جاء النص الكامل لكلمة سماحته على الشكل التالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، والصلاة على رسوله وآله الطيّبين الطاهرين.
أبارك لكم أيّها الشباب الخرّيجون الأعزّاء، وكذلك للّذين حازوا رتبهم العسكريّة من هذا المركز وهو مركز العلم والمعرفة والثقافة، الذي هو -والحمد لله- من الظواهر الطيّبة والمباركة للثورة الإسلاميّة. وأتقدّم بالشكر على هذا التنظيم والاستعراض المبتكر والجميل الذي أُجري في الساحة حتى هذه الساعة.
لا ريب في أنّ ازدهار وتفتّح الشتلات ونموّها المتجدّد، في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، من أهم القضايا وأكثرها محوريّة. إذا لم يكن لكل ثورة ولكل حرکة أو نهضة في العالم نُموّاً متجدّداً مستديماً، فسيكون محكومًا عليها بالفناء والزوال. لقد استطاعت الجمهوريّة الإسلاميّة طوال هذه الأعوام الخمسة والثلاثين أن تُظهر، في كلّ فترة من الفترات، تجليّات جديدة ومتناسبة مع الحاجة. كان هناك أفراد أبدوا قلقهم من حالات السقوط (1)، وقيلَ أنّ حالات النموّ سوف تتغلّب على حالات السقوط (2)، وهذا هو ما حصل. المهم هو أن تتركّز نظرة الجيل الصاعد، وكلّ الذين يريدون للطاقات الشبابيّة أن تكون في خدمة الأهداف والمبادئ السامية، أن تتركّز على المستقبل المشرق البعيد -لا أن ننظر فقط للمدى القريب- وإنّ المستقبل البعيد هو بناء الحضارة الإسلاميّة، وهي حضارة جديدة تتناسب واحتياجات وإمكانيّات البشريّة المعاصرة المجروحة من مختلف حوادث القرون الأخيرة. إنّها إنسانيّة جريحة وحزينة، تعاني فيها أجيال الشباب من اليأس والقنوط والكآبة. يستطيع الإسلام أن يوصل هذه الأجيال إلى آفاقٍ جديدة ويدخل الفرحة والسرور على قلوبهم ويمنحهم الكرامة اللائقة بالإنسان؛ هذه هي الحضارة الإسلاميّة الجديدة. وأنتم النواة المهمّة والأساسيّة والأصليّة في صناعة هذه الحضارة؛ المستقبل لكم. أنتم أيّها الشباب صنّاع مستقبل البلاد ومستقبل هذه الحضارة، وفي الحقيقة أنتم صنّاع مستقبل العالم. إنّ قسمًا من المجموعات الآخذة بالنموّ والرُّشد في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة تتخرّج وتولد في هذا القطاع، أي في جامعة الإمام الحسين (ع). أينما كنتم، سواء من كان في هذه الجامعة أو كلّ الشباب في أيّ مكان من البلاد ممّن يشعرون بالمسؤوليّة يمكنكم أن تقوموا بدورٍ أساسي. هذه الجامعة مكانٌ مهم، فهي مركزٌ علمي، ومركزُ بحوث، ومركز تعاليم ثوريّة، ومركز إعدادٍ فكري وروحي. اشعروا بقيمة هذا أيّها الشباب، وليبذل المدراء والمسؤولون كلّ سعيهم ليغتنموا هذه الفرصة إلى أقصى الحدود، وهم يفعلون ذلك والحمد لله.
يواجه النظام الإسلامي اليوم تحدّيات. إنّ وجود التحدّي يعني التحرّك نحو الأمام ومضاعفة الإبداعات المتجدّدة. فوجود التحدّيات لا يُصيب الأفراد الواعين وذوي البصيرة والشجعان بالقلق؛ وإنّ وجود التحدّيات يدفع الأفراد الملتزمين للنظر إلى الإمكانيّات المتاحة والمتوفّرة، وربّما المعطّلة (3). وإنّ سبب هذه التحدّيات هو وجود القدرة على التقدّم، والقدرة على الثبات والمتانة، والقدرة على مضاعفة القوّة في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة؛ هذا ما يركّز أعداؤنا أنظارهم عليه.
إنّ وجود التحدّي يعني التحرّك نحو الأمام ومضاعفة الإبداعات المتجدّدة. فوجود التحدّيات لا يُصيب الأفراد الواعين وذوي البصيرة والشجعان بالقلق.
