جاء النص الكامل لكلمة الإمام الخامنئي على الشكل التالي:

 

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين.

أتقدم بالشكر الجزيل للإخوة والأخوات الأعزاء الذين شرفونا بالمجيء إلى هنا، وخصوصاً الذين قدموا برامجهم [مداخلاتهم] وكذلك لعريف الجلسة المحترم الذي أدار الجلسة إلى هذه الساعة بشكل جيد جداً. والحمد لله كانت كلمات المتحدثين الأعزاء متنوعة، فقد تضمنت الشؤون العلمية واحتوت على اقتراحات قمت بتسجيلها، وتعليقات حول قضايا البلاد، القضايا السياسية، والقضايا الاجتماعية، وانتقادات وعتاب واعتراضات وتأييدات، كان فيها كل شيء والحمد لله؛ أي أنها كانت جلسة طلابية جامعية بالمعنى الحقيقي للكلمة.

طبعاً كانت هناك نقطة لافتة وبارزة جداً بالنسبة لي في مجموع هذه الكلمات والآراء التي ألقاها الأصدقاء هنا من طلاب وطالبات جامعيين، وهي أنه على الرغم من عتابهم وقلقهم وما شاكل دلَّت جلستنا اليوم على أنَّ الأجواء الطلابية الجامعية أجواءٌ حيوية ونشطة وفاعلة، وهي بالضبط على الضد تماماً مما يريده الأعداء والأجانب وما يحاول البعض تصويره من أن «الجامعات كئيبة ويائسة»، لا، الجامعات حيَّة ونشطة. نعم، لستم كل الطلبة الجامعيين في البلاد ـ فلدينا أكثر من أربعة ملايين طالب جامعي ـ ولا أقصد أنَّ أربعة ملايين طالب جامعي لهم في الجامعات مثل هذه الروحية والمعنويات. هذا شيء نعلمه وندرك أنَّ الأمر ليس كذلك، ولكن ثمة تيارٌ حيٌ فعالٌ نشطٌ نابضٌ في الأجواء الطلابية الجامعية ـ برؤى وميول مختلفة لكن الجميع متحفزون ومندفعون ويشعرون بالهوية المؤثرة ـ وهذا شيء مهم بالنسبة لي. أي إنَّ الطالب الجامعي يشعر أنه يجب أن يكون مؤثراً ويكون له تأثيره ودوره لذلك يقول كلمته.

حسنٌ، لديكم اعتراضاتكم على كثير من قضايا البلاد، والكثير من هذه الاعتراضات هي اعتراضات صحيحة ومنطقية ـ ولا أقول أنها ليست منطقية وصحيحة ـ ولكن ثمة اختلافٌ بينكم أنتم الشباب المتحمسين وبيني أنا الذي أمضيت زمناً طويلاً، وهو كما يقول الشاعر:

بقيت طويلاً في هذه الديار القديمة

إلى أن جعلتني صحبة «دي» و«بهمن» قديماً (2)

إنكم تُعبِّرون عن الآمال بكل سهولة، وأنا ألاحظ من خلال التجربة المسافة التي تفصل الوضع الموجود [الحالي] عن الآمال من حيث الظروف والموانع والعقبات. الفارق يكمن هنا. نعم كثيرٌ من هذه الإشكالات هي إشكالات منطقية ومقبولة لكن رفع [إزالة] هذه الإشكالات ليس بهذه السهولة. فهي تحتاج إلى عمل وسعي ومقدمات. ومن هذه المقدمات اللازمة وجودكم هذا وتفكيركم وعملكم وكلامكم وأقوالكم، وقد أعددت نقاطاً وجملات لأقولها لكم يمكنها أن تساعدكم. وقد سجَّلت طبعاً رؤوس أقلام وسوف نتابعها إن شاء الله، وخصوصاً الجزء المتعلق بإدارتي وما يتعلق بالقوات المسلحة وما شاكل؛ حيث يتعلق الأمر بالقيادة، فالقيادة هي التي تدير الأمور في القوات المسلحة، وليس الأمر كذلك في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وليس الأمر كذلك في السلطة القضائية. نعم، القيادة هي التي تعيِّن رئيس السلطة القضائية، لكنَّ القيادة لا تدير السلطة القضائية، ويجب التمييز بين هاتين الحالتين. القيادة ليست هي من تُدير الإذاعة والتلفزيون، واعلموا طبعاً أن موقفي من الإذاعة والتلفزيون كان دوماً موقفاً ناقداً، سواء في الإدارة الحالية أو في الإدارات السابقة كانت لدي آرائي الناقدة بخصوص قضايا مختلفة، ومنها هذه الأشياء التي أشرتم لها في كلماتكم وهي موجودة في ذهني وانتقدها. وليس الأمر أنَّ المدراء يريدون معاندتنا، لا، إنهم يريدون العمل والمبادرة لكن هذا العمل ليس عملاً سهلاً، بل هو عملٌ صعب. العمل الأساسي الذي ينبغي أن يتم ـ وقد ورد هذا في كلمات بعض الأعزاء ـ هو أنَّ العناصر الشابة المؤمنة المتحفزة الثورية يجب أن تُبث في هيكلية هذه الأجهزة ولديهم [المسؤولين] نية القيام بهذا الشيء إن شاء الله، وقد أكَّدت على هذا الشيء؛ أكَّدت على الإذاعة والتلفزيون وعلى بعض المؤسسات والمراكز الأخرى مثل مركز أئمة الجمعة وما شابه، وسوف تسير الأمور بهذا الاتجاه إن شاء الله. اعلموا أننا نسير إلى الأمام. مسيرتنا تتجه نحو الأمام بلا شك. وثمة شواهد كثيرة على ذلك. إذن لقد قمنا بتسجيل هذه الأشياء التي تتعلق بنا وسوف نتابعها إن شاء الله. لقد اعترضوا على الخدمة العسكرية اعتراضاً عاماً، ولا أدري ما هي التفاصيل التي يقصدونها، ليقدِّموا تقريراً [بالتفاصيل] وسوف أتابع الموضوع. وكذلك بالنسبة لبعض القطاعات الأخرى. المهم هو أن تحافظوا على هذه الروح وهذا الشعور وهذه الدوافع وهذا التواجد والمشاركة، فعلى هذه الأمور تنعقد آمالنا.

