وفي التفاصيل التقى قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي في حرم الإمام الرضا عليه السلام جمعاً غفيراً من زوار مرقد غريب طوس وذلك بمناسبة بداية السنة الإيرانية الجديدة (1396 هـ.ش). وخلال الكلمة التي ألقاها سماحته أثناء اللقاء استعرض الإمام الخامنئي أهم مميزات السنة الفائتة حيث رأى سماحته في التزام الناس بالثورة الإسلامية وهو الأمر الذي أظهروه جلياً في مسيرات إحياء ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في 22 من شهر بهمن (10 شباط)، وكذلك التزام الناس بالقضايا الإيمانية والدينية والتي تجلت في إحياء شهر رمضان المبارك ومناسبات شهري محرم وصفر وغيرها من المناسبات الدينية أحد أهم ما ميّز السنة الماضية وقال سماحته: في العام الماضي ووفقاً للتقارير الموثوقة التي وردتني من سائر أنحاء البلاد كانت حماسة ومشاركة الناس في شهر رمضان ومحرم وصفر وبقية المراسم الدينية أكثر من أي وقت مضى" واعتبر سماحته مشاركة الشعب الإيراني الكثيفة في القضايا الدينية والثورية أمراً في غاية الأهمية يُظهر للأعداء حقيقة حركة الشعب الإيراني.
وأوضح الإمام الخامنئي: لم تكن مسيرات الثاني والعشرين من شهر بهمن متعلقة بذوق سياسي معين، وكذلك مراسم شهر محرم والاعتكاف ومسيرة الأربعين لم تكن متعلقة بذوق سياسي معين هي الأخرى ؛ إنما كانت متعلقة بالجميع.
كما أشار السيد الخامنئي إلى بعض المرارات التي تخللت السنة الماضية والتي كانت حادثة انهيار مبنى بلاسكو التجاري في وسط العاصمة طهران واستشهاد عدد من رجال الإطفاء أبرزها، مؤكداّ على ضرورة أن يُثبت الشعب الإيراني وحدته الوطنية والتزامه بالثورة والنظام والمواضيع الدينية ويظهرها للعدو والصديق.
وقسّم الإمام الخامنئي كلمته إلى قسمين حيث بدأ سماحته كلمته بالتطرق بشكل تفصيلي لقضية الاقتصاد المقاوم؛ إذ أكد قائد الثورة الإسلامية على أن الاقتصاد ولسنوات عديدة كان قضية تقع على سلم أولويات القضايا في البلاد وقال سماحته: اليوم تعتبر القضية الاقتصادية قضية الشعب الإيراني الأولى وكذلك هذه القضية هي قضية أعداء الجمهورية الإسلامية الأولى؛ يسعى الأعداء اليوم من خلال تتبع الأساليب الاقتصادية وتوجيه الضربة لهذا الملف لتنفيذ خططهم وأهدافهم.
وأضاف قائد الثورة الإسلامية: يسعى الأعداء من خلال الضغط الاقتصادي إلى إيجاد بون بين الشعب والنظام الإسلامي وإضعاف ثقة الناس بالنظام الإسلامي. وأكد سماحته أن العدو الجاهل وعديم الدين الذي كان يسعى لسنوات طوال لتحقيق هذا الهدف لم يتمكن من ذلك ولن يتمكن بإذن الله تعالى.
وأشار الإمام الخامنئي إلى سعي الأعداء لتحميل نظام الجمهورية الإسلامية مسؤولية ما يعانيه الوضع الاقتصادي والمعيشي للناس من نواقص وأضاف سماحته: الأعداء يسعون لتصوير النظام الإسلامي على أنه غير قادر على حل مشكلات الناس وفك عُرى هذه المشكلات، كلامهم هذا نابع مما يكنونه للنظام الإسلامي من بغض وحقد وعداوة وهو كلام مخالف للواقع والحقيقة.
ونوّه السيد الخامنئي بما قدّمه النظام الإسلامي من خدمات لإيران وللشعب الإيراني خلال هذه المدة القليلة الماضية من خدمات كبيرة وجليلة بقوله: لو قمنا بمقارنة هذه الخدمات بالخدمات التي قدمها نظام الطاغوت (النظام الشاهنشاهي) سوف يتضح حينها ما هي الخدمات الكبيرة والقيمة التي قدّمها النظام الإسلامي.
وتابع قائد الثورة الإسلامية كلمته بالتطرق إلى بعض نقاط الضعف التي يعاني منها النظام الإسلامي حيث رأى سماحته في الإدارة الساكنة وغير الثورية سبباً لنقاط الضعف هذه وقال سماحته: "نعم هنالك نقاط ضعف يعود منشؤها لنوعية إدارتنا، وليس لحركة النظام الإسلامي العامة" وتابع سماحته: أينما كان لدينا إدارة نشطة وفعالة فلقد تطور العمل، وأينما كان لدينا إدارة ضعيفة، يائسة، غير ثورية، تعبة وعديمة الحركة فإن العمل إما توقف أو انحرف.
