وفيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها سماحته خلال هذا اللقاء:

 

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات. لقد كانت هذه الجلسة والحمد لله جلسةً جيدة جداً، وبهذه الآراء التي طرحها الأعزاء هنا ـ الأشخاص الثلاثة عشر الذين تحدثوا ـ تحققت لحسن الحظ إحدى النقاط التي سجَّلتها هنا لأقولها في هذه الجلسة وهي تصدي الجامعة لقضايا البلاد والتحديات التي تواجه البلاد، وهذه توصيتنا الأكيدة وسوف أتحدث عنها إن شاء الله ببضع جملات. بمعنى أنني أرى في هذه الجلسة أساتذة تحدثوا وطرحوا واهتموا غالباً بقضايا البلاد الرئيسية والتحديات التي تواجه البلاد، وتحدثوا عنها. افترضوا مثلاً قضية السينما ـ وهي قضية مهمة ـ وقضية الاتفاق النووي، وقضية المياه، وقضية الآفات الاجتماعية، هذه الكلمات التي ألقاها السادة هنا كانت طرحاً ومناقشة لهذه القضايا، وهذه هي توصيتنا. أو قضية الأسرة والزواج وإنجاب الأولاد، وقضية الصناعات الجوية والفضائية، وقضية الجو والفضاء وهي قضية على جانب كبير من الأهمية. وقضية الدبلوماسية العلمية، أو قضية المياه وهي قضية مهمة للغاية، ولاحظت أنَّ السادة هنا أولوها أهمية. أو قضية التجديد والإبداع ـ والتي ربما أشرت لها في معرض حديثي ـ وقضية الاقتصاد وقضايا من هذا القبيل. وهذه حالة حسنة والحمد لله. عندما أنظر وأقارن جلستنا في هذا العام ببعض الجلسات [التي كانت لنا] قبل سبعة أو ثمانية أعوام أجد أنَّ الفارق كبير جداً؛ بمعنى أن هذا يدل على أن الشريحة الجامعية كانت لها مسيرة فكرية متقدمة ودوافع فاعلة خلال هذه الأعوام. إنني أرى اليوم أن حراك الشريحة الجامعية ومشاعرها ودوافعها واهتماماتها وشعورها بالآلام والأوجاع أفضل مما كان عليه الوضع قبل عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً. وهذه نقطة على جانب كبير من الأهمية. طبعاً لا نروم الادعاء أن هذه المجموعة المتواجدة في هذه الجلسة هي كل الشريحة الجامعية لكنها تُمثِّل نموذجاً لتلك الشريحة وعينة منها، بمعنى أنها تدلُّ على أن هذا التفكير وهذا الشعور موجود لدى شريحتنا الجامعية. طبعاً الوقت قليل، وقد كنت مستعداً لوقت أكثر ولكن لم يعد ثمة مجال، وأنا مضطر للتحدث باختصار.

أيها الإخوة الأعزاء أيتها الأخوات العزيزات، الجامعة مركزٌ مهمٌ جداً. هذا ما نقوله عن معتقدٍ قلبي عميق، ولديّ دليلي على هذه القضية. لماذا؟ لأن الجامعة أحد المراكز المهمة لإعداد وتخريج القوة العاقلة في البلاد. إعداد القوة العاقلة في البلاد. وما من بلد يمكن أن يُدار ويتقدم من دون وجود قوة عاقلة. لاحظوا أنَّ هاتين المقدمتين تعطيان نتيجة وهي أن الجامعة الجيدة ذات أهمية حيوية بالنسبة للبلاد. حسنٌ، للأساتذة دور استثنائي في الجامعة. أي إن للأستاذ دور خاص في هذه العملية، عملية صناعة وإعداد القوة العاقلة لإدارة البلاد. ولذلك فمكانة الأساتذة مهمة وعزيزة وحساسة جداً. إنها مكانة حساسة. إذا أرادت الجامعة ممارسة هذا الدور ـ دور إيجاد وإعداد وتخريج القوة العاقلة للبلاد ـ بشكل صحيح فإنَّ لهذا لوازمه التي ينبغي لها بالتأكيد التنبه والاهتمام بهذه اللوازم. سجَّلت هنا ثلاثة من هذه اللوازم سأتحدث عن كل واحد منها باختصار.

