وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية في لقائه مع مسؤولي الدولة و العاملين فيها:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهدييّن لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.

إنّنا شاكرون لله تعالى الّذي مدّ بأعمارنا وأعطانا الفرصة لإدراك شهر رمضان آخر. ومن جملة بركات هذا الشهر، هذا المحفل الحميم والعموميّ حيث يجتمع مسؤولو الدّولة والعاملون الأساسيّون في النّظام في هذا المكان، فهو محفل اللقاء والأنس بالأعزّاء والمسؤولين فيما بينهم وهو محلّ الاستماع إلى المطالب التي بمشيئة الله يكون تداولها مفيداً للبلد وللشعب وللجوّ العام في المجتمع.

نشكر الإخوة والأخوات الأعزّاء الذين حضَروا لإقامة هذا الإجتماع، كما نشكر السيد رئيس الجمهورية لعرضه هذا التقرير المفصّل. ونسأل الله تعالى التوفيق والأجر لكلّ المسؤولين، ولكم جميعاً ولكلّ أولئك الذين يعملون في جميع أنحاء البلد في القطاعات المختلفة على صعيد إنجاز الخدمات وانشاء الله سوف تُعرض أعمالكم وخدماتكم أينما كنتم في ميزان العدل الإلهيّ، وتكون محلاً للثواب الإلهيّ.

فكرتي الأساسيّة، أنا العبد لله، في هذا الإجتماع أنّه بعد كلّ نصرٍ ينزّله الله تعالى على الإنسان، فإنّ هذا الإنسان يصبح مكلّفاً بشكر الله تعالى. فبعد أن وفّقنا الله تعالى في ميدانٍ من الميادين فإنّنا نصبح مسؤولين بزيادة التضرّع والتوسّل والتوجه لله، هذا هو تكليفنا. قال تعالى: "إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ  *وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ في دينِ اللَّهِ أَفْواجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ ربِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كانَ تَوَّاباً"(1) النصر هو تفضّلٌ إلهيّ وينبغي أن يقربنا من الله تعالى وأن يحيي إرتباطنا بالله ويزيد من تضرّعنا على أعتابه، ونشكر الله، فبحمد الله فإنّ أنواع النّصر الإلهيّ المتلاحقة شملت حال هذا الشّعب وكان آخرها (وهو إنتصار كبير أيضاً) قضيّة الإنتخابات ومشاركة الشعب فيها. فالشعب الإيراني عموماً ومسؤولو الدولة خصوصاً كان لهم يد في هذه الملحمة السياسيّة وشملهم هذا اللطف الإلهي والنصر الربّاني. وقد شملنا نصر الله واستطعنا تحقيق هذه الملحمة الكبرى التي ستظهر آثارها في القطاعات المختلفة تدريجياً لذلك علينا أن نمدّ يد التضرّع والتوسّل إلى عناية الرّب ونشكره تعالى، وبالخصوص كوننا في شهر رمضان، فهذه فرصة وتوفيق ونجاح قد كان لنا فيه نصيب في هذه الفترة المهمّة للحركة السياسيّة في البلاد أن كنّا في شهر الرّحمة الإلهيّة، حيث قال (عليه السلام): "وهذا شهر الإنابة وهذا شهر التوبة وهذا شهر المغفرة والرّحمة وهذا شهر العتق من النار والفوز بالجنة" (2)، فهذا من أدعية أيام شهر رمضان المبارك.  

 

في الإنتخابات كان للشعب الإيراني عموماً ومسؤولي الدولة خصوصاً يد في هذه الملحمة السياسيّة وشملهم هذا اللطف الإلهي والنصر الربّاني

 

إنّ رمضان هو شهر الإنابة وشهر التوبة. التوبة هي الرّجوع عن الطّريق الخاطئ الذي سلكناه بذنوبنا وغفلتنا. فمعنى الإنابة أن نوجد حالة التوجّه إلى الله تعالى في الحاضر والمستقبل. قيل أنّ الفرق بين التّوبة والإنابة هو أنّ التوبة ترتبط بالماضي والإنابة تتعلّق بالحاضر والمستقبل. فنعتذر بين يدي الله من ذنوبنا وأخطائنا وسلوكنا القبيح الذي صدر منا في أي مجالٍ أو محل، نستغفر ونتراجع وننيب في الحاضر والمستقبل ونقوّي هذه الرابطة القلبية بيننا وبين الله. رمضان شهر الرّحمة وشهر المغفرة، قال: "وهذا شهر العتق من النار"، النّجاة من النار. النّجاة من النّار في الواقع هي نجاة من هذه الأخطاء والمعاصي التي إرتكبناها. فذنوبنا هذه وأخطاؤنا هي تلك الصّور المادية  لتلك العذابات الأخرويّة .فلو إرتكبنا ظلماً هنا أو غيبةً أو أمراً قبيحاً، ولو تجاوزنا حدودنا وتعدّينا تكليفنا، فإن کل واحدة من هذه الأعمال لها صورة أخرويّة تظهر عليها بأشكالٍ مختصّة بها وتتجسّم في عالم البرزخ وفي عالم القيامة، وهي مظاهر العذاب الإلهي .قيل: "يا من مزّق قميص يوسف، إستيقظ أيها الذئب من سباتك العميق" (3)، في هذا العالم يغرز المرء مخالبه في قلب هذا وذاك وهناك يكون تجلّي العذاب الإلهي والصيرورة ذئباً بعد السُبات.

 "هذا شهر العتق من النار والفوز بالجنة"، أن نصلح أعمالنا ونطهّر قلوبنا ونؤدّي العبادات في وقتها والنّوافل في محلّها، أن نقول الصدق ونحافظ على الأمانة والرّفق والصّفاء تجاه المؤمنين، ونقوم بأداء تكليفنا في كل المجالات، هذا هو طريق الجنّة في عالم القيامة .وعملنا هذا هو الذي يتجسّم بتلك الصّورة، بصورة النّعم الإلهيّة التي وُعد بها المؤمنون والمتّقون.

