وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها سماحته خلال هذا اللقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
مرحباً بكم كثيراً. من عيوب عملنا نحن أهالي الحوزة العلمية الدينية أن أعمالنا كانت دائمة انفرادية. وحتى عندما تجتمع منا جماعة ـ في صف دراسي مثلاً ـ فإن كل واحد منا يعمل لنفسه. أعمالنا المشتركة تنحصر في المباحثة، بأن يتباحث شخصان أو ثلاثة حول درس واحد. وإلا لم يكن التعاون المشترك والتفكيرالمشترك شائعاً بين مجاميعنا الحوزوية في الأداء العلمي والوصول إلى الثمار العلمية. والحال أن الأمر ليس كذلك في العالم وخصوصاً في العالم الغربي، فهناك تحصل أعمال مشتركة كثيرة. بل يخطط أحياناً لأعمال تتكون نتائجها من عشرات الأجزاء ويعهد بكل جزء منها إلى جماعة، ثم يكون هناك أشخاص يستلمون حصيلة عمل هذه الجماعات ويستخرجون منها الناتج النهائي. هكذا يُصممون الأعمال ويخططون لها. وواضح أن آثار العمل بهذه الطريقة أفضل وأكثر بكثير. ولحسن الحظ يُلاحظ أن الحوزة العلمية سائرة بهذا الاتجاه. أي إن عملكم هذا مصداقٌ لهذا التعاون. ليكن هناك عمل يمثل تعاوناً بالمعنى الحقيقي للكلمة. أي ليتعاون الجميع بعضهم مع بعض، ولتتساعد الأذهان فيما بينها ولتخرج نتيجة منشودة من هذا التعاون. هذه نقطة.
النقطة الثانية؛ هي أن مؤتمركم هذا يتضمن جانبين مهمين: أحدهما القرآن والثاني العلوم الإنسانية. قضية القرآن ومرجعية القرآن والرجوع إلى القرآن واستفهامه في مختلف القضايا الفكرية والعلمية والاجتماعية والسياسية والحكومية وما إلى ذلك، شيءٌ على جانب كبير من الأهمية. إننا قليلو العمل حقاً في هذه المجالات، نحن قليلو العمل حقاً، وفي مجال التدبر في القرآن بالنسبة لأهل التدبر، وهذا يدلُّ على أنَّنا حرمنا أنفسنا كثيراً من الآيات الإلهية ومن إرشادات الآيات الإلهية في المجالات المختلفة. حسنٌ، مرجعية القرآن هذه نفسها بالنسبة لهذه المسألة المهمة موضوع أساسيٌ وحساس. والعلوم الإنسانية والاهتمام بها وهو ما شاع وجرى على الألسن منذ عدة سنوات، تعدّ هي أيضاً قضية. وعملكم هو الربط بين هذين الأمرين، وهذا برأيي مهمٌ جداً، ومن المناسب جداً أن تُبذل مزيد من الجهود في هذا المضمار.
هناك مسائل وعناوين تم إنتاجها والعمل فيها والتفكير بها ونقدها وتبادل الآراء حولها نروم الآن أن ندخل ونَفصُل هذه المسائل عن جذورها غير الدينية أو ربما المضادة للدين، ونربطها بمصدر قرآني وديني
ونقطة أخرى هي أنَّه توجد في البلاد اليوم مراكز ومؤسسات تعمل في مجال العلوم الإنسانية، سواء في المجلس الأعلى للثورة الثقافية أو خارج المجلس الأعلى للثورة الثقافية، هناك قطاعات مختلفة تعمل في مجال العلوم الإنسانية. وهذا هو هدفهم، وربما لم يجعلوا اسمهم القرآن والعلوم الإنسانية أو ما شابه، لكنهم يعملون على سوق قضايا العلوم الإنسانية باتجاه التعاليم الإسلامية. فليتم الانتفاع من هؤلاء وليكن هناك تعاون بين المجموعات. نحن بحاجة للاستفادة من نتائج أفكار بعضنا. بمعنى أنه يوجد الآن أشخاص يعملون ويجدون، وأنا طبعاً لا أدري ولم يرد في تقرير حضرتكم والسيد هل لكم تعاونكم وارتباطكم مع المراكز المختلفة أم لا، إذا كان لكم مثل هذا التواصل فهو الأفضل، وإذا لم يكن فلتعملوا على إيجاده. اعثروا على هؤلاء العناصر وهذه المراكز وتعاونوا معهم وانتفعوا من تجاربهم، فقد عملوا مسبقاً. هذه أيضاً نقطة.
