بسم الله الرحمن الرحيم (1)

مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء. سبق أن قلتُ (2) إن عقد هذه الجلسة للقاء بالأساتذة المحترمين المكرمين الأعزاء هي بالدرجة الأولى بهدف تكريم منزلة الأستاذ. نروم أن تتكرس في البلاد ثقافة احترام الأساتذة. هذه من أكبر التعاليم في التربية الإسلامية. لقد كتب علماؤنا السابقون الكتب في هذه القضية، و نقلوا الأحاديث و الآيات القرآنية. هذا هو الهدف بالدرجة الأولى، فهي إذن خطوة رمزية لتكريم الأساتذة. و الهدف الثاني و الثالث و هما مهمان أيضاً أن استمع إلى آراء الإخوة و الأخوات الأساتذة بالمشافهة، و أذكر لهم بعض الأمور إذا خطرت ببالي.
جلسة اليوم كانت جلسة طيبة جداً، و للأسف فقد كان الوقت ضيقاً و حرمنا من الانتفاع من سائر الأساتذة الذين كان من المقرر أن يتحدثوا، لكن الآراء التي ذكرها الأعزاء كانت بدورها جيدة جداً. بعضها تستوجب بالتأكيد متابعتنا و سوف أوصي بمتابعتها و أتابعها.
أذكر نقطتين أو ثلاثاً. النقطة الأولى هي أن الأستاذ لا يعني المعلم فقط، بل يعني المربّي أيضاً. هذا سرّ طبيعي مكشوف للجميع. الشخص الذي نتعلم منه شيئاً و يفتح أمامنا باباً من العلم سيكون له بشكل طبيعي نفوذه في قلوبنا و أرواحنا، و نستطيع القول إن حالة من التأثر تحصل لدى المتعلم بفضل هذا التعليم، و هذه فرصة جد كبيرة و استثنائية. ليسوا قلائل الشباب غير المستعدين لسماع نصائح الآباء و الأجداد و الأمهات و العوائل و تكريسها في قلوبهم، لكنهم مع ذلك يتأثرون تأثراً عميقاً بكلمة واحدة أو إشارة واحدة من الأستاذ. التعليم بصورة طبيعية مصحوب بإمكانية التربية، و ينبغي الاستفادة من هذه الفرصة. إذا كان أساتذتنا متدينين، و ذوي غيرة وطنية، و أصحاب نزعات ثورية، و يتحلون بروح المثابرة و الكدّ و الجدّ، فإن هذه الخصال ستنتقل إلى المتعلم بنحو طبيعي. و كذا الحال إذا كان العكس. إذا كان الأستاذ منصفاً و خلوقاً سترتفع إمكانية تربية الطالب الجامعي المنصف و الخلوق، و العكس صحيح أيضاً.
البلد اليوم بحاجة إلى شباب يستطيعون أن يكونوا سواعد قوية لتقدم البلاد، و يكونوا مفعمين بالحوافز الإيمانية و البصيرة الدينية و الهمّة العالية و الجرأة على الإقدام و المبادرة و الثقة بالنفس و الإيمان بـ «نحن قادرون»، و الأمل بالمستقبل و رؤية آفاق المستقبل مشرقة متألقة، و بروح الاستغناء - لا بمعنى الإعراض عن التعلم من الأجانب، فهذا ما لم نوص به أبداً و لا نوصي به أبداً، بل نحن مستعدون للتتلمذ على يد الآخرین الذين يعلمون أكثر منا - بل هي روح الاستغناء عن التأثر و فرض الأشياء و استغلال نقل العلم، و هذا المعنى شائع اليوم في العالـَـم العالِم، أي عالم الاستكبار - ينبغي توفر روح الاستغناء هذه عند الشباب - و روح الفهم الصحيح لموقع البلاد، فأين نحن و إلى أين نريد أن نصل، و كيف نستطيع السير في هذا الطريق - و قد كانت في كلمات الأساتذة اليوم نقاط واضحة مشرقة حقاً في هذا الخصوص - و القاطعیة و الحسم حيال التطاول و الاعتداء و المساس بالاستقلال الوطني، إننا بحاجة إلى شباب بمثل هذه الروح و المعنويات. هذه الروح و الامتيازات مما يستطيع الأساتذة بثه و إفشاءه و إيجاده لدى جيل الشباب المتعلم في البلاد. بوسع أساتذتنا بث هذه التأثيرات و إيجادها لدى الطلبة الجامعيين عن طريق سلوكهم و تصريحاتهم و طباعهم و إبدائهم لآرائهم في المجالات المختلفة. و هذا معنى ما قلناه من أن الأساتذة هم قادة الحرب الناعمة. إذا كان هذا الشاب كما قلنا ضابطاً في الحرب الناعمة فإن الأستاذ قائده و آمره، و على هذا النحو تكون هذه القيادة.
