بسم الله الرحمن الرحيم

أرحب بكل الإخوة و الأخوات الأعزاء، و أشكر لكم استجابتكم لهذه الدعوة و حضوركم في هذا الاجتماع، ليمكن من خلال ما يطرح في هذه الأجواء التفاهمية اتخاذ خطوات عملية على سبيل تقدم البلاد، و من أجل الوصول للمطامح السامية في البلد إن شاء الله.
الهدف من الجهد و العناء الذي حمّلناكم أيّاه، أيها الإخوة و الأخوات، بقدومكم إلى هنا هو التحدث قدراً ما حول سياسات الاقتصاد المقاوم التي تم تبليغها و الإعلان عنها في الآونة الأخيرة (1) ليجري الكلام عنها بمقدار ما، و أيضاً التأكيد على لوازم هذه السياسات و الواجبات التي تلقيها هذه السياسات المهمة و الأساسية على عواتقنا جميعاً. سبق أن أُبلغتْ سياسات متنوعة في المجالات الاقتصادية، من قبيل سياسات الطاقة، و سياسات الإنتاج الوطني، و سياسات المادة 44 ، و سياسات أمن الاستثمار، و سياسات الماء، و غير ذلك. و ما كان قطب الاهتمام في كل قطاع بالنسبة لتلك السياسات هو عرض خارطة طريق، أي أردنا في مجالات الإنتاج الوطني مثلاً أو الماء أو الطاقة أو غيرها، عرض خارطة طريق يتقدم المسؤولون على أساسها بأعمالهم و أنشطتهم إلى الأمام. و لكن في هذه السياسات ليست القضية مجرد خارطة طريق، إنما تطرح هنا أيضاً مؤشرات السير الصحيح في الطريق. إنها أشبه بعلامات المرور. في بنود مختلفة من هذه السياسات تمّ تعيين واجبات تضمن في الواقع السير الصحيح في الطريق. إنها سياسات عامة و شاملة و كلية، لكنها تحدّد في كل قطاع مؤشرات ترسم الأعمال التي يجب إنجازها.
مجموعة سياسات الاقتصاد المقاوم هي في الواقع نموذج محلي و علمي نابع من ثقافتنا الثورية و الإسلامية، و مناسب لوضعنا اليوم و غداً. و سوف أشرح بأن هذه السياسات لا تختص بوضعنا الحالي و ظروف البلاد الراهنة، إنما هي تدبير طويل الأمد لاقتصاد البلاد، و يمكنها تحقيق أهداف نظام الجمهورية الإسلامية على الصعد الاقتصادية، و بوسعها رفع المشكلات، و هي في الوقت نفسه حركية متوثبة، بمعنى أننا لم ننظر لهذه السياسات داخل إطار مغلق و متحجّر، بل هي ممكنة الاستكمال و ممكنة الانطباق على ظروف متنوعة قد تطرأ في فترات من الزمن، و تأخذ اقتصاد البلد عملياً إلى حالة من المرونة، أي إنها تعالج هشاشة الاقتصاد و ضعفه حيال الهزّات المختلفة التي سوف أشير لها. تم إعداد هذا النموذج بجهود و تعاضد أفكار الخبراء و بعد مناقشته في مجمع تشخيص مصلحة النظام و بحضور رؤساء السلطات و المسؤولين. و تمّت الاستفادة بشكل تام من مساعدات الخبراء الاقتصاديين في إعداد هذا النموذج. و الواقع أن من حسنات هذا النموذج أنه موضع إجماع و اتفاق. لقد تمّ تنضيجه في مجمع تشخيص مصلحة النظام، و رؤساء السلطات موجودون في مجمع تشخيص المصلحة، و المسؤولون غيرهم أيضاً موجودون هناك و قد بحثوا الموضوع و ناقشوه، و خرج النموذج بعد كل الملاحظات و التدقيق و التعضيد اللازم.
و ليس الميل للاقتصاد المقاوم أمراً خاصاً بنا. ففي الكثير من البلدان اليوم - و خصوصاً في هذه الأعوام الأخيرة - و بعد الهزات الاقتصادية الشديدة التي وقعت في العالم، سعت العديد من البلدان لجعل اقتصاداتها مقاومة، و طبعاً لكل بلد من البلدان ظروفه الخاصة. لقد انحدر هذا الاقتصاد الرأسمالي بما فيه من مشكلات من الغرب و أمريكا إلى الكثير من البلدان، و الاقتصاد العالمي في المجموع كل مترابط بعضه ببعض، و بطبيعة الحال فقد تأثرت البلدان بهذه المشكلات بدرجات مختلفة، بعضها تأثر بشدة و بعضها أقل. و عليه فقد سعت الكثير من البلدان لجعل اقتصادها مقاوماً منيعاً، و بعبارة حاولت التخطيط لهذا الاقتصاد المقاوم و تحقيقه بما يتناسب و بلدانها. و اعتقد أن حاجتنا للاقتصاد المقاوم أكبر من البلدان الأخرى. الحاجة عندنا أمسّ و أكبر لأن نجعل اقتصادنا مقاوماً. أولاً لنفس السبب المشترك بيننا و بين البلدان الأخرى. إننا مرتبطون بالاقتصاد العالمي، و نريد مثل هذا الارتباط، فنحن لا نروم الانفصال عن الاقتصاد العالمي بأيّ حال من الأحوال، و هذا غير ممكن في الظروف الحالية في العالم. إذن، نحن نتأثر بما يحدث في الاقتصادات العالمية. ثانياً للخصوصية التي فينا، فنحن بسبب استقلالنا و عزتنا و إصرارنا على عدم التأثر بسياسات القوى الكبرى، نتعرّض لهجمات و نوايات سيئة، أي إن دوافع المعارضة و الإخلال و العرقلة و خلق المشاكل ضدنا أكثر من الكثير من البلدان الأخرى، و هذا ما نشهده في الظروف الراهنة التي نعيشها. إذن، علينا أن نهتم أكثر بتمتين ركائز الاقتصاد، و جعل اقتصادنا مقاوماً. يجب أن لا نسمح بوضعية تؤثر فيها الأحداث و الهزات الحتمية أو حالات سوء النوايا على اقتصادنا. إذن، نحن بحاجة لهذه السياسات.