وطرح السيد الخامنئي حلاً لهذه المشكلة بقوله: "أقولها بشكل قاطع: إذا كان لدينا في قطاعات البلاد المختلفة مديرين متدينين، ثوريين ومنتجين فإن جميع مشكلات البلاد سوف تُحل، فليس لدينا في البلاد مشكلة غير قابلة للحل.
وقدّم سماحة الإمام الخامنئي بعضاً من الإحصائيات التي تتعلق بإنجازات النظام الإسلامي خلال السنوات القليلة الماضية بالمقارنة مع هذه الإحصائيات قبل قيام الثورة الإسلامية فعلى الرغم من أن تعداد سكان إيران قد قارب ضعفي ما كان عليه قبل قيام الثورة إلا أن الإحصائيات تشير إلى تقدم البلاد في كافة الميادين بمعدلات مثيرة للانتباه حيث أشار سماحته إلى أن طرقات البلاد أصبحت ستة أضعاف ما كانت عليه قبل الثورة، طاقة الموانئ الاستيعابية أصبحت 20 ضعف ما كانت عليه قبل الثورة، السدود السطحية أضحت 30 ضعف، توليد الطاقة الكهربائية أصبح 14 ضعف، الصادرات غير النفطية أصبحت 57 ضعف ما كانت عليه قبل الثورة.
وعلى الصعيد العلمي أشار سماحته إلى أن عدد الطلاب الجامعيين قد أصبح 25 ضعف ما كان عليه قبل الثورة الإسلامية؛ إذ كان عدد الطلاب قبل الثورة 200 ألف طالب، إلا أنه أصبح الآن خمسة ملايين طالب وطالبة جامعية، فيما أصبح عدد المقالات العلمية 16 ضعف ما كان عليه قبل الثورة الإسلامية.
وأردف الإمام الخامنئي: لدينا الكثير من الطاقات والقدرات، عندما نقول أنه في المستقبل سوف يتم إنجاز مجموعة من الأعمال فإننا نقول هذا بناء على هذه الطاقات الكامنة.
وأشار سماحته إلى أن عدد الشباب في الجمهورية الإسلامية الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 40 سنة يبلغ 33 مليون شخص؛ أي أن إيران بلد شاب لديها القدرة على العمل، وفي إشارة منه إلى احتياطات الجمهورية الإسلامية من النفط والغاز قال سماحته: وصلني مؤخراً إحصاء يفيد بأننا الدولة الأولى في العالم في احتياطي الغاز، ولا توجد أية دولة في العالم لديها من الغاز بقدر ما لدينا.
وحذر قائد الثورة الإسلامية من مؤامرات الطامعين بثروات الجمهورية الإسلامية بقوله: هذه البلاد بلاد غنية، وإنه ليس أمراً عبثياً أن ينظر الأعداء لهذه البلاد بعين الطمع ويريدون أن يخضعوها لسلطتهم. طبعاً هذه هي أمنيتهم الدائمة والتي لن يحققوها أبداً.
وتابع سماحته كلمته بقوله: نريد لبلادنا العظمة الوطنية المستمرة، الرفاهية العامة، الأمن المستمر، امتلاك عملة قوية وزيادة القوة الشرائية للناس. ورأى سماحته أن تحقيق هذه الأمور يتطلب توفر إدارة قوية، إنتاج قوي واقتصاد قوي ومستقل لا نحتاج من خلاله لمد أيدينا للآخرين؛ ونتمكن من خلاله من الاختيار، الحركة، والتأثير على قيمة النفط...لا يمكن تحقيق هذه الأهداف من دون الاتحاد، ومن دون الثقافة الثورية، ومن دون المسؤولين الشجعان والنشطين.
ووصف قائد الثورة الإسلامية بطالة الشباب وخصوصاً الشباب المتعلمين بالفراغ الذي تعاني منه الجمهورية الإسلامية. كما تناول السيد الخامنئي في كلمته الوضع المعيشي للطبقة الضعيفة وركود الإنتاج بقوله: إننا مطلعون على الوضع المعيشي للناس، يعاني الناس من الناحية المعيشية من مشاكل عدة.
وقال سماحته لقد تمَّ في العام الماضي إنجاز عدة أعمال جيدة، والحق يقول أن نتطرق للجهود التي بذلها المسؤولون وأن نتوجه بالشكر لهم.
كما أردف السيد الخامنئي: ما أوصي به وأطالب به هو الاعتماد على الإنتاج الداخلي. الإنتاج الداخلي كلمة مفتاحية، على المسؤولين أن يلتفتوا لهذه القضية ويعتمدوا عليها، وعلى الرأي العام الشعبي أن يطالب بهذا الأمر ويلتفت إليه.
