وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية خلال هذا اللقاء:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين وعلى صحبه المنتجبين ومن اتّبعهم إلى يوم الدّين.
نبارك لكم جميعًا أيّها الحضّار الأعزّاء، الإخوة والأخوات، وضيوفنا الأعزّاء سفراء البلدان الإسلاميّة، الحاضرين في هذا المجلس، وكذلك أبناء الشّعب الإيراني الّذي أثبت تمسّكه برسالة بعثة النبيّ ونجاحه في الامتحانات الكبرى والعسيرة في هذا المسار، أبارك لكم جميعًا ذكرى بعثة نبيّ الإسلام المكرّم الذي هو في الحقيقة أكبر عيد للبشريّة.

كما أبارك هذا اليوم العظيم لجميع الشّعوب المسلمة، للعالم الإسلاميّ، لكلّ مسلمٍ يعيش في أيّ بقعةٍ من العالم وكذلك لجميع أحرار هذا العالم. أولئك الذين يستشعرون عمق رسالة الحريّة والعدالة والإنسانيّة وكرامة الإنسان ويفرحون لها.

إخواني وأخواتي الأعزّاء! فيما يخصّ بعثة النبيّ يجب تناول مجموعة من الكلمات والمقولات. ما هو ضروريٌّ اليوم بالنسبة لنا كشعبٍ وعالم إسلاميّ ويجب الالتفات إليه هو نقطتان أو ثلاث نقاط أساسيّة: الأولى، هي تلك النقطة التي أشار إليها أميرالمؤمنين (ع) في خطبةٍ له في نهج البلاغة وهي أنّ سبب بعثة النبيّ والأنبياء العظام الإلهيّين هو: "ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكّروهم منسيّ نعمته ... ويثيروا لهم دفائن العقول". فأشار إلى ضرورة إرجاع البشر إلى الفطرة الإنسانيّة، وأساس الخلقة المتلازمة مع الشّرف والكرامة؛ ويذكّروهم بتلك النّعم الإلهيّة التي نُسيت، ويبعثوا ما دُفن من العقول من جديد. "ويثيروا لهم دفائن العقول".

إنّ البشر وببركة العقل يُمكنهم أن يدركوا رسالة الأنبياء؛ فلا يخشون المشاكل والصّعاب على طريق الأنبياء النّورانيّ ويتمكّنون من عبورها. تستطيع البشريّة ببركة العقل والفكر أن تستفيد من مفاهيم القرآن بصورةٍ صحيحة. فلو أنّ المجتمع الإسلاميّ التزم بهذا البرنامج وهذه التّعاليم فأعمل قوّة الفكر والعقل وجعل هذا الأمر رائجًا وعامًّا، فإنّ مشاكل البشريّة الأساسيّة سوف تُحلّ، كما ستُحلّ المشاكل الأساسية للمجتمع الإسلاميّ.

لو التزم المجتمع الإسلامي بمفاهيم القرآن الكريم وأعمل قوّة الفكر والعقل فسوف تُحلّ مشاكل المجتمع الإسلامي ومشاكل البشريّة.

انظروا اليوم، ترون كيف يجري ذلك النّهج الظّالم باسم الإسلام في إحدى مناطق العالم ضدّ الأبرياء. فمن أجل الإسلام تُرتكب المجازر بحقّ المسلمين. في أحد مناطق أفريقيا، وفي دولة أخرى يتمّ قتل الإنسان لأنّه مسلمٌ ويتمّ الاعتداء عليه وظلمه. وفي بقعةٍ أخرى، يجري خطف بنات النّاس باسم الإسلام. وكلّ ذلك لأجل أنّ هؤلاء لم يدركوا حقيقة رسالة الإسلام للمسلمين. نحن المسلمون يجب أن نفهم القرآن والإسلام جيّدًا ونصل إلى رسالات وتعاليم نبيّ الإسلام بميزان عقلنا وبمعونة وهداية الفكر البشريّ والإسلاميّ. 