أطرح هنا لائحة إجمالية بمكوّنات و عناصر و خصوصيات نموذج الاقتصاد المقاوم. لقد وزّعت كلامي إلى ثلاثة جوانب: الجانب الأول لائحة هذه المكوّنات و العناصر، و الجانب الثاني عدة نقاط تجيب عن السؤال: لماذا نعتبر الاقتصاد المقاوم اليوم ضرورة و نسعى لتحقيقه؟ و في الجانب الثالث نذكر اللوازم و الواجبات التي ينبغي أن نلتزم بها.
في الجانب الأول سجّلت عشر خصائص أذكرها لكم، و هي خصائص سياسات الاقتصاد المقاوم التي أعلنت، و هي في الحقيقة مكوّنات و عناصر هذه المنظومة من السياسات. المسألة الأولى هي إيجاد حراك و حيوية في اقتصاد البلاد و تحسين المؤشرات العامة من قبيل النمو الاقتصادي، و الإنتاج الوطني، و العمالة و فرص العمل، و خفض التضخم، و زيادة الفائدة، و الرفاه العام. في تأمين هذه السياسات لوحظ الحراك في اقتصاد البلاد و تحسين هذه المؤشرات، و الأهم بين هذه المؤشرات هو مؤشر العدالة الاجتماعية الذي يعدّ مؤشراً مفتاحياً و مهماً. بمعنى أننا لا نؤيد أبداً الازدهار الاقتصادي للبلاد من دون تأمين العدالة الاجتماعية، و لا نؤمن بمثل هذا الازدهار. ثمة بلدان مؤشراتهم جيدة جداً و إيجابية و لديهم نمو اقتصادي عال جداً، لكن التمييز و التفاوت الطبقي و انعدام العدالة في تلك البلدان حالات محسوسة في تلك البلدان. إننا لا نعتبر هذا بحال من الأحوال متطابقاً مع ما يريده الإسلام و مع أهداف الجمهورية الإسلامية. إذن، من أهم أهدافنا و مؤشراتنا هو مؤشر العدالة الاجتماعية. يجب أن تتمتع الطبقات المحرومة و الفقيرة من تقدم البلاد الاقتصادي بالمعنى الحقيقي للكلمة. هذا هو العنصر الأول.
العنصر الثاني هو القدرة على المقاومة إزاء عوامل الخطر و التهديد. و هذا ما لوحظ في هذه السياسات و أخذ بنظر الاعتبار. كما ذكرت فإن من الأعراض المؤثرة على اقتصاد البلدان الهزات و الزلازل الاقتصادية التي تقع في العالم، نظير الشيء الذي حدث في الأعوام الأخيرة و حدث في فترات أخرى، و هو ما يترك تأثيراته على البلدان. قلت سابقاً إن رئيس أحد بلدان جنوب شرق آسيا و في لقاء له معي (2) أثناء الفترة التي حدث فيها انهيار عجيب في تلك المنطقة، قال لي: إعلم فقط إننا في ليلة واحدة تحوّلنا من بلد ثري إلى بلد فقير! هكذا هو الاقتصاد غير المقاوم. إذن، من العوامل المؤثرة على الاقتصادات هو هذه الهزات الاقتصادية المتنوّعة في العالم و التي تتسرّب و تنتقل إلى البلدان. و من العوامل المؤثرة أيضاً الكوارث الطبيعية التي تحدث، و من العوامل كذلك الهزات الخصامية من قبيل الحظر الاقتصادي. افترضوا على سبيل المثال أن تتخذ قرارات في مراكز اتخاذ القرار بشأن أسعار النفط فيخفضون سعر النفط إلى ستة دولارات للبرميل الواحد مثلاً. و هذا ما حدث لنا فعلاً. و الكثير من هذه الحالات ليست عفوية أو عادية، بل هي ممارسات مدروسة و مرصودة و مؤثرة و تابعة لقرارات معينة من مراكز معينة. إذن، العنصر الثاني هو القدرة على المقاومة إزاء عوامل الخطر و التهديد بالشكل الذي تمّ شرحه.
النقطة الثالثة الاعتماد على الإمكانيات و الطاقات الداخلية، و هو ما لوحظ أيضاً في هذه السياسات. و سوف أعود و أدلي ببعض الإيضاحات الموجزة حول هذه الإمكانيات و الطاقات، سواء الإمكانيات العلمية أو البشرية أو الطبيعية أو المالية أو الجغرافية أو الإقليمية. لدينا إمكانيات و طاقات مهمة. بمعنى أن الاعتماد الأصلي في هذه السياسات الخاصة بالاقتصاد المقاوم هو على الطاقات الداخلية و هي ضخمة جداً. و هذا لا يعني أن نغمض أعيننا عن الإمكانيات الموجودة في خارج البلاد، لا، يجب أن نستفيد بالتأكيد و إلى أقصى الحدود من الإمكانيات الخارجية، بيد أن نظرتنا و اعتمادنا هو في الغالب على الوضع و الإمكانيات الداخلية. تركيزنا على الطاقات الداخلية للبلاد و ما يملكه البلد في الداخل.
