وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية في يوم عيد الفطر السعيد، بحضور مسؤولي الدولة وسفراء الدول الإسلامية:
بسم الله الرحمن الرحيم
أهنّئ الأمّة الإسلاميّة العظيمة بعيد الفطر السّعيد في كلّ نقطة من العالم وكذلك شعب إيران العظيم والرّشيد (الذي أثبت لياقته واستحقاقه للهداية والنّعمة الإلهيّة في السّاحات المختلفة (وكذلك أبارك لكم أيّها الحضور المحترم والمحترمين من مسؤولي الدّولة الّذين نفخر بهم، وكذلك ضيوفنا سفراء الدّول الإسلاميّة المحترمين، وأبارك أيضاً لشعب إيران بانقضاء شهر رمضان بالمعنى الواقعي للكلمة، فمبارك.
لقد أوصل الشّعب الإيرانيّ نفسه من خلال العبادات الواجبة والمستحبّة في هذا الشّهر لمقام لياقة نزول رحمة الله. إنّ هذه الأفواه الصّائمة في الأيّام الطّويلة والحارّة، وهذه الليالي العابقة بالذّكر والعبادة والدّعاء والمناجاة، وهذه الجلسات القرآنيّة المتنوّعة في كلّ مناطق البلاد، الّذي أظهر فيها أبناء شعبنا وخصوصاً الشّباب والنّاشئة عشقهم البالغ للقرآن، وليالي القدر، والجّلسات المجلّلة العميقة والمليئة بالمعاني، التي أقيمت في هذه الليالي والتي انجذبت فيها كلّ الفئات والأطياف من مختلف الشرائح على اختلاف أعمالهم وأذواقهم واتجاهاتهم واهتماماتهم إلى عمق الذّكر والدّعاء والتوسّل في هذه الليالي، كلّ ذلك أمرٌ عظيم الأهمّيّة. علينا أن نعرف قدر هذه الرّوحيّة، روحيّة التوسّل والتذكّر الموجودة بحمد الله في بلدنا والتي تبرز أكثر فأكثر في العديد من أوقات السّنة) وخصوصاً في أيّام شهر رمضان المبارك وليالي القدر) وفي المناسبات العزيزة.
أنا العبد لله أرى من الضّروريّ أن أوصي، بمناسبة ما لهذه الأيّام من عظمة وما لذكر الله من قيمة، مسؤولي الدّولة المحترمين، هذه المجموعة الجديدة التي أُلقي على عاتقها مسؤوليّات الدّولة، والتي بمشيئة الله ستتقدّم بعملها هذا بقدمٍ ثابتة وإرادةٍ وعزمٍ راسخين، بأن يستفيدوا من سلاح الذّكر والتوجّه والتوسّل إلى الله تعالى والاعتماد عليه في هذا الطّريق الصّعب. " يَا مَنْ لاَ يَجْبَهُ بِالرَّدِّ أَهْلَ الدَّالَّةِ عَليهِ") دعاء ورد في الصّحيفة السجّاديّة المباركة في عيد الفطر)، حتى أولئك الّذين يتجاسرون (يتطاولون) في كلامهم أثناء مخاطبتهم لربّ العالمين فإنّ الله تعالى يشملهم برحمته. فإنّ رحمة الله الواسعة هي بمتناول من يريدها ويطلبها. المهمّ هو أن نطلب الهداية الإلهيّة والرّحمة الربّانيّة فعندها سوف تنالنا.
فليلتفت جميع مسؤولي الدّولة (وخصوصاً مسؤولي المستويات العليا) إلى الله تعالى وليتوسّلوا إليه. فالأعمال ثقيلة والوظائف مهمّة وحقوق عامّة النّاس هي مسؤوليات ملقاة على عاتقهم، وهي مسؤولياتٌ يمكن بعون الله إنجازها بشكل جيّد. لو استطعنا أن نشقّ طريق المدد الإلهيّ لأنفسنا وأمامنا فلن يبقى أيّة مشكلةٍ لا يمكن حلّها. فليكن الأمل متعلّقاً بالله، ولنبذل كلّ همّتنا في ميدان العمل. فلا يصح التكاسل وعدم العمل، مع الأمل برحمة الله. إنّ الهداية الإلهيّة والمدد الربّانيّ واللطف الإلهيّ سيكون عندما نبذل كلّ قوانا (والتي هي لله تعالى) في ميدان العمل، فلنستفيد من الفكر والتدبير ومن القوى الجسمانيّة والقدرة العمليّة، ومن الإمكانات والموارد البشريّة العظيمة الموجودة في البلد، ومن كل شيء، حينها سيتفضّل الله تعالى حتماً.