حين أقوال دائماً إنَّ المستقبل لكم ويجب أن تُعدِّوا أنفسكم لإدارة الغد، فهذا ليس مجاملة ولا مزاحاً بل هو واقع، طبعاً ينبغي أن تنتبهوا وأن تعملوا على مواصلة السير على هذا الصراط المستقيم نفسه؛ أي أن تحافظوا على هذا التحفز والاندفاع. فقد كان هناك كثيرون ولا زالوا يتحدثون يوماً بحماس ومشاعر وهياج ثم تراهم في ظروف أخرى يصبحون بشكل آخر، فاحذروا من هذه الحالة؛ أي [اعملوا على] أن تكون الحركة حركة مستمرة، لا تكل ولا تمل، تستند إلى العون الإلهي وإلى أمل تحقيق الثواب الإلهي. سيروا بهذه الطريقة لتبقى مسيرتكم في الاتجاه الصحيح، وعندها سيكون غد البلاد الذي في أيديكم - أنتم الذين تنتقدون الأوضاع اليوم - غداً جيداً. عندما تسيرون بهذه المحفزات والدوافع فسيكون الغد أفضل طبعاً. حسنٌ، إذن كانت النتيجة لحد الآن هي أنَّه بالرغم من وجود انتقادات واعتراضات وعتاب ضمن المداخلات لكن الجلسة بشكل عام حملت بشرى كبيرة، وأملاً كبيراً؛ بمعنى أنها تدُّل على أن شبابنا ـ أو على الأقل تيارٌ معينٌ من شبابنا الجامعيين ـ لهم محفزاتهم وإيمانهم وغيرتهم وعزمهم على العمل، وهذا شيء جيد جداً. جلستنا هذه تدُّل على هذا الشيء. اليائسون من المستقبل لينظروا إلى هذا الوضع وليصححوا أفكارهم.

حسنٌ، أريد تقديم بحث معرفي فيه تأكيد على النقطة التي طالما كررتها وقلتها وهي عبارة عن البقاء على الحالة الثورية والسير بطريقة ثورية، أروم تقديم بيان معرفي لهذه القضية. ولدي بعض النقاط حول القضايا الطلابية والتيار الطلابي والتنظيمات الطلابية وما شاكل سوف أذكرها إن شاء الله إذا اتسع الوقت.

منذ بدايتها عانت منظومة الثورة من تفكير خاطئ، [هذا التفكير الخاطئ] هو [اعتقاد البعض] أنَّ الثورة تبقى مستمرة إلى حين تأسيس النظام. وعندما يتأسس النظام وتستقر وتترسخ المؤسسات والقوانين والدوائر وما شاكل فلتذهب الثورة أينما شاءت؛ لم يعد لنا شأنٌ بها. وهم يفسرون الثورة بالتوتر والشجار والضجيج والأعمال غير القانونية وغير ذلك. هذه الفكرة ليست وليدة اليوم بل كانت موجودة منذ اليوم الأول لانتصار الثورة. هذه الفكرة فكرة خاطئة.

للثورة مراحلها. ما حدث في بداية الثورة في سنة 57 [1979 م] كان المرحلة الأولى من الثورة؛ أي إنه کان انفجاراً في وجه النظام الطاغوتي الخاطئ والباطل وإيجاد نظام جديد على أساس المبادئ والقيم الجديدة وبلغة وتعابير ومفاهيم جديدة. كانت هذه هي المرحلة الأولى من الثورة. ثم في المرحلة الثانية كان يجب على هذا النظام أن يُحقق القيم ويطبقها، فيجب أن تتحقق في المجتمع القيم والمبادئ التي سوف أشير لها وأذكر بعضها. وإذا أراد النظام تطبيق هذه القيم فلا بدَّ من [وجود] جهاز إداري، وسيكون هذا الجهاز الإداري حكومة ثورية. وإذن، فالمرحلة التي تأتي بعد النظام الثوري هي الحكومة الثورية؛ حكومة يكون أركانها مؤمنين بالثورة ويسعون لها من الصميم. وبعد أن تتأسس هذه الحكومة الثورية يجب من خلال التبليغ الصحيح، القانون الصحيح والتنفيذ الصحيح، يجب تطبيق هذه المبادئ والقيم المطروحة وهذه الآمال الثورية الكبرى في المجتمع واحداً تلو الآخر. وعندئذ ستكون النتيجة مجتمعاً ثورياً، سوف يتكون مجتمع ثوري وهذه هي المرحلة الرابعة. الحركة الثورية، النظام الثوري، الحكومة الثورية، والمجتمع الثوري هو المرحلة الرابعة. وبعد ذلك عندما يتحقق المجتمع الثوري عندئذ تتوفر الأرضية لإيجاد الحضارة الثورية والإسلامية. وأعبِّر عنها الآن بتعبير الثورية، وبدل كلمة الثورية تستطيعون وضع كلمة الإسلامية؛ أي الحكومة الإسلامية والمجتمع الإسلامي والحضارة الإسلامية. هذه هي المراحل الموجودة.

مراحل الثورة الإسلامية خمسة: الحركة الثورية، النظام الثوري، الحكومة الثورية، المجتمع الثوري والحضارة الثورية والإسلامية

إذن، الثورة لا تنتهي، بل هي مستمرة ومتواصلة ولا تتوقف ولها صيرورتها، والصيرورة بمعنى التطور من طور إلى طور بشكل دائم، إنها في تحول وتطور دائم. ثمة في مسار الثورة صيرورة دائمة، وهذه الصيرورة الدائمة هي التي تحقق بشكل تدريجي تلك الآمال الكبيرة والقيم السامية والمبادئ في المجتمع. حسنٌ، والآن ما هي هذه المبادئ الكبرى؟ أذكر ستة أو سبعة من هذه المبادئ والآمال الكبرى، وهي لا تقتصر طبعاً على هذه الستة أو السبعة.