النقطة الرابعة هي المنحى الجهادي، و هي بدورها نقطة أخذت بنظر الاعتبار في هذه السياسات. الهمّة الجهادية و الإدارة الجهادية. لا يمكن التحرك بطريقة عادية مألوفة. لا يمكن بالتحرك العادي و ربما الناعس و الخالي من الاندفاع و الإحساس القيام بأعمال كبيرة، إنما لا بدّ من همّة جهادية، فهذه الأعمال تحتاج إلى تحرك جهادي و إدارة جهادية. يجب أن يكون التحرك علمياً و مقتدراً و قوياً و على أساس خطط و برامج، و جهادياً في الوقت نفسه. في الاجتماع الذي كان لي برؤساء السلطات الثلاث المحترمين في خصوص هذه القضية قبل أسابيع (3) أثرتُ هذا الموضوع. و الحمد لله قال لي السيد رئيس الجمهورية بحسم أن المسؤولين عن متابعة هذه الأمور في الحكومة مصممون على هذا التحرك الجهادي الجاد. و هذا شيء حسن بالتأكيد و لازم و لا يمكن التقدم إلى الأمام من دونه.
النقطة الخامسة التي أخذت بنظر الاعتبار في هذه السياسات هي محورية الشعب. و قد أثببت لنا التجربة، و التعاليم و المعارف الإسلامية تؤكد أيضاً أنه أين ما كان الناس متواجدين كانت يد الله معهم. «يد الله مع الجماعة» (4). أين كان الناس و الشعب كانت العناية الإلهية و العون و الدعم الإلهي. و الدليل و النموذج على ذلك هو ثمانية أعوام من الدفاع. و النموذج على ذلك هو الثورة ذاتها. و النموذج على ذلك عبور المنعطفات الصعبة طوال هذه الأعوام الخمسة و الثلاثين. لأن الجماهير كانوا في الساحة تقدمت الأمور إلى الأمام. و على الصعيد الاقتصادي يجب القول إننا قلّ ما اهتممنا بهذا الجانب. حينما صادقنا على سياسات المادة 44 و بلغناها كان هذا هو الدافع و السبب. طبعاً لم تؤدَّ حقوق تلك السياسات كما ينبغي. لقد تحدثت مع المسؤولين في هذا المكان في تلك السنين عن سياسات المادة 44 (5) و كانت موضع تأييد من قبل الجميع، و أنجزت بعض الأمور على الصعيد العملي يجب شكرها، و لكن لم يجر العمل بتلك السياسات كما هو حقها. علينا الاعتماد على الشعب و تقديره حق قدره. يجب أن ينزل الناس بإمكانياتهم إلى وسط الساحة الاقتصادية.. الناشطون و صناع فرص العمل و المبدعون و أصحاب المهارات و أصحاب الرساميل و الطاقات المتراكمة و اللامتناهية الموجودة في هذا البلد، و هي حقاً طاقات و قدرات لا تحصى. إننا على اتصال منذ سنين طويلة بمختلف شرائح الناس، و مع ذلك تتضح لنا بعض الأحيان أمور أجد أننا كنا غافلين عنها. هناك الكثير من الكوادر المستعدة للعمل أو ذات المهارات أو المبدعة أو الحاملة للعلم و المعرفة أو التي تمتلك الرساميل في البلد، و هي عناصر متعطشة للعمل، و يجب على الحكومة أن تمهّد الأرضية لتواجدهم و مشاركتهم و ترشدهم إلى الأماكن و المواطن التي يمكنهم أن يكرّسوا فيها طاقاتهم و قدراتهم، و تدعمهم. هذا هو الواجب الأساسي للحكومة. طبعاً النشاط الاقتصادي للحكومة في بعض القطاعات مما لا مندوحة منه، و لكن يجب منح النشاط الاقتصادي للناس، و هذا ما أخذ بنظر الاعتبار في هذه السياسات.
القضية السادسة هي أمن البضائع الاستراتيجية و الأساسية، و يأتي الغذاء و الدواء منها بالدرجة الأولى. يجب أن يتكوّن الإنتاج الداخلي للبلد بحيث لا يواجه أية مشكلة في مجال الغذاء و الدواء. هذا من العناصر الأساسية في هذه السياسات التي تمّ تبليغها. يجب أن نكتفي ذاتياً و ينبغي أن نهتم اهتماماً حقيقياً بالأعمال و الأرضيات التي توفر لنا الاكتفاء.
النقطة السابعة هي خفض التبعية للنفط. من أشدّ و أصعب آفات اقتصادنا هو هذه التبعية للنفط. هذه النعمة الإلهية الكبيرة سبّبت لبلادنا على مدى العقود الكثير من الانهيارات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية. يجب أن نفكر لها بحلّ أساسي. لا نقول يجب عدم الاستفادة من النفط، إنما يجب أن نعتمد على الحدّ الأدنى من بيع النفط الخام. يمكن بيع النفط على شكل منتجات نفطية، و هذا ما لوحظ في هذه السياسات. هذه من الأعمال الأساسية و المهمة التي يجب أن تتم و تنجز. و هذا ما يحتاج إلى همّة عالية و قد تناولنا هذا الموضوع في البند الثالث عشر من هذه السياسات، و يتحتم بكل جدّ أن يجري تنفيذ هذا البند.