و هكذا كان الحال في الحروب الصلدة أيضاً، متى ما كان القائد و الآمر - آمر الفوج أو السرية أو اللواء - في وسط الساحة و في المناطق و النقاط الحساسة، بمعنى إذا كان هو نفسه يقاتل سيكون لذلك تأثير استثنائي على الجنود. و الأمر لا يختص بنا، فالآخرون أيضاً على هذا النحو. كان نابليون ينام على التراب إلى جانب جنوده بثيابه العسكرية. و سرّ حالات التقدم الحربية لنابليون في زمانه، و التي كانت شيئاً استثنائياً، هو أن الجنود لم يكونوا يتلقون منه الأوامر باللسان فقط بل بالعمل أيضاً. و قد عمل شبابنا على نفس النحو خلال ثمانية أعوام من الدفاع المقدس، كان قائد الفرقة يشارك في ساحة المعركة أحياناً متقدماً على الجنود العاديين، كان يشارك في الخطوط الأمامية بل و يذهب أحياناً للاستطلاع. آمر الفرقة يذهب بنفسه للاستطلاع! و هذا شيء غير مقبول و بلا معنى في جيوش العالم، لكنه حدث، و هو ما حقق التقدم و الأمور المذهلة العظيمة في فترة الدفاع المقدس. و كذا الحال في الحرب الناعمة. على الأستاذ نفسه أن يتواجد في وسط ساحة هذه المعركة العميقة المصيرية المقدسة، المعركة التي نسميها الحرب الناعمة، و هي بحد ذاتها دفاع مقدس.
لدينا في الوقت الحاضر قرابة سبعين ألف عضو هيئة علمية في البلاد و هم مبعث فخر. أتذكر في السنين الأولى للثورة - في النصف الأول من عقد الستينيات [يعادل تقريباً عقد الثمانينيات من القرن العشرين للميلاد] و ربما إلى نصفه الثاني كان عدد أعضاء الهيئات العلمية يقدّر بنحو خمسة آلاف أو ستة آلاف أستاذ. و قد وصل هذا العدد اليوم إلى حوالي سبعين ألفاً، و هذا مدعاة فخر و اعتزاز للبلاد و للثورة و لجامعاتنا.
و لحسن الحظ فإن جانباً كبيراً من هذه الطاقات الهائلة الواسعة هم أشخاص متدينون و مؤمنون ثوريون معتقدون بركائز الدين و الثورة، و هذا بدوره شيء على جانب كبير من الأهمية، و هو بحد ذاته ظاهرة. ينبغي معرفة قدر العناصر المؤمنة الثورية في الهيئات العلمية. أقول هذا مخاطباً به مدراءنا الأعزاء و المسؤولين في وزارة التعليم العالي و وزارة الصحة و التعليم الطبي: اعرفوا قدرهم! الوزراء المحترمون و الهيئات الإدارية في الوزارات يجب أن يقدروا تواجد هؤلاء الأساتذة المتدينين الملتزمين بقيم الدين الذين ثبتوا على كلمة الحق التي قالوها، و لم يهابوا هذه الهجمات الإعلامية المؤذية الدبيبة - و نحن على علم بالكثير منها - و لم يتراجعوا. أيها المدراء المحترمون، قدّروا العناصر المؤمنة و الأساتذة المتدينين في الجامعات.