إحداها العزة الوطنية. فالعزة الوطنية من مبادئ الثورة، وهي على جانب كبير من الأهمية! العزة الوطنية معناها الشعور بالفخر والاعتزاز الوطني، وهذا الشعور بالفخر يجب أن يكون ناجماً عن واقع، ناجماً عن واقع في المجتمع وقائم على الأرض، لا أن يرتكن إلى الأوهام والظنون، وإلا فقد كان في بعض الأحيان شعور بالفخر بحكومة كيان والأخمينيين (3) وما شاكل. هذه تصورات واهية ووهمية ولا تبعث على الفخر. العزة الوطنية معناها الشعور بالفخر المستند إلى الواقع. وهذا شيء على جانب كبير من الأهمية. هذه العزة الوطنية من جملة الأمور التي إذا زالت وفقدت في بلدٍ من البلدان فسوف يزول ذلك الشعب ولن يستطيع الحصول على أي شيء.

ثانياً الثقة بالنفس الوطنية، وقد بحثت [وأوضحت] هذه الثقة بالنفس الوطنية بالتفصيل في السنين الماضية وفي التجمعات الكبيرة. هذه الثقة بالنفس الوطنية تسدُّ الطريق على التبعية. إذا توفرت هذه الثقة بالذات الوطنية لن يشعر الشعب أنه بحاجة إلى التبعية بل سوف يبتعد عن التبعية للآخرين.

الاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي. هذا واحدٌ من مبادئ أي شعبٍ من الشعوب، وإذا توفر وتحقق ـ أي الاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي ولكل واحد منها فصله الطويل ـ لن يضطر ذلك الشعب إلى تحمل العسف ومنطق القوة والاجبار من العتاة والجشعين. الاستقلال أحد الآمال.

الحرية؛ حرية التفكير، حرية التعبير عن الرأي، وحرية العمل. طبعاً أحد الأعزاء الذين تحدثوا هنا قال جملة قصيرة عن الحرية صحيحة تماماً. الحرية من الأمور التي تحتاح بالتأكيد إلى قانون وإطار. لأن طبيعة الحرية بحيث لو لم يكن هناك قانون وإطار فسوف تتجاوز حدودها وتصل إلى حالات التعدي والتحلل ومحطات سيئة ترون نماذج لها في الغرب اليوم. إذا لم تتوفر هذه الحرية فلن يتوفر النمو والرشد. إذا لم تتوفر في مجتمع ما حرية الفكر وحرية التعبير عن الرأي وحرية التفكير وحرية العمل فسوف يتوقف النمو في ذلك المجتمع. نمو المجتمع ـ النمو المعنوي للمجتمع ـ وتقدمه يحتاج حتمياً إلى هذه الحرية.

إذا لم تتوفر في مجتمع ما حرية الفكر وحرية التعبير عن الرأي وحرية التفكير وحرية العمل فسوف يتوقف النمو في ذلك المجتمع.

تكريس العدالة، ورفض التمييز ورفض الفوارق الطبقية، هذه من الآمال الكبيرة. بل إنَّ القرآن يعتبر إقامة القسط المهمة والهدف الأصلي للأنبياء: «لِيقومَ النّاسُ بِالقِسط» (4). ونحن نسيرُ على درب الأنبياء، إننا نسير على درب الإسلام والأنبياء. وعليه فلا مراء في أنَّ العدالة أحد أرقى وربما أمكن القول إنها أرقى المبادئ والقيم التي يجب أن نسعى إليها. ولا يمكن تحقيق العدالة بالكلام. وطبعاً العدالة شيء صعب، فتطبيق العدالة من أصعب الأعمال.

التقدم المادي والحضاري ببركة العلوم والتقانة، هذا أيضاً أحد المبادئ، بمعنى ضرورة إنقاذ البلد من التخلف.

ومن المبادئ الأخرى رشد أخلاق المعاشرة [والتعامل بين الناس]، بمعنى أن تكون معاشرات الناس معاشرات أخلاقية. الرحمة والإنفاق والإيثار والمساعدة والتعاون وما شابه. رشد ونمو هذه الأخلاقيات المتعلقة بمعاشرة الناس في المجتمع.

تمهيد الأجواء والمناخ للأفراد المستعدين للرشد المعنوي والتحرر من أسر الشهوات والغضب؛ هذا أيضاً من أسمى المبادئ والذي لا يولى في الغالب نصيبه من الاهتمام. يجب أن تكون الأجواء بحيث يستطيع الأفراد ذوو القابلية والموهبة التحرك فيها، ويظهر منهم أمثال الحاج ميرزا علي القاضي والعلامة الطباطبائي وشخصيات بارزة من هذا القبيل. أفراد متسامون وراقون استطاعوا السُّمو على هذا المناخ المادي وتجاوزه والارتقاء عليه. الأجواء يجب أن تكون مهيأة لمثل هذا الشيء. طبعاً لسنا جميعاً مستعدين جاهزين لمثل هذا الشيء، ولكن ثمة بيننا أشخاصٌ لهم هذه القابلية وخصوصاً خلال فترة الشباب.

في قضية ديوجانس الحكيم الذي قال للإسكندر إنك عبدٌ لعبيدي. كان الإسكندر يسير في طريق وكان هذا [الحكيم] جالساً فلم يأبه للاسكندر فانزعج الاسكندر منه وأمر مرافقيه وقال لهم انظروا من هذا، فجاؤوا به، فقال له الاسكندر لماذا لم تقم لي؟ فأجابه لأنه لا يوجد سبب يجعلني أقوم لك فأنت عبدٌ لعبيدي. فقال له الاسكندر: ماذا [تقول]؟ أنا الاسكندر عبد! فقال له الحكيم: نعم، الشهوة والغضب عبيدي وهم تحت تصرفي، وأنت عبدٌ للشهوة والغضب، فأنت عبدٌ لعبيدي؛ أي إنَّ الإنسان الذي يستطيع النجاة من عبودية الشهوة والغضب فسيكون عمل بالمبادئ.