الموضوع الثامن هو قضية إصلاح نموذج الاستهلاك.. قضية الاقتصاد و تجنّب الإسراف و التبذير و الإنفاقات الزائدة. طبعاً خطابي هنا موجّه بالدرجة الأولى للمسؤولين و المدراء في المؤسسات الحكومية. المسؤولون لا في حياتهم الشخصية - و هذه قضية تأتي بالدرجة الثانية من الأهمية - بل في مجال عملهم و مأمورياتهم يجب أن يتحاشوا البذخ و الإسراف بكل جد. إذا حصل هذا و كنا نحن المسؤولين في البلاد ملتزمين بهذا المبدأ فإن هذه الروح و هذه السجية و هذه الأخلاق سوف تنساب على الناس و تعمّهم. هناك في الوقت الحاضر الكثير من الإسراف بين الناس أيضاً و بين المتمكنين و الأثرياء.. ثمة إسراف في الكثير من الأحيان و الحالات. و نحن نخاطب الناس أيضاً، و لكن هنا من المواطن التي تصدق فيها العبارة القائلة: «كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم» (6). على كل المسؤولين في البلاد أن يتنبّهوا لهذه النقطة في إطار المؤسسة أو المنظومة التي يتولون مسؤولية إدارتها، فلا يكون هناك إسراف، و يكون نموذج الاستهلاك نموذجاً عقلانياً و مدبراً و إسلامياً بحق. إننا لا نطلب من الناس التقشف. البعض يحاولون أحياناً الإيحاء بهذا. بعد أن تمّ تبليغ سياسات الاقتصاد المقاوم و قبل أن يجفّ حبرها راح البعض يقولون بأن هؤلاء يدعون الناس للتقشف، لا، ليس الأمر كذلك بحال من الأحوال، بل على العكس من ذلك. نعتقد أنه لو تم تنفيذ هذه السياسات فسوف تتحسن أوضاع الناس المعيشية و تتيسّر حياة الطبقات الضعيفة. البلد الذي يكون فيه التضخم بدرجة مناسبة و العمالة و فرص العمل بمعدلات مناسبة سيعيش عموم الناس براحة و دعة و رفاه. لا نقول للناس إطلاقاً أن يعملوا بالتقشف، إنما نقول يجب عدم التبذير و الإسراف. الاستهلاك شيء و سوء الاستهلاك شيء آخر.
قبل بضع سنوات و في كلمتي في بداية العام تحدثت عن هذا الموضوع بالتفصيل (7). علينا نحن المسؤولين أن نجعل هذا الأمر نصب أعيننا و نركز عليه هممنا. الإسراف في الماء، و الإسراف في الخبز، و الإسراف في المواد الغذائية، و الإسراف في الدواء، و الإسراف في وسائل الحياة، و الإسراف في مستحضرات التجميل، و ما إلى ذلك، هذه كلها تهدر جزءاً مهماً من مصادر البلاد الحيوية. هذا أيضاً من الأشياء التي ينبغي أخذها بنظر الاعتبار.. الاستهلاك الجيد و الصحيح شيء يختلف عن الإسراف و الإهدار و إتلاف الأشياء.
النقطة التاسعة هي محاربة الفساد. إذا أردنا أن ينزل الناس إلى ساحة الاقتصاد فيجب أن تكون هذه الساحة آمنة. و إذا أردنا الأمن فيجب تقييد أيدي المفسدين و الاستغلاليين و من يريدون الالتفاف على القانون و انتهاكه. هذه هي محاربة الفساد، و يجب أخذها بجد. و لحسن الحظ فإن المسؤولين اليوم يتحدثون عن هذا لكن الكلام وحده لا يكفي. كل المسؤولين - سواء المسؤولون التنفيذيون أو المسؤولون القضائيون أو المسؤولون في السلطة التشريعية - يتحملون مسؤوليات في هذا الجانب. إذا كان وضع المجتمع و الوضع الاقتصادي في البلاد مثل بيت بلا باب و لا جدران، يدخله كل من أراد و يعمل فيه كل ما يحلو له، و يأخذ منه كل ما يريد، فواضح ما ستكون النتيجة، سوف لا يشارك الإنسان النجيب الكفوء الرزين الذي ينشد الرزق الحلال في مثل هذه الأجواء. الشفافية الشرط الرئيسي لمحاربة الفساد. يجب العمل على الشفافية و لا بدّ من توفير مناخ تنافسي، و لا بدّ أن تكون الأجواء مستقرة. الناشط الاقتصادي يتقدم و يشارك في مثل هذه الظروف و يشعر بالأمن في مثل هذه الظروف. و في مثل هذه الأجواء إذا حصل فرد بإبداعه أو رصيده أو إنتاجه على ثروة فإن النظام الإسلامي سوف يحميه و يدعمه و يؤيّده. إذا كان المناخ مناخاً سليماً فسيكون كسب الثروة و الربح شيئاً مباحاً و موضع تأييد و دعم و حماية النظام. كانت هذه هي النقطة التاسعة.
و النقطة العاشرة من مكوّنات سياسات الاقتصاد المقاوم هي محورية العلم، و هي بدورها من العلامات و الخصائص المهمة جداً. من حسن الحظ أن الوضع العلمي في البلاد اليوم يسمح لنا بمثل هذه المطامح المجنّحة، و أن نريد جعل اقتصادنا ذا محورية علمية. و سأعود و أشير إلى هذه النقطة لاحقاً. لدينا الكثير من العلماء و المتخصصين و الشركات العلمية المحور و الأفراد المبدعين المبتكرين في البلاد. و هذه من أهم البنى التحتية الاقتصادية في أي بلد. أي إن البنية الاقتصادية الأهم لأي بلد هي وجود طاقات بشرية. إذا أولينا هذه النقطة، و هي النقطة العاشرة الأهمية التي تستحقها فإن عجلة ما بين العلم و الثروة - خصوصاً في الأجزاء ذات المزايا و الامتيازات - سوف تدور طبعاً و تمتد. و هذا ما سيحصل إن شاء الله في الاقتصاد المقاوم. هذه أهم الخصوصيات التي جرى الاهتمام بها في هذه السياسات. و بطبيعة الحال ثمة نقاط أخرى موجودة في أصل السياسات، لكن هذه النقاط العشر كانت أهمّها و قد ذكرتها.
