وفي ما يلي النص الكامل لهذه الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، والصلاة على رسول الله وعلى آله الطاهرين.
أرحّب بكم كثيرًا أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء. كما قالوا (1) فإنّ هذا الموعد السنوي فرصة بالنسبة لي أنا أيضًا: لكي ألتقي بالنوّاب المحترمين عن قرب، وأسمع تقارير حول أنشطتهم هي في الغالب تقارير جيّدة ومرضية، وأذكر بعض النقاط والأمور. هذه فرصة بالنسبة إلينا، ونشكر الله على أن وفّقنا لهذا اللقاء في هذه السنة أيضًا. أتقدّم بالتعازي بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام موسى بن جعفر (سلام الله عليه)، وأبارك أيام بعثة الرسول الأكرم (ص)، وذكرى أيام ملحمة الثالث من خرداد [الموافق لـ 24/5 م] الكبرى وفتح خرمشهر وجهاد شبابنا المخلص المضحّي.
الأمر المهم هو أن نتنبّه -سواء أنتم أو أنا العبد الحقير أو باقي المسؤولين- أين ما كنّا إلى أنّ ما في أيدينا هو أمانة، وأداء هذه الأمانة واجب إلزامي وشرعي. وسوف يسألنا الله تعالى عن ما فعلناه وعن ما لم نفعله؛ ينبغي أن نتنبّه لهذا الأمر.
وإن فترة المسؤوليّة عابرة غير باقية. لقد مضت من دورة المجلس التاسع التي تستمرّ أربعة أعوام، سنتان. كلّ أحداث العالم تمضي هكذا سريعة، وكذا الحال بالنسبة لعمر الإنسان. هذا التمثيل القرآني يهزّ الأعماق: النبتة الخضراء التي تنبت وتخرج من الأرض في بداية الربيع أو التي تتبرعم من أغصان الأشجار اليابسة، نبتة خضراء جميلة، والمرء يستمتع بالنظر إلى الأوراق الخضراء وللخضرة في الربيع، فهي طريّة ويانعة وفي طريقها للرشد، ولا يمضي كثير من الوقت حتى يحين الصيف فتظهرُ هذه النبتة ما أودِع في داخلها من مقدرة -سواء الفاكهة في الأشجار أو المحاصيل الزراعيّة- ولا يمضي كثير من الوقت أيضًا حتى يحين الخريف، فتتحوّل تلك النبتة الجميلة الخضراء الطريّة نفسها إلى أوراق يابسة، "فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ" (2)؛ هذا المنظر الجميل الجذّاب اليانع يتبدّل إلى هشيم تذروه الرياح وتنشره هنا وهناك. ونحن أيضًا كذلك، فهذا هو التمثيل والعرض الدقيق لأعمارنا: تبدأ من مكان ما وتمرّ بالطفولة والشباب والطراوة والحيويّة والنشاط والإمكانيّات والآمال الكبيرة، ثم نصل إلى أواسط العمر فيبرز ما فينا من قدرات ومواهب بقدر هِمَمِنا ومساعينا، ثم ننحدر إلى الشيخوخة. يقول الشاعر:
بقيت طويلًا في هذه الديار القديمة
إلى أن جعلتني أحاديث دي وبهمن باليًا عتيقًا (3).
نصبح قديمين بالين؛ "فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ" (4)؛ نصبح مثل تلك الأعواد اليابسة والهشيم. هذا هو العمر، وهذه هي طبيعة الحياة. يجب فهم هذه الحقيقة. طالما كان الإنسان شابًا لا يدرك هذا، وفي مثل أعمارنا يشعر المرء بهذا ويدركه أكثر. طوال هذه الحياة أمام أنظارنا: الخضرة والطراوة والحيويّة والاستعداد والجاهزيّة وبعد ذلك النضج تدريجيًّا ومن بعد النضج الضعف والبلى تدريجيًّا. هذا ما يشاهده المرء أمام عينيه؛ يجب العمل وفق هذه النظرة.