ومن البديهي أنَّ هذه المبادئ لن تتحقق على المدى القصير. إذا أردنا لهذه المبادئ أن تتحقق في المجتمع فلا بدَّ من حراك طويل الأمد. ماذا يعني ذلك؟ يعني بقاء الثورة حيَّة. لاحظوا، هذا هو معنى قولنا الدائم كونوا ثوريين وابقوا ثوريين. إذا استمرت الثورة فسيمكن تحقيق هذه المبادئ. وإذا كان هذا الاستمرار بوعي ويقظة ودقة وما شاكل فإنَّ تحقق هذه المبادئ حتميٌ وأكيد. ولكن إذا وصلنا في منتصف الطريق إلى نتيجة مفادها أننا لم نعد بحاجة إلى الثورة، ولا نحتاج إلا للإدارات والمؤسسات الحكومية فلن تتحقق هذه المبادئ. وهل قمنا بالثورة لكي يذهب أولئك ويسلموا السلطة لنا؟ هل قمنا بالثورة من أجل أن نستلم سلطة؟ الذين كانوا يكافحون ويتحملون السياط والسجون، الشيء الذي لم يكونوا يفكرون فيه هو أن تنتصر هذه الثورة يوماً ما ويكونوا وزراء أو نواباً أو قادة ورؤساء وما شاكل. لم تكن هذه الأمور تخطر بالبال. كانوا يتحركون ويعملون لأجل هدف معين. لم يكن الهدف أن تسلمنا جماعة ما الإدارة ونبدأ مثلهم بالإدارة، وكل ما في الأمر هو أنهم كانوا أناساً سيئين بينما نحن أناس صالحون! ولو كان الأمر كذلك فلن نبقى صالحين؛ الإنسان لا يبقى صالحاً. إذن، يجب للثورة أن تستمر. لاحظوا! إنني أقول عن دليل إننا يجب أن نكون ثوريين ونبقى ثوريين ونتحرك بطريقة ثورية، ولهذا طبعاً لوازمه ومقتضياته. للتحرك بطريقة ثورية لوازمه.

وأقولها لكم بالطبع، أنا مطلعٌ على قضايا البلاد. يُقال أحياناً إنَّ فلاناً يطلع عبر قنوات معينة وما شاكل، لا، ليس الأمر كذلك. أنا أقرأ التقارير ـ التقارير الرسمية وغير الرسمية ـ ولدينا اتصالاتنا بالأفراد عن طرق مختلفة، اتصالات مع الناس ومكتب الاتصالات الشعبية، وأنا مطلع على قضايا المجتمع بالحدود التي يمكن لشخص مثلي أن يكون مطلعاً عليها. أعتقد أننا حققنا تقدماً في كل هذه المجالات التي ذكرتها. الشاب الذي يقف هنا ويقول: «الوضع سيئ جداً يا سيدي، وكذا وكذا وقد رجعنا إلى الوراء»، أنا أؤيد مشاعره وروحيته لكنني لا أؤيد كلامه مطلقاً، فالوضع ليس هكذا، إنكم لم تشهدوا عصر الطاغوت ولم تشهدوا الأوضاع في بداية الثورة. لقد تقدمنا حالياً في جميع هذه المجالات التي ذكرتها وفي جميع هذه المبادئ. وبالطبع فقد قلت سابقاً إن لدينا حالة تأخر في مجال العدالة، لكن هذا لا يعني أننا لم نحقق تقدماً؛ بل معناه أننا على صعيد العدالة لم نحقق التقدم الذي كان يجب أن نحققه، وإلا فقد حققنا تقدماً حتى في مجال العدالة. أنتم لا تعلمون ما الذي كان يجري في هذا البلد! عندما كنا في أعماركم شهدنا الفترات الصعبة. والآن يتحدث هذا السيد عن سيستان وبلوشستان، لقد عشت في سيستان وبلوشستان. إن وضع سيستان وبلوشستان اليوم يختلف عما كانت عليه [هذه المحافظة] في سنة 56 و57 [1977 و1978 م] عندما كنت هناك كالاختلاف فيما بين الأرض والسماء. يقول ليس لدينا هواء، ما معنى ليس لدينا هواء؟ معناه أن هناك أغبرة وأتربة في زابل، فيها غبار وأتربة [على مدى] ثلاثة أو أربعة أشهر كل سنة. وهو على حق. هذا جانب من مشكلات سيستان وبلوشستان كان ولا يزال موجوداً. في ذلك الزمن كان الناس تعساء تعاسة محضة بالمعنى الحقيقي والواقعي للكلمة، كانوا في بؤسٍ محض! وقد شهدت هذه الحال عن كثب. وقد أنجزت أعمالٌ بعد الثورة وحصل تقدمٌ وقُدِّمت خدمات، ليس في سيستان وبلوشستان وحسب بل في كل البلاد. أنجزت أعمال كثيرة من أجل العدالة.

باعتراف محمد رضا شاه [البهلوی] نفسه كان الفرق بين أقل الرواتب وأكثرها في زمن حكمه مئة ضعف

