تحدّث قائد الثورة الإسلامية صباح اليوم (الأربعاء) 8/1/2025، في ذكرى انتفاضة أهالي قم في 19 دي 1356 هجري شمسي، وأكّد أن 46 عامًا من الحسابات والسياسات الخاطئة التي اتبعتها أمريكا تجاه الشعب الإيراني هي استمرار الخطأ  نفسه في حسابات الأمريكيين عند تحليل «انتفاضة 19 دي» التاريخية.

وأشار سماحته إلى ضرورة الاستفادة من دروس انتفاضة 19 دي، ورأى أن الجهود «المستمرة والواسعة والمؤثرة» من وسائل الإعلام والنشطاء في الفضاء المجازي من أجل «تمزيق توهم اقتدار العدو وتحصين الرأي العام» هي احتياجات ملحة اليوم.

ولفت الإمام الخامنئي إلى أن انتفاضة أهالي قم في 19 تحتوي على دروس وعبر متنوعة وقال: «أهم درس من ذلك اليوم هو أنه أظهر أيّ إيران ترغب أمريكا بها وتطمح إليها».

كما أشار قائد الثورة الإسلامية، إلى زيارة جيمي كارتر، رئيس الولايات المتحدة آنذاك، إلى طهران في 10 دي 1356 (1977) وامتداحه الكاذب لمحمد رضا شاه ووصفه لإيران بأنها «جزيرة الاستقرار»، وأضاف: « كان كارتر يرى إيران ملائمة لأمريكا، كانت في السياسة الخارجية تابعة محضة للأمريكيين وتؤمّن مصالحهم، وفي السياسة الداخلية تشهد قمعًا شديدًا لجميع التيارات المعارضة».

وتابع الإمام الخامنئي واصفًا إيران التي تروق لأمريكا آنذاك في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، قائلًا: «من الناحية الاقتصادية، كانت إيران تمتلك إيرادات ضخمة من بيع النفط، لكنها كانت تعاني من فجوات طبقية شاسعة، ومن الناحية العلمية والتكنولوجية، كانت متأخرة، ومن الناحية الثقافية، كانت دولة يزداد فيها انتشار ثقافة الفساد وقلة الحياء والابتذال الغربي يومًا بعد يوم».

وأكد سماحته: «لقد انتزعت انتفاضة 19 دي إيرانَ المرغوبة لدى الأمريكيين من مخالبهم، ولا تزال أمريكا تتمنى ذلك الإيران، لكن مثلما أخذ كارتر هذه الأمنية معه إلى قبره، سيأخذها جميع الأمريكيين أيضًا إلى قبورهم».

ورأى الإمام الخامنئي أن انتصار الثورة الإسلامية كان بمثابة إحداث شق في الجدار الإسمنتي لهيمنة الاستكبار وتزلزلًا لحصن الغرب، وأضاف: «الدرس الآخر من انتفاضة 19 دي هو وجوب تحصين الرأي العام لدينا أمام دعاية العدو».

وعدّ قائد الثورة الإسلامية الهدف من نشر مقال مسيء للإمام الخميني في إحدى الصحف في شهر دي 1356 كان نتيجة لالتفات الأمريكيين ونظام الشاه إلى تأثير الدعاية، وقال: «كانوا يريدون أن يقضوا على 'ذو الفقار لسان' الإمام الخميني، الذي كان يبث الأمل والدفء في قلوب الناس من جوار مرقد أمير المؤمنين (ع)، لكن أهالي قم أفشلوا تلك الخطوة بنباهتهم واجتناب الوثوق في دعاية أمريكا ونظام الشاه».

وأشار الإمام الخامنئي إلى ازدياد استخدام الأمريكيين للوسائل الناعمة والدعاية بآلاف الأضعاف من أجل تثبيت نتائج استخدامهم للأدوات الصلبة، وقال: «لقد أبادوا عشرات الآلاف من البشر في غزة، لكنهم لم يتمكنوا من القضاء على المقاومة باستخدام الأدوات الصلبة. وفي لبنان، اغتالوا شخصية مثل السيد حسن نصر الله وقياديين آخرين، لكن حزب الله لم ينتهِ ولن ينتهي».

وفي جزء آخر من حديثه، رأى الإمام الخامنئي أن إيران تشكّل القمة الاستراتيجية في العالم بسبب ما تمتلكه من مقدّرات ثمينة مثل الموارد الطبيعية والقوة البشرية المتقدمة التي تفوق المتوسط العالمي، وأضاف: «كانت إيران منذ حوالي 80 عامًا، ولعقود عدة، تحت سيطرة أمريكا، لكن الثورة الإسلامية أخرجت البلاد من قبضة أمريكا، ولهذا السبب لا يمكنهم نسيان مرارتهم من الثورة».