ثم أمام الحساب الإلهي، حيثُ "ما يلفِظُ مِن قَولٍ اِلّا لَدَيهِ رَقيبٌ عَتيد" (5) كلّ كلمة تصدر عنّا تسجّل وتكتب، وكلّ حركاتنا وأعمالنا وخطواتنا، بل كلّ أفكارنا وخطرات قلوبنا. ينبغي العمل بهذه الذهنيّة، أنتم على مقاعد مجلس الشورى الإسلامي، والهيئة الرئاسيّة المحترمة -وأبارك لهم أيضًا لأنّهم حظوا مرّة أخرى بثقة النوّاب- (6) في موقع الرئاسة والإدارة، وأنا في موقعي، والمسؤولون الحكوميّون كذلك، يجب علينا جميعًا النظر بهذه الطريقة؛ ثمّة أمانة يجب أن نؤدّيها. "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا" (7). وأداء الأمانة هو بأن نعرف ما هي وظيفتنا، وأن نسعى لأداء هذه الوظيفة في حدود إمكاناتنا -ولم يُطلب منّا أكثر من هذا- ونبذل الجهود ونتقدّم إلى الأمام سريعًا إلى حيث نستطيع.
أداء الأمانة هو بأن نعرف ما هي وظيفتنا، وأن نسعى لأداء هذه الوظيفة في حدود إمكاناتنا ونبذل الجهود ونتقدّم إلى الأمام سريعًا إلى حيث نستطيع.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء؛ النقطة الجديرة بالذكر هي أنّ النظام الإسلامي قد تحقّق وأُقيم بالكفاح، وما كان ليظهر بدون الكفاح، وكذا الحال بالنسبة لكلّ الأهداف والآمال الكبيرة في العالم. والحفاظ على النظام الإسلامي إنّما كان بالكفاح، فلولا كفاح الشعب ولولا كفاح الإمام الخميني، ولولا كفاح المسؤولين في الميادين والساحات المختلفة، لما بقي هذا النظام ولكان انهار وزال من الوجود. وكما ترون في مناطق من العالم -وهي ليست بعيدة عنا- تقع حادثة وتتوفّر فرصة، بيد أنّ أصحاب هذه الفرصة لا يستطيعون الحفاظ عليها فيفقدونها. لاحظوا ما الذي يحدث في شمال أفريقيا وفي مناطق أخرى. كان يمكن أن يحدث مثل هذا المصير بعينه للجمهوريّة الإسلاميّة حيث تقع حادثة معيّنة أو حركة ويظهر النظام الإسلامي بشعارات برّاقة وجذّابة، ثم تتغيّر الأوضاع تمامًا بعد مدّة قصيرة ويزول النظام. ما حال دون وقوع هذا الشيء هو الكفاح؛ الكفاح المخلص والجدّي والعقلاني؛ فلا ننسى هذا الأمر. لا يريد أعداؤنا الاعتراف بأنّ شعب إيران عمل بطريقة عقلانيّة في طريق تقدّمه، بيد أنّ هذا هو واقع الأمر، فلو لم يكن العمل عقلانيًّا لما استقام ولما بقي النظام ولما تقدّم إلى الأمام ولما وصل إلى نتيجة؛ إذن، كان العمل عقلانيًّا. كان تحرّك شعب إيران تحرّكًا مخلصًا وصادقًا، "فَلَمّا رَأَى اللهُ صِدقَنا أُنزَلَ بِعَدُوِّنَا الكبتَ وأنزَلَ عَلَينَا النَّصر" (8)؛ هذا ما قاله الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع). لقد ثبت صدق شعب إيران في الميادين والساحات المختلفة.
النظام الإسلامي قد تحقّق وأُقيم بالكفاح، وما كان ليظهر بدون الكفاح، وكذا الحال بالنسبة لكلّ الأهداف والآمال الكبيرة في العالم.
حسن، يمكن الجلوس في إحدى الزوايا والعثور على عيوب هنا وهناك، ومشاهدة بعض الإشكالات وتسجيل الاعتراضات. نعم، هذا واضح، ولكن يجب عدم تعميمه، إذ لا يصحّ تعميمه، وما يمكن تعميمه هو: الصدق والتحرّك والكفاح. إذاً النظام ظهر بالكفاح وبقي بالكفاح. وأقول أنّ مهمّتنا أنا وأنتم هي مواصلة ذلك الكفاح، إذ أن من دون الكفاح لا يمكن الوصول إلى تلك الأهداف، والسبب واضح. ليس السبب هو أنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة نظام ينشد الحرب، لا، ليس هذا هو واقع القضيّة بحال من الأحوال. عندما تريدون المرور بسفينة من منطقة في البحر فيها قراصنة فيجب أن تتجهّزوا وتستعدّوا؛ هذه هي طبيعة العمل. يجب أن تتمكّنوا من الدفاع عن أنفسكم وأن تتوفّر لديكم نيّة الدفاع ودوافعه والهمّه اللازمة لهذا الدفاع. إذا لم تتوفّر لديكم محفّزات الدفاع فسيكون مصيركم معلومًا: سوف ينهبونكم ويشرّدونكم وتخسرون سفينتكم وتخسرون أرواحكم، أو تبقون على قيد الحياة بذلّةٍ وأسر؛ هذه هي القضيّة في العالم. والفرق بين القراصنة في العالم اليوم -وهم قراصنة بحر وبر وهواء وكلّ مكان- وبين القراصنة المعروفين في التاريخ والحكايات والأساطير والحقائق الخارجيّة هو أنّهم (9) متسلّحون بالعلم. هذا ما حقّق لهم الاعتبار والشأن. والعلم جعل وجوههم تخرج عن تلك الحالة الوحشيّة في عيون الآخرين، والعلم زاد من ثروتهم. هذا هو فرقهم الوحيد. لقد عملوا بطريقة عقلانيّة ووصلوا إلى العلم واستخدموه لكنّهم لم يتحلّوا بالأخلاق، لذلك يرتكبون الجرائم بسهولة، ويخونون المبادئ الإنسانيّة بسهولة، ويؤجّجون الحروب بسهولة، ويستخدمون الأسلحة الكيميائيّة بسهولة، ويعطون الأسلحة الكيميائيّة لمن يستخدمها بسهولة، ولا يكترثون لشيء، ويخفون هذه الممارسات ويطمسون الأدلّة بالألوان المبهرة والمسمّيات البرّاقة المتنوّعة ليحولوا دون أن يعلم أحدٌ بشيء. أي إنّ جرائمهم فاقت جرائم القراصنة التقليديّين الذين تتحدّث عنهم الأساطير والأفلام، لأنهم يرتكبون الذنب الكبير ويظهرونه على أنّه عملٌ صواب.إنّنا نواجه مثل هذا العالم، ونواجه مثل هذه الجبهة، ولا خيار أمامنا سوى الدفاع عن أنفسنا؛ هذا هو الكفاح.
يجب أن تتمكّنوا من الدفاع عن أنفسكم وأن تتوفّر لديكم نيّة الدفاع ودوافعه والهمّه اللازمة لهذا الدفاع.
الذين ينظّرون للاستسلام والتسليم وإطاعة المتسلّطين ويتّهمون النظام الإسلامي بأنّه يطلب الحرب أو مُنظّرٌ للحرب؛ إنّما يمارسون الخيانة والكذب. لا، فالنظام الإسلامي نظام إنساني، وهو نظام الشرف واحترام كرامة البشر، ونظام الأمان "وَالصُّلحُ خَير" (10). في كلّ هذه الساحات والمجالات، سواء في مجال إدارة البلاد أو مجال الأنشطة الاقتصاديّة المتنوّعة أو المجالات العلميّة والثقافيّة وغيرها، أو ميادين رسم السياسات والتخطيط، أو مجال التشريع وسنّ القوانين، أو مجال المفاوضات الخارجيّة وما إلى ذلك من ميادين ومجالات، يجب أن نعلم أنّنا في حال كفاح، وأنّنا ما زلنا نواصل درب الكفاح الذي أدّى إلى ظهور النظام الإسلامي وبقائه، هذا ما يجب أن نعلمه. ينبغي أن يسود هذا التفكير على كلّ أنشطتنا، وأن نأخذ هذه القضيّة بعين الاعتبار في كلّ عمل نقوم به. تريد قوى شياطين العالم تدمير كل مكانٍ وموقعٍ من المواقع البشريّة لا يكون في خدمتهم، هذه هي نواياهم وقراراتهم، وأنتم تلاحظون بالتالي ما يفعلون، وكيف يريدون كلّ شيء لخدمتهم، وكيف يريدون للآخرين الاستسلام أمام قوّتهم وهيمنتهم وصراخهم العنيف، وإلّا فسوف يقاتلون ويفتعلون الخصومات. يجب تقوية الذات والصمود مقابل هؤلاء، هذا هو أساس الأمر. أنتم في مجال التشريع، والأجهزة الحكوميّة في مجال التنفيذ، والمسؤولون على اختلاف صنوفهم في القطاعات والمؤسّسات المتنوّعة، الكلّ ينبغي أن يتنبّه لهذه المسألة؛ هذا هو ما نقوله. العمل الأساسي الذي يقع على عاتق مجلس الشورى الإسلامي هو مواصلة الكفاح والنضال الذي أفضى إلى انتصار الثورة وإلى بقاء هذه الثورة واستمرارها.
