بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين، سيما بقية الله في الأرضين.
إنه لتجمع عظيم و ضخم جداً التأم هنا احتراماً لذكرى إمامنا الخميني العزيزة. و أقيمت في الكثير من مناطق البلاد الأخرى تجمعات مماثلة إحياء لذكرى الإمام الخميني الجليل و حباً له.
إنها الأيام الأخيرة من شهر شعبان المبارك. و لا ريب في أن الإمام الخميني الجليل كان ينتهل الكثير من الفوائد المعنوية في هذا الشهر. تشير القرائن إلى أن ذلك القلب النوراني كان يضاعف من نورانيته ببركة هذا الشهر. هذه الفقرة المعروفة من المناجاة الشعبانية: «اِلهي هَب لي كمالَ الاِنقِطاعِ اِليك وَ اَنِر اَبصارَ قُلوبِنا بِضِيآءِ نَظَرِها اِلَيك» (1) كانت من العبارات التي تكررت كثيراً في كلمات الإمام الخميني. كان يكرر هذه الفقرة من الدعاء في كلماته بمناسبات شتى. و هذا يدل على أنه كان مأنوساً بهذه المناجاة و بهذه المضامين و بهذه الأيام المباركة. و حينما سألته ذات مرة عن الأدعية، كانت المناجاة الشعبانية من الأدعية التي شدّد عليها و رجّحها. هناك فقرات مهمة من هذا الدعاء منها الفقرة القائلة: «اِلهي هَب لي قَلباً يدنيهِ مِنك شُوقُه، وَ لِسانًا يرفَعُ اِلَيك صِدقُه، وَ نَظَراً يقَرِّبُهُ مِنك حَقُّه» (2)، قلب مشوق يقترب من ساحة القرب الإلهي، و لسان صادق يقرّبه صدقه إلى الله، و نظرة حق تجعل صاحبها يقترب إلى الله تعالى أكثر. هذه سمات و سجايا تطلب من الله تعالى في هذا الدعاء الشريف و في هذه المناجاة. هذه دروس لنا. و قد كان الإمام الخميني الجليل شخصاً مندكاً بهذه الدروس على امتداد عمره، و بفضل هذا الاندكاك و ببركة هذه المعرفة لمراتب الحق و الحقيقة و التقرب إلى الرب، حباه الله تعالى القدرة التي جعلته يستطيع النهوض بهذه الحركة العظيمة الباقية.
نروم التحدث عن الإمام الخميني الجليل. من العناوين و الأوصاف التي قلما استخدمت حول إمامنا الخميني العظيم، هو هذا العنوان الجامع الذي أعبّر عنه بالعبارة: مؤمن متعبد ثوري. نصف الإمام الخميني بالكثير من الأوصاف، لكن هذه الصفة - التي قلما نصف الإمام الخميني بها - صفة جامعة: مؤمن متعبد ثوري.
المؤمن يعني المؤمن بالله، و المؤمن بالهدف، و المؤمن بالطريق الذي يوصله إلى هذا الهدف، و المؤمن بالشعب. «يؤمِنُ بِاللهِ وَ يؤمِنُ لِلمُؤمِنين» (3). و يوجد مثل هذا التعبير بشأن الرسول الأكرم في القرآن الكريم: المؤمن بالله، و المؤمن بالهدف، و المؤمن بالدرب، و المؤمن بالشعب.
و هو عبد و متعبد، أي إنه يعتبر نفسه عبداً أمام الله. و هذه بدورها صفة على جانب كبير من الأهمية. لاحظوا أن الله تعالى وصف الرسول الأكرم (ص) في القرآن الكريم بصفات متعددة: «وَ اِنَّك لَعَلَى‌ٰ خُلُقٍ عَظيم» (4) «فَبِما رَحمَةٍ مِنَ اللهِ لِنتَ لَهُم» (5)، و الكثير من الصفات الأخرى كل واحدة منها تنطوي على فصل كبير من خصوصيات الرسول الأكرم (ص)، بيد أن الصفة التي أمرنا نحن المسلمين أن نكررها حول الرسول الأكرم في صلواتنا كل يوم هي: «اَشهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَ رَسولُه»، و في هذا دليل على أهمية العبودية. العبودية مهمة إلى درجة أن الله تعالى يعلّم هذا الصفة للمسلمين بأن يكرّروها كل يوم عدة مرات في الصلوات. و قد كان الإمام الخميني يتحلى بهذه الصفة، صفة العبودية. كان من أهل الخشوع و التضرع و الدعاء؛ مؤمن متعبد.
