وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها سماحته خلال هذا اللقاء:

 

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين.

أنا مسرور جداً لهذا اللقاء، فبالإضافة إلى أن مجالسة طلبة العلوم الدينية والتحاور معهم عملٌ محببٌ وطيبٌ بالنسبة لنا، فإن الأفكار والآراء التي طرحت في هذه الجلسة ـ سواء التي طرحها الأعزاء هنا وأخذتُ منهم ملاحظاتهم التي كتبوها والتي ربما سأستطيع لاحقاً إن شاء الله التدقيق فيها أكثر، أو تلك الآراء التي وقف عدد من إخوتنا الأعزاء وطرحوها كاعتراض أو كمطالبة ـ كل هذه الآراء كانت آراء جيدة ومريحة ومرضية بالنسبة لي.

عندما أنظر لكم أيها الشباب ـ الشباب وطلبة العلوم الدينية الشباب ـ أرى غرسات روضة الإمامة والولاية الفارعة الصاعدة. الحمد لله على أن هذه الغرسات قد نمت وكبرت. البعض منها أثمر وبعضها يمكن أن تُطمئن المرءَ بأنها سوف تثمر. هذا ما يستشفه المرءُ من الكلمات والآراء ومجمل اللقاء. «وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ» (2). وهذه النقطة الأخيرة على جانب كبير من الأهمية. إن وقوفكم على أرجلكم وتناميكم وتصاعدكم وتعاظمكم المعنوي وقدراتكم المختلفة تُعجب الزراع وتبهرهم، أي إن الذين نثروا هذه البذور عندما ينظرون ويرون هذه الحالات من التقدم وهذه الأفكار الجديدة وهذه الوجوه المتفائلة يُعجبون ويُدهشون لها. والأهم من ذلك «لِيغيظَ بِهِمُ الكفّار»، إن هذا النماء يُغضب أعداءكم، وهذا ما ينبغي أن يكون. إذا وجدنا أن سلوكنا بالشكل الذي لا يُغضب منا أعداء الدين وأعداء الإسلام وأعداء سيادة القرآن ولا ينزعجون من وجودنا فيجب أن نشك في كوننا مفيدين ذوي منفعة. إذا كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وتلك القاطعية والحركة وما إلى ذلك، فمن الطبيعي أن يغضب منه أمثال معاوية وعمرو بن العاص أو غيرهم. وأنتم أيضاً تسيرون في هذا الدرب «لِيغيظَ بِهِمُ‌ الكفّار» (3).

الحمد لله يشاهد الإنسان أن هناك في الحوزات العلمية حالات نماء بارزة ومميزة. لقد استمعت بدقة للآراء التي ذكرتموها، وطبعاً يجب أن أراجع نفس هذه الآراء التي طُرحت مرة أخرى إن شاء الله، وأنظر وأفكر فيها إذا وفقنا الله، ولكن هذا القدر الذي استمعته الآن كان مرضياً ومريحاً وباعثاً على الأمل بالنسبة لي. كان جيداً جداً.

أشير إلى نقطتين أو ثلاث على وجه الاختصار. طبعاً سجلت هنا نقاطاً وملاحظات لأطرحها عليكم وسوف أطرحها إذا سنحت الفرصة إن شاء الله، لكنني أشير إلى نقطتين أو ثلاث نقاط بإيجاز.

أولاً لا تستهينوا بالدراسة. هذه الكلمات التي ألقيتموها وهذه العبارات الجيدة والأفكار الحسنة، لا تعني أنكم درستم بصورة جيدة، بل معناها أنكم حسنو الأفكار وحسنو البيان، ولكن هل درستم دراستكم بصورة جيدة أيضاً؟ لا يمكن من هذه الكلمات والآراء الاستنتاج بأنكم درستم بنحو حسن. يجب أن تدرسوا بصورة جيدة.

كنت أدرِّس الرسائل والمكاسب في مدينة مشهد، وكانوا يعتقلوننا بين حين وحين ويأخذوننا إلى السجن وكان تلاميذنا يتفرقون. ثم عندما كنا نخرج من السجن نستأنف الدرس مرة أخرى ويجتمع الطلبة من جديد، وكان شوق النضال والكفاح وملاحظتهم لحالي ـ ذلك الضرب الخاص الذي كنا نتلقاه يومذاك من الأجهزة الحاكمة ـ كان في بعض الأحيان يُصيبهم بالشكوك والتردد تجاه هذا الدرس الذي نُلقيه عليهم. تفاصيل ما قاله الشيخ (4) في المكاسب، أو ما هو المراد من العبارة في الكفاية مثلاً، عندما كنتُ أطرح هذه الأمور أجد أنهم يُصابون بشيء من الشك والتردد، فكنتُ أقول لهم دوماً: يا أبنائي الأعزاء، اعلموا أنكم إذا لم تدرسوا فلا تستطيعون التأثير بشكل جيد. كنت أقول لهم إنَّ من لا تكون جذوره قوية لن يثمر شيئاً، فيجب أن تدرسوا.