طيّب، السؤال هو: هل إثارة قضية الاقتصاد المقاوم في الظروف الراهنة يعني أننا نروم القيام بتحرك مقطعي مؤقت؟ هل لأن البلاد تتعرض في الوقت الحاضر للحظر و الضغوط و الحرب الاقتصادية، و كما لو تتشكل مثلاً لجان للتفكير و العمل لمواجهة الحرب الاقتصادية، قمنا بتبليغ هذه السياسات؟ الجواب هو: لا.. ليس الأمر على هذا النحو إطلاقاً. هذه السياسات سياسات طويلة الأمد. إنها مفيدة للوقت الحاضر، و هي مفيدة للفترات التي لا نواجه فيها أيّ حظر. بمعنى أنها سياسات بعيدة المدى يقوم عليها اقتصاد البلاد، و ليست تدبيراً مقطعياً مؤقتاً بل هي تدبير طويل الأمد و سياسة استراتيجية. طبعاً بلد مثل بلدنا - بلدنا كبير و عريق و له جذوره و موقعه الممتاز، و هو اليوم بلد حسن السمعة جداً في العالم، و له مكانته، و له ثقافته التقدمية، و له سوابقه المتألقة الشامخة، و له أهدافه السامية، و له آراؤه و أفكاره الجديدة المطروحة، إنه بلد بهذه الخصوصيات - يحتاج إلى أن يكون اقتصاده بنفس الخصوصيات التي لوحظت في سياسات الاقتصاد المقاوم. قلنا إن هذه السياسات ليست سياسات متحجّرة و لا مغلقة بحيث لو ظهرت فكرة جديدة أو مشاريع جديدة أو طرائق جديدة في العالم لا تستطيع استيعابها.. إنها ليست كذلك بحال من الأحوال، بل هي سياسات مرنة و يمكن استكمالها و تنميتها، بيد أن خطها المستقيم لن يتغير.
في النص الذي قمنا بتبليغه ذكرنا في البداية أربع نقاط أصلية باعتبارها الحوافز و الأسباب التي دفعت إلى تدوين هذه السياسات. و سأكرّر هنا هذه النقاط الأربع. النقطة الأولى هي الإمكانيات و الطاقات الكامنة المادية و المعنوية الهائلة في البلاد. لقد أشرنا إلى هذه القضية في مقدمة السياسات التي جرى تبليغها، و هي قضية على جانب كبير من الأهمية، فإمكانيات البلاد واسعة جداً. الكثيرون منا غير مطلعين على مديات هذه الإمكانيات العجيبة، أو غير متفطنين لأهمّيتها، قد نعلم بها و إحصائياتها في أيدينا لكننا لا نهتم لها. هكذا هم بعض المسؤولين.. يمتلكون الإحصائيات لكن هذه الأحصائيات لا تحظى باهتمامهم. و مثال ذلك الطاقات البشرية التي سبق أن أشرت لها. إننا الآن في أحسن الأحوال من حيث الطاقات البشرية و من حيث التوفر على الكوادر الشابة. أي إن أكثر من 31 بالمائة من سكان إيران الآن هم بين الخامسة عشرة و التاسعة و العشرين من العمر، و هذه الوضعية ممتازة و استثنائية. طبعاً إذا لم يجر الاهتمام بما قلته مراراً حول السكان و النسل فسوف نفقد هذه الميزة في مستقبل غير بعيد. و سوف يجري تبليغ سياسات النسل أيضاً إن شاء الله، و هي الآن في طور الإعداد. وضعنا في الوقت الحاضر هو هذا: أكثر من 31 بمائة من السكان هم شباب، و لدينا من الطلبة الجامعيين أكثر مما كان لدينا في بداية الثورة بـ 25 ضعفاً - سكان البلد ازداد بالقياس إلى بداية الثورة بمقدار الضعف، بينما ازداد عدد الطلبة الجامعيين 25 ضعفاً، أي وصلنا من مائة و عشرين ألف طالب جامعي إلى أربعة عشر مليون و مائة ألف طالب جامعي. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية و حدث عظيم جداً. هذا النمو مهم و ما نمتلكه الآن مهم - لدينا عشرة ملايين خرّيج جامعي، و خمسة و ستين عضواً في الهيئات العلمية في الجامعات و هو عشرة أضعاف ما كان لنا في بداية الثورة، و لدينا خمسة آلاف شركة علمية المحور يعمل فيها حالياً سبعة عشر ألف متخصص و ناشط.. لاحظوا كم هي إمكانيات مهمة، و كانت النتيجة أنه طبقاً لتقارير المراكز التي تحدد المراتب العلمية للبلدان أحرزنا المرتبة الخامسة عشرة في العالم - في أحد المراكز كنا في المرتبة السادسة عشرة و في مركز آخر أحرزنا المرتبة الخامسة عشرة.. بهذه الحدود - و هذه طبعاً أرقام العام الميلادي السابق أي سنة 2013 . هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. و مرتبتنا في بعض الحقول العلمية أعلى حتى من هذا. و في بعض الفروع العلمية نعدّ من البلدان السبعة أو الثمانية الأولى في العالم، و في بعض الأمور نحن من البلدان الأربعة أو الخمسة الأولى في العالم. هذه هي تلك البنية التحتية، أي الطاقات البشرية.