أقول لكم أيّها الشباب الأعزّاء هذه النقطة: أصيب العالم خلال القرن أو القرنين الأخيرين، من خلال بروز ظاهرة الاستعمار المخزية المشؤومة والاستكبار العالمي، بآفات كبيرة، وأهم هذه الآفات هو نظام الهيمنة. معنى نظام الهيمنة أن تتوزّع الشعوب على الأرض إلى قسمين: القسم الأول مهيمن والقسم الثاني خاضع للهيمنة. لقد تعوّدت الحكومات الاستكباريّة على التسلّط والتعسّف واستخدام منطق القوّة والتدخّل -باستكبار وهيمنة- في اقتصاد الشعوب وثقافتهم وسياستهم وتربيتهم وأسلوب عيشهم ونمط حياتهم، وأرادت أن يكون كلّ شيء في العالم تحت تصرّفها وفي يدها. لقد تعوّدت الحكومات الغربيّة، والحكومة الأمريكيّة على مدى العقود الأخيرة، على هذه الظاهرة البغيضة، وعلى أن تستخدم منطق القوّة والتسلّط، وعلى أن يكون الاقتصاد العالمي في أيديهم، وعلى أن تكون ثقافات الشعوب في أيديهم وتحت سيطرتهم، وباختصار، على أن يكون قرار البلدان الأخرى في يدها. لقد تعوّدوا على هذا الشيء. وحينما يقف شعبٌ وبلدٌ بوجه هذه العادة القبيحة، فإنّهم سوف يغضبون ويضطربون. وقد أدّت الثورة الإسلاميّة إلى أن يقف بلد كبير يقع في منطقة جغرافيّة حسّاسة يمتلك ثروات ومصادر غنيّة -أي إيران العزيزة- وبشعبٍ مقاومٍ شجاعٍ موهوب، أن يقف بوجه هذا السياق القبيح الكريه؛ هذا هو ما يغضبهم.
ما يثير الاضطراب لدى الاستكبار العالمي هو أنّ شعبًا في هذا البلد المهم مع ما له من سوابق تاريخيّة غنيّة جدًّا وخصوصيّات فريدةٍ من نوعها، قد وقف بوجه هذه العادة القبيحة [عادة الهيمنة والخضوع للهيمنة]. هذا هو ما يغضب أمريكا، وهذا هو ما يدفع جبهة متّحدة من المستكبرين للاصطفاف في وجهِ الجمهوريّة الإسلاميّة. وهذا الشيء نفسه هو أيضًا ما يجتذب قلوب شعوب العالم نحو شعب إيران. وهذا الشيء نفسه هو ما يجعل الكثير من الحكومات التي لا تتجرّأ على الوقوف بوجه نظام الهيمنة، تُسعدَ وتُسرّ لوقوف نظام الجمهوريّة الإسلاميّة بوجه نظام الهيمنة، مع أنّها [تلك الحكومات] لا تمتلك الجرأة والشجاعة لإبداء ارتياحها وسرورها هذا؛ هذا ما نراه بوضوح في العلاقات الدوليّة.
إنّ سبب العداء لدى أعدائنا هو أنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة قد وقف بوجه نظام الهيمنة، وبوجه العادة السيّئة على تقسيم العالم إلى مهيمنٍ وخاضعٍ للهيمنة، وباقي الأمور هي ذرائع. الذريعة اليوم هي الملفّ النووي، وفي يوم آخر تكون الذريعة حقوق الإنسان، وفي يوم آخر يتذرعون بذريعةٍ أخرى. يريدون إبعادَ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة عن الصمود بوجه العتاة والأشقياء والابتزازيّين والمتعسّفين في العالم، وهذا لن يحصل طبعًا.
إنّ سبب العداء لدى أعدائنا هو أنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة قد وقف بوجه نظام الهيمنة، وبوجه العادة السيّئة على تقسيم العالم إلى مهيمنٍ وخاضعٍ للهيمنة، وباقي الأمور هي ذرائع.
لقد أثبت شعب إيران قدراته في الميادين المختلفة: لقد أثبت شعب إيران أنّه يستطيع من دون الاعتماد على أمريكا تحقيق التقدّم العلمي وتحقيق التقدّم الاجتماعي وتحقيق الحضور والتأثير الدولي، وتحقيق العزّة السياسيّة في عالم الإنسانيّة. هذا ما أثبتته الجمهوريّة الإسلاميّة وهم منزعجون من هذا الشيء. أن يستطيع شعبٌ وبلدٌ ونظامٌ -مستغنيًا عن المتسلّطين والناهبين والمهيمنين وقطّاع الطرق الدوليّين، وغير مكترث بهم، وحتى مع معارضتهم وعدائهم- أن يُخرج نفسه من المشاكل ويحقّق ذاته ويفرض وجوده وحضوره ونفوذه رغمًا عنهم وعن أنوفهم، فهذا هو ما يغضبهم. لقد غضبوا؛ فليغضبوا، وعلى حدّ تعبير شهيدنا العزيز المرحوم بهشتي: فليموتوا بغيظهم. لقد اختار الشعب الإيراني الطريق الصحيح، وقد عرف طريق الصواب. لقد علمنا أنّه يمكن ومن دون الاعتماد على القوى المتسلطة المهيمنة التقدّم إلى الأمام، وأن نكون أقوياء، وأن نفتح الساحات المجهولة وغير المفتوحة للفكر البشري والعلوم البشريّة، ونستطيع أن نستقطب إلينا قلوب الشعوب في العالم. هذا ما عرفناه وعملنا به وسوف نواصل هذا الدرب قُدمًا ولا يستطيع العدو فعل شيء؛ وإنّ أكثريّة العالم هو إلى جانب نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. حتى أنّ شعوب البلدان المستكبرة -أولئك الذين يعلمون الحقائق- يباركون الشعب الإيراني ويمدحون الجمهوريّة الإسلاميّة وينظرون لها بعين التكريم والاحترام. تريد الإمبراطوريّة الإعلاميّة للاستكبار أن تمنع وصول أخبار وتجربة الشعب الإيراني إلى أسماعهم، ولكن بالرغم من ذلك، فإنّ أعين وقلوب وألسنة جزء كبير من الناس في العالم قد امتلأت اليوم بمؤشّرات إيمان شعوب العالم وثقتها بالشعب الإيراني وبالثناء عليه.