أما الصفة الثالثة من عبارة المؤمن المتعبد الثوري، فهي النقطة التي أرغب في التأكيد عليها و التحدث عنها، لقد كان الإمام إمام الثورة.
الثورة كلمة واحدة، و ثمة في باطنها الكثير من الحقائق. و إمام الثورة يعني قائد كل تلك الخصوصيات التي تحتويها كلمة الثورة في داخلها. و القوى المادية كانت غاضبة دوماً من الإمام الخميني، كانت غاضبة و خائفة طبعاً من الإمام الخميني الجليل، و أغلب خوفها كان من هذه الصفة: الصفة الثورية عند الإمام الخميني، فكانوا يعادون هذه الخصوصية فيه. و اليوم أيضاً يعادي أعداء الشعب الإيراني خصوصية الثورية فيه و يخاصمونها. بل إن القوى المادية ترهب كلمة الثورة أساساً، إنها تخاف من كلمة الثورة الإسلامية، يخافون و ينفرون. و الضغوط التي يمارسونها إنما هي بسبب النزعة الثورية. و سوف أشرح أية مفاهيم و معان و خطوط و مناهج تتضمنها النزعة الثورية. و من حقهم أن يخافوا. الضغوط طبعاً تمارس بذرائع مختلفة، أحياناً بذريعة الطاقة النووية، و أحياناً بذريعة حقوق الإنسان، و ذرائع أخرى من هذا القبيل، لكن حقيقة القضية هي أن أعداء الشعب الإيراني و أعداء إيران الإسلامية يخافون و يقلقون من الخصوصية الثورية. في الآونة الأخيرة قبل أشهر من الآن، قال أحد السياسيين الأمريكيين: الحظر مفروض على إيران بسبب الثورة الإسلامية، و أصل الحظر يعود إلى ثورة 1979 ، أي ثورة سنة 57 ! هذه حقيقة.
ما هو السبب؟ لماذا يعارضون الثورة؟ السبب هو أن هذا البلد الكبير الواسع المبارك الثري - الذي يمتلك ثروات طبيعية و ثروات إنسانية - كان في قبضة هذه القوى بالكامل، كان تحت تصرف أمريكا، و جاءت الثورة فطردتهم من هذا البلد، و هذا هو سبب معاداة الثورة، لقد أقصتهم الثورة. بالإضافة إلى هذا فقد ألهمت الثورة الآخرين. الثورة الإسلامية الإيرانية التي تحققت و استمرت على يد الشعب في هذا البلد ألهمت باقي الشعوب، و هذا الموضوع له مناقشاته التفصيلية في محلها، و ثمة الكثير من الأدلة على ذلك.
لقد انتشل إمامنا الخميني الثوري البلد من المستنقعات و الوحول، لقد أخرج البلد بواسطة الثورة من وحول متعددة. شبابنا الأعزاء الذين لم يدركوا فترة ما قبل الثورة و لم يلمسوها، يجب عليهم التدقيق و التنبّه إلى أن هذه هي القضية، هذه هي القضية الأساسية. إذا لم يعرف شعب قضيته الأساسية فسوف يضل. القضية هي أن الثورة الإسلامية جاءت فأنقذت البلد من المستنقعات، من مستنقع التبعية، و من مستنقع التخلف، و من مستنقع الفساد السياسي، و من مستنقع الفساد الأخلاقي، و من مستنقع الحقارة الدولية. لقد كنا نعاني من هذه الأمور، فقد كنا تابعين و كنا مهانين و كنا متخلفين و مفروضاً علينا البقاء متأخرين. كانوا قد فرضوا علينا البقاء متخلفين في العلوم و في الاقتصاد و في التقنية و في التواجد الدولي و في كل شيء. و بدل كل هذا كان لنا أسياد أمريكان و بريطانيون فوق رؤوسنا. في ذلك الحين كنا نصدّر من النفط أربعة أضعاف ما نصدره اليوم، و كان عدد السكان أقل من نصف ما هو عليه اليوم، و مع ذلك فقد كانت معظم مناطق البلاد محرومة من الخدمات الحكومية العامة التي تقع على عاتق الحكومات. كان البلد يتخبط في الفقر و التخلف و الفساد الأخلاقي. كان البلد يعاني من نواقص في كل بناه التحتية كالطرق و الماء و الكهرباء و الغاز و المدارس و الجامعات و الخدمات المدينية، و كان يتقلب في التأخر و التخلف و العوز. كانوا يضعون ثروات البلد تحت تصرف الأجانب، و كان الجهاز الحاكم يتمتع، و يبقى الشعب صامتاً إما بالخداع أو بالقوة و الإرعاب. لكن قلوب الناس كانت ممتلئة و كانوا يشاهدون الحقائق، فكانت النتيجة اتباع ذلك الهتاف الرباني الإلهي الذي أصدره الإمام الخميني الجليل مما أدى إلى تصاعد الثورة.
