بسم الله الرحمن الرحيم

و الحمد لله، و الصلاة على رسول الله و على آله الطاهرين.
مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء. كما قالوا (1) فإن هذا الميعاد يمثل منذ سنين فرصة بالنسبة لي أنا أيضاً: ألتقي بوجوه النواب المحترمين عن قرب، و أسمع تقارير حول إنشطتهم هي في الغالب تقارير جيدة و مريحة، و أذكر بعض النقاط و الأمور. هذه فرصة بالنسبة لنا، و نشكر الله على أن وفقنا لهذا الشيء في هذه السنة أيضاً. أتقدم بالتعازي بمناسبة يوم استشهاد الإمام موسى بن جعفر (سلام الله عليه)، و أبارك أيام بعثة الرسول الأكرم (ص)، و ذكرى أيام ملحمة الثالث من خرداد الكبرى و فتح خرمشهر و جهاد الشباب الإيراني المخلص المضحّي.
المهم هو أن نتنبّه - سواء أنتم أو أنا أو باقي المسؤولين - أين ما كنا إلى أن ما في أيدينا هو أمانة، و أداء هذه الأمانة واجب قطعي و شرعي. و سوف يسألنا الله تعالى عن ما فعلناه و عن ما لم نفعله. ينبغي أن نتنبّه لهذا الشيء.
و فترة المسؤولية عابرة غير باقية. لقد مضت من دورة المجلس التاسع التي تستمر أربعة أعوام، سنتان. كل أحداث العالم تمضي هكذا سريعة، و كذا الحال بالنسبة لعمر الإنسان. هذا التمثيل القرآني يهزّ الأعماق: النبتة الخضراء التي تنبت و تخرج من الأرض في بداية الربيع أو التي تتبرعم من أغصان الأشجار اليابسة، نبتة خضراء جميلة، و المرء يستمتع بالنظر للأوراق الخضراء و للخضرة في الربيع، فهي طرية و يانعة و في طريقها للرشد، و لا يمضي كثير من وقت حتى يحين الصيف فتبدي هذه النبتة ما أودع في داخلها من مواهب - سواء الفاكهة في الأشجار أو المحاصيل الزراعية - و لا يمضي كثير من وقت أيضاً حتى يحين الخريف، فتتحول نفس تلك النبتة الجميلة الخضراء الطرية إلى أوراق يابسة، « فَاَصبَحَ هَشيمًا تَذروهُ الرِّيح» (2).. هذا الوجه الجميل الجذاب الطري يتبدل إلى هشيم تذروه الرياح و تنشره هنا و هناك. و نحن أيضاً كذلك، فهذا هو المنظر العيني لأعمارنا: تبدأ من مكان ما و تمرّ بالطفولة و الشباب و الطراوة و الحيوية و النشاط و الإمكانيات و الآمال الكبيرة، ثم نصل إلى الكهولة فيبرز ما فينا من مواهب بقدر هممنا و مساعينا، ثم ننحدر إلى الشيخوخة. يقول الشاعر:
بقيت طويلاً في هذه الديار القديمة
إلى أن جعلتني أحاديث «دي» و «بهمن» قديماً (3)
نصبح قديمين بالين متهرّئين.. « فَاَصبَحَ هَشيمًا تَذروهُ الرِّيح» (4).. نصبح مثل تلك الأعواد اليابسة و الهشيم. هذا هو العمر، و هذه هي طبيعة الحياة. يجب فهم هذه الحقيقة. طالما كان الإنسان شاباً لا يدرك هذا، و في مثل أعمارنا يشعر المرء بهذا الشيء و يدركه أكثر. طول هذه الحياة أمام أنظارنا: الخضرة و الطراوة و الحيوية و الاستعداد و الجاهزية و بعد ذلك النضج تدريجياً و من بعد النضج التهرّؤ تدريجياً. هذا ما يشاهده المرء أمام عينيه. يجب العمل بهذه النظرة. ثم أمام الحساب الإلهي، حيث «ما يلفِظُ مِن قَولٍ اِلّا لَدَيهِ رَقيبٌ عَتيد» (5) كل كلمة تصدر عنا تسجل و تثبت، و كل حركاتنا و أعمالنا و خطواتنا، بل كل أفكارنا و خطرات قلوبنا. ينبغي العمل بهذه الذهنية، أنتم على مقاعد مجلس الشورى الإسلامي، و الهيئة الرئاسية المحترمة - و أبارك لهم أيضاً لأنهم حظوا مرة أخرى بثقة النواب - (6) في موقع الرئاسة و الإدارة، و أنا في موقعي، و المسؤولون الحكوميون كذلك، يجب علينا جميعاً النظر بهذه المنهجية. ثمة أمانة يجب أن نؤديها. «اِنَّ اللهَ يأمُرُكم اَن تُؤَدُّوا الاَمانتِ اِلى‌ اَهلِها» (7). و أداء الأمانة هو بأن نعرف ما هو واجبنا، و نسعى من أجله في حدود الوسع - و لم يُطلب منا أكثر من هذا - و نتقدم إلى الأمام سريعاً إلى حيث نستطيع.