نقطة أساسية أخرى هي أن العلوم الإنسانية ابتكرت منذ قرنين أو ثلاثة قرون في العالم وعكف أشخاصٌ على التفكير فيها والعمل عليها وأطلقوا مسائل وقضايا، والبعض من هذه القضايا لا يعود إبداعها لأكثر من قرن من الزمن؛ وهم يعملون عليها منذ عدة عقود. أي إنَّ في العلوم الإنسانية المختلفة أشياء هي بالنسبة لنا في حكم الواردات، وما عدا الفلسفة والآداب وما شابه هذه الأشياء المتعلقة بنا هناك مسائل وعناوين تم إنتاجها والعمل فيها والتفكير بها ونقدها وتبادل الآراء حولها ـ هذه أعمال تمَّت وحصلت ـ ونروم الآن أن ندخل ونَفصُل هذه المسائل عن جذورها غير الدينية أو ربما المضادة للدين، ونربطها بمصدر قرآني وديني. هذا شيءٌ مهمٌ جداً، ويحتاج إلى تمكّن وإشراف أساسي على أعمال الآخرين، فيجب أن نعلم ما الذي قام به الآخرون في هذه المجالات. معرفة الأعمال التي قاموا بها والتقدم الذي حققوه من الأمور التي نحتاجها، لذلك ينبغي العمل.
وقد أشاروا الآن إلى أن تسعمائة أو ثمانمائة دراسة أو خلاصة دراسة وصلت المؤتمر، وهذا جيد، وهذا العدد الكمي ملحوظ حقاً، لكن الأهم من الكمية هو النوعية. أي لنعمل ما من شأنه أن تخرج من هذا المؤتمر الذي سيقام في شهر آذر (تشرين الثاني) (2) عشرون أو ثلاثون دراسة عميقة المحتوى ومميزة يمكن أن ينتفع منها عموم الذين يُفكِّرون في هذه المجالات ويعملون.
هذا العمل الذي تستطيعون النهوض به ـ التعاون والتضامن مع مفكري العالم الإسلامي ـ لا يمكن للكثير من مراكزنا الجامعية الأخرى القيام به.
ونقطة أخرى هي أنه يوجد في العالم الإسلامي اليوم مفكرون يعملون في هذه المجالات، ففي العالم العربي مثلاً هناك أشخاص يعملون، وفي شبه القارة الهندية هناك فضلاء يعملون في هذه المجالات، (انتبهوا) ألا يُغفل عنهم. ولحسن الحظ فإن مؤتمركم مؤتمرٌ دولي، وهذا العمل الذي تستطيعون النهوض به ـ التعاون والتضامن مع مفكري العالم الإسلامي ـ لا يمكن للكثير من مراكزنا الجامعية الأخرى القيام به، بمعنى أن جامعة المصطفى هذه لها خصوصية أن تطرح القضايا وتستفيد منها على مستوى دولي واسع. وهذا شيءٌ حسنٌ جداً. فليتم الانتفاع من هؤلاء بشكل حقيقي، فهناك في العالم الإسلامي أشخاصٌ، يأتون أحياناً ببعض الكتب من شمال أفريقيا مثلاً أو من منطقة غرب آسيا مثلاً، من البلدان العربية، كتبها البعض. وعندما ينظر المرء فيها يجد أن بينها أفكاراً جيدة، أي إنهم فكروا حقاً وعملوا وطالعوا ودرسوا، ويمكن الاستفادة من أعمالهم.