وأشار قائد الثورة الإسلامية إلى تصريحات بعض الأشخاص الذين يتساءلون عن سبب امتناع الجمهورية الإسلامية من التفاوض وإقامة العلاقات مع أمريكا رغم علاقاتها مع الدول الأوروبية، وقال: «كانت إيران ما قبل الثورة الإسلامية تحت سيطرة أمريكا، لكن الثورة الإسلامية جعلت تلك الثروة السياسية والاقتصادية الضخمة تخرج من قبضتهم، ولذلك فإن حقدهم على الثورة هي مثل حقد الجمل، وهذا الأمر مختلف جدًا عن الدول الأوروبية».

ولفت الإمام الخامنئي إلى أن أحد مطالب المستكبرين، وفي مقدمتهم الحكومة الأمريكية، من جميع الدول، بما في ذلك المسؤولين الجمهورية الإسلامية، هو مراعاة مصالحهم واعتباراتهم عند تصميم مختلف القضايا، وأكدّ أن الاستجابة لهذا التوقع غير المشروع من أمريكا هو تهديد للسيادة الشعبية والجمهورية في البلاد، وقال: «لقد منح الناس أصواتهم للمسؤولين من أجل حقيق مصالحهم، لا مصالح أمريكا؛ لذا يجب على صناع القرار أن يركزوا فقط على مصالح الشعب الإيراني والجمهورية الإسلامية، وألا يأخذوا بعين الاعتبار مصالح أمريكا والصهاينة بأي نحو من الأنحاء، لأنهم يعادون شعبنا والجمهورية الإسلامية من أعماق وجودهم، ويتمنون لإيران الخراب».

كما رأى الإمام الخامنئي أن فشل أمريكا في استعادة إيران رغم التكاليف الباهظة التي تكبدتها خلال الـ46 عامًا الماضية هو سبب آخر لعدائها للشعب الإيراني والجمهورية الإسلامية، وأضاف: «لقد فشلت أمريكا في هذا البلد، وإنها تسعى إلى تعويض هذا الفشل؛ لذا فهي تواصل عداءها للشعب الإيراني بكل وسيلة ممكنة».

وعاد الإمام الخامنئي مجددًا إلى ذكر انتفاضة 19 دي، موضحًا أن الدرس الآخر منها هو انكشاف خطأ الحسابات الأمريكية وإثبات عجزهم عن فهم حقائق إيران بنحو صحيح.

وأضاف قائد الثورة الإسلامية: «على أولئك الذين يعقدون آمالهم على مظاهر أمريكا وينسون عظمة الله والشعب الإيراني أن ينتبهوا إلى أنه بعد 9 أيام فقط من تمجيد كارتر لـ 'جزيرة الاستقرار' التي وصف بها الأمريكيون إيران، أثبت انتفاضة القميين الرائدين كم أن أمريكا متخلفة وغافلة في فهم قضايا إيران».

وشبّه الإمام الخامنئي انتصار الثورة الإسلامية بخروجها من خضم «أهم معاقل الاستكبار» بقصة ترعرع النبي موسى (ع) في قصر فرعون، وأضاف: «ظل الأمريكيون نائمين، وتفجرت الثورة الإسلامية العظيمة من قلب القلعة الحصينة لمصالحهم».

وعدّ قائد الثورة الإسلامية رسالة الإمام الخميني من النجف بعد حادثة 19 دي، وبشارته للشعب الإيراني بالنصر ، نموذجًا للاهتمام الكبير الذي كان يوليه الإمام في بث الأمل، ولفت قائلًا: «مَن كان يصدّق في ذلك اليوم عندما بشّر الإمام بانتصار الثورة، أن الثورة ستنتصر، وأن قوة عظيمة وكاسحة مثل الجمهورية الإسلامية ستنبثق في هذه المنطقة من العالم، لتوقف الكثير من التعديات والأهداف الشريرة للغرب؟ ومَن كان يعتقد أنه سيأتي يوم يتم فيه إحراق علم أمريكا في البلدان الغربية وحتى في واشنطن نفسها؟».

واختتم الإمام الخامنئي حديثه بالتأكيد على أن أحداث المنطقة، بما في ذلك سوريا، يجب ألا تؤدي إلى تهميش قضية فلسطين، وقال: «الجوهر الأساسي للمقاومة هو الوقوف في وجه الحركة الخبيثة التي يقودها الكيان الصهيوني».

وشدد سماحته على «بقاء المقاومة حية وأن تغدو أقوى يومًا بعد يوم»، وقال: «نحن ندعم المقاومة في غزة، والضفة الغربية، ولبنان، واليمن، وفي أيّ نقطة يقف فيها الناس في وجه الكيان الصهيوني ويقاومونه».