إيها الإخوة و الأخوات الأعزاء.. النقطة الجديرة بالذكر هي أن النظام الإسلامي تكوّن بالكفاح، و ما كان ليظهر بدون الكفاح، و كذا الحال بالنسبة لكل المطامح و الآمال الكبيرة في العالم. و الحفاظ على النظام الإسلامي و صموده إنما كان بالكفاح، فلو لا كفاح الشعب و لو لا كفاح الإمام الخميني، و لو لا كفاح المسؤولين في الميادين و الساحات المختلفة، لما بقي هذا النظام و لمحق و زال. و كما ترون في مناطق من العالم - و هي ليست بعيدة عنا - تقع حادثة و تتوفر فرصة، بيد أن أصحاب هذه الفرصة لا يستطيعون الحفاظ عليها فيفقدونها. لاحظوا ما الذي يحدث في شمال أفريقيا و في مناطق أخرى. مثل هذا المصير بعينه كان يمكن أن يحدث للجمهورية الإسلامية حيث تقع حادثة معينة أو حركة و يظهر النظام الإسلامي بشعارات براقة و جذابة، ثم تتغير الأوضاع تماماً بعد مدة قصيرة و يزول النظام. ما حال دون وقوع هذا الشيء هو الكفاح.. الكفاح الصميمي و الجدي و العقلاني. ينبغي أن لا ننسى هذا الشيء. أعداؤنا لا يريدون الاعتراف بأن شعب إيران عمل بطريقة عقلانية في طريق تقدمه، بيد أن هذا هو واقع الأمر، فلو لم يكن العمل عقلانياً عقلائياً لما استقام و لما بقي النظام و لما تقدم إلى الأمام و لما وصل إلى النتيجة. إذن كان العمل عقلانياً. كان تحرك شعب إيران تحركاً صميمياً صادقاً، «فَلَمّا رَأَى اللهُ صِدقَنا اَنزَلَ بِعَدُوِّنَا الكبتَ وَ اَنزَلَ عَلَينَا النَّصر» (8).. هذا ما قاله الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع). لقد ثبت صدق شعب إيران في الميادين و الساحات المختلفة.
طيّب، يمكن القعود في جانب و العثور على عيوب هنا و هناك، و مشاهدة بعض الإشكالات و تسجيل الاعتراضات. نعم، هذا واضح، و لكن يجب عدم تعميمه، إذ لا يمكن تعميمه، و ما يمكن تعميمه هو: الصدق و التحرك و الكفاح. إذن، النظام ظهر بالكفاح و بقي بالكفاح. و أقول إن مهمتنا أنا و أنتم هي مواصلة ذلك الكفاح، إذ من دون الكفاح لا يمكن الوصول إلى تلك الأهداف، و السبب واضح. ليس السبب هو أن نظام الجمهورية الإسلامية نظام ينشد الحرب، لا، ليس هذا هو واقع القضية بحال من الأحوال. عندما تريدون المرور بسفينة من منطقة في البحر فيها قراصنة فيجب أن تتجهزوا و تستعدوا. هذه هي طبيعة العمل. يجب أن تستطيعوا الدفاع عن أنفسكم و أن تتوفر لديكم محفزات الدفاع. إذا لم تتوفر لديكم محفزات الدفاع فسيكون مصيركم معلوماً: سوف ينهبونكم و يشردونكم و تخسرون سفينتكم و تخسرون أرواحكم، أو تبقون على قيد الحياة بذلة و أسر. هذه هي القضية في العالم. و الفرق بين القراصنة في العالم اليوم - و هم قراصنة بحر و بر و هواء و كل مكان - و بين القراصنة المعروفين في التاريخ و الحكايات و الأساطير و الواقعيات الخارجية هو أنهم متسلحون بالعلم. هذا ما حقق لهم الصيت. و العلم جعل وجوههم تخرج في العيون و الأنظار عن تلك الحالة الوحشية، و العلم زاد من ثروتهم. هذا هو فرقهم الوحيد. لقد عملوا بطريقة عقلانية و حققوا لأنفسهم العلم لكنهم لم يحققوا الأخلاق، لذلك يرتكبون الجرائم بسهولة، و يخونون المبادئ الإنسانية بسهولة، و يؤجّجون الحروب بسهولة، و يستخدمون الأسلحة الكيمياوية بسهولة، و يعطون الأسلحة الكيمياوية لمن يستخدمها بسهولة، و لا يكترثون لشيء، و يخفون هذه الممارسات في مقام الكلام و الأدلة بالألوان الرائقة و المسميات البراقة المتنوعة ليحولوا دون أن يعلم أحد بشيء. أي إن جرائمهم فاقت جرائم القراصنة التقليديين الذين تتحدث عنهم الأساطير و الأفلام، فهم يرتكبون الذنب الكبير و يظهرونه على أنه عمل صواب.