إنَّ من لا تكون جذوره قوية لن يثمر شيئاً، فيجب أن تدرسوا

إذا أردتم أن تؤثر أفكاركم واقتراحاتكم وخصوصياتكم البارزة التي تتمتع بها نفوسكم وروحياتكم والحمد لله، إذا أردتم أن تكون مؤثرة في المجتمع فيجب أن تكونوا متعلمين بمستوى جيد وينبغي أن تدرسوا وتكونوا فضلاء. خذوا قضية الدرس والدراسة بعين الجد، ولا تقولوا إن العالم الآن يُدار بالتقدم التقني وما شاكل، ونحن جالسون نقرأ على سبيل المثال حاشية الملا عبد الله أو منطق المظفر مثلاً! لا، يجب أن تقرأوا منطق المظفر هذا، ويجب أن تقرأوا كتاب النحو أو كتاب الصرف كمقدمة، ويجب أن تقرأوا كتاب الفقه وكتاب الأصول هذا لتستطيعوا التأثير كرجال دين، وسوف أقول ما معنى رجال الدين الروحانيين. يجب الدراسة. كان لدينا بين رجال الدين أفراد لم يكن ينقصهم شيء من حيث الكفاح لكنهم لم يكونوا يتحلون بالنصاب اللازم من الناحية العلمية، فلم يستطيعوا أن يؤثروا التأثير الملحوظ في تقدم الكفاح أو في خلق هذا الحراك العظيم. الذي استطاع فعل ذلك كان شخصاً مثل الإمام الخميني الذي كان يتحلى بالنصاب الكامل. ادرسوا، هذه هي وصيتي الأولى. تعاملوا مع الدراسة بجد.

النقطة الثانية هي أن لكم انتقاداتكم تجاه الحوزات العلمية ـ إما حوزة طهران أو الحوزة العلمية بصورة عامة ـ لا بأس بذلك! تلك الحوزة التي تطمحون لها وتقولون إنها غير متوفرة وغير متحققة الآن، تلك الحوزة أوجدوها أنتم. إرادتكم هي التي توجد الحوزة. نعم، ليست لديكم المكانة الإدارية والدعم والمصادر المالية التي تستطيعون بها اتخاذ قرار ما على سبيل المثال والعمل وفقاً له بشكل فوري، بيد أن تحقيق المطالب الإيجابية ليس فقط بالإدارة وامتلاك المصادر المالية، بل إنه لا يتحقق أحياناً حتى بامتلاك هذه العوامل. لا بد من شيء آخر، وهذا الشيء الآخر هو ما تمتلكونه: الدوافع والحوافز والميول ووضوح المطلوب والغاية التي تنشدونها. هذا هو اللازم. ويجب النضال والكفاح، فمن دون الكفاح لا يتحقق ولا يحصل أي شيء. وهذه الحوزة المطلوبة أيضاً يجب تحقيقها بالكفاح. طبعاً ليس معنى الكفاح رفع شعارات «يعيش... ويسقط...»، وليس معناه الكفاح السياسي، إنما الكفاح بمعنى السعي والمجاهدة والتحدث والتفكير والتداول الفكري والتنظيم والتشكل. إذن، أنتم اصنعوا هذه الحوزة. وبالطبع فمن واجبنا نحن أن نساعدكم. السادة مدراء الحوزة من واجبهم تسهيل الأمور والأعمال. ولكن ما ينبغي أن يحصل في المستقبل ينبغي أن تشعروا بأعباء مسؤوليته الثقيلة على عاتقكم. أنتم من يجب أن تقوموا بهذه الأعمال، وقد يأتي دوركم بعد عشر سنين أو خمس سنين أو خمس عشرة سنة لتمارسوا دوركم. سوف يحصل هذا الأمر على كل حال وأنتم من تستطيعون المبادرة والعمل. هذه أيضاً نقطة.

لا بُدَّ من امتلاك الدوافع والحوافز والميول ووضوح المطلوب والغاية لتحقيق المطالب الإيجابية

قال أحد الأصدقاء الأعزاء حول الحوزة «كنا قد جئنا إلى الحوزة ليحصل كذا وكذا» أنا لا أوافق هذا التعبير. لا تقولوا «كنا قد جئنا» بل قولوا «جئنا». ما معنى «كنا»؟ قولوا «جئنا ليتحقق كيت وكيت». أي عبروا في بيانكم عن استمرار تواجدكم. ليكن بيانكم معبراً عن تلك العزيمة الراسخة التي يتحلى بها السائر والعدّاء والذي يجوب هذا الطريق بنحو قاطع وبتصميم، عبّروا عن هذه العزيمة باستمرار واذكروها واطرحوها وقولوا «جئنا ليحصل كذا». نعم، يجب أن يحصل وسوف يحصل. عندما تقررون وتصممون وتقفون وتصمدون وتُنضّجون الرأي فسوف يحصل بالتأكيد. واعلموا طبعاً أن مقام العمل يختلف ببون عن مقام التفكير والمطالعة والتخطيط وما إلى ذلك. بينهما بونٌ محسوسٌ ذو معنى تماماً. الكثير من الكلام الذي نقوله طموحات وآمال تجري على اللسان على شكل جملات وكلمات، لكن نفس هذه الآمال عندما تريدون العمل بها فلا بُدَّ من بذل الكثير من المساعي. فيجب عدم الوقوع في خطأ، ساحة العمل والواقع تختلف ببون واضح تماماً عن ساحة الذهن والمطالعة والتصورات الذهنية. على المستوى العملي لا تنجز الكثير من الأعمال بهذه السهولة. وقد كانت هذه إحدى مشكلاتنا خلال فترة الدفاع المقدس. كنتُ في ذلك الحين رئيساً للجمهورية، وكانت تُعقد في مكتبنا اجتماعات عسكرية، فكانوا يأتون ويفرشون الخرائط العسكرية ويقولون نريد التحرك من هنا لنصل إلى هنا، ونحتاج هذا العدد من القوات أو المعدات. بعض أصدقائنا الذين صاروا تدريجياً مسؤولين في شؤون الحرب كانوا ينظرون فيرون أن (المسافة المقصودة مسافة) قصيرة جداً، لذلك كانوا يقتنعون بسرعة ويعطون وعوداً ويتخذون قرارات، بينما الواقع والعمل (أمران مختلفان)، خذوا مثلاً في عمليات رمضان، ساحة العمل تختلف عن ساحة الذهنيات والأفكار وما إلى ذلك. هذه أيضاً نقطة كنا نريد طرحها.