قال تعالى: "وَاذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخيفَةً" (4)، فذكر الله تضرّعاً هو دعامةٌ وأساسٌ لجميع الخيرات وكل البركات التي يمكن للإنسان أن ينالها في فترة الحياة. كما أن ذكرُ الله لا ينبغي أن يكون مقتصراً على فترات الشدّة والمحنة والضيق، كلا، بل يجب الحفاظ على ذكر الله هذا، في القلب في فترات الرّاحة وأيّام الرّخاء وحين لا يكون هناك قلقٌ مادّيّ. عندما نواجه نحن البشر المصاعب نلجأ إلى ذكر الله، قال تعالى: "فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ" (5)، ففي البلاء يتوجّه الإنسان إلى الله وعندما يرتفع البلاء ينسى هذا الإنسان .وفي مواضع مختلفة من القرآن نجد مثل هذه الملامة من الله تعالى للبشر تتكرّر وتتكرّر في مواضع مختلفة من القرآن لعلّها عشر مرات أو أكثر فأنا لم أعدّها وهي أنّهم عندما تبتلون بالشدائد تتوجهون إلى الله وإذا ارتفعت المحن تقعون في الغفلة، حسناً، إن هذا الأمر يسدُّ سبيلكم ويوقف حركتكم، وفي سورة يونس المباركة تكرّر هذا الموضوع مرّتين، مرّة بلهجةٍ عجيبة، لهجة الملامة الإلهية الشديدة لنا، عندما قال تعالى: "وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً"، فعندما يواجه الصعوبات يتوجّه إلينا ويدعونا ويتضرّع سواء كان نائماً أو ماشياً أو جالساً، "فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ" وعندما يرتفع البلاء ويزول يتحرّك كأنّه لم يكن يطلب منّا شيئاً وكأنّنا لم نعتن به، هنا الغفلة المحضة! وبعدها يقول الله تبارك وتعالى بلهجةٍ شديدة وتوبيخ: "كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ" (6).
 

ذكر الله تضرّعاً هو دعامةٌ وأساسٌ لجميع الخيرات وكل البركات التي يمكن للإنسان أن ينالها في فترة الحياة

 

إخواني وأخواتي، إنّ علينا أن نطلب العون والمدد من الله تعالى في جميع أحوالنا، ويجب أن تبقى هذه الرابطة القلبيّة بيننا وبين الله في حال الرّاحة والمحنة والكرب فهذا هو الضامن لحركة الإنسان التكامليّة والضامن لتعالي الإنسان، هذا هو الأمر الذي يمكنه أن يوصلنا إلى الهدف الأساسي للخلقة. برأينا هذا ما يحققه التوسّل والتضرّع في جميع ميادين الحياة. فلو حصل هذا التوجّه إلى الله لن يبقى هناك ركود وسكون ويأس وتراجع وتوقّف في كل ساحات الحياة المختلفة، والعمل بدوره يلزمه الصبر والتوكل.

أنتم مسؤولو الدّولة في القطاعات المختلفة تتحمّلون عبء الكثير من الأعمال، وأعمالكم هي أعمال الدنيا وأعمال الآخرة، فعندما تنهضون لإنجاز تكليفكم فإنّكم تقومون بعمارة الدنيا والحياة وكذلك عمارة باطنكم وسرّكم، وهذا العمل الذي هوعملٌ دنيويّ وعملٌ أخرويّ في الوقت نفسه يحتاج إلى عنصرين: الصّبر والتوكّل. في الآية القرآنية الشريفة التي تقول: "نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلين * الَّذينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون" (7) فالصّبر يعني الثبات والمقاومة والصمود وعدم نسيان الهدف. يقول الله تبارك وتعالى: "إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْن" (8)، في ميدان القتال وفي ميدان مواجهة العدوّ لو صبرتم لاستطعتم أن تغلبوا العدوّ.

لقد ذكّرنا مراراً أنّ الحروب في الميادين العالمية المختلفة هي في معظمها حرب الإرادات، من تضعف إرادته بصورة أسرع سيُهزم. فالصّبر يعني الحفاظ على هذا العزم وحفظ هذه الإرادة. والتوكّل أيضاً يعني أداء العمل وطلب النتيجة من الله فلا يُظنّ (وبالطبع لا يوجد مثل هذا الظنّ في الأجواء الدينية لعصرنا وإن كان قد وُجد في الماضي وكان يُنشر و يتم الإيهام به) أن التوكل يعني الجلوس حتى يأتي عون الله، والجلوس حتى يصلح الله الأمور، والقعود حتى يحل الله العقد. كلا، التوكّل يعني أداء العمل وطلب النتيجة من الله، إنتظر النتيجة من الرّب، لذلك في موضوع التوكّل كما نقول نحن طلبة العلم: أُستُجِيب للعمل.

حسنٌ، إنّ تأثير الصبر والتوكّل مهمٌّ جدّاً في إدارة البلاد بالإضافة إلى الأعمال الشخصيّة. ففي الأعمال الشخصيّة لصبرنا وتوكّلنا تأثير، فلنكن بصدد تحصيل الصّبر والتوكّل لنتقدّم. وعلى مستوى المشاغل الإدارية فليكن الأمر على هذا النحو وكذلك في الرياضة وفي إدارة أمور الأسرة، فليكن الأمر كذلك في كلّ أمر من الأمور الشخصيّة. وفي إدارة البلد والحكومة أيضاً سواء في الإدارات العامّة أو إدارة القطاعات المختلفة فإنّ للصّبر والتوكّل دوراٌ واضح. من دون الصّبر والتوكّل لن يتمكّن الإنسان من تأدية الأعمال الملقاة على عاتقه في مجال إدارة البلد. فمع عدم الصّبر والعجالة وقلّة الباع والكسل واليأس في مواجهة المشكلات (والتي تُعدّ جميعهاً منافية للتوكّل) لا يمكن القيام بالأعمال الكبرى ولا يمكن التقدّم، ولا يمكن تحمّل مسؤولية تطوير البلد المهمّة.
 