هذه نقطة أولى تتعلق بأهمية الأستاذ. لو كنت أستطيع أن ألتقي بكل هؤلاء الأعزاء السبعين ألف أستاذ في البلاد لفعلتُ ذلك حتماً، و لو كان بمقدوري أن استمع لكلامهم واحداً واحداً لاستمعت بكل تأكيد، و لكن واضح بالتالي أن يدنا قصيرة، و هذا التمر الحلو الطيب على نخيل عال (3).
النقطة الثانية تتعلق بقضية العلم. لحسن الحظ تحولت النهضة العلمية في البلاد اليوم إلى تيار و سياق. إنه سياق متكرس في البلاد، و لا شك في هذا. لقد عمل الأساتذة و العلماء و الشباب الإيرانيون طوال هذه الأعوام الخمسة عشر، و ها نحن نشاهد آثار ذلك في تصاعد المرتبة العلمية للبلاد. لقد وصلنا إلى الرتبة العلمية العالمية السادسة عشرة، و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. لقد كانت رتبتنا أقل من هذا بكثير، و قد أوصل العلماء الإيرانيون مرتبة البلاد إلى السادسة عشرة، و هذا شيء قيّم للغاية.
ثمة جملة من النقاط في هذا الخصوص. النقطة الأولى هي أن وصولنا إلى رتبة علمية عالية كانت ثمرة السرعة الاستثنائية في العمل. طبقاً للإحصائيات العالمية فإن سرعة التقدم العلمي في البلاد كان أكثر من المتوسط العالمي بثلاث عشرة مرة. هذا ما أعلنته المراكز الإحصائية العلمية في العالم، و سبق أن ذكرناه مراراً. و قد انخفضت هذه السرعة اليوم. أنْ يقول البعض إننا متأخرون من حيث التقدم العلمي و يقول البعض الآخر لا، لم نتأخر، و يقدّم كلا الفريقين إحصائياته، فهنا تكمن القضية: نعم، يبدو في الظاهر إننا لم نهبط عن المرتبة السادسة عشرة أو الخامسة عشرة - هذا صحيح - و لكن كان يجب أن نتقدم و نزداد رقياً، أيْ كان ينبغي أن تستمر تلك السرعة، لكنها انخفضت في الوقت الحاضر. ليتنبّه الإخوة و المسؤولون الأعزاء في الوزارات إلى هذه النقطة. لم تعد تلك السرعة موجودة اليوم. اعملوا ما من شأنه أن لا تنخفض سرعة النمو العلمي، و أنْ لا تخرج هذه الحركة عن تلك الوتيرة. نعلم أنه كلما تقدمنا إلى الأمام فإن تلك السرعة سوف تنخفض، بمعنى أننا حينما نكون متآخرىن كثيراً ستكون هناك إمكانيات غير مشغولة و ثغرات أكثر، و كلما تقدمنا إلى الأمام قلّت هذه الفراغات و الثغرات بطبيعة الحال، لأنها سوف تشغل - هذا شيء نعلمه - و لكن ينبغي أن لا تنخفض تلك السرعة اللازمة و المناسبة في التقدم العلمي.
النقطة الثانية هي أن تبعدوا الأجواء العلمية للبلاد عن اللغط الجانبي و الأمور الهامشیة. و يجب هنا عدم الوقوع في خطأ، فأنا لا أقول بأن لا تكون الجامعات سياسية - ربما يتذكر كثيرون بأنني قبل سنين، و في نفس هذه الجلسة الرمضانية بحضور أساتذة الجامعات، عبّرت تعبيراً شديداً تجاه الذين كانوا يريدون إبعاد السياسة عن الجامعات و عن الطلبة الجامعيين، مما أثار عتاب كثيرين - لا، إنني اعتقد أن أجواء الجامعات هي أجواء فهم سياسي و تحليل سياسي و علم سياسي و وعي سياسي، هذا ما لا أمانع منه، لا، بل أقول يجب الابتعاد عن الألاعيب السياسية و افتعال اللغط و المشكلات الجانبية. هذا اللغط يضرّ بالمهمة الأصلية التي هي العمل العلمي و تقدم العلم بكل ما لهذه القضية من خصوصيات و سمات.