عندما نغفل عن رسالة الإسلام حيث يقول القرآن الكريم {وَقالَ الرَّسولُ يا رَبِّ إِنَّ قَومِي اتَّخَذوا هٰذَا القُرآنَ مَهجورًا} (١)، عندما نهجر القرآن، ولا ننظر بصورةٍ صحيحةٍ إلى مفاهيمه، ولا ندرك مجموع المفاهيم القرآنية التي تشكّل منظومةً كاملةً لحياة الإنسان، سنزلّ ولن تتمكّن قوّتنا العقليّة من الإدراك الصّحيح للمفاهيم القرآنيّة.

في عالم اليوم هناك أعداءٌ يواجهون الإسلام بصورةٍ علنيّة ومواجهتهم تكمن بالدّرجة الأولى في إيجاد الخلافات. وأعمق الخلافات وأخطرها هي الخلافات العقائديّة والإيمانيّة. في عالم اليوم، يتمّ إيجاد القلاقل الإيمانيّة والعقائديّة من أجل الإيقاع بالمسلمين فيما بينهم بواسطة الأيادي الاستكباريّة. فتقوم فرقةٌ بتكفير أخرى، وتحمل ثالثةٌ على غيرها، وبدلًا من أن يتعاون الإخوة فيما بينهم ويتعاضدون فإنّهم يتعادون ويتنازعون! يُشعلون نيران الحرب بين الشّيعة والسّنّة، ويسعرون من نيران الاضطرابات القوميّة والطائفيّة. بالطبع إنّ الأيادي التي تقف وراء هذه الأفعال معروفةٌ. لو أُعملت قوّة العقل وأُضيء مصباح الفكر والوعي الذي أمرنا القرآن به لشاهدنا أيادي العدوّ وأدركنا دوافعه.

وفي العالم الإسلامي اليوم فإنّ الأجهزة الاستكباريّة ولكي تبلغ أهدافها الاستكباريّة ولكي تخفي مشاكلها وتغطّي عليها تقوم بإيجاد الخلافات بين المسلمين. فتوجد ما يُسمّى برُهاب الشّيعة ورهاب إيران (٢) من أجل الحفاظ على الكيان الصهيونيّ الغاصب. ومن أجل أن يحلّوا تلك التناقضات التي أدّت إلى هزيمة السّياسات الاستكباريّة في هذه المنطقة، يرون الحلّ في إيجاد الخلافات بين المسلمين. حسنٌ، يجب ملاحظة هذا الأمر وفهمه وهذا ما هو متوقّعٌ من النّخب.

ما تقوم الأجهزة السّياسيّة الاستكباريّة للغرب بترويجه هذه الأيّام هو تلك الجاهليّة التي كانت بعثة النبيّ من أجل القضاء عليها في حياة الإنسان. ونحن نشاهد اليوم، في هذا العالم، علائم تلك الجّاهليّة في الحضارة الغربيّة الفاسدة؛ نلاحظ انعدام العدالة ذاته، التمييز ذاته، إغفال كرامة الإنسان ذاته، وإبراز القضايا والحاجات الجنسية ذاته. يخاطب القرآن الكريم زوجات النبيّ المكرّمات قائلًا: {وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى} (٣)، فمن علائم الجاهليّة الأولى هو تبرّج النّساء. نشاهد اليوم أنّ من أهم معالم الحضارة الغربيّة هو هذا التبرّج؛ هذه هي الجاهلية. غاية الأمر أنّها جاهلية تمكّنت من إخفاء الحقائق عن أعين الناس بواسطة ما تزوّدت به من أسلحة الإعلام المتطوّرة، يجب علينا نحن المسلمون أن ندرك هذه الأمور ونتعرّف عليها.