لقد ذكّرنا مراراً أنّ الحروب في الميادين العالمية المختلفة هي في معظمها حرب الإرادات، من تضعف إرادته بصورة أسرع سيُهزم

في مجال إدارة الدّولة (حيث يعمل كلّ واحدٍ منكم بنحوٍ ما في هذا المجال، في القطاعات المختلفة الاقتصادية والتقنية والثقافية والعلمية وغيرها وغيرها، أنتم المسؤولون (لو أردنا إعمال الصّبر والتوكّل، فيجب مراعاة عدّة عناصر أساسيّة وجوهريّة:

الأوّل، إختيار الجّهة الصحيحة، ينبغي إختيار التوجّه الصحيح، هو البوصلة وهذا هو الشرط الأساسي .فلو أنّنا إخترنا التوجه الخاطئة ووقعنا في الخطأ عند إختيار التوجه فإنّ جهودنا المضاعفة، لن توصلنا إلى نتيجة وليس هذا فحسب بل إنّها ستبعدنا عن الطريق، قال تعالى: "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرينَ أَعْمالاً * الَّذينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا" (8) فقد وقع سعيهم وبذلهم في ضلالٍ أي أنّه لم يقع في الاتّجاه الصحيح. يجب تحديد التوجه (الجهة) بصورة صحيحة، فلو لم يوجد مثل هذا التوجه فإنّ جهودنا المختلفة ستبعدنا عن المقصد. إنّ تحديد التوجّهات مسألة مهمّة.

أنا العبدُ لله، في ذكرى رحيل الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) في الرابع عشر من شهر خرداد وفي مرقده المطهّر، شرحت توجّهات الثّورة على أساس قراءة الإمام (التي هي بالنسبة لنا معتبرة وحجّة) وبينتها. التوجّه في السّياسة الداخليّة والتوجّه في السّياسة الخارجيّة والتوجّه في الميدان الثقافيّ والميدان الاقتصاديّ، كلّ ذلك شرحته مفصّلاً واستناداً إلى كلمات الإمام ونصوصه) رضوان الله تعالى عليه .( واليوم بحمد الله، فإنّ نخبنا ومسؤولينا وأفراد شعبنا في كلّ أنحاء البلاد يؤيدون الإمام والجميع اختاره كموجه .أحياناً يحصل تفسيرٌ خاطئ للإمام، وتفسير خاطئ لتوجّهٍ ما كان مورد عناية الإمام، وهو أمرٌ سيّئ وخطر أيضاً .ولحسن الحظّ، إنّ كلمات الإمام أمام ناظرينا فخطبه وصوته وكتاباته وآثاره هي أمام أعيننا .في ذاك اليوم قلنا أنّ وصيّة الإمام هي مختصر وخلاصة لتوجّهات الإمام وهي أمام الجميع. لهذا فإنّ التوجّهات محددة. فنحن لا نعاني من مشكلة في معرفة التوجّهات، ولسنا بحاجة أيضاً لنجلس ونشخّص أو نحدّد شيئاً. كان الإمام فقيهاً وحكيماً ومطّلعاً وبصيراً وناضجاً ويتحدّث بصورة موزونة ويفكّر بشكل صحيح، وبهذا الفكر أَوجد هذه الثّورة، وأرسى نظام الجمهورية الإسلامية بعد التّخطيط له، وحدّد الخطوط المحددة والواضحة. لهذا، فإنّ أوّل أعمال أي مدير في أي قطاع هو أن يلتفت إلى التوجّه الصحيح.

الثاني، إستخدام جميع الأدوات المتاحة، فيجب إستعمال كلّ الوسائل وجميع الطّاقات. ينبغي صبّ كل هذه التوجّهات في قالب السّياسات العمليّة. فالسياسات الكلّيّة هي قسمٌ من هذه السياسات الإجرائيّة، الرؤية العشرينية هي قسمٌ من هذه السياسات العمليّة، السياسات التنفيذية للحكومة في القطاعات المختلفة هي قسم من هذه السّياسات العمليّة، والبرامج التي يتمّ إقرارها في الحكومات والمجالس ويتمّ البناء على تنفيذها هي قسمٌ من هذه الّسياسات العمليّة .ويجب تبيين تلك الأهداف الكلّية والتوجّهات العامّة ضمن هذه السّياسات العمليّة لتأخذ دورها وتظهر.

الثالث، هو النّظر إلى الأولويّات، وهذا عنصرٌ آخر أيضاً. فالأعمال كثيرة وفي بعض الأحيان لا يوجد من الطّاقة والقدرة أو الرأسمال والمصادر الماليّة بما يلبّي جميع الإحتياجات لهذا يجب أخذ الأولويّات بعين الإعتبار. هذا هو العمل الذي يمكننا القيام به في مجال الإدارة لتحقّق الصّبر والتوكّل.
 

