لا، الملف النووي مجرد ذريعة. قبل أن تطرح القضية النووية كانت هذه العداوات و هذه المعارضات و الخلافات موجودة منذ مستهل الثورة. و إذا عولجت القضية النووية في يوم من الأيام - لنفترض أن الجمهورية الإسلامية تراجعت و حققت ما يريدونه - لا تظنوا بأن القضية كلها سوف تعالج و تنتهي، لا، سوف يطرحون تدريجياً عشرات الذرائع الأخري: لماذا تمتلكون صواريخ؟ لماذا تمتلكون طائرات من دون طيّار؟ لماذا علاقاتكم سيئة مع الكيان الصهيوني؟ لماذا لا تعترفون بالكيان الصهيوني؟ لماذا تدعمون المقاومة في المنطقة التي يسمّونها هم منطقة الشرق الأوسط؟ و لماذا؟ و لماذا؟ و لماذا؟ ليست القضية أنهم انبثق لهم خلاف مع الجمهورية الإسلامية بشأن الملف النووي، لا، بدأ الحظر الأمريكي على إيران منذ بداية الثورة، و قد ازداد يوماً بعد يوم، و قد وصل في الوقت الراهن إلى درجة عالية. و قد مارسوا صنوفاً أخرى من العداء: لقد أسقطوا طائرة الجمهورية الإسلامية و قتلوا 290 إنساناً. في بدايات الثورة و حينما كان الشعب لا يزال يعيش حالات هياج الثورة دبّروا انقلاب معسكر الشهيد نوجه ضد الثورة الإسلامية. و قد دعموا أعداء الثورة في أية منطقة من البلاد كانوا، و أمدّوهم بالسلاح و غير ذلك. و هو نفس العمل الذي قاموا به بعد ذلك في بلدان أخرى.. لقد فعلوه هذه الأفعال هنا.
ليست القضية قضية الملف النووي. هذا ما ينبغي للجميع التفطن إليه. ليس الأمر أن نظن بأن عداء أمريكا للجمهورية الإسلامية الإيرانية بسبب الملف النووي، لا، القضية قضية أخرى. القضية هي أن الشعب الإيراني قال كلا للمطاليب الأمريكية، و قال إن أمريكا لا تستطيع ارتكاب أية سخافة. إنهم يعارضون وجود الجمهورية الإسلامية، و يعارضون نفوذها و اقتدارها. في الآونة الأخيرة قال أحد السياسيين و الشخصيات الفكرية الأمريكية - و قد أذيع قوله و ليس الأمر أمراً خفياً سرياً - إن إيران خطرة سواء كانت ذرية أو غير ذرية. قال هذا الشخص بصراحة إن نفوذ إيران و اقتدارها - و على حد تعبيرهم التفوق الإيراني - في المنطقة أمر خطير.. إيران التي تحظى حالياً بالاعتبار و الاحترام و الاقتدار. إنهم يعادون و يعارضون هذا الشيء. سوف يكونوا راضين يوم تكون إيران شعباً ضعيفاً و مروّضاً و راضخاً و معزولاً و بدون اعتبار و لا احترام. القضية ليست قضية الملف النووي.. هذه نقطة.
النقطة الأخرى هي إننا يجب أن نركز كل جهودنا في الشأن الاقتصادي على الأمور الداخلية. التقدم و الحل الذي يحظى بالقيمة و الأهمية هو الذي يعتمد على القدرات الداخلية للشعب. إذا كان الشعب معتمداً على قدراته و مواهبه فلن يعتريه الاضطراب لغضب هذا البلد أو حظر ذاك البلد. هذا ما يجب أن نركّز عليه و نعالجه. كل كلامنا مع المسؤولين - سواء المسؤولون في الماضي أو المسؤولون في الوقت الحاضر - هو أنه من أجل حل قضايا البلاد و مشكلاتها، بما في ذلك المشاكل الاقتصادية، ينبغي أن تتركز النظرة على الداخل. لدينا في داخل البلاد الكثير من الإمكانيات و الطاقات، و يجب الاستفادة من إمكانيات هذا الشعب و التي تتمثل في طاقاته البشرية و مصادره الطبيعية و الجغرافية و موقعه الإقليمي. و طبعاً نحن ندعم التحرك الدبلوماسي. حين نقول إن الأمور يجب أن تعالج و تصلح من الداخل فهذا لا يعني أن نغلق أعيننا و لا يكون لنا تحركنا الدبلوماسي و لا نتعامل مع العالم، بلى، التحرك الدبلوماسي و التواجد الدبلوماسي عملية جد ضرورية - و المسؤولون الذي يقومون بهذه الأعمال هم جزء من العمل و الأمر - بيد أن الاعتماد و التركيز يجب أن ينصب على الشؤون الداخلية. و البلد الناجح على الصعيد الدبلوماسي هو الذي يعتمد على طاقاته الذاتية، و الحكومة التي تستطيع تثمير كلامها خلف طاولة المفاوضات الدبلوماسية و تصل إلى النتائج المرجوّة هي تلك التي تعتمد على اقتدار داخلي و إمكانيات ذاتية، فالأطراف الأخرى تحسب لمثل هذه الحكومة حسابها.