أوصي مسؤولي الدولة بأن يستفيدوا من سلاح الذّكر والتوجّه والتوسّل إلى الله تعالى والاعتماد عليه في هذا الطّريق الصّعب.
لقد كان هناك الكثير من اليائسين من مستقبل البلد، على مرّ الزّمن. وقد كان لنا تجارب عديدة طيلة هذه السّنوات الثّلاثين ونيّف، وكان هناك أشخاصٌ إمّا أنّهم كانوا قصيري النّظر أو ضعفاء الإيمان بالعون الإلهيّ، أو لم يكن لديهم حسن الظّنّ بوعد الله في بعض المواطن، "وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ" (2)، وقد حدث ذلك على مر التّاريخ، ولقد أعان الله تعالى في تلك المواقع. وأنتم تلاحظون اليوم أنّ شعبنا وبلدنا يقف في المواقع الأمامية مقارنةً بكلّ العهود السّابقة وقد أصبح التقدّم من ذاتيّات حركة الشعب الإيراني، و بحمد الله قد تقدّم يوماً بعد يوم، وسوف يتقدّم، فالمهمّ أن نرسّخ ارتباطنا بالله تعالى.
إنّ العالم الإسلاميّ اليوم مبتلىً بالمشاكل الكبرى. وإنّنا للأسف موجودون في منطقةٍ تحيطها دولٌ تعاني من مشاكل أغلبها قد فُرضت عليها من قبل الغير ومن قبل الأجانب. وباليقين لو لم يكن للأجانب فيها تدخّل في تلك الأحداث التي تجري في غرب آسيا وشمال إفريقيا ولو لم يكن للقوى الكبرى سياسات خبيثة، لما وصلت الأوضاع إلى هذا التعقيد. وطريق العلاج في يومنا هذا هو في أن تقرّر الشّعوب بنفسها، وبأن لا يتدخّل فيها الآخرون ولا يتدخّل الأجانب. إنّ علاج الأحداث التي تجري اليوم في المنطقة هو في هذا الأمر فقط. هذا هو وضع مصر وليبيا وسوريا. تستطيع الشّعوب أن تجد طرق الخلاص بحكمة نُخبها وتوجيه روّادها وعقلائها، وإذا قام الأجانب بتركها وشأنها ولم يقوموا بغرس النفاق والتردد بين النّاس.
لقد استطاع شعب إيران بفضل الله وحوله وقوّته وروحيّة الإيمان وروحيّة الاتّحاد والانسجام والوحدة التي تحقّقت ببركة الدين أن يطوي هذه الطّريق وإنّه بتوفيق الله سيكون كذلك في المستقبل.
إنّ المؤامرات التي حاكوها في الدّول الأخرى لا أثر لها هنا. سواءٌ كانت تحت عنوان الاختلافات المذهبيّة من أجل الإيقاع بين أبناء الشعب، أو تحت عنوان الخلافات القوميّة للإيقاع بين الإخوة، أو بعنوان الخلافات الحزبيّة، فكلّ هذه الأسلحة المدمّرة والمسمّة لم تفعل فعلها في إيران الإسلاميّة. فها هي المذاهب المختلفة جنباً إلى جنب، وها هي القوميّات المتعدّدة يداً بيد، وها هي الجماعات والتيّارات المختلفة، تتوحّد بشأن القضايا الأساسيّة والجميع يتقدّم.
المؤامرات التي حاكوها في الدّول الأخرى سواء تحت عنوان الاختلافات المذهبيّة أو القوميّة أو الحزبيّة، كلّ هذه الأسلحة المدمّرة والمسمّة لم تفعل فعلها في إيران الإسلاميّة
ووصيّتي إلى مسؤولي الدّولة والنّخب السياسيّة والدينيّة ولكلّ من له نفوذٌ بين النّاس: اعتمدوا مهما أمكن على هذا الاتّحاد والانسجام العظيم الموجود في الشعب الإيراني، وكذلك على الإيمان بالله والاتّحاد، وعلى الدّين ووحدة الكلمة، هذان الأمران يمكن أن يحفظا الدّول والشّعوب ويمنحوها قدرة المقاومة، والشعب الإيراني بحمد الله حائزٌ عليهما. وكم هو جديرٌ بالمسؤولين السياسيين والثقافيين في الدّول المختلفة أن يضاعفوا من اهتمامهم بهذه النّقطة، ويزيلوا بالحكمة المشاكل التي تعترض هذه الدّول في هذه المنطقة.
لندعو الله تعالى أن يجعل الأمّة الإسلاميّة شامخة وثابتة.
اللهمّ بمحمّد وآل محمّد أدم فضلك ورحمتك على الأمّة الإسلاميّة في جميع أنحاء العالم.
اللهمّ قصّر أيدي الأجانب عن حياة الشّعوب في الدّول الإسلاميّة.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش: