جاءت كلمة الإمام الخامنئي خلال هذا اللقاء على الشكل التالي:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

أرحب بالسادة المحترمين، الإخوة الأعزاء، وأتقدم بالشكر للتقريرين الذَين قدّماهما سماحة الشيخ جنتي وسماحة السيد شاهرودي، وكذلك للجهود التي بذلها الأعضاء والسادة ـ الهيئة الرئاسية ورؤساء اللجان وأعضائها ـ على طول السنة. وخصوصاً بالنسبة لقضية [تأسيس] «اللجنة المفكِّرة» (1) وهذه الهمّة التي أبديتموها. بعد أن تبدأ أعمال هذه اللجنة إن شاء الله وتستمر سوف تظهر منافعها تدريجياً وستتضح المشكلات والصعوبات والأعمال الكبيرة التي ينبغي أن تُنجز في هذه اللجنة. نسأل [الله تعالى] الرحمة والمغفرة للمرحوم الشيخ شاه آبادي (2) (رضوان الله تعالى عليه)، ونحيّي ذكراه. لقد كان من بين أبناء المرحوم آية الله العظمى الشيخ شاه آبادي الذين كانت لهم علاقات ودية وثيقة وحميمة بالإمام الخميني الراحل، وقد كانت للإمام الخميني تجاه عدة أشخاص ـ وهو أحدهم ـ نظرة أبوية قريبة، وقد كان هو نفسه والحق يُقال من حيث الروحية والأخلاق والتعامل ومن حيث الوفاء للثورة، شخصية بارزة. نسأل الله أن يُعلي من درجاته.

يتبرّك هذا الاجتماع باسم فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) المُبارك حيث يُعقد في الأيام المنسوبة لها ولولادتها، ونحن نتفاءل بهذا خيراً. ثم إننا على أعتاب شهر رجب، وهذا أيضاً دخول في واحدة من الفترات المباركة في السنة، شهر رجب شهر عبادةٍ وتوسلٍ وتضرعٍ وتقربٍ إلى الله واستمداد منه لرفع العقبات والموانع.

أيها السادة المحترمون أيها الإخوة الأعزاء، مع أنَّ لهذا المجلس موقعه السياسي بالغ الحساسية ـ لأن اختيار القائد على عاتق هذا المجلس، وعزل القائد أحياناً على عاتقه، لذا فإنَّ له مكانة سياسية استثنائية ـ فهو مجلس علمائي؛ بمعنى أنَّ علماء الدين مجتمعون في هذا المجلس. هذا المجلس مظهر حيٌّ لامتزاج الدين والسياسة. حيث نجد علماء الدين الذين يشغلون مكانة العالم الديني يخوضون في عملٍ سياسيٍ كبيرٍ أيضاً ذكرناه وذُكر في دستور البلاد، وإن انطلقت اللجنة المفكرة بمهامها وتمت متابعتها وتنامت وتكاملت بإذن الله، حينذاك سوف تتسع رقعة نشاطات هذا المجلس وتزداد بركاته أكثر فأكثر.

الأمر الذي سوف أذكره اليوم يتعلق بهذا الجانب العلمائي والديني. أريد أن أتحدث للسادة حول هذا الجانب وفي إطاره بمقدار معين.