من أشد الأخطاء التي حصلت خلال فترة السنة أو السنتين الأخيرتين قضية المنح الدراسية هذه. إذا كان هذا الكلام صحيحاً - و بالطبع حققوا بعد ذلك و تبيّن أن الأمر ليس صحيحاً بتلك الصورة التي تلاعبت بها الصحف، و قد رفعوا لنا تقارير دقيقة و مبتنية على دراسات - فلم يكن الطريق أن نثير ضجة صحفية. عدد من الأفراد حصلوا على امتيازات بخلاف القانون، طيب، لهذه المسألة طريقها القانوني، فليلغوا تلك الامتيازات و لا حاجة للضجيج. إثارة الضجيج و اللغط سمّ للأجواء العلمية التي ينبغي أن تتابع أعمالها بهدوء. و للأسف فقد زقّ بعضُ الأفراد هذا السمّ في فم الجامعات انطلاقاً من تلك الرؤية الفكرية المبتنية على العبث و اللغط السياسي، لماذا؟ أضف إلى ذلك أنه حصل ظلم - حصل ظلم على كثيرين - و قد كان هذا العمل بخلاف القانون و بخلاف التدبير و بخلاف الأخلاق، ثم تراهم يتحدثون دائماً عن الأخلاق: «لماذا قلّ ما يتوب الذين يوصون الناس بالتوبة؟» (4)، هل كان هذا العمل أخلاقياً؟ يجب عدم إثارة اللغط و المشاكل الجانبية. لا تسمحوا لأجواء التعليم العالي بالوقوع في أسر المشاكل الجانبية الصغيرة.
القضية التالية قضية العلوم الإنسانية. إننا متأخرون في مجال العلوم الإنسانية. الأعزاء الذين تحدثوا عن العلوم الإنسانية شددوا و هم على صواب على أهمية العلوم الإنسانية حتى في الصناعة، هذا صحيح. هذه الإحصائيات التي قدّمها أخونا العزيز كانت لافتة بالنسبة لي حيث قال إنه في تقدم الصناعة يعود الأمر إلى الشؤون الهندسية و التقنية بنسبة أربعين بالمائة أو خمسين بالمائة مثلاً، و يعود بنسبة خمسين أو ستين بالمائة إلى قضايا تتعلق بالعلوم الإنسانية كالإدارة و التعاون و العمل الدؤوب. إنه على حق و هذا الأمر مهم جداً. في مجال العلوم الإنسانية طرح عدد من الإخوة اليوم آراء جيدة و الحمد لله، و هي الكلام الذي يعتمل في قلوبنا نحن أيضاً، و هو كلام يجري على ألسنتنا أيضاً بطبيعة الحال، و قد أشرنا إلى هذه الأمور في بعض الأحيان. العلوم الإنسانية على جانب كبير من الأهمية. التحول في العلوم الإنسانية عملية ضرورية و لازمة لأسباب عديدة و تحتاج إلى تدفق داخلي و دعم من الخارج. و لحسن الحظ يوجد تدفق داخلي في الوقت الحاضر. إنني ألاحظ تقارير العمل، في المجلس الأعلى للثورة الثقافية - مجلس التحول و الأعزاء الذين يعملون هناك - و في الجامعات نفسها، و كما لاحظتم اليوم في أحاديث بعض الأعزاء حول العلوم الإنسانية، هناك دلائل و مؤشرات على وجود هذا التدفق الداخلي في الجامعات و لدى المثقفين و العلماء. و ينبغي أن يكون هناك دعم من الخارج - مختلف أنواع الدعم - و من مصاديق هذا الدعم اتباع الجامعات و الوزارة لقرارات مجلس التحول. هناك قرارات، و قد أشار أحد الإخوة الآن إلى ضرورة العمل بهذا المقدار من القرارات. بمقدار من أنجز من عمل و اتخذ من قرارات ينبغي العمل به و تنفيذه، و لا يبقى الأمر لمجرد الدفاتر و الكتب و على حد تعبيره لدهاليز الوزارة أو المجلس الأعلى للثورة الثقافية، بل يجب العمل و التطبيق، و هذا كلام صحيح تماماً. لتتنبه الوزارة لهذه القضية، و السيد الدكتور فرهادي (5) حاضر هنا، هذه أمور أقولها له على وجه الخصوص ليتابعها. هذه العملية عملية كبيرة. أزمّة العلم و أزمّة الجامعات في البلاد اليوم بيد إخوتنا الأعزاء هؤلاء، و عليهم أن يتابعوا الأمور بإخلاص و بالمعنى الحقيقي للكلمة.