أنتم لا تقرؤون الكتب للأسف، لستم من أهل مطالعة الكتب كثيراً (5). أنا أقرأ الكتب، أقرأ الكتب كثيراً، وأتمنى عليكم أنتم الشباب أن تقرؤا الكتب بشكل حقيقي. في تقارير مفاوضات [أسد الله] عَلَم مع الشاه، وقد نقلت شيئاً عن هذا المصدر قبل أيام من باب الصدفة (6)، يقول محمد رضا شاه لعَلَم إنَّ الفارق بين أقل الرواتب وأكثرها مائة ضعف. هذا اعتراف من محمد رضا؛ أي إنَّ الفارق مائة ضعف! والحديث اليوم يدور حول إثني عشر ضعفاً أو أربعة عشر ضعفاً على سبيل المثال، وطبعاً حتى هذا كثير لكن الوضع كان في ذلك الزمن مائة ضعف. لقد شهدنا أشياء لا تقبل التوصيف حقاً عن وضع الناس وبؤسهم ووضع الحريات. والآن يعترض البعض فيقولون لا توجد حرية. يقولون مثلاً لماذا لم يستطع فلان أن يأتي إلى التلفزيون ويقول فيه الأمر الفلاني؟ لا، هذا ليس دليلاً على انعدام الحرية. نعم، لو كان يستطيع أن يقوله فهو الأفضل، لكن هذا لا يقبل المقارنة أبداً بعهد ما قبل الثورة؟ كان لدينا صديق من طلبة العلوم الدينية المناضلين وكان قد هرب إلى باكستان وبقي هناك لفترة من الزمن، وجاء إلى مشهد في سفرة وكان يتحدث معي ويقول كنا نسير في أحد متنزهات إحدى المدن في باكستان وننشر هذا المنشور، فقلت له باستغراب: تنشرون منشوراً في متنزه؟ لم يكن ممكناً بالنسبة لنا أبداً أن نتصور أن يستطيع شخص في أجواء عامة أن يمسك بيده منشوراً ويقرأه. هكذا كان الوضع فعلاً. وافترضوا مثلاً أن تكون هناك انتقادات في الصحيفة الفلانية، والآن الانتقادات في الفضاء الافتراضي [كثيرة] إلى ما شاء الله، وحتى في برامج الإذاعة والتلفزيون هذه ـ التي تعترضون عليها لماذا لا تنتقد ـ يشتكي لدي المسؤولون الحكوميون بعكس ذلك ويقولون إن أخبار 30 : 20 (7) قالت كذا والشخص الفلاني قال كذا (8)، الواقع إنهم يشتكون لدي دائماً وبشكل متكرر. وأنتم الآن تشتكون بالاتجاه المعاكس وتقولون لماذا لا يتحدثون، وأولئك يشتكون بالطرف المقابل! كلمة واحدة من هذا الكلام الذي يُقال [اليوم] في 30 : 20 وفي البرامج النقدية في الإذاعة والتلفزيون وفي المناظرات وفي سائر الكلام الذي يُقال، لو كان قد كُتب على الورق [في تلك الأيام]، هل كان بوسع أحدٍ أن يمسكه بيده؟ لو عثروا [مخابرات النظام الشاهنشاهي] عليه كانوا سيذيقونه الويلات. لقد قلت ذات مرة ولا يوجد وقت الآن فالوقت يمرّ (9)، هكذا كانت الأوضاع والأحوال.

إذن النتيجة وما أريد قوله هو أن الثورة تقدَّمت إلى الأمام في كل هذه المجالات التي تحدثنا عنها أي القيم والمبادئ والآمال الكبيرة. من قبيل ما تشاهدونه مثلاً في مجال العلم والتقنية. وقد قال أخونا الآن على سبيل المثال إنني في مؤسسة «رويان». ورويان أحد النماذج. ذات يوم تعلَّم الشباب المجدون والمثابرون في رويان مسألة الخلايا الجذعية وأدخلوها إلى البلاد واستطاعوا النهوض بصناعة الخلايا الجذعية وتكثيرها وهو ما كان حكراً في ذلك الحين على ثلاثة أو أربعة بلدان فقط. وكذا الحال في المجالات الأخرى. هناك الكثير من هذا القبيل من حالات التقدم الصناعي والعلمي والتقني. إذن، التقدم حالة مشهودة.

يجب أن لا يكون الأمر بحيث نوقع أنفسنا في الخطأ بأنفسنا، ونقول «لا فائدة أبداً يا سيدي، لا يحدث شيء، ولم نتقدم ولا نستطيع فعل شيء»، لا، لقد تقدمنا، وسوف نتقدم أكثر إن شاء الله. هذه العملية طريق مفتوح فلا نتصور الطريق السريع طريقاً مسدوداً. الذي أمامنا هو طريق سريع واسع ونستطيع السير فيه، وخصوصاً بهذه الإمكانيات التي تمتلكها البلاد؛ الطاقات البشرية والخيرات الطبيعية، ولقد تحدثت قبل أيام في لقائي بالمسؤولين (10) بالتفصيل في هذه المجالات وحول إمكانيات البلاد وطاقاتها. ولكن حالة التقدم هذه يجب أن تستمر بقوة وشدة؛ أي إننا غير قانعين بهذا المقدار.

حالة التقدم التي تشهدها البلاد يجب أن تستمر بقوة وشدة؛ إننا غير قانعين بهذا المقدار.

ثمة عواملٌ تساعدنا، وثمة أيضاً موانع وعوائق [تعيقنا] يجب أن نلتفت إليها. الدولة هي أحد هذه العوامل الموجودة. تعتبر الدولة واحدة من عوامل التقدم نحو تحقيق هذه الآمال؛ أي الدولة الثورية، النظام الثوري، الحكومة الثورية هي أحد هذه العوامل. إذا اختلَّ [هذا العامل] فكونوا على ثقة بأنّ مشكلات ستحدث في الطريق. يجب أن تعملوا لتكون حركة الدولة والحكومة في البلاد – عندما نقول الحكومة نقصد من ذلك منظومة إدارة البلاد العامة – وحركة مسؤولي البلاد حركةً ثورية لكي نتقدم في سبيل تحقيق هذه المبادئ والآمال.
على الشرائح المؤثرة أن تكون نشطة في هذه المجالات، الشرائح المؤثرة من قبيل الشرائح العلمية والشرائح الاجتماعية بما تشمله من شرائح جامعية وحوزوية وعلماء وفنانين، فهذه شرائح مؤثرة.

والطاقات الشابة أي مجموعتكم والتي تعتبر المحرك. إنهم مثل القاطرة ولهم دور القاطرة التي إذا تحركت فستسحب القطار وراءها بشكل طبيعي. طبعاً إذا تمَّ العمل بالواجبات التي تقع على الشريحة الشابة بصورة صحيحة.

