بسم الله الرحمن الرحيم
بدايةً أشكر بحرارة كافة المسؤولين و العاملين فـي إقامة هذا المؤتمر ، كما أشكر حضور جميع العلماء و الأساتذة و الباحثين ولاسيما الضيوف الأجانب الذين تفضلوا بالمجيئ إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية من بلدان مختلفة للمشاركة فـي هذا الملتقى . إن دراسة أفكار الشهيد آية الله مطهري و آرائه و تأثيرها فـي تشكيل المرتكزات الفكرية للثورة الإسلامية و تكريم شخصيته النادرة ، هي مما تحتاجه المجتمعات الإسلامية ، و هي كذلك أداءٌ لجزء من واجب الاعتراف بالفضل لمفكري الثورة الإسلامية و وعاتها .
يبدو أن المحور الأساس لهذا الملتقى هو تسليط الضوء على الشخصية الفكرية و الهوية التنويرية للشهيد مطهري و دوره فـي الحركة الفكرية و التنويرية الإسلامية المعاصرة . لم يطرح لحد الآن تعريف جامع للهوية الفكرية و التنويرية للشهيد مطهري .
لقد نزل الشهيد مطهري بمتانته الفكرية و أفكاره الصائبة خلال عقدي الأربعينات و الخمسينات الى ساحات لم يكن أحد قد نزلها حتى ذلك الحين فيما يتصل بالقضايا الإسلامية ، و تحدى الأفكار الغربية و الشرقية المستوردة بطريقة علمية عميقة و واسعة و متواصلة ، و خاض غمار جهاد واعٍ على جبهة التصدي للماركسية و الأفكار الغربية و الليبرالية ، و حقق بقدراته العلمية و إيمانه الراسخ و ثقته بالنفس نجاحات كبيرة ، و أوجد بقدرته على الاجتهاد و إنصافه و أدبه العلمي منهجاً متماسكاً لتعريف الإسلام و مواجهة الانحراف و الاعوجاجات الفكرية بعيداً عن التحجر والجمود و الانتقائية ، و أسس قواعد الأفكار التـي يحتاج إليها المجتمع الإسلامي والثوري ، و ترك أثراً عميقاً على التيار الفكري الإسلامي و تأسيس النظام الإسلامي ، فأضحى خندقاً آمناً للشباب المحب و المتطلع للفكر الإسلامي فـي الحوزات و الجامعات ليتمكنوا فـي ظل هذا التفكير العميق المتماسك أن يحافظوا على دينهم و تكون لهم مكتسبات فكرية جديدة يدافعون عنها .
المحور الآخر الذي أقترحُ أن يكون موضع اهتمام هذا الملتقى هو دراسة السبيل إلى استمرار هذا التيار العميق و الأصيل . نحن لا نستطيع أن نتوقف عند الشهيد مطهري ، مع أن كتبه لاتزال بعد مرور 25 عاماً على استشهاد هذا الرجل الكبير من أمتع الكتب و أكثرها مبيعاً عند الأجيال الباحثة عن الفكر الإسلامي الرصين و المنطقي ، و ليس لدينا اليوم بديلٌ عن مجموعة كتب الشهيد مطهري ، على أن المتطلبات الفكرية تتجدد يوماً بعد يوم ، و تيار الخوض فـي تحدي الأفكار الوافدة و نقدها العلمي و تفكيك الصحيح و السقيم منها ، من الواجبات المهمة التـي ينبغي أن تتواصل ، ونحن فـي العقود القادمة بحاجة الى العديد من أمثال الشهيد مطهري . لقد تعرض الفكر الإسلامي و خصوصاً بعد الثورة الإسلامية لتحديات جادة ، و هذا سياق سوف يستمر . علينا أن نعد أنفسنا ، وبالنظر للأرصدة الفكرية و الثقافية الهائلة التـي نمتلكها فسوف ننتصر فـي هذه المواجهة إذا استخدمنا كل الإمكانات الإيجابية .
من حسن الحظ أن الحوزات العلمية و الجامعات تضم فضلاءً و علماءً و شخصيات صالحة و كفوءة علمياً و فكرياً ، و عليهم توسيع رقعة مساهمتهم فـي هذه الميادين و مواجهة أمواج الدعاية و الشبهات الجديدة و أداء واجبهم إزاء الإسلام .
أتمنى أن يوفقكم الله تعالى جميعاً ، و أن يستطيع هذا الملتقى توفير أرضيات معرفة أوسع لأفكار الشهيد مطهري و سبل استمرارها للأجيال القادمة .
السيد علي الخامنئي

 

1 تعادل بالتاريخ الميلادي عقدي الستينات و السبعينات من القرن العشرين .