مقدمة البحث هي أنَّه لا أحد يشكُّ في أنَّ الجمهورية الإسلامية في حال كفاح شامل. كلنا يوافق على أنَّ الجمهورية الإسلامية في حال كفاح صعب وشامل، ليس على الصعيد السياسي فحسب بل على المستويات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية أيضاً. وبالطبع فقد كانت هناك الحرب العسكرية والكفاح العسكري خلال فترة من الزمن ثم توقف، ولا يوجد اليوم، لكن الأصعب منه هو الحروب الأمنية والحروب الاقتصادية والحروب الثقافية التي نحن فيها ونخوضها. ليس بوسع أي شخص إنكار ذلك. نعم، هناك من يعترضون على أننا في هذه الوضعية ـ في حال حرب ـ ويقولون لماذا يجب أن نكون في حرب مع العالم؟ البعض يعترضون على هذا المعنى. يتصورون أنَّ الجمهورية الإسلامية هي التي بدأت هذه الحرب لذلك يقولون لماذا نحن هكذا وفي هذه الوضعية؟ ونعتقد أنَّ هذه غفلة، فالجمهورية الإسلامية لم تبدأ حرباً مع العالم، حرباً بهذه الأبعاد، بل إنَّ وجود الجمهورية الإسلامية نفسه، بمعنى المبادئ والأهداف والشعارات المطروحة في الجمهورية الإسلامية ـ والتي تتلخص في حكومة الدين وفي المجتمع الديني ـ هي التي تخلق الأعداء وتشعل الحروب. وهذه هي نفسها الحرب المعروفة بين الحق والباطل التي كانت على مرّ التاريخ، وهي ليست بالشيء الجديد، فأينما ارتفعت نغمة التوحيد والعدالة ظهر لها أعداء هناك، والقضية ليست قضية اليوم «وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ» (3) أجزاء جبهة الباطل تتعاون فيما بينها؛ أي إنها تتعاون فيما بينها وتجد لها أنصاراً وأعواناً، فالبعض يصغون لكلامهم ويسيرون خلفهم. هكذا هو الحال. نحن في الجمهورية الإسلامية شعارنا هو التوحيد وولاية الله وولاية أولياء الله والعدالة الاجتماعية وتكريم الإنسان، هذه هي الشعارات التي نرفعها ونتابعها، ولهذه الشعارات أعداؤها. إننا نعارض الظلم «كونا لِلظّالِمِ خَصماً ولِلمَظلومِ‌ عَوناً» (4). هذه هي مدرستنا وعقديتنا، فنحن خصوم الظالم وأعوان المظلوم. وهذا الموقف يخلق أعداء بالطبع، ويخلق عداوة، ويوجد معارك. هذا شيء.

حسناً، تلك النقطة المهمة هي أنَّ النصر في هذه المواجهة هو بالتأكيد حليف جبهة الحق. لا اليوم فقط بل بالأمس، واليوم وغداً، أينما وقعت مثل هذه المواجهة فالنصر فيها حليف جبهة الحق، لكنَّ هذا النصر مشروط بعدة شروط. إذا نوى أهل الحق وأنصار الحق نيتهم وعقدوا هممهم وصبروا وصمدوا وكافحوا فسوف ينتصرون بلا شك. أينما حصل هذا كانت هذه هي النتيجة، منذ عصور التاريخ النائية. وكذا كانت الحال بالنسبة للأنبياء أيضاً. نعم، لدينا حالات فيما يتعلق بالأنبياء قام أعداؤهم فيها بقتلهم وقضوا عليهم واستهزؤا بهم وفعلوا أموراً من هذا القبيل، ولكن لديكم في القرآن ذاته وفي الروايات حالات نجح فيها الأنبياء وحكموا، والسبب في ذلك أنَّ الظروف تختلف. في المواطن التي أبدى فيها أنصار الحق التقاعس والإهمال حصلت تلك الحالات [قتل الأنبياء وهزيمة جبهة الحق]، وفي المواطن التي أبدوا فيها الثبات والصمود والاستقامة والكفاح والبصيرة وما شاكل انتصروا. أي إنَّ الأمر كان هكذا على مرّ التاريخ، وهو كذلك اليوم أيضاً. اليوم أيضاً عندما بدأت هذه الحركة وهذه النهضة من قِبَل الإمام الخميني الجليل اتبعه الناس ونزلوا إلى الساحة شيباً وشباناً رجالاً ونساءً ومن مختلف الشرائح، نزلوا إلى الساحة في مواطن وأماكن عديدة، ولم يهابوا الموت وقاوموا وصمدوا وانتصروا. وكذا الحال بالنسبة للحرب أيضاً، وفي أي موطن أبدينا فيه هذه الهمّة حصل النصر بالتأكيد. وكذا الحال اليوم أيضاً، اليوم أيضاً لو عملنا بالشروط بشكل صحيح فالنصر مؤكد.