ما تقوم الأجهزة السّياسيّة الاستكباريّة للغرب بترويجه هذه الأيّام هو تلك الجاهليّة التي كانت بعثة النبيّ من أجل القضاء عليها

يحتاج العالم الإسلاميّ اليوم إلى العودة إلى الفكر واستغلاله والاعتياد عليه وفهم القضايا وتحليلها بشكلٍ صحيح. يحتاج عالمنا الإسلامي اليوم إلى المعرفة الحقيقيّة لجبهة عدوّ الأمّة الإسلاميّة؛ وعلينا أن نتعرّف على أعدائنا وأصدقائنا. يُشاهد أحيانًا كيف أنّ جماعةً منّا نحن المسلمين تتعاون مع أعدائنا من أجل القضاء على أصدقائها وإخوانها! حسنٌ، إنّ هذا يوجّه إلينا ضربةً، ويوقع الأمّة الإسلاميّة بالضّيق والضّعف، وكلّ ذلك ناشئٌ من فقدان البصيرة. إنّ العالم الإسلامي يحتاج اليوم إلى البصيرة، وإلى هذا التّدبّر والتفكر، وإلى إثارة دفائن العقول، "ويثير لهم دفائن العقول" (٤)؛ والحاجة الأخرى الأساسية للعالم الإسلاميّ هي الاتّحاد، يجب تجاوز الخلافات الجزئية والخلافات المتعلّقة بالأذواق والاختلافات العقائديّة وتشكيل الأمّة الواحدة {إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (٥)، هذا قول الله عزّوجل.
ألا يكفي لأجل اتّحاد العالم الإسلاميّ الاعتقادُ بالقرآن والرّسول والإله الواحد والقِبلة الواحدة ووجود جبهة معادية واحدة؟ لماذا توجد جماعة لا تدرك ذلك؟ لماذا لا يدرك البعض هذه الحقائق الواضحة؟ ما هو هدف أمريكا وجبهة الغرب من خلق هذا الخوف من إيران والشّيعة؟ لماذا لا يُفكّرون بمثل هذه القضيّة؟ ينبغي أن يختلف المسلمون ويتمّ تقييد فكرهم وتضخيم القضايا الصّغيرة أمامهم حتّى يتمكّن النّظام الصهيونيّ الغاصب والذي يُعدّ اليوم أكبر مصيبة للعالم الإسلاميّ من أن يعيش براحةٍ ويتغلّب على مشاكله وعلى العوامل التي ستزيله من الوجود، والتي بحمد الله موجودة في أركانه!

ينبغي أن يختلف المسلمون ويتمّ تقييد فكرهم حتّى يتمكّن الكيان الصهيونيّ من التغلّب على العوامل التي ستزيله من الوجود والتي هي موجودة في أركانه

برأينا، إنّ الصّحوة الإسلاميّة قد وُجدت؛ وقد سعى أعداء الإسلام إلى قمع هذه الصّحوة وقد قاموا بذلك في بعض الأماكن لكنّ الصّحوة الإسلاميّة لا يمكن إسقاطها. لقد رفرفت راية الاعتزاز بالإسلام وبات الشعور بالهويّة الإسلامية قويّاً بين المسلمين في أنحاء العالم، وسوف يزداد قوّة. لقد قام الشّعب الإيرانيّ في هذا المجال بحمل أعباء مسؤولياتٍ كبيرة وسوف يبقى كذلك. إنّ شعب إيران يتقدّم على أساس الإيمان بالقرآن، رسالة البعثة، الوحدة الدّاخليّة، الشّعور بالشّجاعة مقابل العدوّ وعدم الخوف منه والشّعور بأمل الوعد بالنّصر الإلهيّ الذي هو وعدٌ إلهيٌّ صريح، حيث يقول عزّوجل: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ} (٦)، فهو بهذه الذّخائر العظيمة يتقدّم.
إنّنا بحمد الله، سنتقدّم فاتحين تلك الخنادق والقلاع واحدةً تلو الأخرى من أجل الاستمرار في طريق مواجهة الظّلم والجّهل إن شاء الله. وبحمد الله يتمتّع الشّعب الإيرانيّ بالتوفيق والعون الإلهيين. لقد تقدّمنا خطوةً خطوة، وعبرنا المشاكل واحدةً تلو الأخرى وسوف نستمرّ كذلك، بفضل الله وحوله وقوّته. ها هم المسؤولون مشغولون في السّاحات المختلفة يغمرهم الشعور بالمسؤولية. واليوم بحمد الله إنّ حكومتنا مندفعةٌ، سعيًا وعملًا، بنَفَسٍ جديدٍ واستعدادٍ للعمل وشعورٍ بالاعتزاز بالإسلام وبكونها مسلمة، والشعور بالعزّة المنطلقة من الإيمان بالله. يوجد تحدّيات ومشاكل، هذه المشاكل موجودة خلال المسير. لو أردنا أن تكون الحياة عزيزةً، فإنّ أصحاب العقل والحكمة والتّدبير يتحمّلون المشاكل من أجل بلوغ العزّة والشّرف والكرامة الإنسانيّة والقرب إلى الله. 