نقطة أخرى هي أن بعض الكلام الذي نقوله حول رجال الدين، أي مجموعة مجتمعنا العلمي ـ الديني الذي نسميه رجال الدين وهو طيف يبدأ من الطلبة ويمتد إلى مراجع التقليد. نبدي ونطرح بعض التوقعات من رجال الدين. هكذا هي نظرتنا في بعض الأحيان. وأحياناً لا، أي إن مخاطبنا ومن نقصده بكلامنا ليس رجال الدين بل الحوزات العلمية. الحوزات العلمية معناها أماكن تربية وإعداد رجال الدين ومحل إعداد طلبة العلوم الدينية علمياً وفكرياً وروحياً. هذه قضية أخرى. بعض الأمور التي نخاطب بها الحوزة العلمية ليس المخاطب بها الحوزة العلمية بل المخاطب والمعني بها كل رجال الدين. دققوا في هذا الفرز بين الأمرين. هناك توقعات تتعلق بمجموع رجال الدين، بمن فيهم مراجع التقليد أو المدرسين أو رجل دين مسؤول في مؤسسات البلاد وما إلى ذلك. وتارة لا، نطرح توقعات تتعلق بالحوزة العلمية. في مثل هذه الجلسات المقصود هو الحالة الثانية أكثر من الحالة الأولى، مع أن الحالة الأولى أيضاً مهمة ولدينا ما نقوله بشأنها.

الحوزات العلمية: أماكن تربية وإعداد رجال الدين ومحل إعداد طلبة العلوم الدينية علمياً وفكرياً وروحياً

أيها الأصدقاء، الموضوعات التي طرحتموها أعتقد أنها جيدة جداً. لقد طرح أصدقاؤنا قضايا أساسية. إنني أستمتع حقاً وأشكر الله على وجود اهتمام بهذه النقاط والأمور، لأنني أرى أن شبابنا من طلبة العلوم الدينية ورجال الدين على صلة بالشؤون المهمة الجارية في البلاد والمجتمع، وأنهم يفكرون ويتناقشون فيها. ولكن نقول أيضاً إن الثورة مستمرة. أن يوحي البعض ويكتبوا ويقولوا «إن الثورة على كل حال كانت حادثة وانتهت، ولنعد إلى حياتنا العادية» فهذه خيانة للثورة، فالثورة لا تنتهي. قلتُ ذلك اليوم في لقائي بجماعة السادة المسؤولين (5) إن الثورة تمحق القيم والأوضاع السابقة وتخلق قيماً وأوضاعاً جديدة في المجتمع. والحفاظ على هذه القيم الجديدة هو استمرار الثورة. وهذا شيء صعب وعملٌ عسير. الأيدي والقوى نفسها التي عارضت أصل الثورة بكل ما أوتيت من قوة وعرقلت مسيرتها سوف تعارض استمرار القيم الثورية أيضاً، وسوف تعاديها، وترون أنهم يفعلون ذلك. وعليه إذا كانت الثورة بحاجة إلى كفاح لكي تنتصر فالحاجة لا تزال اليوم أيضاً قائمة للكفاح كي نستطيع تكريس هذه القيم الثورية، ويجب أن نصل بها إلى النتائج ليكون المجتمع مجتمعاً إسلامياً.

ليس لدينا مجتمعاً إسلامياً، وليس لدينا حكومة إسلامية. من بين تلك المراحل المتعددة التي طرحناها لا نزال في مرحلة الحكومة الإسلامية، ومن بعد الحكومة الإسلامية يأتي الدور للمجتمع الإسلامي. لدينا هذه المراحل أمامنا. استطعنا إيجاد ثورة إسلامية، أي استطعنا إيجاد حركة ثورية، ثم استطعنا على أساسها إيجاد نظام إسلامي. طيب، حصل لحد الآن توفيق ونجاح وهو على جانب كبير من الأهمية، ولكن هناك بعد ذلك إيجاد حكومة إسلامية، بمعنى إيجاد تشكيلات ومؤسسات إدارية إسلامية للبلاد، ولا نزال في هذه القضية على مسافة طويلة تفصلنا عن المقصد والهدف المنشود. طبعاً هذا لا يعني أن يشعر أحد باليأس، أبداً، فنحن نتقدم إلى الأمام باستمرار، على الرغم من كل المعارضات وعلى الرغم من كل العراقيل والحرب النفسية التي تشن، نحن نتقدم ونسير بلا شك. وهناك الكثير من الأدلة على ذلك، ولكن لا تزال لدينا أعمالاً ومهاماً، فلا تزال هناك مسافة تفصلنا حتى نستطيع إيجاد حكومة إسلامية. وبعد أن تحققت الحكومة الإسلامية سيبدأ الدور للمجتمع الإسلامي. إذن، ينبغي الكفاح أيها الأعزاء.