مجلس خبراء القيادة مظهر حيٌّ لامتزاج الدين والسياسة، حيث نجد علماء الدين الذين يشغلون مكانة العالم الديني يخوضون في عملٍ سياسيٍ كبيرٍ أيضاً ذكرناه وذُكر في دستور البلاد.

وفي القرآن الكريم كثيرة هي الآيات التي تذكرنا بهذه النقطة، أي حتمية الانتصار وتعلمنا إياها وتخبرنا بها. ومن ذلك الآية الكريمة «اِن تَنصُرُوا اللهَ ينصُركم» (5)، وآية «لَينصُرَنَّ‌ اللهُ مَن ينصُرُه» (6)، وآية «والعاقِبَةُ لِلمُتَّقين» (7)، والتي تكررت في عدة مواضع. هذه كلها آيات تدل على هذه الفكرة. من أكثر الآيات الباعثة على الأمل وأريد اليوم أن أتحدث عن الآيات القرآنية بمقدار معين، آية معية الله «إنَّ اللهَ مَعَنا» (8)، الله معنا. إنها لقضية مهمة جداً أن يشعر الإنسان أنَّ الله معه، وأنَّ الله إلى جانبه، وأن الله خلفه يسنده ويحرسه، هذا شيء مهم جداً. لأنَّ الله مركز القدرة والعزة. عندما يكون الله مع جبهة من الجبهات فإن هذه الجبهة هي المنتصرة يقيناً وبلا شك. ولاحظوا مثلاً أن الله تعالى يمنّ بهذه المعية على أوليائه في أصعب المواطن. لنفترض مثلاً عندما يقول النبي موسى (ع): «وَلَهُم عليَّ ذَنبٌ فَاَخافُ اَن يقتُلون». يقول الله في أول القضية: «قَالَ كَلَّا ۖ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا ۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ» (9). أنا معكم فمِن أي شخصٍ تخافون؟ هذا في سورة الشعراء. أو في آية أخرى حيث يقول موسى وهارون: «إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ»، نخشى أن يفعل فرعون هذا، فيقول الله: «قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ» (10). لاحظوا كم هذا حسن؟ أنا معكم أرى وأسمع وأحرسكم ولا تفوتني صغيرة ولا كبيرة. أو في سورة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) المباركة: «فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ» (11).

أي إنَّ معيّة الله عزّ وجلّ هذه للمؤمنين والرسل ولأعوان الرسل وأصحابهم شيء ذكره الله تعالى في القرآن مراراً. وقد كانت النتيجة أن وثق الرُّسل بهذا الوعد الإلهي الصادق. في الآية الشريفة «فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ» (12) بمجرد أن شاهدوا سواد جيش فرعون من بعيد وأنه سيصل قريباً ـ وقد كان البحر أمامهم وجيش فرعون من ورائهم ـ ارتعدت قلوبهم وقالوا «إنّا لَمُدرَكون»، الويل لنا. هنا قال النبي موسى وهو واثقٌ بذلك الوعد الإلهي: «كـَلّا»، ليس الأمر كذلك، «إنَّ مَعِي رَبّي سَيهدين». أو الرسول الأكرم (ص) في غار ثور «إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ » (13). ثقة بهذا الوعد الإلهي يقول الرسول الأكرم (ص): «إِنَّ اللهَ مَعَنا». لا تخف ولا تحزن. إذن، فالله تعالى قطع هذا الوعد الأكيد، وأولياء الله مثل النبي موسى والرسول الأكرم صدقوا هذا الوعد وقبلوه ورتّبوا عليه أثراً. وهذه حقيقة ومن السنن التاريخية القطعية. إنها من السنن التي «لَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبديلاً» (14). هذا شيء قائمٌ دائماً بلا شك.