إننا نواجه مثل هذا العالم، و نواجه مثل هذه الجبهة، و لا مناص أمامنا سوى الدفاع عن أنفسنا. هذا هو الكفاح. الذين ينظّرون للاستسلام و التسليم و إطاعة العتاة المتعسفين و يتهمون النظام الإسلامي بأنه طالب حرب أو منظّر للحرب، إنما يمارسون الخيانة و الكذب. لا، النظام الإسلامي نظام إنساني، و هو نظام شرف و احترام لكرامة البشر، و نظام سلامة، «وَ الصُّلحُ خَير» (9). في كل هذه الساحات و المجالات، سواء في مجال إدارة البلاد أو مجال الأنشطة الاقتصادية المتنوعة أو المجالات العلمية و الثقافية و غيرها، أو ميادين رسم السياسات و التخطيط، أو مجال التشريع و سن القوانين، أو مجال المفاوضات الخارجية و ما إلى ذلك من ميادين و مجالات، يجب أن نعلم أننا في حال كفاح، و أننا نسير مواصلة لدرب الكفاح الذي أدّى إلى ظهور النظام الإسلامي و بقاءه، هذا ما يجب أن نعلمه. ينبغي أن يسود هذا التفكير على كل أنشطتنا، و أن نأخذ هذه القضية بنظر الاعتبار في كل عمل نقوم به. قوى الشياطين في العالم تريد تدمير أي مكان أو موقع من المواقع البشرية لا يكون في خدمتهم، هذه هي نواياهم و قراراتهم، و أنتم تلاحظون بالتالي ما يفعلون، و كيف يريدون كل شيء لخدمتهم، و كيف يريدون للآخرين الاستسلام أمام قوّتهم و عسفهم و زعيقهم العنيف، و إلّا فسوف يعارضون و يكافحون و يتعاركون. يجب تقوية الذات و الصمود مقابل هؤلاء، هذا هو أساس الأمر. أنتم في مجال التشريع، و الأجهزة الحكومية في مجال التنفيذ، و المسؤولون على اختلاف صنوفهم في القطاعات و المؤسسات المتنوعة، الكل ينبغي أن يتنبه لهذه المسألة. هذا هو ما نقوله. العمل الأساسي الذي يقع على عاتق مجلس الشورى الإسلامي هو مواصلة الكفاح و النضال الذي أفضى إلى انتصار الثورة و إلى بقاء هذه الثورة و استمرارها.
طيّب، إلى متى سوف يستمر هذا الكفاح؟ الكفاح و الجهاد بمعنى من المعاني لا ينتهيان - فالشيطان موجود دائماً في عالم الدنيا - و بمعنى من المعاني يتغيّر شكل الجهاد حسب المواقع و الظروف. إذا استطاعت البلدان و الشعوب أن تعقد الهمم و تحرر المجتمع البشري و المجتمع العالمي من تحت نير كابوس الاستعمار و الاستكبار، فإن المشكلة سوف تنحل. بمعنى أن المشكلة الأساسية للبشرية هي هذه. الأجهزة الاستكبارية اليوم و على رأسها أمريكا نزلت كالكابوس على جسد البشرية و فكرها و روحها، و أحاطت بها و راحت تعتصرها و تضغط عليها و تمزقها و تفسد حياتها. إذا استطاعت البشرية أن تحرر نفسها من هذه الظلال الثقيلة و من هذا الكابوس المرعب، عندئذ سوف تتنفس الصعداء. و هذا بالطبع ليس بالعمل السهل بل هو عملية صعبة و تحتاج إلى كفاح طويل مديد. و قد قطع شعب إيران خطوات واسعة على هذا السبيل. نفس تأسيس النظام الإسلامي كان الخطوة الأوسع على هذا الدرب، و كان تشكيل مجلس التشريع الذي يعد تجسيداً للديمقراطية الإسلامية و بدورات متعاقبة متتابعة من أكبر الأعمال و الإنجازات، و نفس تواجدكم و عملكم في هذا الموقع كنواب للشعب و مظهر للديمقراطية الدينية هو بحد ذاته كفاح، فينبغي معرفة قدر هذا الشيء و التقدم به إلى الأمام.
رفعنا في بداية هذا العام شعار «الإدارة الجهادية»، و هذه الإدارة الجهادية لا تختص بالحكومة، بل تشمل مجلس الشورى الإسلامي أيضاً، و طبعاً في مضمار أعمال و مسؤوليات المجلس، أي التشريع و الإشراف و هما المسؤوليتان الأساسيتان لمجلس الشورى الإسلامي. إذا جرى النهوض بهذه المسؤوليات بشكل جدي و بعيداً عن الدوافع و المحفزات الشخصية و بمنأى عن أي شيء سوى خدمة مصالح البلد لكان ذلك أكبر عمل جهادي. هذا هو معنى العمل الجهادي. ينبغي عدم إشراك المحفزات و الدوافع المختلفة، بل يجب النظر للأولويات. إنني أشدد على الاقتصاد المقاوم، و قد ذكرت في بداية السنة، و أوصيكم الآن أيضاً بأنه يجب في الخطة الخمسية السادسة التي أمامكم أن تشددوا على الاقتصاد و الثقافة و العلم. الاقتصاد المقاوم خطوة واسعة و كبيرة يمكن اتخاذها في هذا المجال، و تتحمل الأجهزة الحكومية و أجهزة إدارة البلد - سواء مجلس الشورى الإسلامي أو الحكومة أو القطاعات و المؤسسات المختلفة - واجبات في هذا النطاق. الاقتصاد المقاوم هو علاج مشكلات البلاد. لا يمكن البحث عن علاج مشكلات البلاد - سواء المشكلات الاقتصادية أو المشكلات السياسية - خارج هذه الحدود. يجب العمل و على كل من يجيد شيئاً أن يقوم به، و نحن نؤيد و نعاضد و قد قلنا هذا مراراً، فنحن ندافع عن كل الذين لديهم مبادرات و إبداعات و تحركات في الميادين المختلفة - سواء الخارجية منها أو الداخلية - و ندافع عنهم دفاعاً صميمياً و حقيقياً و ليس دفاعاً صورياً، لكننا نعتقد أن الشيء الذي يعالج مشكلات البلاد يكمن في داخل البلاد و في وجودنا أنا و أنتم. نحن الذين نستطيع أن نبادر و نكون كفوئين قادرين و نعرف ما الذي يجب فعله و كيف نعمل، و نعلم ما هو الطريق الصحيح، و نبادر إلى عمل الشيء الصحيح بجرأة و شجاعة، و عندئذ سوف تعالج مشكلات البلاد دون شك. الاقتصاد المقاوم هذا خطوة كبيرة و واسعة.
طبعاً منذ اليوم الذي أعلنت فيها سياسات الاقتصاد المقاوم و تكرر ذكرها (10) بدأ مختلف المسؤولين - سواء في الحكومة أو في مجلس الشورى الإسلامي المحترم، أو في مختلف الأجهزة و المؤسسات - يتحدثون بالإيجاب و المديح و الثناء عن هذه السياسات الخاصة بالاقتصاد المقاوم، و قد قيل هذا كثيراً، بيد أن تجربتي تقول لي إن المديح لا يكفي و الثناء لا يجدي، بل لا بد من تحرك. نعم.. يأتي أفراد و يتحدثون على مختلف المنابر العامة أو في اجتماعات خاصة عن إيجابيات و مزايا الاقتصاد المقاوم، و كلامهم في الغالب صحيح، و لكن يجب بالتالي العمل و المبادرة. ما تم القيام به في مجلس الشورى الإسلامي المحترم - و قد كانت تقارير ذلك متوفرة عندي من قبل، و ذكرها رئيس المجلس المحترم اليوم أيضاً - (11) أعمال مشكورة، و قد مارس رجال الحكومة و السلطة التنفيذية أيضاً أعمالهم و أنشطتهم، و لكن ينبغي متابعة الأمور خطوة بعد خطوة، سواء في مجال التشريع أو في مضمار الإشراف. في مجال التشريع من الأعمال المهمة توفير القوانين المناسبة المساعدة أو إلغاء القوانين المزاحمة المعرقلة، و أهمية هذه العملية الثانية ليست بأقل من العملية الأولى، فبعض القوانين معرقلة أو معارضة بحق. و على صعيد الإشراف يتولى مجلس الشورى الإسلامي مهمة الإشراف على أداء الحكومة التي تنفذ هذا التحرك الكبير و تعمل مباشرة في ساحة التنفيذ. طبعاً في مجال التشريع ينبغي على الحكومة المحترمة أن تقدم اللوائح المناسبة، و مجلس الشورى الإسلامي لا يمكنه الاعتماد على المشاريع فقط، بل لا بد من لوائح. و أقولها هنا أيضاً إنه لا يوجد أي موقع آخر غير مجلس الشورى الإسلامي يمكنه المصادقة على القوانين و العمل في ما يتعلق بقوانين الاقتصاد المقاوم و ما شاكل من الأمور، و التدخل في هذه الشؤون، إنما مجلس الشورى الإسلامي هو الذي يجب أن يصادق على القوانين و يشرعها و يشخص الأمور و يصادق على ما يراه ضرورياً، أو يلغي بعض القوانين.
العملية الأخرى المهمة بين واجبات المجلس الإشرافية هي قضية مكافحة الفساد مكافحة حقيقية. مكافحة الفساد عملية مهمة بحق. يجب أن لا نسمح بتكوّن بؤر فساد تكون معالجتها عملية صعبة. إذا كان هناك إشراف صحيح يمكن في بعض الأحيان و منذ الخطوات الأولى الحيلولة دون الممارسات الخاطئة و وقوع المعاصي. و إذا لم نمنع هذه الممارسات في بداياتها و منذ الخطوات الأولى و تفاقم المرض و تلوث الجرح و فسد فسيكون العلاج صعباً عسيراً، هذا إذا أمكن العلاج - و يخشى أن لا يمكن العلاج أساساً بسبب ما للأمر من عواقب و مضاعفات - فسيكون صعباً عسيراً و يكلف خسائر كبيرة، لذا ينبغي الوقاية من الفساد منذ البداية. و لحسن الحظ فإن لدينا مثل هذه التجارب على الصعد السياسية و الاقتصادية داخل النظام الإسلامي.
أما بخصوص الخطة الخمسية السادسة و التي يجب الاستعداد لها و تدوينها و إعدادها، فالخطة السادسة معناها سياسات البلاد لخمسة أعوام قادمة. إنكم سوف تضعون إن شاء الله خارطة طريق عملية للبلاد لخمسة أعوام من خلال إعدادكم للخطة الخمسية السادسة. هناك ثلاث نقاط رئيسية في هذا الباب مع أن الخطة يجب أن تكون شاملة و مستوعبة. النقطة الأولى هي الاقتصاد، حيث ينبغي أن يتجلى في الخطة الخمسية السادسة التشديد على الاقتصاد المقاوم. و النقطة الثانية هي الثقافة. و أين ما نقول ثقافة فالمراد من الثقافة هو الثقافة الثورية و الإسلامية، بمعنى توفير حراك ثقافي على أساس الإسلام و القيم الإسلامية و تسيير المجتمع بمعنى الحركة الثقافية نحو الأهداف الإسلامية و تعزيز الثقافة الإسلامية و العقيدة الإسلامية و الأعراف و الآداب الإسلامية و الأخلاق الإسلامية و التقاليد الإسلامية.. هذه هي الثقافة. ليس الأمر بحيث لو توفرت الأدوات و الوسائل الثقافية في البلاد كيفما اتفق فسنكون مسرورين و نقول إن الثقافة قد تقدمت، لا، التقدم الثقافي و التوكيد على الثقافة بمعنى الثقافة الثورية و الثقافة الإسلامية و الثقافة الدينية، و تعضيد القيم الثورية و الإسلامية. هذا هو قصدنا و مرادنا، و هذا هو المتوقع مني و منكم - باعتبارنا جنود هذه الثورة - إذ يجب أن نصنع من صدورنا دروعاً و نتصدى و نعمل من أجل الثورة. و النقطة الثالثة هي العلم، و قد انطلقت الحركة العلمية في البلاد بصورة جيدة و الحمد لله طوال هذه الأعوام التي تمتد إلى عشرة أو إثني عشر عاماً. هذه الحركة يجب أن لا تتباطأ أبداً، بل يتعين أن تزداد سرعتها. الكثير من المفاخز و الأمجاد الوطنية و جانب مهم من العزة الوطنية و قسم كبير من الثروة الوطنية تحصل بفضل العلم. قضية العلم و البحث العلمي و التقدم في المجالات العلمية المختلفة و اكتشاف مساحات مجهولة من العلم، قضية مهمة جداً بالنسبة للبلاد. هذه النقطة أيضاً ينبغي أن تأخذ بنظر الاعتبار و الاهتمام في الخطة إن شاء الله.