أمّا الذين لا يملكون العقل فإنّهم يتحمّلون المشاكل الموجودة في حياتهم بذلّة؛ ويتولّون الشياطين بدل الولاية الإلهية {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا* كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} (٧). هكذا يكشف [يفضح] القرآن الكريم المعادلة التي يختارها أولئك الذين لا عقل لهم وأولئك الغافلون في الدّنيا. فعوضًا عن لجوئهم إلى الله وقبولهم الولاية الإلهيّة، وعوضًا عن التمسك بالهداية الإلهيّة يتمسّكون بولاية الشياطين وولاية أعداء الإسلام والبشريّة، من أجل أن يمنحوهم العزّة؛ ولكن هذه العزّة لا يمكن نيلها عبرهم. وأولئك الذين عُبدوا، لن يكونوا شاكرين لهم، {كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا}، هذا هو بيان القرآن، البيان الواضح والصّريح، ويجب أخذ الدّرس واستلهام العبرة منه، ويجب تحديد الطّريق، فسبيل الهداية القرآنيّة يوصل البشر إلى سعادتهم ويجب أن نطلب العون والمدد من الله عزّوجل.

بحمد الله إنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، قد اعتمد منذ البداية وإلى اليوم في مواجهة الأعداء على هذا الوعد الإلهي الظّاهر. لقد وثقنا بقول الله ووعده وأظهرنا حُسن الظّنّ، ولم نظهر سوء الظّنّ بوعد الله كما هو حال الكفّار، ولهذا انتصرنا. لقد انتصرنا في الثّورة، وفي فترة الحرب المفروضة (8)، وفي المواجهات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة والدّوليّة المختلفة. منذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا، وسوف يكون الأمر كذلك في المستقبل، هذا هو مسار الشعب الإيراني.

إننا في الجمهورية الإسلامية قد وثقنا بقول الله ووعده وأظهرنا حُسن الظّنّ، ولم نظهر سوء الظّنّ بوعد الله كما هو حال الكفّار، ولهذا انتصرنا.

رحمة الله على إمامنا الجليل الذي شقّ لنا هذا الطّريق، رحمة الله على شهدائنا العظام الذين ضحّوا بأنفسهم في هذا السّبيل، رحمة الله على شعب إيران الذي أظهر استعداده وجهوزيّته في جميع المراحل، ورحمة الله على مسؤولينا وحكومتنا الذين هم أهل الجهوزيّة للعمل والسّعي والتّضحيات.

والسلام عليكم ورحمة الله بركاته.

الهوامش:
1-    سورة الفرقان، الآية ٣٠.
2-    التخويف من الشيعة أو اصطناع فوبيا الشيعة وايران.
3-    سورة الأحزاب، الآية ٣٣.
4-    نهج البلاغة، الخطبة ١.
5-    سورة الأنبياء، الآية 92.
6-    سورة محمد، الآية ٧.
7-    سورة مريم، الآيتين ٨١،٨٢.
8-    الحرب التي شنها نظام البعث العراقي على الجمهورية الإسلامية في إيران.