العمل الأساسي الذي يقع على عاتق مجلس الشورى الإسلامي هو مواصلة الكفاح والنضال الذي أفضى إلى انتصار الثورة وإلى بقاء هذه الثورة واستمرارها.
حسن، إلى متى سوف يستمر هذا الكفاح؟ الكفاح والجهاد بمعنى من المعاني لا ينتهيان -فالشيطان موجود دائمًا في عالم الدنيا- وبعبارة أخرى يتغيّر شكل الجهاد حسب المواقع والظروف. إذا استطاعت البلدان والشعوب أن تعقد الهمم وتحرّر المجتمع البشري والمجتمع العالمي من نيرِ كابوس الاستعمار والاستكبار، فإنّ المشكلة سوف تُحلّ. بمعنى أنّ المشكلة الأساسيّة للبشريّة هي هذه. وإذا استطاعت البشريّة أن تحرّر نفسها من هذه الظلال الثقيلة ومن هذا الكابوس المرعب، عندئذ سوف تتنفّس نفس الراحة. وهذا بالطبع ليس بالعمل السهل بل هو عمليّة صعبة وتحتاج إلى كفاح طويل الأمد. وقد قطع شعب إيران خطوات واسعة على هذا السبيل. كان تأسيس النظام الإسلامي نفسه الخطوة الأوسع على هذا الدرب، وكان تشكيل مجلس الشورى الذي يعد تجسيدًا للسيادة الشعبية الإسلاميّة، وبدورات متعاقبة متتابعة، من أكبر الأعمال والإنجازات، ونفسُ تواجدكم وعملكم في هذا المكان كنوّاب للشعب وكمظهرٍ للسيادة الشعبية الدينيّة هو بحدّ ذاته كفاح، فينبغي معرفة قدر هذا الشيء والتقدّم به إلى الأمام.
إذا استطاعت البلدان والشعوب أن تعقد الهمم وتحرّر المجتمع البشري والمجتمع العالمي من نيرِ كابوس الاستعمار والاستكبار، فإنّ المشكلة سوف تُحلّ. بمعنى أنّ المشكلة الأساسيّة للبشريّة هي هذه.