لقد أثبت الشعب الإيراني أنّه يستطيع من دون الاعتماد على أمريكا تحقيق التقدّم العلمي وتحقيق التقدّم الاجتماعي وتحقيق الحضور والتأثير الدولي
إنّني لا أوافق على استخدام تعبير المجتمع الدولي الكاذب مقابل الجمهوريّة الإسلاميّة، وهو التعبير الذي يستخدمه أعداؤنا. أيّ مجتمعٍ دولي؟ الذين يقفون مقابل الجمهوريّة الإسلاميّة ليسوا المجتمع الدولي، إنّما هم عدّة حكومات مستكبرة، وهي خاضعة في الغالب لنفوذ حفنة من أصحاب الشركات الصهاينة الناهبين المفضوحين. ليسوا هم المجتمع الدولي، إنّما هم من يسمّون أنفسهم مجتمعًا دولياً. المجتمع الدولي هو الشعوب؛ المجتمع الدولي هو الحكومات المظلومة التي لا تمتلك الجرأة والشجاعة على إبداء معارضتها، وإذا توفّرت لها الأجواء المناسبة فسوفَ تعارضهم. المجتمع الدولي هو العلماء والمفكّرون والخيّرون والأحرار والتحرّريّون الموزًّعون على مختلف أنحاء العالم، الذين يدركون الحقيقة ويثنون عليها.
أيّها الشباب الأعزّاء: المستقبل لكم؛ أنتم من يجب أن يفتح الآفاق وسوف تفتحونها. أعدّوا أنفسكم، اصنعوا شخصياتكم وهوياتكم. حاولوا في هذه الجامعة أن تكتسبوا العلم وتقوموا بالبحوث العلميّة، وتعزّزوا البصيرة لديكم وتتقنوا الفنون القتاليّة، وأشدّد هنا على إتقان الفنون القتاليّة. الحمد لله على أنّ المواهب جيّدة جدًّا، والقدرات جيّدة جدًّا وتستطيعون القيام بأعمال كبيرة، فأعدّوا أنفسكم لإنجاز أعمال كبيرة في المستقبل غير البعيد إن شاء الله. بتوفيق من الله ستكون أرواح الشهداء الطاهرة -وقد شاهدنا اليوم في هذه الساحة تجليّات من أرواح الشهداء الطاهرة- والروح المطهّرة لإمامنا الخميني الكبير، والأرواح الطيّبة للأئمّة الأطهار (عليهم سلام الله) دعامةً لكم، وعسى أن يكون القلب المقدّس لإمامنا المهدي المنتظر(أرواحنا له الفداء) راضيًا عنكم إن شاء الله، وأن تكونوا جميعًا مشمولين بأدعيته الزاكية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش:
1- المقصود: السقوط في الامتحان والبلاء في محطات الحياة واختباراتها؛ وهناك قول مهم يرد في كلمات الإمام الخامنئي أنّ نماءات الثورة والنظام هي أكثر من تساقطاتها ؛ وبمعنى آخر: أي الثابتين على مبادئ الثورة وقيمها وأصول الإمام (كما عبَّر مرة في خطابٍ له) سواء من الجيل الاول والثاني أو من الأجيال اللاحقة وخصوصاً الشباب هم أكثر من الذين تركوها في منتصف الطريق أو أبدوا عدم الاهتمام بها. وهذه الفكرة يطرحها الإمام الخامنئي في لقاءاته مع العلماء والطلاب والمسؤولين وكذلك في لقاءاته مع التشكيلات العسكرية؛ خاصة عند حديثه عن دور الخواص والبصيرة والمبادئ التي ارساها الامام.
2- من ذلك خُطبتيّ صلاة الجمعة في طهران في تاريخ 19/8/2005 م.
3- الاستفادة من الإمكانات..