حسناً، نروم تأمين هذه المعية لأنفسنا، فما هو السبيل إلى ذلك؟ هذا هو المهم. هذه المعية موجودة ولكن لها شرطها، فهي غير موجودة للجميع. وضع الله في القرآن عدة شروط لهذه المعية. في أواخر سورة النحل يقول: «إنَّ اللهَ مَعَ الَّذينَ اتَّقَوا وَالَّذينَ هُم مُحسِنون» (15)، التقوى. «إنَّ ‌اللهَ مَعَ الصّابِرين» (16)، و«واللهُ‌ مَعَ‌ الصّابِرين» (17)، و«إنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقين» (18)، و«إنَّ اللهَ مَعَ المُؤمِنين» (19)، و«وإنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنين» (20). تكررت هذه [المعاني] في القرآن الكريم في عدة أماكن. ومن هنا نفهم واجبنا، وهذا ما أروم قوله. سواء الحكومة الإسلامية ـ أي المسؤولين الحكوميين، السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، والسلطة التشريعية ـ أو علماء الدين، واجبهم هو تربية هذا الشعب على الإيمان وعلى التقوى وعلى الصبر وعلى الإحسان بين الناس وبين المؤمنين. ينبغي علينا تربية الناس بهذه الطريقة. والأهم من كل شيء الأجهزة الحكومية التي تستطيع القيام بهذا من خلال التخطيط. لدينا مؤسسة عظيمة هي مؤسسة التربية والتعليم، ولدينا مؤسسة عظيمة باسم التعليم العالي، ولدينا مؤسسة عظيمة باسم الإذاعة والتلفزيون، ما عدا المؤسسات والأجهزة الخاصة بمجموعتنا [النظام الإسلامي]. هذه [المؤسسات] التي ذكرتها يمتلكها الجميع في العالم كله، وهناك مؤسسات وأجهزة خاصة بنا مثل أئمة الجمعة والجماعة والمنابر والارتباط مع الناس، وهو على جانب كبير من الأهمية.

من واجب الحكومة الإسلامية تربية الشعب على الإيمان وعلى التقوى والصبر والإحسان بين الناس.

إذن، أحد الأعمال عبارة عن البرامج التربوية والتعليمية في المدارس والجامعات والمساجد وفي مصلى صلاة الجمعة ومن على المنابر التبليغية، وخصوصاً كما قلنا في المواطن التي لها دائرة أوسع مثل الإذاعة والتلفزيون، فهذه من الواجبات الأساسية للإذاعة والتلفزيون. أو الذين لكلامهم عدد كبير من المستمعين، مثلي أنا، ومثل رئيس الجمهورية، ومثل الآخرين الذين يستمع الناس لكلامهم؛ الشخصيات الدينية والعلمية والسياسية المعروفة الذين يستمع الناس لكلامهم، يجب على هؤلاء أن يركّزوا أهدافهم على هذه الأنواع المذكورة من التربية، فإذا تمت هذه التربية عندئذ سيحصل «وَالَّذينَ هُم مُحسِنونَ»، ويحصل «الَّذينَ اتَّقَوا»، ومن هذا القبيل، ويحصل تبعاً له «إنَّ اللهَ مَعَنا». أي إنَّ المعية الإلهية ستحصل بالتأكيد، ولن يعود هناك أي سبب للخوف والحزن. إننا اليوم نواجه جبهة سياسية ومالية واقتصادية وعسكرية وأمنية هائلة، وكل الأجهزة الدعائية في العالم تعمل وتتحدث ضدنا تقريباً، والأجهزة المالية التابعة للصهاينة ولأمريكا وللمستكبرين تعمل ضدنا، هؤلاء كلهم يعملون. ونحن طبعاً صامدون والحمد لله، وهذا الصمود هو ببركة تلك التقوى والإيمان المتوفر لدى شريحة عظيمة من الشعب والحمد لله، وهم هؤلاء الشباب وأمثال [الشهيد] «حججي» (21). فلا تستهينوا بهؤلاء، فهؤلاء على جانب كبير من الأهمية، وهم الذين يحافظون ويمسكون أركان هذا النظام ويحققون لنا المعية الإلهية إلى حدّ كبير.