أحد هذه اللوازم هو التصدي لقضايا البلاد والخوض فيها؛ بمعنى أن لا تعتبر الجامعة نفسها منفصلة عن قضايا البلاد، وأن تكون قضايا البلاد والتحديات التي تواجهها البلاد قضايا واقعية وحقيقية وأصلية للجامعة.

ثانياً الاهتمام بتربية الطلبة الجامعيين من حيث الثقافة والأخلاق والهوية؛ بمعنى أنَّ قضية التربية فوق قضية التعليم، وطبعاً التربية ذات التوجه الأخلاقي والمعنوي والتلطيف الروحي وبث روح الشعور بالهوية في شريحة الطلبة الجامعيين الشباب.

ثالثاً أن تكون هناك حالة حراك وصيرورة مستمرة في الأجواء الجامعية؛ حالة تحول مستمر ودائم في البيئة الجامعية. والسبب هو أن كل مؤسسات العالم تحتاج إلى التحول والتطور، فالبشرية في حال تحول وتقدم وحركة، لذلك على كل المؤسسات البشرية أن توجد في داخلها القدرة على التحول المستمر وأن تكون هذه الحالة همَّاً تحمله هذه المؤسسات. ثانياً جامعاتنا ـ ونقولها من دون مجاملات ـ تأسست بشكل خاطئ. أرسيت أسسها منذ البداية بشكل خاطئ. وليس معنى هذا أن الأجواء الجامعية أجواء خاطئة وسيئة، لا، لحسن الحظ كانت لجامعاتنا نتاجات ومخرجات جيدة جداً، لكن أسس الجامعة وضعت في زمن الحكم الطاغوتي من قبل أناس غير موثوقين وبسياسات غير موثوقة، ولا يزال هذا البناء قائماً. لقد أسسوا الجامعات على أساس تنحية ومكافحة الدين. وأرسوا دعائمها على أساس التقليد العلمي وليس الابتكار والإنتاج العلمي. هكذا تأسست الجامعات ولا تزال بعض آثار ذلك مستمرة لحد اليوم. لذلك لا بُدَّ من إصلاح وتحول وصيرورة داخلية للجامعة بشكل مستمر، وقد سجَّلت هنا نماذج من ذلك سوف أشير لها. هذه ثلاثةٌ من اللوازم، وثمة بالطبع لوازم أخرى.

فيما يتعلق بالتصدي لقضايا البلاد والذي لاحظنا نموذجاً عنه اليوم لحسن الحظ، وقد ارتحت حقاً لأنني شاهدت إخوتنا وأخواتنا يطرحون هذه القضايا. إنني أشكر الله حقاً لأن هذا الشيء الذي نتوقعه [ونأمله] موجود لحسن الحظ في أذهان مجموعةٍ من الجامعيين الإيرانيين الأعزاء على الأقل. لماذا نقول يجب التصدي لقضايا البلاد؟ إنَّ لكل بلد قضاياه، ولدينا اليوم أيضاً مشكلات وقضايا، وسيكون لنا غداً أيضاً مشكلات، وهكذا هي كل بلدان العالم وكل مجتمعات العالم، لديهم مشكلات يجب أن تُحل. هذه المشكلات يجب أن تحل بشكل علمي. إذا خضنا في هذه المشكلات بطريقة غير علمية وغير مدبرة وبلا تفكير ومن دون تعقل فإنها لن تحل بل ستزداد هذه المشكلات تعقيداً وتستمر وتتفاقم وتتوالد وتزداد. إذن، ينبغي حلُّ المشكلات بشكل علمي. حسنٌ، إذا كان المقرر أن تحل بشكل علمي فمن الذي يجب أن يحلها ويعالجها؟ العلماء، أي الجامعيون الذين هم من جملة علماء البلاد والقطاع الأوسع من علماء البلاد. وعليه، فالجامعة يجب أن تعتبر مشكلات البلاد مشكلاتها وتبحث لها عن حل.

ينبغي على الجامعات أن تعتبر مشكلات البلاد مشكلاتها وتبحث له عن حلول.