في مجال إدارة الدّولة يجب مراعاة إختيار التوجّه الصحيح، وإستخدام جميع الأدوات المتاحة والنّظر إلى الأولويّات

لنلقي نظرة عامّة على الدولة، لحسن الحظ فإنّ الدولة وصلت إلى مرحلة جيدة .فمرحلة انتقال المسؤوليّات من حكومة إلى أخرى تُعدّ من المراحل الجيّدة للبلد ولتاريخنا السياسي. فتبدّل الحكومات هو من المنن الإلهيّة الكبرى علينا، وهو من الفرص العظمى التي أتيحت لنا. تأتي أنفاسٌ جديدة وابتكارات جديدة وأعمال جديدة وسلائق وأذواق جديدة إلى الميدان وقد حدّد الدستور هذه الأمور وهذا يُعدّ من الفرص. بالطبع، إنّ هذه الفرصة قد تتبدّل إلى تهديد لو جرى العمل بنحوٍ آخر، مثلما يحدث في بعض الدّول حيث يشاهد الإنسان أنّ انتقال السلطة يتلازم مع إستعراض القوّة وسفك الدماء والعنف، وهو لحسن الحظ غير حاصل في بلدنا. بالطبع قد حصل في عام1388  (2009) أن ارتكب البعض أخطاء كبرى وأوصلوا البلد إلى حافّة تلك الأمور، وأوجدوا لهذا البلد ما يشبه هذه المشكلة، ولكن بحمد الله تعالى وعونه تمكّن الشّعب من تخطّي هذه المشكلة. خلال السنوات المتتالية منذ بداية الثورة ما عدا تلك المدّة القصيرة لعام 88 تلازم إنتقال وتسليم السلطة والمسؤوليات في البلد مع الهدوء والسّرور والفرح، فمثل هذه تُعدّ فرصة فائقة الأهميّة.

بناءً على ذلك، في يومنا هذا حيث يتم تداول المسؤوليات في الحكومة وتأتي مجموعة جديدة وفئة جديدة وعناصر جديدة وابتكارات جديدة إلى الميدان، يجب التقدّم بهذا البلد وذلك بالإستفادة ممّا أُنجز إلى الآن، والبناء على ما تمّ بناؤه إلى اليوم.  إن شاء الله هذه فرصة مهمّة جدّاَ، فرصة جيّدة وهي لبلدنا عيد، ففي الواقع إنّ انتقال السلطات أمرٌ مبارك. فكلّ فئة تمسك بزمام الأمور تنظر بصورة إيجابية إلى الفئة التي سبقتها. حسنٌ، لقد سمعتم هذا التقرير المفصّل للسيد رئيس الجمهورية الدكتور أحمدي نجاد. لقد أُنجز الكثير وتحقّقت أعمالٌ بارزة. ومن الممكن أن تأتي الحكومة اللاحقة وتنجز هذا المقدار ذاته أو ضعفه أو أكثر وتزيد عليه، فأيّ شيء أفضل من هذا بالنسبة للبلد؟ المهمّ أن تستمرّ هذه التوجّهات حيث أنّني سأتحدّث في مجال استمرار التوجّهات وما ينبغي ذكره في هذا المجال في مناسبات لاحقة إن شاء الله سيكون ذلك للمسؤولين والشعب ولا حاجة ولا اقتضاء لذلك الآن.

ما يلزم ويجدر الالتفات إليه اليوم، هو النظرة الشاملة لوطننا وللأوضاع العامّة في البلاد. لا أريد أن نتلهّى بالجزئيّات، هناك جزئيّات كثيرة فلننظر نظرة مصيريّة لأمور بلدنا العزيز ونظام الجمهوريّة الاسلاميّة، ولنرَ أين نحن، وما نحن. لقد دوّنت عدّة عناصر هنا) ستّة أو سبعة عناصر) جميعها حقائق:

الحقيقة الأولى: بلدنا بلد يتمتّع بجغرافيا مهمّة. الموقع الجغرافي لبلدنا واحد من المواقع الجغرافيّة الممتازة في العالم. إذا قسّمنا بلاد العالم من حيث الموقع الجغرافي إلى عدّة مراتب، فإنّ إيران ستقع يقيناً في المراتب العليا أو في أعلى المراتب. وهذا إمتياز من حيث الموقع الجغرافي، هذا ما نتمتّع به، هذه عطيّة إلهيّة.

الحقيقة الثانية :تاريخ حضارتنا وجذورها. جذورنا الحضاريّة القديمة، تاريخنا، هو تاريخ مجيد، خاصّة منذ العهد الإسلامي وما بعده. قبل الإسلام، كانت هناك أيضاً إنجازات بارزة في تاريخ بلدنا، لكنّها إزدادت بمراتب بعد الإسلام، من حيث العلم، الصناعة، من حيث المسائل الثقافيّة، من حيث الأمجاد السياسيّة المتنوّعة، من حيث تطوّر البلد، سواءً التطوّر النوعي، أم التطوّر الكمّي. هذا هو تاريخنا. تراثنا العلمي في الأقسام المختلفة للعلم البشري، والعلوم الالهيّة، هو تراث قلّ نظيره. واقعاً، قلّما نجد بلداً يتمتّع بهذه الميّزات في مناطق آسيا والحضارات القديمة في الهند والصين ومصر وأمثالها، بيد أنه ليس للغربيّين مثل هكذا تاريخ. بناءً على هذا، فإنّنا من ناحية الحضارة و التدن من المميزين والأوائل، هذه أيضاً حقيقة.
 

جذورنا الحضاريّة القديمة، تاريخنا، هو تاريخ مجيد، خاصّة منذ العهد الإسلامي وما بعده

الحقيقة الثالثة :الثروات الطبيعيّة والإنسانية الهائلة. لقد قيل منذ نيّف وعشرين سنةً أنّ آبار النفط في البلاد سوف تنفد في التاريخ الفلاني (كانوا يحدّدون تاريخاً معينناً)، لكنّ الكشوفات التي تمّت على صعيد آبار النفط والغاز، قد ضاعفت هذه المدة ومدّدتها إلى أربعة أو خمسة أضعاف. على صعيد المعدن، والطاقة، وجميع الثروات المتنوعة التي يحتاجها بلد ما لإدارة نفسه، إنّنا بلد غنيّ، بلد إستثنائيّ.

نحن أيضاً كذلك من حيث المصادر البشريّة. ولقد قلت هذا مراراً في البداية كنّا نقول هذا حدساً وتخميناً، ومن ثمّ أيّدت الإحصاءات الدوليّة هذا الأمر وهو أننا من حيث الإستعدادات الإنسانيّة، نقع في المراتب العليا، أي أنّنا نفوق بكثير متوسّط المجتمعات البشريّة الموجودة في العالم، متوسطنا أعلى من متوسّط بلاد العالم. إستعداداتنا، شبابنا، إستثنائيّة، وها أنتم ترون. لعلّني قلت هذا مرارا، من خلال المعلومات التي تصلني والتقارير التي تردني ومشاهداتي، لا يوجد قسم من أقسام العلم والتقانة المتنوّعة أُسسه موجودة في البلاد، إلا وإستطاع شبابنا وعلمائنا أن ينجزوا أعمالاً كبرى في ذلك القسم، وحيثما عجزوا، فذلك بسبب عدم وجود الأسس، إذ ينبغي عليهم بالطبع، العمل على إيجاد هذه الأسس، وهم يعملون على ذلك أيضاً. هذه هي ثروتنا الطبيعيّة والإنسانية.
 

لا يوجد قسم من أقسام العلم والتقانة المتنوّعة أُسسه موجودة في البلاد، إلا وإستطاع شبابنا وعلمائنا أن ينجزوا أعمالاً كبرى في ذلك القسم

وهناك حقيقة أخرى (الحقيقة الرابعة) إلى جانب ما ذُكر من وقائع ممّا يجب مشاهدته وهي أنّنا قد تلقّينا ضربات موجعة على مرّ القرون الثلاثة الأخيرة، سواءٌ من جهة الإستبداد المحلّيّ والدكتاتوريّات التي مرّت على هذا البلد أو من جهة الهجمات الخارجيّة.  فالضّربات التي تلقّيناها ينبغي عدّها من الحقائق. إنّ تاريخ دخول الدّول الأجنبيّة ونفوذها في بلدنا هو من عام 1800 ميلاديّة أي أنّ أوّل نفوذٍ خارجيٍّ كان قبل 212 سنة بواسطة حكومة الهند البريطانيّة. فقد جاء جون مالكوم البريطاني إلى إيران) من يلاحظ هذا التاريخ يعلم) وكان لمجيئه تبعات. وقد كان لضعف تلك الحكومات (المحلّية) في مواجهة نفوذ وغزو الغرب الثقافي والسياسات الغربيّة وحكوماتها أن صار هذا البلد في موقع التأثُّر وهكذا إزددنا ضعفاً يوماً بعد يوم وتلقّينا الهزائم، فهذه قضيّة واقعيّة. ونحن لا يمكننا أن نغض النظر عن ذاك العصر عندما نريد أن نفهم قضايا البلد ونتعرّف على وضعه الحالي. لقد وجّهوا إلينا ضربات قاسية وأوجدوا لأنفسهم نفوذاً سياسيّاً وثقافيّاً ونهبوا ثرواتنا. وللأسف، إلى الآن لم يجرِ العمل بشكل صحيح في هذا المجال. فعلى محقّقينا ومؤرّخينا أن ينهضوا للقيام بعملٍ مفصّل فيما يتعلّق بغزو الدّول الأجنبيّة النّافذة لمنابعنا وثرواتنا الإقتصاديّة منذ أن جاءت إلى هنا، كما فعل البريطانيّون في إحدى الفترات والروس في فترة أخرى، وآخرون كانوا إلى جانبهما حيث أنّهما الأساس في ذلك ثمّ جاءت أمريكا في النّهاية. نهب الثّروات والتسلّط السياسي وإهانة الشّعب. وما سمعتموه من لسان السياسيّين والزّعماء التّابعين للسّياسات الغربيّة والأجهزة الإستبدادية في مجال إهانة إيران والإيرانيين و أنّنا "غير قادرين"،  وغيرها وغيرها، كل ذلك ناشئ من ذلك التسلّط الثقافي الغربي والسّلطة السياسيّة للغرب على بلدنا. فكلّ هذه من الحقائق.
 

على محقّقينا ومؤرّخينا أن ينهضوا للقيام بعملٍ مفصّل فيما يتعلّق بغزو الدّول الأجنبيّة النّافذة لمنابعنا وثرواتنا الإقتصاديّة

الحقيقة الخامسة هي الصحوة الوطنيّة في ثلاث مراحل. فقد حصلت الصحوة العامّة والوطنيّة عندنا عبر ثلاث مراحل: الأولى، مرحلة الملكيّة الدستوريّة المشروطة، الثانية، مرحلة النهضة الوطنيّة (آية الله الكاشاني والدكتور مصدّق)، والثالثة مرحلة الثورة الإسلاميّة. وفي المرحلتين الأولى والثانية  هُزم الشّعب الإيرانيّ. فالثورة المشروطة كانت مهمّة لكنّها هُزمت. وفي النّهضة الوطنيّة حدثت إنتفاضة لكنّها هُزمت، ولكن ما هي أسباب هاتين الهزيمتين؟ هذا ما يتطلّب بحثاً طويلاً ومفصّلاً. ويوجد لكلّ منهما أسبابٌ وعوامل. أمّا الثالثة فهي مرحلة الثورة الإسلاميّة. فهذه هي حركات وطنيّة. وبالطبع قامت حركات وأعمال ونهضات غير عامّة كنهضة التنباك وأمثالها فهي لم تكن حركة وطنيّة لأجل التغيير الجذري وتحقيق تحوّل نوعيّ في البلد، بل كانت لأجل قضيّة خاصّة. ما يمكن أن يُقال بشأن الحركة الوطنيّة والحركة الكبرى ينحصر في هذه المراحل الثلاث. وقد كانت مرحلة إنتصار الثّورة الإسلاميّة بخلاف المرحلتين السابقتين اللتين فشلتا، مرحلةً مهمّة هزمت الغرب ومن يعارضها وأركعتهم، وهذا كان ببركة شخص الإمام وشخصيّته وببركة الأحكام والقوانين التي إستند إليها إمامنا الجليل (الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه) وأَشاد الجمهوريّة الإسلاميّة على أساسها ورسم خطوطها الواضحة، فهذه من الحقائق، وعليه في مقابل تلك الهزائم التي حصلت في قرنين (تقريباً) من مواجهة غزو الغربيين، كان لنا مثل هذا التحرّك المنتصر في مواجهة الغرب، فهذه من الحقائق.

مرحلة إنتصار الثّورة الإسلاميّة، مرحلةً مهمّة هزمت الغرب ومن يعارضها وأركعتهم

سادس هذه الحقائق تجربة التقدّم في الميادين المختلفة. إنّ البعض يقولون لنا أنّ علينا أن نكون واقعيين في مجال القضايا السياسيّة سواء السياسية الخارجية أو الداخلية أو الاقتصاد أو غيره. حسنٌ هذه هي الحقائق وعلينا أن نراها، ومن أهمها: كل هذا التطوّر الذي حصل للبلاد. فإيران قد تغيّرت منذ مرحلة إنتصار الثورة أي منذ عام 1979  إلى اليوم بمعدّل لا نراه في أيّ دولةٍ أخرى خلال هذه المدّة. فأنا العبد لله، لم أشاهد نظيراً له. فالدّول المتطوّرة على المستوى العمراني والصّناعي والعلميّ كانت الفترة الزمنيّة لمسيرتهم حتّى وصولهم إلى هذه النّقطة التي وصلنا إليها اليوم، أطول. وبالمقدار الذي لديّ أنا العبد لله من معلومات يبدو أنّه قليلاً ما شوهد هذا المستوى من التطوّر في العالم أو أنّه للم يشاهد أصلاً. فنحن قد تطوّرنا في المجالات العلميّة) أشار السيّد رئيس الجمهوريّة اليوم إلى جانبٍ منها، وبالطّبع إنّ تطوّرنا العلميّ هو أكثر من ذلك بكثير، أنّنا لا نطلق هذا الكلام كمسؤولين محليّين، كلا، فهذا حكم المراكز العلميّة في العالم) وكذلك في المجال السياسيّ. ففي مجال السّياسة الدّاخليّة هذا الأنموذج الجديد للسيادة الشعبية الدينية الذي قدّمناه للعالم، وهذه الإنتخابات، وهذا التداول للسّلطات التنفيذيّة والتشريعيّة، يُعدّ ذلك كلّه من أعظم النّجاحات. إنّ السّيادة الشعبيّة الدينيّة هي سيادة شعبيّة صحّيّة ونزيهة، خالية من الألاعيب والخدع والأساليب المعتمدة في العالم. وكم يؤسفني عدم اطّلاع شبابنا على هذه الأساليب المعتمدة في العالم، في أمريكا وفي الغرب وفي أوروبا في مجال الإنتخابات حيث أنّها في الظاهر ديمقراطية وفي الباطن غير ديمقراطيّة. لقد ألّف العديد من الكتب الجيدة في هذا المجال كتبها الغربيّون أنفسهم، ويجب مطالعتها والنّظر فيها كيف يتمّ انتخاب عمدة أو حاكم في الولاية الأمريكيّة الفلانيّة ثمّ يصبح سيناتوراً وبعدها رئيساً للجمهورية، كيف يتم إستقطاب الناس إلى هذه الميادين وكيف يجري ذلك، ثمّ مقارنة ذلك مع ما يجري هنا حيث يأتي شخصٌ إلى النّاس ويتحدّث معهم ويجذبهم دون أن يكون له أيّة سابقة في العمل التنفيذي، فيحدث هذا الإندفاع ويذهب النّاس إلى صناديق الاقتراع وينتخبوه مع كل هذه النّسب المرتفعة فمثل هذا أنموذجٌ جديد للديمقراطية وهذا هو تطوّرنا السياسيّ.
وفي السياسة الخارجيّة الأمر هو كذلك، فالجمهوريّة الإسلاميّة اليوم لها دورٌ لا يمكن لأحد إنكاره فيما يتعلّق بقضايا المنطقة المختلفة والمسائل الأساسيّة فيها. وقضايا منطقتنا هي قضايا عالميّة، وهذا معروف ضمناً. فالتقدّم على صعيد السياسة الداخليّة والأنموذج الجديد للسيادة الشعبيّة والقدرة الإنتخابيّة للشعب، وفي السياسة الخارجيّة، هذا التأثير، هي حقائق.
 

إيران قد تغيّرت منذ مرحلة إنتصار الثورة إلى اليوم بمعدّل لا نراه في أيّ دولةٍ أخرى

التقدّم في مجال إعادة الإعمار. فما أُنجز في مجال إعادة الإعمار طيلة هذه العقود الثلاثة هو أمرٌ مدهش في الواقع. قبل الثورة كنا نذهب إلى المدن المختلفة إلى القرى ونشاهد أوضاع المناطق المحرومة، نعلم جيّداً كيف كان يجري العمل في ذاك الزمان، فلو حدث زلزالٌ (أنا العبد لله قد شكّلت لجاناً في الإمداد في عدّة هزّات كبرى معروفة وعملت فيها)، لشاهدت بأيّ نحوٍ كانوا يعملون ويتحرّكون في ذلك الزّمان وها نحن اليوم في هذا العصر وأنتم تلاحظون أنّه لو وقعت هزّة أرضيّة في منطقة ما من هذا البلد أو حدثت كارثة طبيعيّة ووقع النّاس في بلاءٍ ومصيبة كيف أنّ الإمدادات تصل إليهم، وبأيّة سرعة؟ إنّ هذا لا يُصدّق لكنّه من الحقائق.

وفي المجال الثقافي الأمر كذلك. فلقد حصل تحوّلٌ بنسبة 180 درجة على الصعيد الثقافيّ مقارنةً بما كان قبل الثّورة وفي زمن الطّاغوت، ونحن هنا لا ندخل في التفاصيل ولكننا بنظرة كليّة نجد أنّ التحوّل كان شاملاً. وبالطبع إذا عملنا بصورة أفضل وكنّا أكثر إطّلاعاً وجدّيّة سننجح حتى في الجزئيّات.