و إمكانية أخرى من الإمكانيات هي الأرصدة و الثروات المعدنية. إننا نحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث احتياطيات النفط و الغاز. و قد ذكرت هذا في بداية العام المنصرم (8). من حيث مجموع احتياطيات النفط و الغاز - الاحتياطيات الجوفية داخل الأرض - نقع في الرتبة الأولى في العالم. أي إننا من حيث الغاز ثاني بلد في العالم و من حيث النفط ثاني أو ثالث بلد في العالم. و في الفترة الأخيرة رفع لي السيد رئيس الجمهورية تقريراً يفيد أننا ارتفعنا إلى المرتبة الأولى عالمياً في احتياطيات الغاز، و نحن ثاني بلد عالمياً في النفط يقيناً. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. ما من بلد في العالم يمتلك المقدار الذي تمتلكه إيران من النفط و الغاز. و النفط و الغاز هما شريان حياة العالم في الوقت الحاضر. هذا هو الحال في الوقت الحاضر على الأقل، و سيبقى هكذا إلى سنين طويلة في المستقبل، و من غير المعلوم متى ستستغني البشرية عن النفط و الغاز و تتحرّر منهما. هذه المادة الحيوية الأساسية موجودة في بلادكم أكثر من أي بلد آخر. فهل هذه إمكانية قليلة؟ هل هذا بالشيء القليل؟ كان هذا عن النفط و الغاز، و هناك إلى جانبهما أرصدة و ثروات معدنية أخرى، من قبيل مناجم الذهب و مناجم الأسمنت و مناجم المعادن النادرة و القيمة. التقارير التي تصلنا تقارير عجيبة جداً في بعض المجالات. هذا عن الإمكانيات المعدنية في البلاد. الإمكانيات الصناعية و التعدينية متنوّعة و هائلة. المرتبة السابعة عشرة في اقتصادات العالم - و هذه من الإحصائيات و التقارير الدولية - بنحو ألف مليار دولار من النتاج القومي الإجمالي. و أرصدة البنى التحتية من قبيل الطرق و السدود. يوجد في البلاد اليوم أكثر ستمائة سدّ بأحجام مختلفة. لقد استلمت الثورة الإسلامية هذا البلد و ليس له في كل أنحائه من السدود سوى عشرة أو خمسة عشر سداً. و اليوم يوجد ستمائة و نيّف من السدود متوزّعة على أنحاء البلاد، و بأحجام كبيرة و صغيرة، و البعض منها كبيرة و مهمة جداً. و كذا الحال بالنسبة لقضية الطرق. الإحصائيات بخصوص الطرق أيضاً إحصائيات جيدة. و هناك المزايا و الإمكانيات الجغرافية، و الإطلال على المياه الحرّة، و موقع التقاطع بين الشمال و الجنوب و الشرق و الغرب و الذي يحقق ميزة ترانزيتية على جانب كبير جداً من الأهمية. و هناك التنوّع الإقليمي، و إمكانيات الأشكال النظيفة من الطاقة من قبيل الطاقة المائية و الطاقة الشمسية و الطاقة النووية. هذه إمكانيات موجودة في البلاد. إذن، كانت هذه هي النقطة الأولى التي تحضّنا على الاتجاه نحو نموذج اقتصادي اسمه الاقتصاد المقاوم.
النقطة الثانية هي المشكلات التي نعاني منها - و هي مشكلات مزمنة و قديمة - و التي لا يمكن معالجتها إلّا بحراك اقتصادي جمعي مهم. و من هذه المشكلات التبعية للنفط التي أشرنا لها، و منها أيضاً التعوّد على الاستيراد - و من دون مراعاة الأولويات، و هي عادة نحن مصابون بها للأسف و لم نستطع الإقلاع عنها، فأنظارنا مسمّرة على الإنتاج الخارجي - و هناك التضخم المزمن و البطالة و العيوب الموجودة في بعض بُنانا الاقتصادية و أشكال نظمنا المالية - نظمنا المالية و المصرفية و الجمركية - و هناك الإشكال الذي نعاني منه في نموذج الاستهلاك، و الإشكال في عمليات الإنتاج، و الإشكال في الفائدة. هذه هي المشكلات الموجودة في البلاد و التي يجب مجابهتها. من الأمور التي تثير أي إنسان مخلص و أي مسؤول هميم لإطلاق مشروع أو حركة من قبيل الاقتصاد المقاوم، هو وجود هذه المشكلات. هذه مشكلات لا يمكن معالجتها إلّا بحركة جهادية و جماعية و مخلصة و مستمرة بكل ما تستلزمه من أمور سوف أعرض لها.
النقطة الثالثة هي التهديدات الاقتصادية الخارجية. لقد كان الحظر موجوداً في السابق، لكن هذا الحظر تحول منذ شتاء سنة 90 [ شتاء 2011 م ] تقريباً إلى حرب اقتصادية، و لم يعد اسمه حظراً هادفاً، بل هو حرب اقتصادية حقيقية معلنة ضد شعبنا. و السبب في هذه الحرب ليس الملف النووي و لا قضية حقوق الإنسان، و لا القضايا الأخرى من هذا القبيل. السبب يعرفونه هم أنفسهم، و نعرفه نحن أيضاً. السبب هو إرادة الاستقلال لدى شعب إيران. السبب هو رفع كلمة جديدة على أساس ركائز الإسلام ستكون نموذجاً يحتذى للبلدان الأخرى و للشعوب المسلمة. يعلمون أن الجمهورية الإسلامية إذا نجحت في هذه الميادين و المجالات فلن يعود بالإمكان الحؤول دون نمو هذه الحركة في العالم، و هذه حركة مهمة. هذه هي القضية. أما الذرائع فهي في يوم من الأيام الملف النووي، و في يوم آخر التخصيب، و في يوم آخر حقوق الإنسان، و في يوم آخر كلام آخر على هذا الغرار. لقد كان الحظر مفروضاً علينا حتى قبل بدء قضية الطاقة النووية، و سيكون بعد ذلك أيضاً. هذه القضية النووية و هذه المفاوضات إذا وصلت إلى نتيجة إن شاء الله فسوف ترون أن هذه الضغوط ستبقى أيضاً، و يجب أن نصون أنفسنا حيال هذه الضغوط.. يجب تمتين و تقوية البنية الداخلية. يجب تقوية الاقتصاد حتى ييأس العدو من التأثير على هذه الناحية. حينما ييأس العدو سوف يرتاح بال الشعب و المسؤولين في البلاد.