في ذلك الحين أيضاً أي خلال فترة ما قبل الثورة كان هناك أشخاص يحبون المجاهدين والمكافحين لكنهم لا يقتربون لأي جانب من جوانب الكفاح، لم يكونوا يمدون أيديهم للمشاركة أبداً، بل لم يكونوا حتى ليقتربوا من ساحة الكفاح، لكنهم كانوا يحبون الكفاح والمكافحين. وقد كان هناك أيضاً أشخاص يبغضون المكافحين، وكان هناك أشخاص يعادون المكافحين ويتعاونون مع العدو ـ هذا محفوظ في محله ـ ولكن من بين الناس الصالحين الأخيار، لم يكونوا قلائل أولئك الذين كانوا يحبون المجاهدين المناضلين لكنهم لا يدخلون ساحة النضال، ولم يكونوا يفعلون شيئاً. نعم، يوم تحلحلت جبهة العدو وتبيّن أن النظام الطاغوتي آيل إلى السقوط، طبعاً دخل ذلك السواد الأعظم إلى الساحة وأنهى القضية وحسمها، ولكن في فترة عُسر النضال كان المناضلون هم نفس أولئك (القلة) الذين كانوا يسعون ويعملون في الميدان. وكذا الحال اليوم أيضاً. كما كان الكفاح لازماً في ذلك الحين ولم يكن يكفي القعود جانباً ومحبة المجاهدين المكافحين، كذلك اليوم لا بُدَّ من الكفاح، فالقعود ومدح المكافحين والثناء عليهم لا يكفي، بل ينبغي الدخول في ساحة العمل. طبعاً الكفاح اليوم يختلف اختلافاً ماهوياً عن الكفاح في ذلك الحين، لكن الكفاح كفاح وسعي ومجاهدة. يجب أن تجدوا طريق هذا الكفاح.

اليوم لا بُدَّ من الكفاح، فالقعود ومدح المكافحين والثناء عليهم لا يكفي، بل ينبغي الدخول في ساحة العمل

وأشير إلى نقطة بخصوص الاقتراحات ـ قدَّمَ عدد من السيدات والسادة اقتراحات يجب أن ننظر فيها إن شاء الله، ويجب عرض هذه الاقتراحات على الإخوة والسادة المحترمين في الإدارة ليتابعوها، سوف ننظر فيها ونراها إن شاء الله لنرى هل نستطيع تحقيقها أم لا ـ وهي أنه يجب طرح اقتراحات عملية. أي اقتراح تريدون طرحه انظروا ودققوا كم هو ممكن التحقيق عملياً. اطروحوا برامج وخططاً متطابقة مع الواقع على الأرض. وأشير هنا أيضاً إلى الكلام الذي قلتُه قبل البارحة (6) للسادة المسؤولين ـ لأنه يقال هنا باستمرار برنامج وبرنامج كذا وبرنامج كذا ـ قلتُ لهم إن البرنامج والخطة شيء أكثر من رسم الأهداف، فرسم الأهداف وتعيين الأهداف ليس برنامجاً أو تخطيطاً. البرنامج عبارة عن رسم الطريق والجادة نحو الهدف، هذا هو البرنامج، هذا ما يسمونه البرنامج أو الخطة. إذا كانت الجادة التي تريدون مدها لا تراعون فيها خصوصيات الأرض ومميزاتها ولا تعدون أنفسكم لمواجهة هذه الخصوصيات والتعاطي معها فسرعان ما ستواجهكم الحواجز والعقبات، فتصلون على سبيل الافتراض إلى مرتفع وتقولون لا يمكن اجتيازه. طيب، كان ينبغي عليكم منذ البداية التفكير والتقدير بأن ثمة مرتفعاً في هذا الطريق، في هذا الطريق مرتفعات صخرية، وفي هذا الطريق نهر، ولا بد له من جسر. عندما لا تكونون قد خمّنتم هذه الأمور ولم تدرجوها في خطتكم ولم ترسموا الخطة والبرنامج على أساس الواقع الموجود على الأرض، فسوف تتعطل مسيرتكم وتتوقف طبعاً. ينبغي كتابة الخطة في ضوء الواقع. ينبغي أخذ ما هو واقع ويمكن العمل به بعين الاعتبار.