المستقبل المفعم بالأمل هو بذاته من الحقائق الأخرى في البلد. فللجيل الشاب أهميّة فائقة. العام الفائت وفي شهر رمضان قد أتيت على ذكر أمرٍ هنا وقد كان بصورة مختصرة لا كاملة، فتحديد النّسل هو قضية خطرة على بلدنا. إنّني أقول لكم إنّ تحديد النّسل هو خطرٌ كبير بالنّسبة لبلدنا. لقد توغّلنا كثيراً في منطقة الخطر، ويجب أن نتراجع وكان يمكننا أن نحول دون هذا الأمر لكنّنا لم نفعل. إنّ ما قام به المتخصّصون والخبراء من دراساتٍ وتدقيقات علميّة يوصلنا إلى هذه النّتيجة وهي أنّه سوف نواجه مشاكل جمّة في بلدنا إذا إستمرّينا على هذا المسلك، فسوف يصبح هذا البلد هرماً، إنّ تحديد النّسل هذا أمرٌ سيّئ. بالطبع سمعت أنّ هناك مشروعاً تتمّ دراسته في المجلس، غاية الأمر أنّه بحسب ما نُقل لنا فإنّ المشروع ليس حلّاً، فما ظهر في هذا المشروع لا يلبي الحاجة للحل. على المسؤولين والمهتمّين والعارفين بمستلزمات هذا الأمر في المجلس أن يلتفتوا وينجزوا الأمر بصورة صحيحة.

سابع هذه الحقائق، أنّ بلدنا يواجه جبهةً عدائيّة لدودة، ونحن في هذا المجال كالكثير من المجالات والميادين الأخرى نقف لوحدنا في العالم، ليس أمامنا أي دولة يقف في مواجهتها مثل هذه الجبهة المعارضة اللدودة مع ما لديها من طولٍ وعرض. يوجد جبهةٌ رجعيّة وجبهة الإستكبار ويوجد بعض زعماء الدّول الغربيّة وبعض ضعاف المسؤولين في دول المنطقة. في النهاية، يوجد جبهة تقف أمامنا. وبالطبع، لكلّ هذه شواهدها الواضحة والمشخّصة، ويمكن بيانها وتحليلها وليس محلّها الآن لكنّ واقع الأمر أنّه يوجد مثل هذه الجبهة. حسنٌ، إنّ علينا أن نتّخذ قرارات في مواجهة هذه الجبهة وبالاستناد إلى تلك الحقائق وبالنظر إلى تلك الأهداف الكلّيّة. يجب على كلّ مسؤولٍ في أيّ قطاعٍ أن يعلم في مثل هذه الظروف ما هو طريق المستقبلي، وعليه أن يتمكّن من تحديده. وبرأينا، إنّ هذه الحقائق تدلّنا على طريق المستقبل. إنّ الابتكارات التي تقوم بها الحكومات ويصنعها مدراء القطاعات المختلفة هي بالنسبة للبلد فرصة ونعمة إلهيّة. إنّ العقد الذي نعيشه اليوم وهو العقد الرّابع من عمر الثّورة يمكن أن يكون عقد التقدّم والعدالة بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى. إنّ هذه الوقائع التي نشاهدها تملي كلّها علينا أنّه يمكننا أن نجعل هذا العقد عقد التقدّم والعدالة بالمعنى الواقعيّ للكلمة.
 

العقد الرّابع من عمر الثّورة يمكن أن يكون عقد التقدّم والعدالة بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى

وفي التقدّم نحو الأهداف العليا يجب أن نزيد من إحكام البنية الداخليّة للقدرة، فهذا هو الأصل في العمل. نحن إذا أردنا أن نستمرّ على هذا الطريق ونتحرّك بهذا الإتّجاه ونسعى نحو هذه الأهداف ونتطلّع إلى تلك القيم والأهداف ونتقدّم ونصمد مقابل كل هذه المخالفات) العداوات (ونعمل بموجب الصبر والتوكّل، علينا أن نزيد من بينة القدرة الوطنيّة في داخل البلد، ونمنحها المزيد من الإحكام والرّسوخ. وعناصر هذا الرّسوخ بعضها دائميٌّ وبعضها الآخر موسميّ. من العناصر المستديمة، العزم الرّاسخ الذي أشرنا إليه. يجب على مسؤولي البلد أن يحفظوا عزمهم في مواجهة المشاكل وأن يحافظوا على عزمهم الرّاسخ ولا يتزلزلوا. إنّ التحرّك نحو الأهداف العليا يتطلّب مثل هذا العزم الرّاسخ. فلا ينبغي التزلزل عند مشاهدة عبوس العدوّ وتهديده وحركاته المخالفة التي يمارسها بأساليب شتّى في الدّعايات والسياسة والاقتصاد وأمثالها. فالمطلوب هو العزم الرّاسخ للمسؤولين وكذلك للشّعب. بالطبع، الأمر الثاني أي العزم الرّاسخ للشّعب له متطلّباته وهي الآن معروفة. فنحن إذا أردنا أن نحافظ على العزم الرّاسخ للشّعب علينا أن ننجز مجموعة من التكاليف.