النقطة الأخرى هي حصة ميزانية البحث العلمي. طبعاً لا بدّ من إيضاحات بخصوص هذه النقاط التي أذكرها، بيد أن الوقت اقترب من موعد الأذان و لا أستطيع الإسهاب في البحث كثيراً. حصة ميزانية البحث العلمي مهمة، و أنا منذ سنين أشدد في هذه الجلسة و جلسات أخرى و لقاءات خاصة مع المسؤولين التنفيذيين في البلاد، على هذه النقطة، و للأسف فإن المعلومات التي يزودونني بها و التقارير التي يرفعونها لي تدل على أن كلامنا هذا كالنصائح و المواعظ التي تشبه أن يرتقي شخص المنبر و يقدم نصائحه. نظر لهذا الكلام بهذه الطريقة، و الأمر في حقيقته ليس كذلك، إنما ينبغي السعي و الجدّ. في ميثاق الأفق العشريني رصد أربعة بالمائة من الميزانية العامة للبحث العلمي، و هممنا ليست بهذه الدرجة على المدى القصير، لكن واحداً و نصفاً أو إثنين بالمائة أمر ممكن و يجب أن يحصل. لا تزال الميزانيات الموجودة للبحث العلمي أقل من واحد بالمائة. هذه نقطة، و النقطة الثانية هي الإنفاق الصحيح و المبرمج للمصادر المالية الخاصة بالبحث العلمي، يجب إنفاقها بشكل صحيح و في المواضع المناسبة.
و النقطة الأخرى تتعلق بالخارطة العلمية الشاملة للبلاد. لقد جرى تدوين الخارطة العلمية الشاملة بجهود الأعزاء و ظهرت إلى النور و تم إعداد ميثاق كامل جيد للبلاد و هو أمر مغتنم جداً. و من بعد أن تم إعداد الخارطة العلمية الشاملة للبلاد أید الخبراء - كما نقلوا لي و رفعوا لي من تقارير - هذا الميثاق، بمعنى أنه لم تسجل مؤاخذات كبيرة و أساسية على هذا الميثاق الذي أعد في المجلس الأعلى للثورة الثقافية، لم تسجل مثل هذه المؤاخذات و الإشكالات، و هذا يعني أن الميثاق حظي بالتأييد، و لكن ينبغي لهذه الخارطة العلمية الشاملة أن تطبق عملياً، و الخطوة الأولى بهذا الاتجاه هي صناعة خطاب. أسمع أن بعض الأعزاء يسافرون إلى المدن المختلفة و يتواجدون في جامعات البلاد و يقولون إن الكثير من الأساتذة - ناهيك عن الطلبة الجامعيين - و حتى المدراء ليست لهم معلومات صحيحة حول الخارطة العلمية الشاملة للبلاد. و قال أحد الأعزاء هنا إن كثيرين لا علم لهم بالاقتصاد المقاوم الذي تتحدثون عنه، نعم، هذا من مواطن الضعف في عملنا. إذا أردنا تحقيق إرادة فالخطوة الأولى هي تحويل تلك الإرادة إلى خطاب مقبول، و قضية العلم كانت من هذا القبيل حيث تحولت إلى خطاب و دخلت سياق العمل و التطبيق بشكل طبيعي. و هذه القضية أيضاً على نفس النحو. الأمور المتعلقة بالخارطة العلمية الشاملة للبلاد يجب أن تتحول إلى خطاب و تطبق بشكل جاد. هذه نقطة.
