«الدفاع عن فلسطين شرف وعزّة لنا، ولن نتخلى عن هذا الواجب الديني مقابل أي شي من متاع هذه الدنيا وحطامها»[1]. هذه الجملة تمثل جوهر «فلسطين في فكر الشهيد سليماني». ربما إذا حاولنا تبيين مكانة فلسطين في فكر «الشهيد سليماني»، فلن يكون هناك ما هو أفضل مما قاله الشهيد نفسه في حياته عن فلسطين ليكون تبييناً لنهجه ورؤيته تجاهها. دعمَ الشهيد قاسم سليماني فلسطين طوال حياته الجهادية، وجعلها دائماً في مقدمة أولوياته. أكد الشهيد إسماعيل هنية، القائد الراحل لحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، في ديسمبر 2019 في خطابه خلال مراسم تشييع جثمان الشهيد سليماني أن «الشهيد القائد سليماني ضحّى من أجل فلسطين وشعبها، لذا هو شهيد القدس»[2]. استخدم هذا الشهيد الفلسطيني لقب «شهيد القدس» ثلاث مرات لوصف الشهيد سليماني.

كفَت هذه الكلمات لتكون سبباً في إطلاق لقب «شهيد القدس» على الشهيد سليماني، تكريماً للخدمات التي قدّمها طوال عدد من العقود لقضية فلسطين والمقاومة الفلسطينية. برز دور الشهيد سليماني في تعزيز المقاومة الفلسطينية عبر السنوات على نحو واضح ومؤثر لدرجة أن أسامة حمدان، العضو البارز في حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، أشار في خطاب له في 1 يناير 2024 إلى أن «العين ترى دور الشهيد سليماني وأثره في المعركة القائمة [طوفان الأقصى]»[3].

 

الحاج قاسم وبداية العلاقات مع الفصائل الفلسطينية

تعيين الشهيد سليماني قائداً لقوة القدس في «حرس الثورة الإسلامية» كان بداية فتح قنوات الاتصال بينه وبين الفصائل الفلسطينية. التقى هذا القائد الشهيد في عام 1998 أعضاءَ الفصائل الفلسطينية وقادتها، وتعرّف إليهم من كثب. بعد هذا اللقاء، أُسِّست قناة اتصال مباشرة بين الجانبين.[4] كانت العلاقة بين الطرفين وثيقة إلى درجة أن الحاج قاسم حضر في الحرب التي استمرت 22 يوماً في عام 2008 في غرفة العمليات المشتركة بين «حماس» و«الجهاد الإسلامي».[5] لم تقتصر علاقات الشهيد سليماني على «حماس» و«الجهاد»، بل شملت فصائل المقاومة الفلسطينية جميعها. لقد تابع من كثب سير العمليات العسكرية للمقاومة الفلسطينية [ضد الكيان الصهيوني].[6]

قال الشهيد يحيى السنوار في عام 2017 بشأن علاقة الشهيد سليماني مع فصائل المقاومة الفلسطينية واهتمامه الكبير بالمقاومة في فلسطين: «تواصلَ اللواء سليماني مع قيادة القسام والسرايا وأكد وقوف إيران ووقوف حرس الثورة ووقوف فيلق القدس بما يملك كله مع شعبنا من أجل الدفاع عن القدس وبقائها عاصمة لدولة فلسطين. قال سليماني على نحو واضح إن مقدراتنا وإمكاناتنا كلها تحت تصرفكم في معركة الدفاع عن القدس ولم يطلب ولم يشترط شيئاً». أكد السنوار أنه التقى اللواء سليماني في طهران عام 2012، وقال «إنه يحب فلسطين ويحب القدس ويحب كل ما من شأنه أن يعزز صمود أهلنا وشعبنا»[7].

 

«شهيد القدس»: من تدريب مجاهدي المقاومة إلى إرسال الصواريخ إلى غزة

عندما كانت غزة تحت حصار الكيان الصهيوني الشامل، ربما لم يكن يتوقع كثيرون أن المقاومة في هذه الرقعة الصغيرة يمكن أن تخطو خطوة نحو القوة والاقتدار. لكن حدث ذلك وكان للشهيد سليماني دور بارز في تحقيق هذا الإنجاز. في الواقع، كان الشهيد سليماني هو الذي طرح فكرة تقديم التدريب للمجاهدين في غزة من أجل تصنيع صواريخ بعيدة المدى، وهذه الفكرة أدت إلى تحقيق إنجاز كبير، وهو تمكين «غزة المحاصرة» من صناعة الأسلحة.[8] بناءً على ذلك، من بين خدمات الشهيد سليماني للمقاومة الفلسطينية يمكن الإشارة إلى إشرافه على تدريب المقاتلين، وتعزيز القدرات العسكرية للمقاومة، والإشراف على عملية نقل الأسلحة إلى قطاع غزة المحاصر في إطار عملية معقدة جداً.[9]

إضافة إلى ذلك، كان لـ«شهيد القدس» دور بارز في تعزيز القدرات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية أيضاً. في هذا السياق، كشف زياد النخالة، الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية أن «الشهيد الحاج قاسم سليماني كان يشرف ويدير شخصياً تمرير الصّواريخ، وتنقّل في أكثر من دولة لإقناعها، فقد زار السودان شخصياً وأدار اتّفاقاً واضحاً لتكون محطّة لنقل السّلاح. كانت عملية نقل الصواريخ شبه إعجاز أن تقطع هذه الجغرافيا كلها براً وبحراً بعمليات معقّدة لتَصل إلى قطاع غزّة»[10].