ونحن غير مطلعين على الكثير من هذه الأعمال، كما أنَّهم بدورهم غير مطلعين على الأعمال التي تحصل وتنجز هنا. أي إنَّ هناك حقاً أعمال أنجزت طوال هذه الأعوام الثلاثين أو الأربعين بعد الثورة، ونحن غير راضين ونشعر بوجود نقص، وحضرتكم أشرتم وهذا ما اعتقده أنا أيضاً بأنَّ لدينا قلة في العمل، ولكن بالتالي على الرغم من قلة العمل هذه تم إنجاز أعمال جيدة، ولدينا كتب جيدة وتم إنجاز أعمال قيّمة. وحين ينظر المرء في حوزة قم هذه وفي بعض المواطن الأخرى يجد أن الدراسات التي كُتبت، والكتب التي وضِعت، والدروس التي أُعطيت بعضها قيّمٌ وجيدٌ جداً. وأولئك أيضاً لا علم لهم بها، فهم في العالم الإسلامي غير مطلعين غالباً على الأعمال التي قمنا بها هنا. وهذا التعاون الدولي برأيي من الجوانب الجيدة جداً التي يمكن أن تترتب على هذا المؤتمر. وقد اقترح السيد (3) موضوعاً أو موضوعين وليست لديّ الآن فكرة كي أتحدث عن هذه المسائل، ولكن لديكم حتى شهر آذر (تشرين الثاني) الكثير من الوقت، يوجد لحسن الحظ الكثير من الوقت، وإذا خطر بالبال شيء فقد أطرحه في المستقبل.
على كل حال ندعو الله أن يوفقكم. فالحق والإنصاف أن هذه الأعمال التي تُنجز في الوقت الحاضر من قِبَل الفضلاء الشباب وأصحاب التجديد الفكري في قم لهي قيمة جداً، جداً. إنني عندما أنظر فيها في بعض الأحيان وألاحظها ـ عندما ينظر الإنسان في الدوافع والآراء والأعمال ـ أشكر الله حقاً. في فترة ما كانت هذه الأمور تخطر ببال البعض في قم ـ لا أنَّ أذهانهم كانت خالية تماماً، لا، فقد كانت تخطر ببالهم بعض الأمور ـ لكنها كانت كالأحلام، كانت كالأحلام حقاً للإنسان، ولم يكن هناك أملٌ بتحققها لا في قم ولا في غيرها، لم يكن هناك حقاً أمل بتحققها في الحوزات العلمية، وقد تحققت اليوم لحسن الحظ، وقد انطلقت اليوم حركة عامة بهذا الاتجاه. وثمة في هذه الحركة إشكالات ونواقص ومؤاخذات، فنحن أنفسنا والحوزة والمسؤولون وكبار شخصيات الحوزة أنفسهم يسجلون أحياناً مؤاخذات وإشكالات، ولكن مع ذلك فإن ما تحقق قيّم بدوره. على كل حال نسأل الله تعالى أن يوفقكم ويعينكم لتخرجوا بهذا المشروع بأفضل ما يمكن وبأعمق المضامين والمحتويات الممكنة الطرح إن شاء الله، وأن نستفيد نحن والجميع.
والسّلام عليكم ورحمة الله.
الهوامش:
1 ـ أقيم هذا اللقاء في إطار اللقاءات الجماعية، وتحدث في بدايته حجة الإسلام والمسلمين علي رضا أعرافي (مدير الحوزة العلمية في قم)، وحجة الإسلام محمد علي رضائي إصفهاني (الأمين العلمي للمؤتمر).
2 ـ طبقاً لما أعلنه الأمين العلمي للمؤتمرسيُقام هذا المؤتمر بتاريخ 30/11/2017 م.
3 ـ الأمين العام للمؤتمر.