رفعنا في بداية هذا العام شعار الإدارة الجهاديّة، وهذه الإدارة الجهاديّة لا تختصّ بالحكومة، بل تشمل مجلس الشورى الإسلامي أيضًا، وطبعًا في مضمار أعمال ومسؤوليّات المجلس، أي التشريع والإشراف وهما المسؤوليّتان الأساسيّتان لمجلس الشورى الإسلامي. إذا جرى النهوض بهذه المسؤوليّات بشكل جدّي وبعيداً عن الدوافع الشخصيّة وبمنأىً عن أيّ شيء سوى خدمة مصالح البلد لكان ذلك أكبر عمل جهادي؛ هذا هو معنى العمل الجهادي. ينبغي عدم إدخال النوايا والدوافع المختلفة، بل يجب النظر للأولويّات. إنّني أؤكد على الاقتصاد المقاوم، وقد ذكرت في بداية السنة، وأوصيكم الآن أيضًا بأنّه يجب في الخطّة الخمسيّة السادسة التي أمامكم أن تشدّدوا على الاقتصاد والثقافة والعلم. الاقتصاد المقاوم خطوة واسعة وكبيرة يمكن اتّخاذها في هذا المجال، وتتحمّل الأجهزة الحكوميّة وأجهزة إدارة البلد -سواء مجلس الشورى الإسلامي أو الحكومة أو القطاعات والمؤسّسات المختلفة- واجبات في هذا النطاق. الاقتصاد المقاوم هو علاج مشكلات البلاد. لا يمكن البحث عن علاج مشكلات البلاد -سواء المشكلات الاقتصاديّة أو المشكلات السياسيّة- خارج هذه الحدود. يجب العمل وعلى كلّ من يجيد شيئًا أن يقوم به، ونحن نؤيّد ونعاضد وقد قلنا هذا مرارًا، فنحن ندافع عن كلّ الذين لديهم مبادرات وإبداعات وتحرّكات في الميادين المختلفة -سواء الخارجيّة منها أو الداخليّة- وندافع عنهم دفاعًا قلبيًّا واقعيًّا وحقيقيًّا وليس دفاعًا شكلياً، لكنّنا نعتقد أنّ الشيء الذي يعالج مشكلات البلاد يكمن في داخل البلاد وفي وجودنا أنا وأنتم. نحن الذين نستطيع أن نبادر ونكون كفوئين قادرين؛ علينا أن نعرف ما الذي يجب فعله وكيف، وأن نعلم ما هو الطريق الصحيح، وأن نبادر إلى عمل الشيء الصحيح بجرأة وشجاعة، وعندئذ سوف تعالج مشكلات البلاد دون شك؛ الاقتصاد المقاوم هذا خطوةٌ كبيرةٌ وواسعة.
طبعًا منذ اليوم الذي أعلنت فيها سياسات الاقتصاد المقاوم وتكرّر ذكرها (11) بدأ مختلف المسؤولين -سواء في الحكومة أو في مجلس الشورى الإسلامي المحترم، أو في مختلف الأجهزة والمؤسّسات- يتحدّثون بالإيجاب والمديح والثناء عن هذه السياسات الخاصّة بالاقتصاد المقاوم، وقد قيل هذا كثيرًا، بيد أنّ تجربتي تقول لي إنّ المديح لا يكفي والثناء لا يُجدي، بل لا بدّ من تحرّك. نعم؛ يأتي أفراد ويتحدّثون على مختلف المنابر العامّة أو في اجتماعات خاصة عن إيجابيّات ومزايا الاقتصاد المقاوم، وكلامهم في الغالب صحيح، ولكن يجب بالتالي العمل والمبادرة. ما تمّ القيام به في مجلس الشورى الإسلامي المحترم -وقد كانت تقارير ذلك متوفّرة عندي من قبل، وذكرها رئيس المجلس المحترم اليوم أيضًا (12)- أعمال مشكورة، وقد مارس رجال الحكومة والسلطة التنفيذيّة أيضًا أعمالهم وأنشطتهم، ولكن ينبغي متابعة الأمور خطوة بعد خطوة، سواء في مجال التشريع أو في مضمار الإشراف. ففي مجال التشريع، من الأعمال المهمّة توفير القوانين المناسبة المساعدة أو إلغاء القوانين المعرقلة، وأهميّة هذه العمليّة الثانية ليست بأقلّ من العمليّة الأولى، فبعض القوانين معرقلة أو متعارضة بحق. وعلى صعيد الإشراف يتولّى مجلس الشورى الإسلامي مهمّة الإشراف على أداء الحكومة التي تنفّذ هذا التحرّك الكبير وتعمل مباشرة في ساحة التنفيذ. طبعًا في مجال التشريع ينبغي على الحكومة المحترمة أن تقدّم اللوائح المناسبة، ومجلس الشورى الإسلامي لا يمكنه الاعتماد على المشاريع فقط، بل لا بدّ من لوائح. وأقولها هنا أيضًا، إنّه لا يوجد أي موقع آخر غير مجلس الشورى الإسلامي يمكنه المصادقة على القوانين والعمل في ما يتعلّق بقوانين الاقتصاد المقاوم وما شاكل من الأمور، والتدخّل في هذه الشؤون، إنّما مجلس الشورى الإسلامي هو الذي يجب أن يُصادق على القوانين ويشرّعها ويشخّص الأمور ويصادق على ما يراه ضروريًّا، أو يلغي بعض القوانين.