وبالطبع لا بُدَّ من روح الأمل والعزم والتخطيط، لا بُدَّ من هذه الأمور الثلاثة. أولاً يجب أن لا تفقدوا أملكم على الإطلاق. أن يقوم البعض دائماً ببث اليأس في المجتمع ـ وهذا ما يحصل ـ فهذا عمل خصامي. وقد يكون الشخص الذي يفعل ذلك ليس عدواً فعلاً لكنه يقوم بعمل عدائي، كل من ينشر اليأس بأن «لا يمكن، ولا فائدة، وكل شيء مضطرب وفي غير محله»، لا، هذا عمل عدائي. الأمل شرط لازم. هذا أولاً، وهناك العزم والإرادة أي القرار والتصميم ـ يجب اتخاذ قرار فهذه الأعمال تحتاج إلى قرار ـ والتخطيط، فلا يمكن [التقدم] من دون تخطيط. فلتتوفر فيكم هذه الأشياء الثلاثة.

وهناك موانع وعقبات. بعض هذه العقبات عقبات داخلية فينا. ويقولون إنَّ فلاناً يربط كل الإشكالات بأمريكا وغيرها. طبعاً لعنة الله على أمريكا وبريطانيا الخبيثة، فالكثير من مشكلاتنا ناجمة عنهم، ولكن لا، إنني أعتبر أكثر الإشكالات فينا نحن، فالعقبات أغلبها داخلية. وهم يستغلون هذه العقبات الداخلية. توجد موانع وعقبات داخلية.

ومنها عدم فهم القضية بصورة صحيحة. عدم فهم قضايا البلاد وقضية البلد وقضية الثورة بشكل صائب. وهذا ما يُحتِّم عليكم أنتم الطلبة الجامعيين والعناصر الفكرية بأن تعملوا على هذه القضية. قال لي أحد الإخوة الأعزاء «أوص أن تعمل العناصر الفكرية مع الطلبة الجامعيين»، نعم، هذا شيء يجب حتماً أن يحصل، سواء [العناصر الفكرية الموجودة] في الحوزة، أو في الجامعة، العناصر المؤمنة الثورية صاحبة الأفكار، واسعوا أنتم أنفسكم وراء ذلك وفكِّروا أنتم أيضاً. إذن، من العقبات عدم فهم القضية بشكل صحيح.

وعدم معرفة الأجواء والظروف بصورة صحيحة. هذا أيضاً أحد الموانع والعثرات. البعض لا يعرفون الأجواء والبيئة بنحو صائب. عندما لا نعرف البيئة فسيرتفع احتمال الخطأ والاشتباه. عندما لا يعلم المقاتل والجندي أين يقف وأين هو العدو وأين هو الصديق فقد يشهر سلاحه على الصديق وهو يظن أنه يطلق النار على العدو. ينبغي معرفة الأجواء والبيئة المحيطة، ويجب ملاحظة الاصطفافات والجبهات ومعرفتها. بعض الأفعال التي يقوم بها البعض تشبه هذا الشخص الذي قلت إنه غفى في الخندق واستيقظ الآن وسمع بعض أصوات الطقطقات ولا يدري أين هو العدو وبأي اتجاه وأين هو الصديق، فيطلق قذيفة المدفعية أو قذيفة مدفع الهاون أو رصاص البندقية هكذا على غير هدى نحو جهة من الجهات، وقد يطلق النار على الأصدقاء. أفعال البعض من هذا القبيل، لا يدركون ضد من يكافحون. إذن معرفة البيئة لازمة جداً.

وانعدام الإرادة من العقبات، والكسل من العقبات، وعدم الصبر من العقبات. انعدام الصبر، عندما تضعون الطعام على النار فلا يمكنكم بمجرد أن أشعلتم النار تحت الطعام أن تتبرموا وتطالبوا بالطعام! يجب الصبر إلى أن يُطهى وينضج الطعام. الأمر على هذا النحو أحياناً. بعض النشاطات التي يقوم بها الإخوة والأخوات الثوريون الصالحون ناتجة عن عدم الصبر. لا بُدَّ من الصبر. والصبر من الخصال الثورية. نعم، لدينا غضب ثوري ولكن لدينا أيضاً صبر ثوري. الإمام أمير المؤمنين هو المظهر الأتم والأكمل للعدالة، وليس لدينا أعدل منه، لكن أمير المؤمنين أيضاً كان يصبر في بعض المواطن. وأنتم ترون تاريخ حياة الإمام أمير المؤمنين. يقول في موضع ما: «فَصَبَرتُ وفِي العَينِ قَذًى وفِي الحَلقِ شَجا» (11). وتارة يصبر مقابل ضغوط الخوارج وما شاكل في حرب صفين ويرضى بالتحكيم. إذن الصبر ضروري ولازم في بعض المواطن. أحياناً يكون الصبر نتيجة الاضطرار، وأحياناً لا يكون كذلك لكن من اللازم أن يتحلى الإنسان بهذا الصبر.

من العقبات الانشغال واللهو بالأشياء المخربة والمدمرة والمضلة، من قبيل الخلافات حول أشياء تافهة. الاختلافات الصغيرة والذرائع الصغيرة تسبب في بعض الأحيان خلافات كبيرة، كالأمور الهامشية الموجودة. في العام الماضي على ما اعتقد في هذه الجلسة أو في جلسة شبيهة بها في شهر رمضان، أشرت إلى مسألة هامشية تتعلق بذلك الزمن. قضية هامشية أظن أنها اليوم تشغلنا أكثر من الأصل، هي قضية الفضاء الافتراضي وشبكة التواصل الفلانية وأمور من هذا القبيل. هذه أمور هامشية جانبية. يجب القيام بعمل، وهناك عمل يُقام به، وهذا التطرق المفرط له ـ من هذا الطرف بشكل ومن ذاك الطرف بشكل ـ هو قضية هامشية وغفلة عن الأمور الأصلية. إذن، هذه عقبات داخلية.

ولدينا موانع وعقبات خارجية. غالبية العقبات الخارجية بثُّ اليأس والإيحاء بالعجز وما شاكل. القول «لا يمكن ولا فائدة من ذلك ولا تستطيعون» حالياً يبث وينشر الشعور باليأس والشعور العجز بشكل مستمر ودائم.