و ثمة نقطة جانبية مهمة أخرى على هامش هذا الموضوع، و هي ميثاق الإعداد للتعليم العالي. قول أحد الأعزاء بأنه «إذا كانت كل الأشياء التي تهمنا تمثل أولويات بالنسبة لنا فمعنى ذلك أنه لا توجد لدينا أولويات أساساً»، كلام صحيح و رصين. و قولهم «لنعيّن مجموعة من الحقول الصناعية بعينها و نقول إننا نروم التقدم في هذه الحقول و نرصد لها الأرصدة الإنسانية و المالية و الهمم و القدرات المتنوعة» هو أیضاً كلام صائب تماماً. و قد قلتُ هذا الشيء ذات مرة بخصوص الرياضة، قلتُ إننا نستطيع أن نكون في المرتبة الأولى أو الثانية في حقلين أو ثلاثة من الحقول الرياضية، طيب، لنركّز على هذه الحقول. و لسنا كذلك في بعض الحقول الرياضية أي لا أمل لدینا في أن نكون في المرتبة الأولى أو الثانية، و أقصد الرياضات البطولية و المباريات العالمية. و قد فعلوا هذا الشيء تحديداً، أي قطعوا خطوات على هذا الصعيد و كانت مؤثرة و مفيدة. و كذا الحال في هذا المضمار أيضاً. لننظر و نرى أية فروع علمية في أية جامعات و في أية مناطق من البلاد لها الأولوية، هذا هو معنى الإعداد العلمي الأرضي في البلاد. ما هي الفروع و الحقول التي يجب أن نتابعها و نرصد لها و في أية جامعات، و نتوقع أن تثمر و نؤتي أكلها؟ هذه بدورها قضية، إذ ينبغي لهذا الميثاق أن يستكمل و يدخل حيز التطبيق و العمل.
و ما أقوله في النهاية هو أيها الإخوة الأعزاء أيتها الأخوات العزيزات، اعرفوا قدر هذه المهنة التي أنتم فيها. من بين الأعمال المتاحة لنا لا يمكن أن نجد اليوم أعز و أكثر حرمة من هذا العمل الذي تقومون به. لقد توليتم على عواتقكم أعمالاً كبرى و رحتم تنجزونها. في وزارة العلوم لو أردنا النهوض بهذه الأعمال و المشاريع فينبغي أن تتصاعد العزائم و الهمم لإنجاز الأعمال باستمرار.
و طبعاً كان من الملاحظات التي سجلتها زيادة عدد الطلبة الجامعيين في مراحل الدراسات العليا - و قد ازداد العدد في هذه الأعوام الأخيرة بشكل ملحوظ و الحمد لله، و هذه ميزة استثنائية جداً - و لكن ينبغي البرمجة بنحو صحيح لتثمير هذه الظاهرة المهمة و تخريجها أفضل النتائج الممكنة. في مراحل الدراسات العليا يسعى الطلبة الجامعيون للبحث العلمي و التحقيق و كتابة شيء و إعداد رسائل و أطروحات، و هذا بحاجة إلى نظام و نظرة كلية و توجيه عام في ما يخص ما يجب القيام به مما يمكن للبلاد الاستفادة منه. و إذا لم يكن هذا نكون قد أهدرنا المصادر و الطاقات، طاقات الأساتذة و الطلبة الجامعيين و الأموال و الإدارة و الإمكانيات المختلفة الأخرى. هذه الرؤية العامة و البرمجة الكلية و تنظيم الأمور المتعلقة بوزارة العلوم تنظيماً شاملاً من الأعمال الأساسية التي ينبغي النهوض بها لحل عقد البلد و معالجة مشكلاته إن شاء الله.