حسنٌ، لقد فات الوقت كثيراً، فلأذكر نقطتين أو ثلاثاً. إحداها أن جماعة رجال الدين ـ وأنتم رجال الدين الشباب من القطاعات المتحمسة والمؤثرة في حركة رجال الدين ـ مهمتها مواصلة مهمة الأنبياء. ينبغي النظر لعمل رجال الدين ومهمتهم بهذه النظرة. الدرس الذي تدرسونه والتخطيط الذي تخططونه لمستقبلكم يجب أن يكون وفق هذه النظرة. إنكم من يتابع عمل الأنبياء. طيب، عمل الأنبياء ورد في سورة الأعراف المباركة: «واِلىٰ عادٍ اَخاهُم هودًا قالَ‌ يٰقَومِ‌ اعبُدُوا اللَهَ‌ ما لَكم مِن اِلٰهٍ غَيرُه‌» (7). القضية هي قضية التوحيد. مسيرة الأنبياء مسيرة من أجل التوحيد. بل إن أساس عمل الأنبياء ودعوتهم هي دعوة إلى التوحيد. والدعوة إلى التوحيد ليس معناها فقط بأن تعتقدوا أنَّ الله واحد وليس اثنين، وأن هذه الأصنام والأوثان والآلهة الموجودة لا تستحق الألوهية. ليس هذا فقط، إنما الاعتقاد بالتوحيد أساس وركيزة وخلفية أساسية لرؤية كونية تصنع الحياة، الاعتقاد بالتوحيد يعني إيجاد مجتمع توحيدي، مجتمع يتكون ويُدار على أساس التوحيد. هذا هو الاعتقاد بالتوحيد وهذه هي عقيدة التوحيد. إذا لم يكن هذا لما كانت معاداة الأنبياء «وكذٰلِك جَعَلنا لِكلِّ نَبِي عَدُوًّا شَيٰطينَ‌ الاِنسِ‌ والجِنِّ‌ يوحي بَعضُهُم اِلىٰ‌ بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرورًا» (8). هذه العداوات بسبب أن الأنبياء جاءوا واعترضوا على شكل المجتمع وانتقدوه، وعرضوا شكلاً وهندسة جديدة لأسلوب حياة البشر.

الاعتقاد بالتوحيد أساسٌ وركيزةٌ وخلفية أساسية لرؤية كونية تصنع الحياة، الاعتقاد بالتوحيد يعني إيجاد مجتمع توحيدي، مجتمع يتكون ويُدار على أساس التوحيد

أسلوب الحياة الذي نادى به الأنبياء هو الحياة الطيبة وقد تلا أحد الإخوة هذه الآية الشريفة: «يٰاَيهَا الَّذينَ ءامَنُوا استَجيبوا لِلَّهِ ولِلرَّسولِ اِذا دَعاكم لِما يحييكم» (9). الحياة هي الحياة الطيبة «مَن عَمِلَ صٰلِحًا مِن ذَكرٍ اَو اُنثىٰ‌ وهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيينَّه حَيوٰ‌ةً طَيبَة‌» (10)، أي إن هناك ما هو أكثر من هذه الحياة الظاهرية وهو ما يسمى الحياة الطيبة. فما هي الحياة الطيبة؟ إنها الحياة التي تكون مصحوبة بالإيمان. الحياة تحتاج إلى ماء وهواء وطعام وعلم وتقنية وتحتاج إلى كل شيء. الحياة تحتاج إلى كل هذا، ولكنها إذا كانت من دون إيمان لم تعد حياة بل هي موت. القرآن الكريم لا يعتبر هذه حياة. الحياة حياة عندما تكون مجموعة تحركات الحياة وعواملها مصحوبة بالإيمان، وعندما تكتسب النور. الأمر أشبه بفضاء مظلم تسطع عليه الأضواء فتنيره. هذا هو شأن رجال الدين. إنكم تريدون أن تمنحوا المجتمع البشري الحياة.

وهذا ما يستتبع بالطبع نفس المشكلات التي عانى منها الأنبياء، وله أجر النبوة نفسه، وفيه نجاحات وتوفيقات الأنبياء نفسها. فالأنبياء نجحوا وتوفقوا. كل الأنبياء حتى الذين استشهدوا وحتى الذين كذّبهم قومهم وأنكروهم اخضوضرت كلماتهم ونمت وازدهرت في نهاية المطاف. انظروا لكلام النبي نوح والنبي هود والأنبياء الذين كان لهم في أزمنتهم كل أولئك الأعداء، كم لهم اليوم من الطلاب والمحبين والمريدين الكثار؟ إذن، بقي هذا الكلام حياً وانتصر. واجه الإنكار والتكذيب في ذلك الحين ولكن بعد ذلك استمرت سلسلة الأنبياء وانتصر كلامهم. إذن، عملكم هو عمل الأنبياء، وسوف يزدهر كلامكم وسوف يتكرس ويتقدم إلى الأمام بلا شك وسوف تشملكم التوفيقات الإلهية، أي إن الله تعالى سوف يعينكم «اِنّا لَنَنصُرُ رُسُلَنا والَّذينَ آمَنوا فِي الحَيوٰةِ الدُّنيا» (11). الله ينصركم، هذا جانب آخر من القضية، وسيكون لكم كما كان للأنبياء أعداء ومعارضون ومخالفون. إذن، الوضعية نفس الوضعية، فأعدوا أنفسكم لها. وكلكم شباب وأمامكم بعد الآن إن شاء الله ستون عاماً وسبعون عاماً من الوقت كي تعيشوا وتعملوا وتجدوا. أعدوا أنفسكم لخمسين سنة، وستين سنة، وسبعين سنة من العمل والسعي والجهد، واعلموا أن العالم سيتغير في نهاية هذا الطريق نتيجة جهودكم ومساعيكم، وسوف تتقدمون نحو الهدف المطلوب بلا مراء، سيكون هذا بالتأكيد.