و قضية أخرى هي قضية السكان، و قد تم تبليغ سياسات السكان (12) و تجاوب المسؤولون و الحمد لله مع هذه السياسات. و سمعت أنهم في مجلس الشورى الإسلامي يدرسون مشروعاً بشأن زيادة الإنجاب و الحيلولة دون انخفاض عدد السكان، و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. لا تعارض أبداً بين مراعاة الصحة و سلامة الأمهات و الأبناء و حديثي الولادة - و هي قضية على جانب كبير من الأهمية - و بين الحذر من مواصلة الخطأ الذي وقعنا فيه قبل سنوات. مشكلة انخفاض عدد السكان قضية مهمة للغاية. بالنسبة للأعداء الذين تحدثنا عنهم في بداية الكلمة لا شيء أفضل من أن تكون إيران بلداً عدد سكانه عشرون أو ثلاثون مليون نسمة و نصف هذا العدد من الشيوخ و الكهول و العاطلين عن العمل.. هذا أفضل شيء بالنسبة لهم. و إذا استطاعوا البرمجة و التخطيط لهذا الشيء فإنهم سوف يفعلون ذلك بالتأكيد، و لو استطاعوا إنفاق الأموال من أجل ذلك لأنفقوها يقيناً، و علينا نحن أن يكون تحركنا مقابل هذا التحرك، تحركاً صحيحاً و منطقياً و عقلانياً و علمياً، و قد سمعت لحسن الحظ أن الأعزاء في مجلس الشورى الإسلامي يتابعون هذه القضية، و نرجوا من الله تعالى أن يعينكم.
كلامنا مع الإخوة و الأخوات المؤمنين و المخلصين و الصميميين من أمثالكم لا ينتهي، فلدينا الكثير مما نقوله، كما أن لديكم الكثير مما تقولونه لنا، و لا يتوفر المجال لذلك للأسف. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى إن شاء الله و يعينكم لتستطيعوا مواصلة أعمالكم بالشكل الذي يرضي الله و يرضيكم إلى نهاية مسؤوليتكم هذه و إلى نهاية هذه الحياة.
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.‌

الهوامش:
1 - رئيس مجلس الشورى الإسلامي.
2 - سورة الكهف، شطر من الآية 45 .
3 - ديوان ناصر خسرو، القصيدة رقم 184 . و دي و بهمن هما الشهران العاشر و الحادي عشر من أشهر السنة الإيرانية.
4 - سورة الكهف، شطر من الآية 45 .
5 - سورة ق ، الآية 18 .
6 - انتخابات الهيئة الرئاسية في مجلس الشورى الإسلامي التي أجريت بتاريخ 28/05/2014 م .
7 - سورة النساء، شطر من الآية 58 .
8 - نهج البلاغة، الخطبة رقم 56 .
9 - سورة النساء، شطر من الآية 128 .
10 - تبليغ السياسات العامة للاقتصاد المقاوم بتاريخ 18/02/2014 م.
11 - جاء في تقرير رئيس مجلس الشورى الإسلامي: «بعد تبليغ السياسات العامة للاقتصاد المقاوم، تم تشكيل أمانة عامة في مركز أبحاث مجلس الشورى الإسلامي لتحقيق هذه السياسات بالتعاون مع المؤسسات و الاتحادات العلمية في البلاد، و اللجان التخصصية في مجلس الشورى الإسلامي، و معاونيْ رئيس مجلس الشورى الإسلامي لشؤون القوانين و الإشراف، و بإشراف نائب رئيس مجلس الشورى الإسلامي، و بالتنسيق مع الحكومة».
12 - تبليغ السياسات العامة للسكان بتاريخ 20/05/2014 م.