النقطة الرابعة هي الأزمات الاقتصادية في العالم. و سبق أن أشرت أنها ناجمة عن الاقتصاد الغربي و الاقتصاد الأمريكي. و في أوربا نفسها كان تفشي مشكلات أمريكا و انتشارها هو الذي خلق لهم المشاكل، على الرغم من وجود أرضية مساعدة عندهم. و كذا الحال في مواطن أخري أيضاً. و نحن لا نريد بناء سور حولنا، فنحن لا نستطيع و لا نريد أن نقطع علاقاتنا بالعالم من النواحي الاقتصادية. لا هذا الشيء ممكن و لا هو جيد و لا محبّذ، و إذن، فسوف نتأثر بهم، لذلك يجب أن نعزز اقتصادنا و نقوّيه. كانت هذه هي الأسباب و الدوافع الأربعة لضرورة الاقتصاد المقاوم. و كان هذا هو الجانب الثاني من كلامنا.
الجانب الثالث هو الإلزامات و التوقعات. طيّب.. لقد طرح الآن هذا المشروع الكبير و خارطة الطريق الواسعة الشاملة هذه، و لكن مجرد طرح السياسات لا يعالج مشكلة، فهذه هي بداية الطريق. يجب القيام بأعمال:
الشيء المهم بالدرجة الأولى هو العزيمة الجادة للمسؤولين و المدراء الأصليين و الناشطين من أبناء الشعب. على مسؤولي البلاد أن يتخذوا قراراً - السلطة التنفيذية بالدرجة الأولى و المسؤولين الحكوميون و كذلك السلطة التشريعية و السلطة القضائية و القطاعات المختلفة ذات الصلة بالقضايا و الشؤون الاقتصادية - و لا بدّ أن يتحلوا في هذه القضية بالعزيمة الجادة الراسخة. من دون عزيمة جادة راسخة لن تتقدم الأمور إلى الأمام.
ثانياً النزول إلى ساحة العمل، فالعمل هنا هو عمل صالح. كل من يقوم في هذه الساحة بعمل و يبذل جهداً فسيكون يقيناً مصداقاً لـ «و عملوا الصالحات» (9). هذا المشروع الكلي و خارطة الطريق هذه يجب أن تتحول إلى برنامج أو برامج متعددة. إذا لم يحصل هذا فلن تتحقق الملحمة الاقتصادية بالمعنى الحقيقي للكلمة. لقد سمّينا هذا العام بعام الملحمة السياسية و الملحمة الاقتصادية، و قد تحققت الملحمة السياسية و الحمد لله، لكن الملحمة الاقتصادية تأخّرت للأسف، و لكن الآن و في نهاية العام سيكون هذا مستهلاً لملحمة اقتصادية يجب بالتأكيد أن تتابع إن شاء الله في العام القادم 93 بكل جدّ من قبل المسؤولين، و ينبغي أن تبدأ على الصعيد العملي.
المسألة الثالثة هي تبديل المشروع إلى برامج و سياسات تنفيذية، و قد صدر الأمر بذلك من قبل رؤساء السلطات الثلاث. لقد أمر رئيس الجمهورية المحترم، و كذلك رئيس السلطة التنفيذية المحترم، و كذلك رئيس السلطة القضائية المحترم، أمروا المؤسسات التابعة لهم بإعداد البرامج التنفيذية في كل قطاع، لكنني أروم التشديد على قضية الزمن و الجدول الزمني. يجب وضع جدول زمني. لقد شاهدت التعميمات التي بعثها السيد النائب الأول للأجهزة و المؤسسات، و يجب وضع جدول زمني ليتبين كم من العمل قد أنجز و إلى متى يجب أن ننتظر تحقق هذه البرامج و من بعد ذلك تنفيذها. يجب أن تأخذ الأمور وتيرة سريعة، و ينبغي تعيين حصة كل سلطة. يجب تعيين حصة كل جهاز و مؤسسة في السلطات المختلفة و خصوصاً السلطة التنفيذية.
النقطة الرابعة هي التنسيق بين القطاعات المتنوّعة، و طبعاً آليات هذا التنسيق يجب أن يعينها رؤساء السلطات الثلاث. التنسيق سوف يساعد.. التنسيق بين مجلس الشورى الإسلامي و الحكومة، و بين مجلس الشورى الإسلامي و الحكومة و السلطة القضائية. في بعض القطاعات لا يمكن العمل من دون تنسيق، و في بعض القطاعات للتنسيق تأثيره و إنْ بدرجات أقل. على كل حال التنسيق ضرورة من الضرورات. و على رؤساء السلطات أن يعدّوا آليات التنسيق إن شاء الله.