نقطة أخرى سجلتها هنا لأقولها لكم هي أن الحقبة الراهنة لها خصوصياتها بالنسبة للحوزات العلمية ولرجال الدين. لها خصوصيات تختلف عن خصوصيات الفترات السابقة، وهذه الخصوصيات هي لصالح رجال الدين وتصبّ لصالح نجاحهم وتوفيقهم. من هذه الخصوصيات تأسيس النظام الإسلامي. عندما يتأسس النظام الإسلامي فمعنى ذلك أن الأجواء إسلامية. لا بمعنى أنه لا توجد هناك معارضة وعرقلة، بلى، هناك معارضة، وهي موجودة دائماً وستكون موجودة في المستقبل أيضاً، بيد أن التيار الأصلي هو التيار الإسلامي. يوم كنا في مثل أعماركم كان التيار الغالب التيار المناهض للإسلام، ولا أقول غير الإسلامي، بل المعادي للإسلام. كنتُ رجل دين في مدينة مشهد أدرّس في الحوزة وكانت لي كذلك جلساتي للطلبة الجامعيين. كان المسجد يمتلئ بالطلبة الجامعيين وألقي عليهم دروساً ومحاضرات في التفسير. وأردنا أن نسافر إلى طهران بصحبة أحد الأصدقاء رحمه الله. كنا نتمشى في محطة القطار إلى أن يحين وقت حركة القطار، وكان الشباب الذين كانوا يتمشون مثلنا إلى أن يحين وقت حركة القطار لا يكفون عن الاستهزاء بي، وكان صديقي الذي معي طالباً جامعياً فخجل. والشخص الذي كان يسخر مني لم يكن بيننا عداء ولا أية سوابق، ولم أكن قد أسأت له، ولا هو ربما كان متعلماً بالقدر الكافي، ولكن مع ذلك كان هذا فعله. رجل الدين ـ أي طالب العلوم الدينية الشاب الذي كان مشغولاً ويعمل ويدرس ويُدرّس ـ كان يجب أن ينال السخرية والاستهزاء من دون سبب أو مبرر. هكذا كانت الأجواء. وقد كانت مدينة مشهد قبّة الإسلام وهكذا كان وضعها، أما طهران فكانت أسوء من ذلك بكثير. حدث لنا في طهران أيضاً، وقد حدث هذا لكثيرين. ليس الوضع كذلك اليوم. لا أن طلبة العلوم الدينية ورجال الدين والمعممين ليس لهم اليوم أعداء ومخالفون ومن يستهزئون بهم، بلى، اليوم أيضاً يوجد مثل هؤلاء وسيكونوا موجودين دائماً ـ وقد كانوا يستهزئون حتى بالأنبياء ـ بيد أن التيار اليوم تيار إسلامي. هذه إحدى الخصوصيات وهي لصالحكم، فاغتنموا وانتفعوا من هذه الخصوصية ما استطعتم.

من المميزات الأخرى لهذه الحقبة وجود شعور بالفراغ الفكري والحاجة إلى أفكار جديدة على مستوى العالم. هكذا هو الحال على المستوى العالمي. هناك حالة خيبة وامتعاض من المذاهب والمدارس الفكرية المختلفة سواء كانت يسارية أو يمينية شاعت بشكل كبير في البلدان وبين المفكرين وبين الشباب. هناك حالة من الشعور بالفراغ الفكري الأمر الذي يوفر مساحة لطرح وتكريس الآراء الجديدة. وللجمهورية الإسلامية آراؤها وأفكارها الجديدة حول قضايا الإنسان وحول قضايا المجتمع وفي مضمار السياسة. للإسلام آراؤه الجديدة. إذا استطعنا نشر آراءنا هذه في العالم كطروحات جديدة وإذا أوصلناها إلى أسماع العالم فسيكون لها الكثير من المستمعين والراغبين والمقبلين. هذه إحدى خصوصيات الفترة الراهنة. ولم يكن الوضع على هذا النحو في يوم من الأيام. وحين أقول في يوم من الأيام لا أقصد قبل مائة عام، بل في فترة شبابنا. الماركسية على سبيل المثال كانت شائعة بين الشباب في أغلب البلدان، ولم يكن شياعها وانتشارها بهذه الشدة فقط في بعض البلدان مثل أمريكا وبعض البلدان الأوربية، ولكن في معظم البلدان كانت للماركسية جاذبيتها وبريقها، وخصوصاً في المجال الاقتصادي كانت جاذبية الاشتراكية جاذبية غالبة حتى في البلدان الإسلامية. في بلادنا نفسها وبين القريبين من الخط الإسلامي نفسه كان هناك أشخاص ممن نعرفهم ـ وإذا ذكرتهم ستعرفونهم ويعرفهم الجميع ـ كانوا يدافعون بصراحة عن هذا التعبير «الاشتراكية» ويدعمونه ويرغبون في تكييف الفكر الاقتصادي الإسلامي مع الاشتراكية، أو طرحه في قالب التعابير الاشتراكية. وكانت لنا جلسات نقاش وبحث وكلام متنوعة مع بعضهم.