وقال سماحته: أعتقد أن العمل الأساسي اليوم يتمثل في الالتفات إلى الإنتاج الوطني والإنتاج الداخلي. وتابع سماحته: إذا تمكنا من تطوير الإنتاج الداخلي فإن ذلك سوف يثمر عدة ثمار.
ولخص السيد الخامنئي فوائد تشجيع وتطوير الإنتاج الداخلي بعدم استهلاك القطع الأجنبي في البلاد من أجل شراء البضائع الإستهلاكية، زيادة الصادرات، قلة الاهتمام بالتفاخر بالماركات الأجنبية، إيجاد نشاط وطني، إيجاد فرص عمل وحل مشكلات البطالة وتفتح قدرات الشباب.
وفي معرض إشارته إلى متطلبات الإنتاج أشار قائد الثورة الإسلامية إلى وجود أربعة متطلبات أساسية هي المهارة، الموارد البشرية، رؤوس الأموال وأدوات العمل اللازمة والمتطورة؛ بعضها تمتلكها الجمهورية الإسلامية والبعض الآخر يمكن لها امتلاكه من دون أية مشاكل.
كما نوّه سماحته بقدرات الشباب الإيراني بقوله: البعض يقول ليس لدينا الأدوات. وأنا أقول الشاب الإيراني الذي يمكنه خلال مدة وجيزة تطوير تخصيب اليورانيوم من 3.5 بالمئة إلى 20 بالمئة والذي يمثل عملاً كبيراً للغاية، يمكنه بسهولة إيصال نسبة التخصيب هذه إلى 99 بالمئة. هذا أحد الأمثلة عن المشكلات التي واجهناها والتي تمكن شبابنا خلال مدة وجيزة من حلها.
وأردف سماحته: هذا الشاب الذي تمكن في مجال الصواريخ وعلى الرغم من العقوبات المفروضة من إنجاز إنجازات دفعت أحد المسؤولين العسكريين الصهاينة إلى القول: أنا أُكنُّ العداء للإيرانيين ولكني لا أستطيع أن لا أمتدحهم لأجل العمل الكبير الذي قاموا به.
وأكد قائد الثورة الإسلامية على أهمية ارتباط الجامعات بالصناعة والذي يعود بالنفع على تقدم الأبحاث العلمية وعلى تقدم صناعة البلاد على حد سواء وقال سماحته: ليس لدينا طريق مسدود، ليس لدينا طريق لا يمكننا سلوكه، ينبغي علينا أن نتحرك قليلاً.
وأعاد السيد الخامنئي التأكيد على دور السلطات الثلاث في تشجيع الإنتاج الداخلي والاستثمار من خلال تشجيع الناس على الإنتاج والإدارة الجيدة لهذا الملف وضمان الأمن الاقتصادي وسن التشريعات والقوانين التي تصون عمليات الاستثمار وتُشجعها.
وفي جزء آخر من كلمته تطرق الإمام الخامنئي إلى دور الناس في تشجيع الإنتاج الداخلي من خلال استهلاك البضائع الوطنية، وأن يسعى الشباب إلى العمل بكل جدية وأن لا يكونوا عديمي المسؤولية أو فاقدي الرغبة والدافع.
وشدد سماحته على منع استيراد البضائع التي يُنتَج شبيهها في الداخل بقوله: استيراد البضائع التي تُنتج في الداخل يجب أن يصبح أمراً حراماً شرعاً وقانوناً.
كما حذَّر الإمام الخامنئي من خطورة التهريب على اقتصاد البلاد وطالب سماحته المسؤولين بالتصدي بكل جدية لعصابات التهريب المنظم.
وفي الجزء الثاني من كلمته أشار قائد الثورة الإسلامية إلى الانتخابات التي سوف تشهدها الجمهورية الإسلامية خلال الأشهر القليلة القادمة بقوله: الانتخابات سبب للعزة الوطنية، وسبب لتقوية الشعب الإيراني... إذا أردتم أن تهتفوا بشعار "هيهات منّا الذلة" فلتهتفوا بشعار "هيهات من عدم إجراء الانتخابات".
وأردف سماحة الإمام الخامنئي: الشيء الذي يأتي في الدرجة الأولى بالنسبة لي هو المشاركة العامة في الانتخابات، ينبغي على كل من يستطيع أن يدلي بصوته أن يحضر ويشارك في عملية التصويت.
وأكد سماحته على ضرورة الالتزام بقانون الانتخابات مهما كان مُرّاً، وعلى وجوب تقبُّل نتيجة الانتخابات مهما كانت. وأضاف سماحته: لم أتدخل في الانتخابات في وقت من الأوقات، وحتى أنني لا أقول لمن تدلوا بأصواتكم؛ إنني أتدخل في مكان واحد فقط وهو عندما يريد البعض أن يقفوا في وجه أصوات الناس ويحطموها، سوف أقف بوجه كل من يريد أن يتلاعب بنتيجة أصوات الشعب.