 

قصف "تل أبيب" بالصواريخ بفضل جهود الحاج قاسم

تعزيز القدرات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية جعل من "تل أبيب" أيضاً جزءاً من بنك أهداف المجاهدين الفلسطينيين. لذا، قصفت المقاومة "تل أبيب" لأول مرّة بصواريخ وصلت إلى قطاع غزّة بإشراف مباشر من القائد الشهيد سليماني.[11] في هذا السياق، استهدفت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، "تل أبيب" لأول مرة في عام 2012 بواسطة صاروخ M75.[12] في 13 نوفمبر 2015، أعلنت «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، عن إطلاق صاروخ «فجر 5» نحو "تل أبيب"، وهو ما يُعد المرة الأولى في تاريخ مقاومة الفلسطينيين ضد الصهاينة. [13] كان «شهيد القدس» دائماً يحفز فصائل المقاومة الفلسطينية ويشجعها على تنفيذ عمليات صاروخية في عمق الأراضي المحتلة واستهداف "تل أبيب".[14]

كان صاروخ «الكورنيت» واحداً من الأسلحة المتطورة التي وصلت إلى أيدي قوات المقاومة الفلسطينية بفضل الشهيد سليماني. يُؤكد الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي» في هذا الصدد: « الأسلحة الكلاسيكية كلها والصواريخ البعيدة المدى وصلت إلى غزة عن طريق قاسم سليماني. لقد حصلنا على صواريخ «الكورنيت» منذ عام 2012. رغم وجود الحرب في عام 2012، ولكننا استخدمناه بصورة محدودة، ولكن بعد عام 2014 بدأنا نستخدمه على نحو أكبر»[15].

كتب موقع قناة «الميادين» في هذا الصدد: «إحدى أكبر المفاجآت في مجال الحرب كانت تمكّن المقاومة الفلسطينية من الحصول على صواريخ «كورنيت»، وقد كان للحاج قاسم الدور الأكبر في تحقيق هذا الإنجاز»[16]. أدى دور «شهيد القدس» في نقل الأسلحة إلى المقاومة الفلسطينية إلى إشادة من قائد الثورة الإسلامية، حتى أنه قال في هذا السياق: «هذا الرجل (الشهيد سليماني) ملأ أيدي الفلسطينيين، وعمل ما من شأنه أن تقف منطقة صغيرة جداً مثل قطاع غزة في وجه الكيان الصهيوني، بادعاءاته كلها، وتنزل بهم من الويلات ما يجعلهم بعد 48 ساعة يطالبون بوقف إطلاق النار؛ هذا ما فعله الحاج قاسم سليماني. ملأ أيديهم وفعل ما جعلهم يستطيعون الوقوف والصمود والمقاومة. هذا ما قاله لي إخوتنا الفلسطينيون مراراً وتكراراً»[17].

 

الدور البارز لـ«شهيد القدس» في نقل الخبرات إلى المقاومة وحفر شبكات الأنفاق

يعد نقل الخبرات العسكرية والأمنية إلى فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة من بين أبرز الخدمات التي قدّمها الشهيد سليماني لفلسطين ومقاومتها. في هذا السياق، أكّد «أبو حمزة»، المتحدث باسم «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، أن «الحاج قاسم أشرف على امتداد عقدين من الزمان على الدعم المباشر لفلسطين، ونقل الخبرات العسكرية والأمنية لمجاهديها»[18]. هي القضية نفسها التي أشار إليها خالد القدومي، ممثل حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في طهران، عندما قال: «كان للشهيد سليماني شخصية متعددة الأبعاد. رغم أنه كان مؤمناً ومسلماً راسخاً ولكنه كان شخصية بارزة في الجوانب العسكرية والسياسية والدينية أيضاً. لقد ساعد الشهيد سليماني المجاهدين والمقاومة الإسلامية في مختلف الأبعاد، وكانت أهم مساهماته للمقاومة الإسلامية الفلسطينية في جانب نقل الخبرة والسلاح والفكر الميداني، ما أسهم في تقدّم المقاومة الإسلامية الفلسطينية»[19].

أسهم الحاج قاسم في تمكين المقاومة في المجال العسكري وحفر شبكات الأنفاق التي شكّلت أرضية العمليات العسكرية والأمنية للمقاومة أيضاً. من بداية «انتفاضة الأقصى» في عام 2000 وحتى استشهاده، قدّم أنواعاً متنوعة من الأسلحة - سواء الخفيفة أو الثقيلة - إلى المقاومة.[20] في هذا السياق، لفت أحمد عبد الهادي، ممثل حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في لبنان، إلى أنّ «فكرة الأنفاق جاءت من شخصين: الشهيد القائد عماد مغنية والشهيد الحاج قاسم سليماني. لقد ذهب الشهيد سليماني إلى غزة أكثر من مرة، وكان مساهماً ومشاركاً في الخطة الدفاعية»[21].