الحقبة الراهنة حقبة الآراء الإسلامية. رأي الإسلام في الإنسان ورأي الإسلام في رفعة المسيرة الإنسانية ومآل ومنتهى المسيرة الإنسانية

ليس الوضع اليوم على ذلك المنوال نفسه، فالاشتراكية انهزمت اليوم، وثبت للجميع تقريباً خطأ ما كانوا يسمونه «الاشتراكية العلمية»، والفكر الماركسي بات معزولاً بالمرَّة، والليبرالية باتت مدانة بالمعنى الذي خلعه الغربيون عليها على المستوى الفردي والاجتماعي وما إلى ذلك. ثمة فراغ وثغرة، أي إن الجميع يشعرون باليأس والخيبة والجزع. الحقبة الراهنة حقبة الآراء الإسلامية. رأي الإسلام في الإنسان ورأي الإسلام في رفعة المسيرة الإنسانية ومآل ومنتهى المسيرة الإنسانية، وهي نفسها السفر إلى الله، هذه آراء مهمة، رأي الإسلام في المجتمع السياسي في البلاد، وهي قضية سيادة الشعب الإسلامية، ورأي الإسلام في القضايا المختلفة. هذه آراء وطروحات جذابة، وإذا وصلت خصوصاً إلى أسماع الجيل الشاب في العالم فستكون موضع قبولهم وإقبالهم. هذه أيضاً من خصوصيات الحقبة الحالية والتي لم تكن في الماضي.

من السمات والخصوصيات الممتازة في الوقت الحاضر وجود وسائل لإيصال الرسالة. هذا الفضاء الافتراضي الذي تحدث عنه الإخوة بالتفصيل وبشكل جيد جداً، وعبَّروا تعبيراً حسناً وهو تعبير خطر ـ من باب المصادفة ـ بذهني أنا أيضاً في السابق، حيث قال إن هذا الفضاء اسمه فضاء افتراضي مجازي لكنه في الواقع فضاء حقيقي. بمعنى أن هذا الفضاء حاضر في داخل حياة الكثير من الناس. هذا الفضاء الافتراضي نفسه أداة، وهو أداة كفوءة جداً تستطيعون بها إيصال رسالتكم إلى أقصى أنحاء العالم وإلى كل الأسماع. هذه الإمكانية لم تكن متوفرة في الماضي وهي موجودة في الوقت الحاضر. هذا أحد الامتيازات.

من الامتيازات والخصوصيات خلق الأسئلة. السؤال شيء مبارك جداً. لم يكن يُنحت في الماضي كل هذا العدد من الأسئلة ولم تكن تظهر وتطرح كل هذه الأسئلة. من الخطأ أن نتصور أنَّ العدو دائماً هو الذي يخلق الأسئلة والشبهات. نعم، في بعض الأحيان يعمل العدو أيضاً على إيجاد سؤال أو شبهة، بيد أن السؤال والشبهة تنبثق من الذهن الخلاق للإنسان. المجتمع الشاب المكبّ على الدرس والبحث وطلب العلم ـ أي هذه الجماعة الجامعية وأمثالها ـ كلهم مزارع لإنتاج الأسئلة، ولا إشكال في ذلك. أنتم أيضاً على هذا النحو، أنتم أيضاً شباب ولكم أذهانكم الخلاقة المبدعة، وبوسع هذه الأذهان خلق الأسئلة، وبالطبع فإن نفس هذه الأذهان يمكنها الإجابة عن الأسئلة.

لا تتوقفوا عند الأسئلة طبعاً. هذه هي توصيتي لكم. لا تبقوا تراوحوا في الأسئلة، بل سيروا وتحركوا نحو الجواب. لكل الأسئلة أجوبة. ومن اللازم أن يتحرك الذهن ويعمل ويسعى وينشط ويصل إلى الجواب المناسب. وبالطبع ينبغي عدم التساهل وعدم التسطيح في الأجوبة، بمعنى أن كل جواب لا يناسب كل سؤال، إنما ينبغي أن يكون الجواب منطقياً ورصيناً وصحيحاً.

من مميزات الوقت الحاضر كثرة الأسئلة، فالأسئلة كثيرة. عندما تكون الأسئلة كثيرة سوف تفتح المسائل التي تظهر مجالاً للنشاطات الذهنية من أجل تجاوز حدود العلم، وبذلك يتم إنتاج الآثار والأعمال. كتب كاتب مصري متعصب قبل سنين كتاباً ضد التشيع باسم «فجر الإسلام» كان فيه كلام غير منصف حقاً ضد التشيع. وقد كتبَ تبعاً له «ضحى الإسلام» و«ظهر الإسلام» و«عصر الإسلام» وما إلى ذلك. وقد قرأتُ كل هذا في ذلك الحين في السنين الأخيرة من عقد الأربعينيات وأواخر الخمسينيات (هجري شمسي) [الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين للميلاد]. وقد أدى كتاب «فجر الإسلام» هذا إلى أن يُنتج عددٌ من علمائنا الكبار عدة آثار مميزة. ومن هذه الآثار المميزة كتاب «الذريعة» للشيخ آقا بزرگ الطهراني. ومن تلك الآثار المميزة أيضاً كتاب «تأسيس الشيعة لفنون الإسلام» للمرحوم الصدر. كُتبتْ كل هذه الكتب مقابل كتاب «فجر الإسلام». وأخال أن من الآثار المميزة التي ظهرت بتأثير من «فجر الإسلام» لأحمد أمين المصري كتاب المرحوم السيد محسن الأمين، وهو في سير علماء الشيعة وأعيانهم. الذي أقصده هو أن مسألة طرحت وأثيرت فتم إنتاج عدة أعمال مهمة للإجابة عنها، ولو لم يكن ذاك السؤال لما ظهرت هذه الأعمال المهمة.