وهناك حالات التبيين الكاذبة. يبينون ويشرحون بعض المسائل بخلاف الواقع. تحريف الحقائق التاريخية. والأمر لا يتعلق بالحاضر فمنذ سنين انطلقت حركة مؤذية لتطهير النظام الطاغوتي البهلوي. وليته كان شيئاً ممكن التطهير والتلميع، لكنه لا يقبل التطهير! نفس الذين يكتبون أشياء عن شخصياتهم، مع أنهم يحاولون كثيراً أن يُبرروا ويبرهنوا، لكنهم مضطرون في الوقت ذاته للاعتراف ببعض الأمور. نظام كان فاسداً وضعيفاً وتابعاً ومنحرفاً وغير شعبي بشدة وكان أفراده وشخصياته جشعين بشدة، هل ترى يمكن الدفاع عنه؟ هل يمكن الدفاع عن هويداً؟ (12) هل يمكن الدفاع عن محمد رضا؟ من أجل أن يقولوا إنكم لم تشهدوا ذلك الزمان، ثمة حركة تجري في هذا المجال وهدفها أن يقول الشاب اليوم «يا للعجب، لم يكن هؤلاء أناساً سيئين، ولم تكن الأوضاع سيئة، إذن لماذا قمتم بثورة؟» والأمر كله يعود إلى قضية التشكيك في الثورة، هذه حالة تنبع من الخارج.

إيجاد موانع وعقبات في طريق الحركة نحو المبادئ، من قبيل الحظر ـ حظر المواد وحظر التقنية ـ والإخلالات المختلفة وتعريف الانتصارات على أنها هزائم، وتضخيم نقاط الضعف الصغيرة والتركيز عليها، ونسبة نقاط الضعف الإدارية للنظام. المدير الفلاني في المؤسسة الفلانية أبدى عن نفسه نقطة ضعف وقام بعمل خاطئ، فإذا بهم يُشهرون بهذا الأمر من أجل التشكيك بنظام الجمهورية الإسلامية والنظام الثوري! هذا شيء يقوم به العدو ويجب أن تنتبهوا له بشدة.

أشار أحد الأصدقاء هنا إلى قضية الكونسرتات والعروض الموسيقية. من بين عدة آلاف من الكونسرتات ألغيت مثلاً خمس كونسرتات، وإذا بهم يعمِّمون هذا الشيء ويثيرون الضجيج والصراخ وما شابه بأن «الكونسرتات آخذة بالتعطيل والإلغاء»! وهناك آلاف الكونسرتات أو مئات الكونسرتات أقيمت ولم تلغ، وهناك عدة كونسرتات ألغيت! المدير الفلاني والمدير الفلاني والمدير الفلاني في مجموعة المدراء ـ عشرة أشخاص أو خمسة عشر شخصاً أو عشرون شخصاً من باب المثال ـ ارتكبوا أخطاء وحماقات وساروا في طريق غير صحيح، وإذا بهم يُعمِّمون هذا الشيء لا على المجموعة الإدارية للبلاد وحسب بل على مجموعة نظام الجمهورية الإسلامية! هذه [الأفعال] من فعل العدو تنجز وفق خطط وبرامج.

يسمُّون السيادة الشعبية الشاملة دكتاتورية. الواقع في رأيي الآن ـ أي بالمعرفة التي أملكها الآن ـ لا توجد في العالم اليوم أية سيادة شعبية حقيقية مثل السيادة الشعبية الموجودة عندنا. ارتباط مسؤولي البلاد بالشعب، وأنسهم بالشعب، وانتخابهم من قِبل الشعب أكثر واقعية وحقيقية من أي مكان في العالم، في حدود اطلاعي ومعلوماتي. ويظهرون هذا الآن في الأعمال الإعلامية المستمرة للعدو على أنه دكتاتورية، وهذه هي مهمتهم [طبعاً]. هكذا يظهرون الأمر ويصورونه. إذن، هذه موانع وعقبات خارجية قد يقوم بها الأعداء.

وعليه انتبهوا إلى أن النظام يخوض معركة عظيمة. حين قلت يجب أن نعرف أين نقف وأين هو مكاننا وأن نعرف القضية، فهذا هو أصل القضية: إنكم في وسط ساحة المعركة، إنها معركة شاملة عظيمة، ويجب أن تشعروا بهذه المعركة، ويجب أن تعرفوا الطرف المقابل، فبهذه الطريقة سوف تتضح واجباتنا جميعاً. لا قيمة للنظام من دون المسيرة الثورية، لا قيمة له حقاً. إذا لم يكن للنظام مسار ثوري فلن يصل لتلك المبادئ ولن يسعى نحو تلك المبادئ، ولن يكون مختلفاً عن الأنظمة السابقة في البلاد بشيء، ولن تكون له قيمة.

ليست الثورية بمعنى الهدم والتخريب. الثورية مسار صحيح وعقلاني زاخر بالمحفزات والآمال والشجاعة نحو الأهداف السامية.

وبالطبع فإن الحالة الثورية ممكنة في إطار النظام فقط، فلاحظوا هذا الجانب من القضية أيضاً. يجب أن لا يكون الأمر بحيث يلغي البعض النظام، ويشككون في قِيَم النظام وأركان وأسس النظام بذريعة أننا ثوريون. ليست الثورية بمعنى الهدم والتخريب. الثورية مسار صحيح وعقلاني زاخر بالمحفزات والآمال والشجاعة نحو الأهداف السامية. هذا هو تعريف الحالة الثورية ومعناها. وهذا ممكن فقط ضمن إطار ومسار النظام الإسلامي أي النظام الموجود القائم، وغير ممكن خارج هذا الإطار. ليست الثورية حالة هدم وتفكيك ونسف، فتخريب النظام ليست حالة ناجمة عن الثورة. هذه أيضاً نقطة.