النقطة المهمة التي يجب أن تحظى هنا بالتدقيق هي أننا في مواجهتنا لأعدائنا طوال هذه الأعوام لم نصب باليأس في أي وقت من الأوقات، و سوف لن نصاب باليأس بعد الآن أيضاً. في العقد الأول من الثورة لم تكن تتوفر لدينا غالبية الأدوات و الوسائل المادية، إذ لم يكن عندنا المال و لم يكن عندنا السلاح و لا التجربة و لا تنظيم و لم يكن لدينا قوات مسلحة كفوءة و لا معدات حربية، و كان عدونا - سواء عدونا الذي يقاتلنا في ساحة الحرب أي نظام البعث الصدامي، أو العدو الذي يقف وراءه أي أمريكا و الناتو و الاتحاد السوفيتي يومذاك - كان في ذروة قوته و قدرته. أمريكا هذه نفسها كانت يومذاك في عهد ريغان من الدول القوية القديرة في الميادين السياسية و العسكرية في العالم، و كنا نحن نعيش العوز و الفقر و الضيق، لكنهم لم يستطيعوا فعل شيء لنا.
و لقد تغيّر الوضع اليوم، فالجمهورية الإسلامية في الوقت الراهن لديها السلاح و المال و العلم و التقنية و القدرة على الصناعة و تتمتع كذلك بالاعتبار الدولي، و فيها كذلك الملايين من الشباب المستعدين للعمل و ملايين المواهب. هكذا هو وضعنا اليوم. لا يمكن مقارنة وضعنا الآن إطلاقاً بما كنا عليه قبل ثلاثين سنة. و في الجبهة المقابلة لنا فإن الوضع على العكس تماماً. كان الأمريكيون في ذلك الحين في ذروة قوّتهم، و هم ليسوا كذلك اليوم. واحد من رجال الحكم الأمريكان حالياً و هو شخصية معروفة قال قبل فترة عبارة - و هذا هو قوله و ليس قولنا - إن أمريكا اليوم وصل بها الحال إلى حيث لا يحترمها أصدقاؤها و لا يخاف منها أعداؤها. عانوا في الفترة الأخيرة من مشكلات سياسية، و قد لاحظتم الخلافات بين رجال السياسة في أمريكا بخصوص قضايا تتعلق بميزانية حكومتهم ما أدّى إلى تعطيل الحكومة الأمريكية لمدة ستة عشر أو سبعة عشر يوماً. ذهب ثمانمائة ألف موظف في إجازة إجبارية. هذا ضعف و عجز. يعانون اليوم من أكبر المشكلات على الصعيد الاقتصادي و المالي. و مشكلاتنا بمثابة الصفر في مقابل مشكلاتهم.
في سنة 2001 أو 2002 للميلاد - أي قبل عشرة أعوام أو أحد عشر عاماً - خمّن المسؤولون الماليون الأمريكان و قالوا إننا في سنة 2011 أو 2012 سيكون لدينا فائض في الإيرادات بمقدار أربعة عشر ألف مليار دولار.. دققوا جيداً.. في سنة 2011 كان تخمينهم لسنة 2011 و 2012 هو إنهم قالوا سيكون لنا في سنة 2011 و 2012 أربعة عشر ألف مليار دولار إضافية من الإيرادات. و الآن نحن في سنة 2013 و لديهم نقص بمقدار سبعة عشر ألف مليار دولار، لا أنهم لم يحصل لديهم إضافة و فائض في الإيرادات و حسب. معنى ذلك أنهم أخطأوا في حساباتهم بمقدار ثلاثين ألف مليار دولار! هذا هو وضعهم الاقتصادي و وضع حساباتهم. مثل هذا الوضع يوجد اليوم في الجبهة المقابلة لنا. و الاختلافات كثيرة كما تلاحظون. ثمة مصالح مشتركة تربط بينهم - بين الأوربيين و الأمريكيين - و إلّا هم على علاقات سيئة في أعماقهم. الشعب الفرنسي يكره الأمريكيين و يمتعض منهم. و في قضايا متعددة من قبيل قضية سورية أراد الأمريكان الهجوم فلم يستطيعوا إشراك أقرب الدول إليهم في هذه القضية، أعني بريطانيا التي قالت إننا لن نشارك في الهجوم. هذا في حين عندما هجموا على العراق تعاونت معهم نحو أربعين دولة، و حين هاجموا أفغانستان تعاونت معهم أكثر من ثلاثين دولة.