آخر توصياتي هي قضية التقوى والورع والعبادة. أعزائي، اعلموا إن هذا الدرب بحاجة إلى التقوى

وآخر توصياتي هي قضية التقوى والورع والعبادة. أعزائي، اعلموا إن هذا الدرب بحاجة إلى التقوى. اعلموا أن أفضل دعوة وتبليغ هو الدعوة التي تقوم بها شخصيتكم العلمية تجاه أهدافكم ومبادئكم والأثر الذي ستتركه «مَن نَصَبَ نَفسَهُ لِلنّاسِ اِماماً فَليبدَأ بِتَعلِيمِ نَفسِهِ قَبلَ تَعليمِ غَيرِه» (12). ينبغي أن نعمل على أنفسنا أولاً. إنه لكلام ذو معنى كبير جداً أن يقوم بعض رؤساء المدارس في الماضي في الأسحار وينظروا أي الطلبة يصلي صلاة الليل وأيّهم لا يصليها، أي كانوا يراقبون أنْ لا يُحرم الطلبة من صلاة الليل حتى المقدور. طبعاً كانت هذه العملية في تلك الأيام أسهل، وهي اليوم صعبة مع وجود التلفاز والمسلسلات التلفزيونية وما شابه، لكن عليكم القيام بهذا العمل الصعب. افتحوا على أنفسكم اليوم أيها الشباب طريق الله وطريق التوسل وطريق الدعاء وطريق الانتهال من الأدعية الزاكية لسيدنا بقية الله المهدي المنتظر (أرواحنا فداه). افتحوا لأنفسكم طريق الاغتراف من هذه الأدعية المأثورة الواصلة عن الأئمة وانتفعوا منها. بعض الأدعية موجودة بأسانيد صحيحة حقاً في الروايات، وإن الإنسان ليستمتع بها حين يراها. أدعية هذه الصحيفة السجادية نفسها كلها من هذا القبيل. افتحوا هذا الباب لأنفسكم.

واجتناب الذنوب أهم الأعمال. كانت هذه أولى توصيات الذين يسيرون في دروب السلوك وكنا نحبهم وننشدّ إليهم، كانت أولى توصياتهم لنا وللشباب ـ وقد كنا في ذلك الحين شباباً ـ حيث كانوا يقولون اجتنبوا الذنوب. «فَرِّق بَيني وبَينَ ذَنبِي المانِعِ لي مِن لُزومِ طَاعَتِك‌» (13) الوارد في دعاء أبي حمزة الشريف. أي إن الإنسان إذا ابتلي بالذنب فإن هذا الذنب سيؤدي به إلى أن يفتقد لزوم الطاعة، أي لا يكون ملازماً لطاعة الله، فيُسلب منه التوفيق. خذوا هذا بعين الاعتبار. الصلاة في أول الوقت وبتوجه وحضور قلب، وتلاوة القرآن والأنس بالدعاء والزيارة، هذه هي الأمور اللازمة لكم أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات والشباب الأعزة. يجب أن تأخذوا هذه الأمور بعين الاعتبار. وعندها سيمُنّ الله تعالى ببركة هذه الدراسة الجيدة التي تدرسونها وببركة التقوى والورع الذي تراعونه إن شاء الله، وببركة هذه الأذهان الجوالة الفعالة التي لكم والتي شاهدنا اليوم نماذج منها، ببركة كل هذا سيكون لمجتعنا العلمي ـ الديني الذي نسميه رجال الدين غدٌ أفضل بكثير من حاضرهم إن شاء الله.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش:

1 ـ في بداية هذا اللقاء ألقى عدد من طلبة الحوزات العلمية في طهران كلماتهم.

2 ـ سورة الفتح، شطر من الآية 29.

3 ـ سورة الفتح، شطر من الآية 29.

4 ـ الشيخ مرتضى الأنصاري.

5 ـ كلمة الإمام الخامنئي في لقائه رئيس الجمهورية الإسلامية وأعضاء مجلس الوزراء بتاريخ 26/08/2017 م.

6 ـ كلمة الإمام الخامنئي في لقائه رئيس الجمهورية الإسلامية وأعضاء مجلس الوزراء بتاريخ 26/08/2017 م.

7 ـ سورة الأعراف، شطر من الآية 65.

8 ـ سورة الأنعام، شطر من الآية 112.

9 ـ سورة الأنفال، جزء من الآية 24.

10 ـ سورة النحل، شطر من الآية 97.

11 ـ سورة غافر، شطر من الآية 51.

12 ـ نهج البلاغة، الحكمة رقم 71.

13 ـ مصباح المتهجّد، ج 2 ، ص 597.