إذا أردنا لهذا [المسار] أن يكتمل فيجب أن نوسّع من هذه الدائرة ويجب أن نعمل على هذه القضايا. ومن الأعمال التي ينبغي القيام بها العمل التبليغي والبرمجة التبليغية. إنكم أيها السادة بأجمعكم تقريباً تقعون موضع توجّه وإقبال في مدنكم وفي المراكز التي أنتم فيها، أو إنكم أئمة جمعة أو خطباء ومحاضرون دينيون أو معلمون أو أساتذة ـ بعضكم في الجامعات وبعضكم في الحوزات ـ ولكم ميادينكم وساحاتكم في مواطن وأماكن مختلفة، وفرصة الكلام متاحة أمامكم وتستطيعون العمل لتربية الناس. لستم أناساً تجلسون جانباً وتقعدون وليست لكم ساحات عملكم، وهذا ما سوف يسأل اللهُ عنه؛ بمعنى أنَّ هذه إمكانية سوف يسألنا الله تعالى عن كيفية استخدامها «وَاستَعمِلني بِما تَسألُني غَداً عَنه» (22). ومن النماذج على ذلك هذه الفرصة المتاحة. إذن، هذا هو أحد الأعمال والمهام.

وعملٌ آخر إنْ لم يكن أكثر أهمية من هذا التبليغ ـ ونعتقد أنه أكثر أهمية منه ـ فليس بأقل أهمية، إنه أعمالنا نفسها، وليست الأعمال التي تقع حتماً أمام أنظار الناس، لا، أعمالنا الصالحة تترك تأثيرها، ترك المعاصي والذنوب، ترك عبادة الدنيا، ترك النزعة الارستقراطية، العمل الدؤوب بكد، الجد والسعي الشديد. عندما نكون مع الله فإنَّ الله تعالى سوف يجعل كلامنا وأفعالنا مؤثرة. وينظر الناس لنا فلا يجدون تناقضاً بين أقوالنا وأفعالنا فيتعزز إيمانهم ويأتون إلى هذا الدرب ويسيرون فيه. أعتقد أنَّ من أسباب النجاح المُعجِز للإمام الخميني الجليل أنه هو نفسه كان عاملاً ومتديناً وكان يؤمن بالقيامة بالمعنى الحقيقي للكلمة، وقد ثبت عملياً على هذا الإيمان وهذا الاعتقاد الذي حمله، وكان الإمام الخميني الجليل (رضوان الله تعالى عليه) للحق والإنصاف نزيهاً طاهراً، لذلك كان مؤثراً. وبالطبع فالبعض قد يعلمون بهذه النزاهة والبعض لا يعلمون بها، لكنها تترك تأثيرها. إذن، واجبنا المهم سواء باعتبارنا مسؤولين إداريين وحكوميين وموظفين في قطاعات النظام المختلفة، وأيضاً بوصفنا علماء دين، هو أن نوجِّه الناس باللسان والعمل نحو التقوى والإحسان والصبر والنزاهة وما شاكل. وإذا حصل هذا واعتبرنا الله تعالى معنا فستكون النتيجة أن نتحرك في مواجهة القوى [العالمية] بشجاعة. وبالطبع ينبغي عند مواجهة هذه القوى ـ وهذا بحدّ ذاته من جوانب التقوى ـ التعامل بشجاعة، وأيضاً بذكاء، وأيضاً بكفاءة وإتقان، والانتصار على العدوّ في الساحة السياسية. هذه من أعمالنا الأصلية والقطعية.

