وفيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها سماحته خلال هذا اللقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد تعلّمنا من الإسلام أنّه يجب التعامل معَ أتباع الأديان الأخرى بإنصاف وعدالة. هذا ما أمرنا الإسلام به. ما يشاهَد في العالم اليوم هو أنّ القوى والحكومات التي تدّعي الإنصاف والعدالة لا تراعي الإنصاف ولا العدالة؛ إلا في دائرة سياساتها الضيّقة والمحدودة والظالمة.
أنتم تلاحظون اليوم في أوروبا وأمريكا ما هوَ نوع الحملات الإعلامية التي تشنّ ضد المسلمين، ليست القضيّة أنه: لماذا لا يتمتّع المسلمون بالحريّة اللازمة في الكثير من هذه البلدان [الغربية]؛ إنّما القضيّة: لماذا لا يأمَنُون على أرواحهم [ليس لديهم أمنٌ وأمان]؟ هذا هو واقع القضيّة.
إنَّ فيلم القنّاص (1) الذي تثارُ حوله الآن ضجةٌ عارمة، وقد أنتجته هوليوود، يشجّع الشاب المسيحي أو غير المسلم على إيذاء المسلمين بكل ما أوتي من قوة وبما يتاح له من فُرص. إنّه في الأساس يشجّع على هذا الأمر [ويروج له]؛ بحسبِ ما رُويَ عن هذا الفيلم، فنحن لم نشاهد هذا الفيلم. هذا المنهج ليس بالمنهج المحبّذ لدى الإسلام، فالإسلام يؤمن بالإنصاف. يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) في قضيّة الهجوم على مدينة الأنبار (2): بَلَغَني أنَّ الرَّجُلَ مِنهُم لَيدخُلُ المَرأَةَ المُسلِمَةَ والأخرَى المُعاهِدَة. أي: سمعتُ أنّ الذين هاجموا هذه المدينة كانوا يدخلون على بيوت النساء المسلمات وغير المسلمات -المعاهدة معناها المرأة اليهوديّة أو النصرانيّة التي لها عهدٌ مع المسلمين وتعيش في ظلّ الحكومة الإسلاميّة "ويأخُذُ حِجلَها" ويؤذونها ويظلمونها. ثم يقول سلام الله عليه: إنّه لو مات المسلم غمًّا وحزنًا من هذا الحدث لما كان بذلك ملومًا! لاحظوا، هذا أمير المؤمنين. لو مات المسلم كمدًا وشجنًا على هذا الشيء؛ وهو أن يدخل جنود العدو والناهبون على بيت امرأة غير مسلمة ويؤذونها ويسرقون حليها وحجلها [خلخالها]، [فلو مات المسلم غماً] فيجب ألّا نلومه. هذا هو رأي الإسلام. نتمنّى أن نسير ونتقدم على هذا النهج إن شاء الله.
ولدينا ذكريات طيّبة. في الغالب عندما أزور بيوت عوائل الشهداء الأرمن والآشوريّين -وقد وفّقت هذه السنة أيضًا لحسن الحظ أن أزور منازل عدّة شهداء من الأرمن- أجِدُ أنّهم يشعرون بالالتزام والمسؤوليّة تجاه بلدهم؛ أي إنّهم يتصرّفون بطريقة ملتزمة ومسؤولة حقًا.
في الغالب عندما أزور بيوت عوائل الشهداء الأرمن والآشوريّين أجِدُ أنّهم يشعرون بالالتزام والمسؤوليّة تجاه بلدهم؛ أي إنّهم يتصرّفون بطريقة ملتزمة ومسؤولة حقًا.
في زمن الحرب، أذكر أنّ جماعة من المسيحيّين الأرمن جاؤوا إلى الأهواز، وقد شاهدتُ في المطار أنّ جماعة منهم يجلسون، فسألتُ من هؤلاء؟ قالوا إنّهم من الأرمن يريدون الالتحاق بالجبهات للمهمات الصناعيّة -والأرمن لديهم مهارة في الأعمال الصناعيّة والتقنيّة والمَكَنات وما إلى ذلك- وقد وفدوا إلى هنا لتقديم المساعدة والعون، واستعان بهم المرحوم الشهيد شمران، وتحمّلوا المشاق وقدّموا الخدمات وعملوا واستشهد بعضهم.