لقد غيّر إمامنا الخميني العظيم المسار، و أحدث تغييراً كبيراً. لقد غيّر الإمام الخميني مسار الشعب الإيراني، و بدل السكة الحديدية، و جعلنا نسير نحو الأهداف الكبرى. هذه الأهداف التي جعلتنا الثورة و إمام الثورة نسير نحوها و سار المجتمع الإيراني صوبها، أهداف على جانب عظيم من الأهمية. تتلخص هذه الأهداف في سيادة دين الله. و سيادة دين الله معناها العدالة الاجتماعية بالمعنى الواقعي للكلمة، و بمعنى استئصال الفقر، و بمعنى استئصال الجهل، و بمعنى استئصال الاستضعاف. سيادة دين الله معناها إقامة منظومة القيم الإسلامية. معناها استئصال الآفات الاجتماعية، معناها تأمين السلامة الجسمية و الأخلاقية و المعنوية و التقدم العلمي للبلاد. معناها تأمين العزة الوطنية و الهوية الوطنية الإيرانية و تأمين الاقتدار الدولي. معناها تنشيط الإمكانيات و الطاقات التي أودعها الله في هذه الأرض. هذه كلها مدرجة في سيادة دين الله، و قد سار إمامنا الخميني بهذا الاتجاه، و هو على الضد تماماً من الطريق الذي كان نظام الطاغوت يجرّنا و يأخذنا إليه.
طيب، هذه الأهداف التي يسير قطار المجتمع الإسلامي نحوها بفضل الثورة، أهداف بعيدة المنال، و تستغرق زمناً طويلاً، و تحتاج إلى مضي زمن طويل، و تستلزم الجد و الجهد، بيد أن تحقيقها ممكن بشرط واحد هو أن يبقى هذا القطار يسير على نفس هذه السكة، على سكة الثورة. لقد دلنا الإمام الخميني على الطريق، و أشار لنا على المعايير و المؤشرات، و شخص لنا الأهداف، و بدأ هو نفسه الحركة. لقد حققنا مكاسب كثيرة لحد الآن بفضل السير على طريق الثورة، و لكن لا تزال المسافة كبيرة جداً حتى تلك الأهداف. نستطيع الوصول إلى تلك الأهداف شريطة أن يسير هذا القطار على نفس هذه السكة، على السكة التي وضعها الإمام الخميني لقطار المجتمع الإسلامي. بعد رحيل الإمام الخميني، أين ما تصرفنا بطريقة ثورية تقدمنا إلى الأمام و أين ما غفلنا عن الثورية و الحركة الجهادية تأخرنا و أخفقنا. هذا واقع. لقد كنت مسؤولاً في هذه السنين، و إذا كان هناك تقصير في هذا الشأن فإنه يعود عليّ أنا أيضاً. أين ما كنا ثوريين و تحركنا بطريقة جهادية و سرنا على تلك السكة تقدمنا إلى الأمام، و أين ما قصّرنا و غفلنا تأخرنا. نستطيع الوصول شريطة أن نتحرك بطريقة ثورية و نتقدم بأسلوب ثوري.
المخاطب بهذا الكلام هو جيل اليوم و جيل الغد و الأجيال ما بعد القادمة، المخاطب بهذا الكلام هو نحن جميعاً، المسؤولون مخاطبون بهذا الكلام، و الناشطون السياسيون مخاطبون، و الناشطون الثقافيون مخاطبون، و الناشطون الاجتماعيون، الجميع مخاطبون بهذا الكلام، الشباب، و الجامعيون، و الحوزويون، و أصحاب الحرف، و القرويون، و أهل المدن، الكل معنيون بهذا الكلام، و على الجميع أن يعلموا أنه يمكن السير على هذا الدرب بأسلوب ثوري، و عندئذ سيكون التقدم أكيداً، و يمكن السير و التحرك بأسلوب آخر، و عندها سيكون المصير مصيراً مؤلماً. لقد كان للإمام الخميني تعبير دارج يكرره فيقول: «سيتلقى الإسلام صفعة». إذا غيّرنا هذا الدرب فإن شعب إيران سيتلقى صفعة و سيتلقى الإسلام صفعة. لا يزال الكلام باقياً، و الكلام في هذا الشأن كثير، و الكلام الواجب في هذا المضمار كثير.