العمليّة الأخرى المهمّة بين واجبات المجلس الإشرافيّة هي قضيّة مكافحة الفساد مكافحةً حقيقيّة. مكافحة الفساد عمليّة مهمّة بحق. يجب أن لا نسمح بتكوّن بؤر فسادٍ تكون معالجتها عمليّة صعبة. إذا كان هناك إشراف صحيح يمكن في بعض الأحيان ومنذ الخطوات الأولى الحيلولة دون الممارسات الخاطئة ووقوع المعاصي. وإذا لم نمنع هذه الممارسات في بداياتها ومنذ الخطوات الأولى وتفاقم المرض وتلوّثَ الجرح وفَسُد فسيكون العلاج صعبًا عسيرًا، هذا إذا أمكن العلاج -ويخشى أن لا يكون العلاج ممكنًا بسبب ما للأمر من عواقب ومضاعفات- ويكلّف خسائر كبيرة، لذا، ينبغي الوقاية من الفساد منذ البداية. ولحسن الحظ، فإنّ لدينا مثل هذه التجارب على الصُعد السياسيّة والاقتصاديّة داخل النظام الإسلامي.
قضيّة مكافحة الفساد مكافحةً حقيقيّة واحدةٌ من واجبات المجلس الإشرافيّة المهمة
أمّا بخصوص الخطة الخمسيّة السادسة والتي يجب الاستعداد لها وتدوينها وإعدادها، فالخطة السادسة معناها سياسات البلاد لخمسة أعوام قادمة. إنّكم سوف تضعون إن شاء الله خارطة طريق عمليّة للبلاد لخمسة أعوام من خلال إعدادكم للخطة الخمسيّة السادسة. هناك ثلاث نقاط رئيسيّة في هذا الباب -بالطبع يجب أن تكون الخطة شاملة-:
النقطة الأولى هي الاقتصاد، حيث ينبغي أن يتجلّى في الخطة الخمسيّة السادسة التشديد على الاقتصاد المقاوم.
والنقطة الثانية هي الثقافة؛ وأينما نقول ثقافة فالمراد من الثقافة هو الثقافة الثورية والإسلامية، بمعنى توفير حراك ثقافي على أساس الإسلام والقيم الإسلاميّة وتسيير المجتمع من خلال الحركة الثقافيّة نحو الأهداف الإسلاميّة وتعزيز الثقافة الإسلاميّة والعقيدة الإسلاميّة والأعراف والآداب الإسلاميّة والأخلاق الإسلاميّة والتقاليد الإسلاميّة؛ هذه هي الثقافة. ليس الأمر بحيث لو توفّرت الأدوات والوسائل الثقافيّة في البلاد كيفما كان فسنكون مسرورين ونقول إنّ الثقافة قد تقدّمت، لا، التقدّم الثقافي والتأكيد والإصرار على الثقافة بمعنى الثقافة الثوريّة والثقافة الإسلاميّة والثقافة الدينيّة، وترويج وتقوية القيم الثوريّة والإسلاميّة. هذا هو قصدنا ومرادنا، وهذا هو المتوقّع منّي ومنكم - باعتبارنا جنود هذه الثورة- إذ يجب أن نجعل صدورنا دروعًا ونتصدّى ونعمل من أجل الثورة.
عندما نتحدث عن الثقافة فالمراد من الثقافة هو الثقافة الثورية والإسلامية، بمعنى توفير حراك ثقافي على أساس الإسلام والقيم الإسلاميّة.
والنقطة الثالثة هي العلم، وقد انطلقت الحركة العلميّة في البلاد بصورة جيّدة والحمد لله طوال هذه الأعوام التي تمتدّ إلى عشرة أو اثني عشر عامًا. هذه الحركة يجب أن لا تتباطأ أبدًا، بل يتعيّن أن تزداد سرعتها. إن الكثير من المفاخر والأمجاد الوطنيّة وجانب مهم من العزّة الوطنيّة وقسم كبير من الثروة الوطنيّة تحصل بفضل العلم. إن قضيّة العلم والبحث العلمي والتقدّم في المجالات العلميّة المختلفة واكتشاف مساحات مجهولة من العلم، قضيّة مهمّة جدًّا بالنسبة للبلاد. هذه النقطة أيضًا ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار والاهتمام ضمن الخطة إن شاء الله.