الحمد لله يوجد اليوم جيل صالح. وهذا الذي أقوله ليس مجرد شعارات، إنما أقوله عن اطلاع. ثمة جيل جديد ونماء جديد حصل في البلاد، والأمر لا يختص بمكان معين ولا يختص بقطاع فكري أو عملي معين، ففي القطاعات الثقافية وفي القطاعات الإعلامية والتبليغية وفي القطاعات الفنية وفي القطاعات العلمية وفي القطاعات الفلسفية، ظهرت مجاميع عظيمة من الشباب مؤمنة بالله وبهذا الدرب إيماناً حقيقياً، مع أنها لم تشهد الإمام الخميني ولم تشهد فترة الحرب التي كانت فترة بناءة ومؤثرة جدّاّ. وهذا دليل على علوّ درجاتهم الإيمانية، فمع أنهم لم يشهدوا [الإمام الخميني وفترة الدفاع المقدس] إلا أنّهم يسيرون في هذا الدرب بكل هذا الإصرار وبكل هذه الصلابة وبكل هذه الرغبة. هذا الجيل جيل صالح باعث على الأمل. والعدو الآن يطمع بشيخوختنا فيجلس ويحسب حساباته فيقول إن هؤلاء شيوخ، والقائد كذا، والآخرون كذا، ويعتبرون كل مجموعتنا شيوخاً، ولا يعلمون أن تحت هذا الظاهر من الشيخوخة توجد والحمد لله حركة شابة في البلاد فالشباب يعملون ويتحركون ويجدون ويجتهدون ويسعون، وسوف تفضي جميع الأعمال الكبيرة والمهمة إن شاء الله بهممهم الشابة وبإدراكهم وذكائهم إلى نتائجها.

كلما يمضي الزمن أكثر يترسخ اعتقادي بأنَّ غد هذه البلاد سيكون إن شاء الله أفضل من حاضرها بأضعاف، وسوف تتقدم الثورة إلى الأمام أكثر. طبعاً لدينا مشكلات، نعم، نعلم أنَّ هذه المشكلات التي يذكرها السادة في كلماتهم ـ وقد زوّدوني بتقرير عن آراء السادة، وأنا أوافق أغلب ما قاله السادة ومُطَّلع على ما ذكروه عن المدن والمحافظات المختلفة التي أنتم على ارتباط بها، نعلم مشكلات الناس، مشكلاتهم المعيشية وشكاياتهم ـ لكننا نعتقد أنَّ جميع هذه المشكلات ممكنة الحل وممكنة الرفع والمعالجة. وسوف يكون لنا خلال الأيام القليلة المقبلة كلامنا مع الناس إن شاء الله، وربما تحدثنا في هذا المجال أكثر. ليست لدينا مشكلة لا حلّ لها في البلاد.

والسّلام‌عليكم ‌ورحمة الله ‌وبركاته.

 

 

الهوامش:

1 ـ بعد توصية سماحة قائد الثورة الإسلامية لمجلس خبراء القيادة في لقائه بهم بتاريخ 21/09/2017 م في خصوص تشكيل «لجنة مفكِّرة» في هذا المجلس، تمت دراسة هذه الفكرة في مجلس خبراء القيادة، وبعدها تم تشكيل «لجنة الخبراء المفكِّرة» بتاريخ 14/03/2018 م بعد المصادقة على قرارها، وجرى انتخاب عشرة أشخاص من أعضاء مجلس الخبراء كأعضاء في هذه اللجنة.

2 ـ آية الله الشيخ نصر الله شاه آبادي (ممثل محافظة طهران في مجلس خبراء القيادة) الذي توفي بتاريخ 12/03/2018 م.

3 ـ سورة الأنعام، الآيتان 112 و 113.

4 ـ نهج البلاغة، الكتاب رقم 47.

5 ـ سورة محمد، شطر من الآية 7.

6 ـ سورة الحج، شطر من الآية 40.

7 ـ سورة الأعراف، شطر من الآية 128.

8 ـ سورة التوبة، شطر من الآية 40.

9 ـ سورة الشعراء، الآيتان 15 و 16.

10 ـ سورة طه، الآية 46 وشطر من الآية 45.

11 ـ سورة محمد، الآية 35.

12 ـ سورة الشعراء، الآيتان 61 و 62.

13 ـ سورة التوبة، شطر من الآية 40.

14 ـ من ذلك سورة الأحزاب، شطر من الآية 62.

15 ـ سورة النحل، الآية 128.

16 ـ من ذلك سورة البقرة، شطر من الآية 153.

17 ـ سورة البقرة، شطر من الآية 249.

18 ـ سورة التوبة، شطر من الآية 36.

19 ـ سورة الأنفال، شطر من الآية 19.

20 ـ سورة العنكبوت، شطر من الآية 96.

21 ـ الشهيد محسن حُججي.

22 ـ الصحيفة السجادية، الدعاء رقم 20.