لاحظوا (6).. لأستفيد من هذه الفرصة و أقول لكم و لشعب إيران: يا أعزائي، الثورة رصيد ممتاز و فذ لشعبنا و بلادنا. لقد تحملنا تكاليف لتحقيق الثورة، و قد كانت تكاليف جسيمة، و لكن ثمة من المنافع مئات أضعاف تلك التكاليف. إنها تجارة مربحة للشعب. نعم، لقد كانت حرب الأعوام الثمانية تكلفة، و كانت حالات التمرد تكلفة، و الحظر كان تكلفة - و لكن ثمة في هذا الدرب من الربح أضعاف هذه التكاليف بمئات المرات. التكاليف و المنافع و الأرباح كانت متصاحبة و مترافقة منذ البداية، لدينا تكلفة و لدينا ربح. في الحرب سار شبابنا و استشهدوا، لكن الشعب و مجموع شباب البلاد حصل على مكاسب كبيرة من تلك الحرب المكلفة. لقد كانت تلك التكاليف و المنافع مترافقة و متلازمة منذ البداية، و لكن مهما تقدمنا إلى الأمام خفّت التكاليف و صارت ممكنة الاحتمال أكثر، بينما تضاعفت المصالح العامة و زادت. اليوم يوم نستطيع فيه و يستطيع شعب إيران و من دون أن يتحمل تكلفة كبيرة أن يحصل على منافع كبيرة من الثورة، توجد اليوم مثل هذه الإمكانية. لقد تأصلت الثورة و تجذرت، و تقوّت شجرة النظام الإسلامي و تمتّنت، و تجلت الكثير من الحقائق، و ظهرت سبل و أساليب، الأوضاع بالنسبة لشعب إيران اليوم أوضح و الأرضية معدّة أكثر و السبيل ممهّد أكثر من الماضي. هناك تكاليف، و لا تزال هناك تكاليف و أثمان، لكنها أصبحت أخف من الماضي و يمكن دفعها و اجتنابها أكثر.
هذه نقطة مهمة: هذه الثورة لم تحصل بانقلاب، و لم تحصل بتحرك عسكري، مثل بعض الثورات التي يجتمع فيها عدة ضباط عسكريين و يسقطون حكومة و يأتون بحكومة أخرى مكانها، لا، لقد حصلت هذه الثورة بواسطة الشعب، بعزيمة الشعب و بقوى الثورة لدى الشعب، و بإيمان الشعب. و دافعت عن نفسها بنفس هذه القوى، و بقيت و تجذرت بنفس هذه القوى. الناس و الشعب هم الذين لم يهابوا و لم يخافوا، و شعب إيران العزيز هو الذي صمد و قاوم و صار مصداقاً للآية: «اَلَّذينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ اِنَّ النّاسَ قَد جَمَعُوا لَكم فَاخشَوهُم فَزادَهُم ايمانًا وَ قالُوا حَسبُنَا اللهُ وَ نِعمَ الوَكيل» (7). لقد هددونا دوماً، و قالوا دوماً إننا سنهاجم، و قالوا دوماً سوف نفرض حظراً، لكن الشعب لم يخف من التهديد العسكري، و لم يخش الحظر، و لم يشله الحظر، و تابعوا المسيرة من دون خوف و بشجاعة و شموخ، و ينبغي أن يكون هذا بعد الآن أيضاً. على شعبنا، و شرائح الشعب المختلفة، و الشباب، و رجال الدين، و أصحاب المهن و الحرف، و الجامعيين، و الباحثين، و المسؤولين، و الحكوميين، و من هم في مجلس الشورى، أن يبقوا ثوريين و يسيروا بطريقة ثورية - و سوف أذكر مؤشرات للحالة الثورية - و ينبغي أن يبقى الكل ثوريين لنستطيع التقدم في هذا السبيل و مواصلته بنجاح.