وقضيّة أخرى هي قضيّة السكان، وقد تم تبليغ سياسات السكان (13) وتجاوب المسؤولون والحمد لله مع هذه السياسات. وسمعت أنّهم في مجلس الشورى الإسلامي يدرسون مشروعًا بشأن زيادة الإنجاب والحيلولة دون انخفاض عدد السكان، وهذا شيء على جانب كبير من الأهميّة. لا تعارض أبدًا بين مراعاة الصحّة وسلامة الأمّهات والأبناء وحديثي الولادة - وهي قضيّة على جانب كبير من الأهميّة- وبين الحذر من مواصلة الخطأ الذي وقعنا فيه قبل سنوات؛ مشكلة انخفاض عدد السكان قضيّة مهمّة للغاية. بالنسبة للأعداء الذين تحدّثنا عنهم في بداية الكلمة لا شيء أفضل من أن تكون إيران بلدًا عدد سكانه عشرون أو ثلاثون مليون نسمة ونصف هذا العدد من الشيوخ والكهول والعاطلين عن العمل؛ هذا أفضل شيء بالنسبة لهم. وإذا استطاعوا وضع البرامج والتخطيط لهذا الشيء فإنّهم سوف يفعلون ذلك بالتأكيد، ولو استطاعوا إنفاق الأموال من أجل ذلك لأنفقوها يقينًا، وعلينا نحن أن يكون تحرّكنا مقابل هذا التحرّك، تحرّكًا صحيحًا ومنطقيًّا وعقلانيًّا وعلميًّا، وقد سمعت لحسن الحظ أنّ الأعزّاء في مجلس الشورى الإسلامي يتابعون هذه القضيّة، ونرجو من الله تعالى أن يعينكم.
كلامنا مع الإخوة والأخوات المؤمنين والمخلصين والصميميّين من أمثالكم لا ينتهي، فلدينا الكثير ممّا نقوله، كما أنّ لديكم الكثير ممّا تقولونه لنا، ولا يتوفّر المجال لذلك للأسف. نتمنّى أن يوفّقكم الله تعالى إن شاء الله ويعينكم لتستطيعوا مواصلة أعمالكم بالشكل الذي يرضي الله ويرضيكم إلى نهاية مسؤوليّتكم هذه وإلى نهاية هذه الحياة.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش:
1- رئيس مجلس الشورى الإسلامي.
2- سورة الكهف، شطر من الآية 45.
3- ديوان ناصر خسرو، القصيدة رقم 184. ودي وبهمن هما الشهران العاشر والحادي عشر من أشهر السنة الإيرانية.
4- سورة الكهف، شطر من الآية 45.
5-سورة ق، الآية 18.
6- انتخابات الهيئة الرئاسية في مجلس الشورى الإسلامي التي أجريت بتاريخ 28/05/2014 م.
7- سورة النساء، شطر من الآية 58.
8- نهج البلاغة، الخطبة رقم 56.
9- أي قراصنة اليوم.
10- سورة النساء، شطر من الآية 128.
11- تبليغ السياسات العامة للاقتصاد المقاوم بتاريخ 18/02/2014 م.
12- جاء في تقرير رئيس مجلس الشورى الإسلامي: بعد تبليغ السياسات العامة للاقتصاد المقاوم، تم تشكيل أمانة عامة في مركز أبحاث مجلس الشورى الإسلامي لتحقيق هذه السياسات بالتعاون مع المؤسسات والاتحادات العلمية في البلاد، واللجان التخصصية في مجلس الشورى الإسلامي، ومعاونيْ رئيس مجلس الشورى الإسلامي لشؤون القوانين والإشراف، وبإشراف نائب رئيس مجلس الشورى الإسلامي، وبالتنسيق مع الحكومة.
13- تبليغ السياسات العامة للسكان بتاريخ 20/05/2014 م.