قال أحد أفراد هذه الأُسَر الأرمنيّة الذين زرتُ منزلهم الأسبوع الماضي أن ابنهم كان جنديًّا، ولما انتهت فترة خدمته الإلزامية كان متألّمًا لأنّ الحرب [المفروضة] لا تزال قائمة؛ فقال إنّ خدمتي العسكريّة قد انتهت فماذا أفعل؟ بعد ذلك لمّا أُعلِنت التعبئة العامة وأنّ على الذين خدموا العسكريّة لعدّة أشهر -ثلاثة أو غير ذلك- عليهم الالتحاق بالجبهة مجدداً. يقول إنّه فرح لهذا الخبر. فجاء والتحق بالجبهة ثم استشهد وجاؤوا بجثمانه. يجد المرء مثل هذه المشاعر بين أبناء وطننا من غير المسلمين. لقد بذلوا جهودهم. ونتمنّى أن يستطيع النظام الإسلامي النهوض بواجباته تجاههم، فقد تصرّفوا تجاه بلدهم بمسؤوليّة بكل ما للكلمة من معنى.
استعرضوا وبينوا منهج وسلوك إيران للخارج، وليعلم العالم، والعالم المسيحي وليدركوا وجود هذا المستوى من التسامح مع غير المسلمين في هذا البلد الإسلامي، ومثل هذا التسامح غير موجود هناك.
كم مرّةً سمعتم في ألمانيا مثلًا أنّ الشباب النازيين الجدد -وهم يفخرون بأنّهم نازيّون ويطلقون على أنفسهم اسم النازيّين الجدد- يهجمون على ثلّة من المسلمين، وعلى مسجدٍ للمسلمين، فيضربون ويقتلون، ولا يلاحَقون مُلاحقة حقيقيّة [لا تتم ملاحقتهم أو محاسبتهم]، ولم نسمع بذلك. أو مثلاً تلك الفتاة العربيّة الشابة التي كانت ترتدي البرقع أو النقاب يضربونها بسبب حجابها فيقتلونها، ولا أحد يتابع القضية إطلاقًا، ويدَّعون أنّهم عاقبوه. لا يخال المرء أنّهم جادون في ملاحقة هؤلاء، إنّهم لا يلاحقونهم بشكل جدّي. وكذا الحال في الأماكن الأخرى، في أمريكا وأماكن وبلدان أخرى الوضع على هذه الشاكلة للأسف. هؤلاء هم من يدّعون حقوق الإنسان! فليقارنوا هذا بما يحدث في إيران. فمثل هذا الشيء لا سابقة له في إيران؛ بمعنى أنّ التهجّم على غير المسلمين من قبل المسلمين لا سابقة له أبدًا خلال الفترة الإسلاميّة وفي عهد الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران؛ حتى ذلك الشاب الشاب المنتمي لخط حزب الله المتحمّس الممتلئ بالحميّة لا يسمح لنفسه بمهاجمة شخص غير مسلم والاعتداءِ عليه أو أن يقوم بأيّ فعلٍ من هذه الأفعال. نسأل الله تعالى أن يوفّقكم ويوفّقنا لنستطيع القيام بواجباتنا.
الهوامش:
1- فيلم القناص السينمائي الأمريكي الذي عُرض في دور السينما في يناير/ كانون الثاني سنة 2015 م. وقد تم إنتاج هذا الفيلم اقتباسًا من كتاب بنفس الاسم كتبه كريس كايل، حيث يسرد فيه كاتبه قصة حياته الواقعية عندما كان جنديًا في القوة البحرية الأمريكية وتحول تدريجيًا إلى ماكينة قتل الأفراد في الجيش الأمريكي، وحطم الرقم القياسي في قتل أكبر عدد من الأفراد في الحرب كقناص! وقد ترشح هذا الفيلم لنيل جائزة أوسكار في عدة مجالات.
2- نهج البلاغة، الخطبة رقم 27، مع فارق طفيف.