من الخطأ أن نتصور أن الثوري هو من كان على عهد الإمام الخميني فقط، أو الذي كان إلى جانب الإمام الخميني في فترة الكفاح و النضال، لا، البعض كأنهم يخالون أن الثوريين هم أولئك الذين شاركوا خلال فترة الإمام الخميني أو فترة الكفاح أو فترة حكم الإمام الخميني الجليل إلى جانبه، لا، إذا اعتبرنا هذا هو معنى الثوري فسيكون الثوريون نحن الشيوخ كبار السن فقط. الثورة للجميع، فالشباب ثوريون و يمكن أن يكونوا ثوريين، بتلك المعايير و المؤشرات التي سأذكرها. يمكن لشاب اليوم أن يكون أكثر سابقة في الثورة مني، و أكثر ثورية، كما شاهدنا في فترة الدفاع المقدس أن البعض وضعوا أرواحهم على الأكف و ساروا إلى الجبهة في سبيل هذه الثورة و في سبيل تطبيق أمر الإمام الخميني، و ضحّوا بأنفسهم، أولئك هم الثوريون الكاملون مائة بالمائة، أولئك المستعدون للتضحية، إذن ينبغي عدم حصر الثورية بالذين كانوا مع الإمام الخميني في فترة الكفاح، أو الذين عرفوا الإمام الخميني أو كانوا إلى جانبه، لا، الثورة شط جار و كل الذين شاركوا طوال التاريخ بهذه المميزات و يسعون سعيهم هم ثوريون حتى لو لم يشاهدوا الإمام الخميني، مثل أغلبكم أيها الشباب.
كما أنه من الخطأ أن نتصور أننا إذا قلنا إن فلاناً ثوري فمعنى ذلك أنه متطرف، أو أن نستخدم تعبير المتطرفين عندما نريد الإشارة إلى الثوريين، لا، هذا خطأ. ليست الثورية بمعنى التطرف. هذه الثنائيات التي هي هدية الأجانب و كلام أعداء إيران يجب أن لا تجد لها مكاناً في إيران و في قاموسنا السياسي. إنهم يقسّمون الناس إلى متطرف متشدد و معتدل. لا يوجد لدينا متشدد و متساهل. يسمون الثوري متشدداً و يسمون غير الثوري معتدلاً! هذه ثنائية أجنبية، و هم يكررون هذا في إذاعاتهم و إعلامهم و تصريحاتهم، و يجب أن لا نكرر هذا، فالثوري ثوري.
كما أنه من الخطأ أن نتوقع من كل الثوريين نوعاً واحداً من الفعل الثوري و درجة واحدة من النزعة الثورية، لا، و على حد تعبيرنا نحن طلبة العلوم الدينية فإن النزعة الثورية حالة تشكيكية. قد يتحرك شخص بصورة أفضل تجاه مفاهيم الثورة و الفعل الثوري، و لا يتحرك شخص آخر بنفس هذه الجودة، لكنه يسير في نفس الطريق. أن نتهم أي شخص لا يتحرك بصورة جيدة أو بطريقة كاملة بأنه غير ثوري أو ضد الثورة فهذا أيضاً خطأ، لا، قد يكون مستوى حركة شخص مائة درجة، و قد تكون قيمة شخص آخر أقل، و قد يكون شخص آخر أقل أيضاً، لكن الجميع يتحركون في هذا الدرب. المهم هو التطابق مع تلك المؤشرات. المؤشرات هي المهمة. المهم أن يكون الشخص الذي لا يتحرك بنفس تلك الشدة و الجدية متوفراً على مؤشرات الثورية. إذا توفرت هذه المؤشرات فسيكون الشخص ثورياً و الفرد ثورياً و الجماعة ثورية و الحكومة ثورية و المنظمة ثورية. المهم هو أن نعرف المؤشرات و المعايير.