العمل الذي تقومون به أنتم الأساتذة عمل مهم. و العمل الذي يقوم به جهاز الإدارة العلمية للبلاد - و هو في الغالب الوزارات و المعاونية العلمية لرئاسة الجمهورية - عمل مهم، فيجب الاهتمام بهذه الأعمال، و لا بدّ من تقويم و تقييم حقيقي لهذه الأعمال لنعلم ما الذي يحصل و ينجز من أعمال مهمة.
كما قال بعض الأعزاء في كلماتهم، هدف أعداء الشعب الإيراني أن لا يسمحوا بوصول هذا البلد و هذا الشعب إلى المكانة اللائقة به و إلى منزلته الحضارية المناسبة، لأنهم شعروا بأن هذه الحركة قد انطلقت في البلاد، و هذا هو سبب فرضهم الحظر. نعم، أنا أيضاً اعتقد أن هدف الحظر ليس القضية النووية فقط، أو قضايا حقوق الإنسان فقط، أو قضية الإرهاب. قالوا لماذا لم يبك فلان عندما قرأوا مراثي عبد الله الرضيع بن الإمام الحسين (ع)؟ فأجابوا إن هذا الرجل نفسه قطع رؤوس مائة عبد الله الرضيع، أفتراه يبكي لمراثي عبد الله الرضيع؟ إنهم هم أنفسهم مخرّجو إرهابيين و معادون لحقوق الإنسان، أفتراهم يضغطون على بلد من أجل حقوق الإنسان؟ ليست هذه هي القضية، إنما القضية حسابات أهم من ذلك بكثير و فوق هذا الكلام، إذ ظهر شعب و حراك و هوية قائمة على مصادر و مبادئ مضادة تماماً لمبادئ نظام الاستكبار و نظام الظلم و الخضوع للظلم، و لا يريدون لهذه الحركة أن تحقق نتائج. إننا في مثل هذا الموقع و الظروف. يجب أن نعمل و نتحرك و نسعى. و الحظر طبعاً يخلق بعض المتاعب، و لكن يمكن أن لا يكون عقبة بوجه التقدم، و ينبغي أن نستخدم إمكانياتنا و طاقاتنا. و أنتم الأساتذة لكم دوركم في هذا المجال و وزارة العلوم و الوزارات المعنية بقضايا العلم لها دورها الأساسي و المهم في هذا المضمار، فاعرفوا قدر هذه الأدوار و انهضوا بها و تابعوها، و اطلبوا العون من الله إن شاء الله. هذه الآية الشريفة التي قرأها الأعزاء: «اِن تَنصُرُوا اللهَ ينصُركم وَ يثَبِّت اَقدامَكم» (6) وعد إلهي لا يخلف.
اللهم ببركة هذه الأيام و الليالي و ببركة الدماء الطاهرة لأمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) و الدماء الطاهرة التي أريقت طوال هذه السنين في سبيل الحق - و قد كان في بلادنا شهداء ظهروا و ضحوا - ببركة هذه الدماء و ببركة هذه المجاهدات و ببركة هذه القداسة، قرّب شعبنا يوماً بعد يوم من الشموخ و العزة و السعادة الحقيقية. ربنا منّ بتوفيقاتك على جميع المجاهدين في هذا السبيل و الناشطين في هذا الدرب، و منهم الأساتذة المحترمون و الطلبة الجامعيون و الذين يبذلون المساعي و الجهود في هذا الدرب. اللهم احشر الروح الطاهرة لإمامنا الخميني الجليل و أرواح الشهداء الطيبة مع شهداء صدر الإسلام.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - قبيل كلمة الإمام الخامنئي تحدث في هذا اللقاء سبعة من أساتذة الجامعات.
2 - من ذلك كلمته في لقائه بأساتذة الجامعات الإيرانية بتاريخ 06/08/2013 م .
3 - إشارة إلى مصرع شعري لحافظ الشيرازي ترجمته: «أيادينا قصيرة و التمر في أعلى النخيل».
4 - ديوان حافظ الشيرازي.
5 - الدكتور محمد فرهادي وزير العلوم و البحث العلمي و التقنية الذي كان حاضراً في الجلسة.
6 - سورة محمد، شطر من الآية 7 .