حسنٌ، ما أروم التأكيد عليه هو أننا في مجتمعنا اليوم نحتاج حاجة ماسة إلى تكرار المبادئ بشكل مستمر ودائم، فيجب ذكرها والعمل عليها والمطالبة بها بشكل دائم. هذه المطالبة عملية جيدة جداً. المطالبة بالمبادئ حالة ينبغي عدم التخلي عنها وعدم تركها. هذا الحجم الهائل والواسع من الهجمات على الرأي العام من قبل أعداء الثورة إذا لم يواجه بهذه المطالبات فسوف يتسبب في انهيار حتماً. التذكير بالمبادئ وطرحها والمطالبة بها والمطالبة بتحقيق هذه المبادئ بمثابة سد مقابل تخريب الرأي العام وأجواء النخبة ـ وهم يعملون في أجواء النخبة أيضاً للأسف ـ وأجواء الإدارة، وهي أعمال لم تكن عديمة التأثير للأسف في بعض الأحيان. هنا لا بُدَّ من جيش من الشباب المؤمن والثوري ينزلون إلى الساحة ويطالبون بالمبادئ ويساعدون هم أيضاً على تحقيق هذه المبادئ. أمَّا كيف يساعدون فهذا موضوع فيه نقاش، وقد أستطيع ذكر نقاط عن هذا الموضوع أيضاً إذا اتسع الوقت للقسم الثاني من الحديث.

إذن، ثمة حاجة لاستذكار هذه المبادئ باللغة الخاصة للشباب المؤمن الثوري، وهي لغة تتسم بالصراحة والشجاعة في الحديث، وأن يقول كلمته بشجاعة. وقد كان الوضع هكذا تقريباً اليوم، فلقد شعرنا أن هناك حافزاً شجاعاً ليقولوا بعض الأمور والأشياء. مع أني لا أوافق بعض الآراء والكلام لكنني أوافق الشجاعة. إنني أوافق تماماً هذه الروح الهجومية لدى الشاب الجامعي الثوري. ينبغي المطالبة بهذه القيم دائماً بشكل صريح وذكي من قبل الشباب الناشط.

مواجهة النزعة الأرستقراطية، بمعنى نفي الأرستقراطية في الرأي العام. ونفي التبعية الفكرية. يطرح موضوع البضائع الإيرانية. المشكلة الأساسية التي واجهتها هي مشكلة ذهنية تجاه البضاعة الأجنبية والتي توجد للأسف لدى شريحة واسعة في البلاد، وهي من الموروثات النحسة النجسة لنظام الطاغوت السابق. كانت الأعين مسمرة على المنتجات الأجنبية وكل شيء كان الأجنبي منه هو الأفضل والأجود، وبالطبع لم تكن هناك صناعات ومنتجات داخلية تذكر. وهذه حالة لا تزال باقية إلى اليوم. هذه المشكلة مشكلة فكرية، ويجب إيجاد حراك فكري عام من أجل تغيير هذه المشاعر والأفكار. مثلاً إذا استطعنا مسح هذه الفكرة من الأذهان وهي «البضاعة الأجنبية أفضل» فإن الناس سوف يتجهون بشكل طبيعي نحو البضائع الداخلية وسوف تتحقق بركات وخيرات هذه العملية كلها. المطالبة بأسلوب الحياة الإسلامي ـ الإيراني، والمطالبة بالثقافة الدينية، ومواجهة حالات اللامبالاة وعدم الاكتراث والكسل والتثاقل، ومواجهة محاربة الدين، والعمل في كل هذه المجالات بصبر وتدبير وأناة.

وكما قلت فإن الصبر الثوري والأناة الثورية كالغضب الثوري. عندما جاء النبي موسى بعد نبوته إلى مصر وأبدى تلك المعجزة وأعلن عن دعوته ـ وقد كان بنو إسرائيل ينتظرون [منقذاً] وقد كانت هناك أخبار من الماضي أن منقذاً سوف يأتي وهذا المنقذ هو موسى، وقد جاء الآن موسى وكانوا يتوقعون أن ينهار الحكم الفرعوني بمجرد أن يأتي موسى، لكن هذا لم يحصل ـ يقول القرآن جاءوا إلى النبي موسى وقالوا «أوذينا مِن قَبلِ أن تَأتِينا ومِن بَعدِ ما جِئتَنا» (13). قالوا له ما الفرق ما بين حالنا قبل مجيئك وبعده؟ ما الاختلاف؟ قبل مجيئك كانوا يؤذوننا ويضغطون علينا، والآن بعد أن جئتنا لا نزال تحت الضغط والعذاب. لاحظوا! هذه هي حالة عدم الصبر لدى بني إسرائيل. انعدام الصبر. فقال لهم النبي موسى اصبروا «إنَّ الأرضَ لله يورِثُها مَن يشاءُ مِن عِبادِه والعاقِبَةُ لِلمُتَّقين» (14). تحلوا بالتقوى وستكون العاقبة لكم ولا بُدَّ من الصبر. يجب أن نترك هذه الحالة فلا نقول لماذا لم يحصل هذا ولماذا حصل هذا ونبقى نتبرم ونجزع، فهذا [سلوكٌ] غير صحيح. كانت هذه فكرة أردنا أن نطرحها.

والسّلام عليكم ورحمة الله.

 

 

الهوامش:

  1. في بداية هذا اللقاء ألقى عدد من الطلبة الجامعيين كلمات عبَّروا فيها عن آرائهم وتصوراتهم حول مختلف شؤون البلاد.
  2. للشاعر الإيراني ناصر خسرو. و«دي» و«بهمن» شهران من أشهر السنة الإيرانية.
  3. حكوماتٌ قديمة كانت في إيران قبل الإسلام.
  4. سورة الحديد، شطر من الآية 25.
  5. ضحك الإمام الخامنئي والحضور.
  6. كلمة الإمام الخامنئي أمام مسؤولي النظام الإسلامي بتاريخ 23/05/2018 م.
  7. أخبار الساعة الثامنة والنصف مساء.
  8. ضحك الإمام الخامنئي والحضور.
  9. في الجواب على بعض الحضور الذين قالوا لتستمر الجلسة بعد الإفطار أيضاً، قال الإمام الخامنئي: السادة ينفقون من كيس السلطان ويقولون بعد الإفطار [ضحك الحضور].
  10. كلمته في لقائه بمسؤولي البلاد بتاريخ 23/05/2018 م.
  11. نهج البلاغة، الخطبة رقم 3.
  12. أمير عباس هويدا (رئيس وزراء في العهد البهلوي).
  13. سورة الأعراف، شطر من الآية 129.
  14. سورة الأعراف، شطر من الآية 128.