هكذا هو وضع الأمريكان الآن، لكن وضعنا جيد جداً. لقد تقدمنا و زاد اقتدارنا و زاد وعي شعبنا. و هم طبعاً يمارسون ضغوطهم. يجب أن نصبر على هذه الضغوط و نتحمّلها و نتجاوزها بالاعتماد على قدراتنا الذاتية. هذا طريق عقلائي يجب أن نسير فيه. طبعاً قلنا و نكرّر: نحن نؤيّد الجهود التي تبذلها الحكومة المحترمة و المسؤولون في البلاد، فهذه عملية و تجربة من الممكن أن تكون مفيدة. إنهم يقومون بهذه العملية فإذا آتت نتائجها فنعمّا ذلك، و إذا لم يحصلوا على النتيجة المطلوبة فليكن معنى ذلك أنهم يجب أن يقفوا على أقدامهم من أجل حل مشكلات البلاد. و نكرّر مرة أخرى توصيتنا السابقة: لا تثقوا بالعدو الذي يبتسم لكم. هذا ما نوصي به مسؤولينا و أبناءنا الذين يعملون في السلك الدبلوماسي، فهم أنباؤنا و شبابنا. توصيتنا لهم: احذروا من أن توقعكم الابتسامات المخادعة في الخطأ. و دققوا في دقائق ما يقوم به العدو.
يعيش الأمريكان اليوم أشد حالات المجاملة و الإحراج مع الكيان الصهيوني المنحط، و يتحرّجون أشدّ الحرج من الأوساط الصهيونية، فيدارونهم و يحاولون إرضاءهم، و نحن نرى هذا الوضع. قبضة العتاة الماليين و الشركات الصهيونية تضغط على الحكومة الأمريكية و الكونغرس و المسؤولين الأمريكان بشكل يجبرهم على مراعاة الصهاينة، لكننا نحن غير مجبرين على مراعاتهم. لقد قلنا منذ اليوم الأول و نقولها اليوم أيضاً و سنقولها بعد الآن أيضاً: إننا نعتبر الكيان الصهيوني كياناً غير شرعي و لقيط. نظام تكوّن بفعل المؤامرات، و يُحفظ اليوم بفعل المؤامرات و السياسات التآمرية. هم يراعونهم.. أما لماذا يراعونهم فهذا بحث آخر. المال و القوة و الرساميل الصهيونية تفعل فعلها، و تفرض نفسها بالتالي على هؤلاء المساكين، فيضطرون لمراعاة الصهاينة. و الأمر لا يختص فقط بالأمريكان فالكثير من الساسة الغربيين الآخرين هم أيضاً مساكين يعانون من نفس المشكلة. لذا، على مسؤولينا أن يدققوا و يلاحظوا الكلام، فالطرف المقابل يبتسم و يبدي الودّ و الرغبة في التفاوض لكنه من ناحية أخرى و بدون تأخير يقول: كل الخيارات على الطاولة! طيّب، ثمّ ماذا؟ أية خطوة أو سخافة يمكن أن يرتكبوها ضد الجمهورية الإسلامية؟ إذا كانوا جادّين في العملية فيجب عليهم ضبط أنفسهم و إسكات الذين يفتحون أفواههم بمثل هذا الكلام الفارغ. يقول أحد السياسيين الأمريكيين الأثرياء شيئاً سخيفاً هو إننا يجب أن نقصف الصحراء الإيرانية الفلانية بقنبلة ذرية و نهدّدهم و كيت و كيت.. يجب أن يصفعوا مثل هذا الشخص و يحطموا فمه. الحكومة التي تتوّهم أنها مسؤولة حيال قضايا العالم و تعتبر نفسها مسؤولة عن التصدي للملف النووي للبلد الفلاني و البلد الفلاني، سيكون من السخافة أن تهدد بلداً في مثل هذا الوضع و في مثل هذا الزمن تهديداً نووياً. يجب أن يمنعوا مثل هذا الهذر.
على كل حال، شعبنا و الحمد لله شعب واع يقظ، و المسؤولون هم من هذا الشعب، و هم أيضاً واعون يقظون دقيقون. أي عمل يكون في مصلحة البلاد و يقوم به المسؤولون، نحن ندعمه و نساعدهم و ندعو لهم، و لكن نوصي كل أبناء الشعب و نوصي المسؤولين أيضاً و نوصيكم خصوصاً أيها الشباب الأعزاء بأن تفتحوا أعينكم و آذانكم. أي شعب من الشعوب يمكنه بفضل الوعي و اليقظة و عدم الغفلة أن يحقق أهدافه السامية.
و نتمنى أن تكون أدعية سيدنا بقية الله الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) دعامة و سنداً لكم إن شاء الله. و أن تدعو لكم روح الإمام الخميني الطاهرة. و تدعو لكم أرواح الشهداء الطيبة إن شاء الله. و ستستلمون أيها الشباب بإذن الله البلاد بروحيّتكم البهيجة المتوثبة، و سترفعون البلاد بإبداعاتكم، حين يحين دوركم، إلى القمم إن شاء الله.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.