هناك مؤشرات للنزعة الثورية. أذكر هنا خمسة مؤشرات. طبعاً يمكن الإشارة إلى خصوصيات أكثر من هذه، لكنني أذكر حالياً خمسة مؤشرات ينبغي أن نحاول إيجادها في أنفسنا و الحفاظ عليها أين ما كنا. شخص في المجال الفني، و شخص في العمل الصناعي، و آخر ناشط في المجال السياسي، و غيره يعمل في المضمار العلمي، و آخر يعمل عملاً اقتصادياً و تجارياً، لا فرق في ذلك، فهذه المؤشرات يمكن أن توجد في كل واحد منا نحن الشعب الإيراني. المؤشرات الخمسة التي سوف أشرحها عبارة عن: المؤشر الأول هو الالتزام بمبادئ الثورة و أسسها و قيمها الأساسية. و المؤشر الثاني جعل مبادئ الثورة هدفاً و إبداء الهمة العالية للوصول إليها بأن نأخذ بنظر الاعتبار مبادئ الثورة و أهدافها السامية، و نتوفر على الهمّة للوصول إليها. و المؤشر الثالث الالتزام بالاستقلال الشامل للبلاد، الاستقلال السياسي، و الاستقلال الاقتصادي، و الاستقلال الثقافي - و هو الأهم من غيره - و الاستقلال الأمني. و المؤشر الرابع هو الحساسية حيال العدو و أعمال العدو و مخططاته و عدم اتباعه، و طبعاً ينبغي معرفة العدو و فهم مخططاته و عدم اتباعه - و قلنا إن القرآن يسمّي عدم الاتباع هذا الجهاد الكبير، و قد تحدثت مرتين أو ثلاث مرات عن هذا الموضوع في الآونة الأخيرة (9) - و المؤشر الخامس هو التقوى الدينية و السياسية، و هي على جانب كبير من الأهمية. إذا توفرت هذه المؤشرات الخمسة في شخص فإنه ثوري يقيناً، و درجات الثورية كما قلنا مختلفة. سوف أدلي بإيضاح قصير مختصر لكل واحد من هذه المؤشرات. قلنا إن المؤشر الأول هو الالتزام بالقيم الأساسية للإسلام. لقد تحدثت في السنة الماضية و في نفس هذا التجمّع حول أسس الإمام الخميني، و هذه هي مبادئنا الأساسية. الأساس الأول الالتزام بالإسلام الأصيل مقابل الإسلام الأمريكي. الإسلام الأصيل مقابل الإسلام الأمريكي، و للإسلام الأمريكي شعبتان: إحدى الشعبتين هي الإسلام المتحجر و الشعبة الثانية هي الإسلام العلماني، هذا هو الإسلام الأمريكي. و قد دعم الاستكبار و القوى المادية و لا تزال كلا الشعبتين. فهم يختلقون هذا الإسلام في بعض المواطن، و في مواطن أخرى يرشدونه، و في مواطن أخرى يدعمونه. و الإسلام الأصيل في مقابل ذلك. الإسلام الأصيل إسلام شامل من الحياة الفردية و الخلوات الفردية إلى تشكيل النظام الإسلامي. الإسلام الأصيل إسلام يرسم واجباتنا أنا و أنتم في العائلة مع أنفسنا و في خلواتنا الشخصية، و يعيّن كذلك واجباتنا في المجتمع، و يحدد تكاليفنا و واجباتنا قبال النظام الإسلامي و تأسيس النظام الإسلامي. هذا هو الإسلام الأصيل. هذا أحد الأسس التي ينبغي الالتزام بها.
أساس آخر من الأسس هو محورية الشعب، و عندما نرفق الحالة الشعبية و محورية الشعب مع الإسلام فستكون التركيبة الجمهورية الإسلامية. هذا هو معنى الجمهورية الإسلامية: الشعب هو المحور، و المقاصد للإسلام. الأهداف للشعب و المصالح هي ملك الشعب و الشعب هو الذي بيده الأمور. هذه هي الحالة الشعبية: أصوات الشعب و إرادته و حركته و عمله و تواجده و شرفه في نظام الجمهورية الإسلامية. هذا أحد تلك الأسس، و ينبغي الاعتقاد به بالمعنى الحقيقي للكلمة.
و من تلك الأسس و الركائز و القيم الأساسية الاعتقاد بالتقدم و التحول و التكامل و التواصل و التعاطي مع المحيط، طبعاً مع اجتناب الانحرافات و الأخطاء التي قد تعتور هذا الطريق. التحول و التكامل، فقهنا و علم اجتماعنا و علومنا الإنسانية و سياستنا و أساليبنا المتنوعة يجب أن تتحسن يوماً بعد يوم، و لكن على يد الخبراء و المتخصصين و العلماء و أهل التعمق و المؤهلين لفتح طرق جديدة، أما أنصاف المتعلمين و غير المتخصصين و الأدعياء فلا يستطيعون القيام بشيء. ينبغي التنبه لهذا الشيء، هذه كلها صراط له طرفان على اليسار و اليمين، و ينبغي السير في الجادة الوسط.
و دعم المحرومين من الركائز و القيم الأساسية في النظام الإسلامي. و أساس آخر هو دعم المظلومين في كل نقطة من العالم. هذه هي القيم الأساسية للثورة. لا يمكن غض النظر عن هذه الأسس. إذا كان الشخص أو الأشخاص أو التيار مهملاً للمحرومين أو غير مكترث للمظلومين في العالم فإن هذا المؤشر غير متوفر فيه.
......... [يتبع]