المسألة الخامسة هي الإشراف على كل المستويات. يجب أن يكون هناك إشراف. على رؤساء السلطات أن يشرفوا على الأجهزة و المؤسسات التابعة لهم، و على مجمع تشخيص مصلحة النظام أن ينهض بمسؤولياته الإشرافية الملقاة على عاتقه بشكل كامل، و أن يرى ما الذي يحدث، و سوف تشرف القيادة و جهازنا أيضاً إن شاء الله. إذن، الإشراف من الإلزامات الأصلية.
الأمر السادس هو رفع الموانع و العقبات. ثمة موانع يمكن رفعها. هناك موانع قانونية - و قد قلت في ذلك الاجتماع الذي كان لنا برؤساء السلطات الثلاث بإن تراكم القوانين على القوانين يخلق مشكلة، و يجب رفع القوانين المزاحمة، و هذا ما يستطيع مجلس الشورى الإسلامي القيام به، و إلّا فإن لدينا الآن قوانين، و إذا شرّعنا قوانين فوق تلك القوانين، فسيمكن تفسير تلك القوانين و خلق مشاكل و موانع، لذا يجب النظر و التدقيق و تشخيص القوانين المزاحمة - و هناك عقبات حقوقية و قضائية يجب تشخيصها و رفعها. ينبغي أن يشعر الناشطون الاقتصاديون و صنّاع فرص العمل و المبدعون و المستثمرون و العلماء أنهم لا يواجهون عقبات غير معقولة، ليستطيعوا التحرك و العمل.
الضرورة السابعة أو العمل اللازم السابع هو صناعة خطاب. يجب رسم صورة صحيحة للاقتصاد المقاوم. طبعاً مؤسسة الإذاعة و التلفزيون و وسائل الإعلام في البلاد يجب أن تتحمل واجباتها في هذا المضمار، لكن الأمر لا يختص بها. الأجهزة الإعلامية المعارضة للبلاد و المعارضة للثورة و المعارضة لتقدم إيران الوطني لديها الكثير مما تفعله و قد بدأت عملها - قد شاهدنا ذلك - و سوف يفعلون أكثر من الآن فصاعداً بخصوص الاقتصاد المقاوم و خلق المشكلات و نحت الموانع و العقبات و إثارة الضجيج و اللغو أحياناً و الإيحاء بعدم أهمية ما هو في غاية الأهمية. يفعلون كل هذا. و يجب العمل بالاتجاه المعاكس لأعمالهم هذه. على المسؤولين و أصحاب الفكر و المخلصين أن يرسموا صورة صحيحة لهذا التحرك الكبير و العام، و يصنعوا خطاباً ليعلم الناس و يعتقدوا و يريدوا ذلك. ففي هذه الحالة سيكون الأمر ممكناً عملياً.
و النقطة الأخيرة التي أذكرها في هذا الخصوص و أنهي بها كلامي هي قضية المسح و الرصد و الإعلام. يجب أن تكون هناك مراكز رصد قوية و يقظة ترصد الإنجازات و التقدم في الأعمال بشكل دقيق، و تجمع المعلومات و تعالجها و تستنتج منها، و في بعض الأحيان تشخّص الخطوة أو الحركة التي يجب القيام بها في مقطع زمني معين، و تشخّص المعايير و المؤشرات في كل قطاع و مجال، و بالتالي يجب عليها إعلام الناس و إطلاعهم، فالناس يحبّون أن يعلموا و يطلعوا. هذه هي مجموعة النقاط التي أردت أن أذكرها لكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء.
لقد بدأ عمل كبير، و بمستطاعنا إن شاء الله التقدم بالأعمال و الأمور إلى الأمام بعقد الهمم و التوكل على الله سبحانه و تعالى و خطوة بعد خطوة و بسرعة مناسبة و لازمة. و القضية بحيث اعتقد أن آثارها و نتائجها لن تظهر على المدى البعيد. البرامج برامج طويلة الأمد لكن نتائجها سوف تتحقق بسرعة إن شاء الله، أي إن بدء قطف الثمار في هذا المشروع و الشعور العام لدى الشعب بحلاوة هذه النتائج لن تكون إن شاء الله بعيدة و متأخرة. نتمنى إن شاء الله أن يشعر الناس بهذه الثمار و النتائج في هذا التحرك الكبير العام و يذوقوها خلال فترة هذه الحكومة و بفضل التقدم الذي سيحصل و الأعمال التي ستنجز.
نسأل الله تعالى أن يساعدنا و يعيننا و يهدينا جميعاً، و يدلنا على نقاط ضعفنا، و يجعلنا بصيرين بنقاط ضعفنا و نواقصنا، و يلهمنا ما يرضيه، و يوفقنا لأدائه. و أتقدم بالشكر لكل الإخوة و الأخوات لحضورهم و استماعهم. و أتوقع و أرجو أن يكون هذا الاستماع إن شاء الله مقدمة لتحرك عام.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - بتاريخ 30/11/1392 هـ ش [ 19/02/2014 م ] .
2 - بتاريخ 19/09/1376 هـ ش [ 10/12/1997 م ] .
3 - بتاريخ 06/12/1392 هـ ش [ 25/02/2014 م ] .
4 - نهج البلاغة، الخطبة رقم 127 .
5 - اللقاء بالمسؤولين الاقتصاديين و المسؤولين عن تنفيذ المادة 44 من الدستور الإيراني بتاريخ 30/11/1385 هـ ش [ 19/02/2007 م ] .
6 - بحار الأنوار، ج 67 ، ص 309 .
7 - بتاريخ 01/01/1377 هـ ش [ 21/03/1998 م ] .
8 - 01/01/1391 هـ ش [ 20/03/2012 م ] .
9 - من ذلك سورة العصر، شطر من الآية 3 .