وأمّا ما هو مقطعيّ من هذه العناصر وهو في الوقت الحاليّ أولويّة للبلد وهو برأيي قضيّة الإقتصاد وقضيّة العلم. على المسؤولين العامّين للبلد وعلى واضعي السياسات فيه، وأولئك الذين يتولّون إدارة الأمور الأساسيّة أن يلتفتوا إلى هاتين النقطتين الأساسيّتين فيما يتعلّق بالتقدّم والتطوّر. عليهم الإعتماد على قضية الإقتصاد وكذلك على قضيّة التطوّر العلميّ في البلد. إنّ الإعتناء بالاقتصاد صار لحسن الحظّ أمراً عامّاً نسبيّاً، فهناك إلتفات من قبل الجميع. لقد كانت الملحمة الاقتصاديّة من شعارات هذه السنّة وأملنا أن تتحقّق الملحمة الإقتصاديّة بهمّة المسؤولين أيضاً مثلما تحقّقت الملحمة السياسية. بالطبع إن العمل الإقتصادي ليس عملاً قصير المدى. فليس هو عمل شهر أو شهرين أو حتّى سنة، ولكن يجب أن يبدأ. وإنّني أعتمد على قضيّة العلم أيضاً. في السّنوات العشر الأواخر كان لنا حركة علميّة ممتازة. لقد كانت السّرعة العلميّة وسرعة التطوّر جيّدة جدّاً. لكن لا ينبغي أن تتباطأ. لو أردنا أن نصل إلى المستوى المطلوب، ولو أردنا أن نصل إلى الخطوط الأماميّة للعلم والمعرفة في العالم فعلينا أن نحافظ على هذه السّرعة من التطوّر.

النقطة الثانية في هذا المجال، قضيّة التعامل مع العالم وهي التي تُذكر كثيراً في هذه الأيّام فنحن نؤمن بالتّعامل مع العالم وفي التصرّف هذا. في التعاطي مع العالم يجب معرفة الطرف المقابل، لأنّنا إذا لم نحدده ونعرفه فسوف نتلقّى الضّربات. لا ينبغي أن ننسى ملفّات خصومنا. من الممكن أحياناً للمرء أن لا يأتي على ذكر السوابق فلا إشكال في ذلك، فأنتم أحياناً تواجهون شخصاً وتريدون أن تنجزوا عملاً، ولديكم معرفة بسوابقه، لكنّكم لا ترون مصلحة لذكرها واستحضارها، فلا إشكال في ذلك، لكن لا ينبغي أن تنسوها. فلو نسيتم سوف تتلقّون ضربة.

 

الأمريكيّون ليسوا محل ثقة وهم غير منطقيين، كذلك في تعاملهم ليسوا صادقين.

يقول الأمريكيّون أنّنا نريد التفاوض مع إيران. حسنٌ، إنّهم ومنذ سنوات يقولون نريد التفاوض، فمثل هذا لا يُعدّ فرصة بالنسبة لنا من قبلهم. لقد قلت في بداية هذا العام أنّني لست متفائلاً. ونحن لا نمانع التفاوض في القضايا الخاصّة مثل القضيّة الخاصّة التي كانت لنا في الملفّ العراقيّ وفي بعض القضايا الأخرى، لكنّني لست متفائلاً، لأنّ تجربتي تدلّ على هذا. فالأمريكيّون ليسوا محل ثقة وهم غير منطقيين، كذلك في تعاملهم ليسوا صادقين. وهذه الأشهر الأربعة التي مرّت على حديثي السابق آنذاك تؤيّد هذا الأمر. إنّ مواقف المسؤولين والزّعماء الأمريكيين دلّت على أنّ ما ذكرناه بأنّنا غير متفائلين صحيحٌ. فقد أثبتوا ذلك عمليّاً. والبريطانيّون  بنحو آخر، وكذلك غيرهم. فالتعاطي مع العالم لا إشكال فيه فنحن منذ البداية كنّا كذلك، غاية الأمر أنّه علينا في التعامل مع الآخرين أن نعرفهم ونعرف أساليبهم ونأخذ بعين الإعتبار أهدافهم الأساسيّة والعامّة. من الممكن أن يعترضكم عدوّ ويقول لكم يُمنع المرور من هنا، فالصّلح معه لا يعني أن تقبلوا وتتراجعوا، والمهارة هنا هي أن تقوموا بما يجعلكم تستمرّون على طريقكم ولا يتمكّن هذا العدوّ من منعكم. أمّا إذا كان التّوافق والتّفاهم يعني أن يقول هو أنّ عليكم أن ترجعوا من حيث أتيتم وأنتم تقولون حسناٌ، فهذه خسارة. وعلى المسؤولين وأعضاء الحكومة أن يلتفتوا إلى هذه الجّهات والأبعاد. بالطبع، إنّ قضايا المنطقة مهمّةٌ جدّاً حيث تأخذ قسماً من إهتماماتنا وتفكيرنا ولكن لم يعد هناك مجال الآن.

إخواني وأخواتي الأعزّاء، تحمّلتم واستمعتم، أملنا أنّ يشملكم الله تبارك و تعالى جميعاً بفضله.

اللهمّ، وفّقنا للتضرّع إليك في هذا الشهر. نجّنا من جهنّم التي أشعلناها لأنفسنا.

اللهمّ، إهدنا إلى عمل الخير والعمل الصالح.

اللهمّ، بمحمد وآل محمد إشمل بلطفك وعنايتك شعب إيران ومسؤولي هذا البلد والمسؤولين الذين كانوا إلى هذا اليوم والمسؤولين الذين سيأتون غداً.

اللهمّ، تقبّل كلّ جهدٍ بُذل من هؤلاء لأجل هذا البلد ولأجل هذا الشّعب.

اللهمّ، وفّق أولئك الذين عزموا على العمل من أجل هذا البلد وخدمته والسّهرعليه. اللهمّ فاهدهم إلى الطريق الصحيح الذي هو مورد رضاك. ادخل الرضا و السرور إلى القلب المقدّس لولي العصر (عج).

اللهمّ، ادخل الرّضا والسّرور إلى روح إمامنا الجليل المطهّر والأرواح المطهّرة للشهداء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش:

  1. سورة النصر، الآية 1-3
  2. مصباح المجتهد، ج 2، ص 610
  3. مولوي
  4. سورة الأعراف، الآية 205
  5. سورة العنكبوت، الآية 65
  6. سورة يونس، الآية 12
  7. سورة العنكبوت، الآية 58-59
  8. سورة الأنفال، الآية 65
  9. سورة الكهف، الآية 103-104