حسنٌ، افترضوا مثلاً في القضية الاقتصادية، الاقتصاد اليوم واحدٌ من قضايا البلاد [المهمة]. قيل مراراً وقيل في هذه الجلسة أيضاً إن بعض أساليبنا في إدارة الاقتصاد ـ ما ينفَّذ ويجري في البلاد عملياً في الوقت الحاضر ـ أساليب ضعيفة أو خاطئة. حسنٌ، هذا شيء يجب إصلاحه، فمن الذي يجب أن يصلحه؟ ومن الذي ينبغي أن يخوض في هذه القضية؟ الجامعة. لقد أوصيت بعض المسؤولين رفيعي المستوى عدة مرات لحد الآن وقلت إن هذه الآراء الاقتصادية التي ينشرها أساتذة الاقتصاد الجامعيون في الصحف ـ هذه التي تنشر في الصحف وغالباً ما اطلع عليها ـ اطلبوا أن يجمعوها لكم لتعلموا أنه بالإضافة إلى تلك القرارات التي تتخذ في المؤسسات الحكومية المعنية، ثمة مثل هذه الآراء والأفكار أيضاً، فهي مفيدة وحلالة مشاكل، والنظر فيها واستماع لها يعالج الأمور. إذن، قضية الاقتصاد من القضايا التي تحدَّث أحد السادة هنا اليوم حولها وذكر بعض النقاط في هذا المجال.

وفي الصناعة، صناعتنا تعاني من مشكلات، وبوسع الجامعات أن تمارس دوراً في هذا المجال. طبعاً من الواجب أن أقول إن بعض هذه الجامعات حسب التقارير التي رُفعت إلي، قد عملت بطريقة جيدة في مضمار التواصل مع الصناعة، لكن بعض الجامعات لم تعمل بطريقة جيدة، ولم تدخل في هذا المجال ولم تعمل بشكل جيد. سمعت مؤخراً أنه تم التخطيط لمنح الأساتذة فُرص بحثية في مجال الصناعة لمدة سنة، وقد صودق على هذا المشروع في قنوات ومراكز المصادقة والتصويب. هذا شيء حسن جداً. افترضوا أن فرصة بحثية تمنح للأساتذة ذوي الاختصاص بالصناعة ليخوضوا في عُمق الصناعة ويتعرفوا على مشكلات الصناعة في البلاد عن كثب. لدينا مشكلاتنا في صناعة البلاد، ويجب على الجامعات أن تعالج هذه المشكلات. طبعاً يعتب بعض أصحاب الصناعات ويقولون إن التواصل مع الأجهزة الجامعية لم يساعدنا في شيء، ولكن تستطيع الجامعات مبدئياً أن تساعد على تقدم الصناعة وازدهارها ورفعتها، لكي لا تتسمر أعيننا في صناعتنا النفطية مثلاً أو صناعتنا الكهربائية أو صناعاتنا الأخرى على الأجانب حتمياً وأن يأتي أجنبي ونبرم معه عقد ليمنحنا التقنية. هذا كلام يقال الآن ولأننا نتصور أننا مضطرون ونحتاج لأن نبرم عقداً مع الشركة النفطية الفلانية الأجنبية من أجل أن نستطيع مثلاً رفع قدرتنا على استخراج النفط من الآبار ونصل بها على سبيل المثال من 25 بالمائة إلى 50 بالمائة، عندها قد تفرض علينا هذه الشركة بعض الأشياء.

إذا خاضت جامعاتنا في هذا المضمار فاعتقد أنها تستطيع بالتأكيد [القيام بعمل ما]. كيف استطعنا ونجحنا في بعض المجالات. كل العالم المعني بالقضية كان يعتبر نجاحنا في تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين بالمائة مستحيلاً. لم يكونوا ليصدقوا أبداً أن مثل هذا الشيء يمكن أن يحدث في البلاد، لكنه حدث. كانوا يضعون الشروط لبيعنا اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين بالمائة، وكان بعض مسؤولينا للأسف يميلون إلى منح هذه الامتيازات. حصل بعض الإصرار قليلاً وحصل بعض الثبات والمقاومة وبذل شبابنا بعض الجهود والمساعي وشاهد العالم فجأة أننا لا نحتاج إلى [شراء] اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين بالمائة من أمريكا وروسيا وأظن فرنسا ـ وهو ما كان مطروحاً على بساط البحث آنذاك ـ فقد استطعنا نحن إنتاج العشرين بالمائة. حسنٌ، تلك المواهب التي تستطيع القيام بمثل هذا العمل الكبير ـ ويعلم المختصون أنَّ المهم في قضية التخصيب هو الانتقال من الثلاثة بالمائة والأربعة بالمائة إلى العشرين بالمائة، وإلا فالانتقال من العشرين بالمائة إلى التسعة وتسعين بالمائة طريقه أسهل ـ وقد استطعنا القيام بهذا العمل فلماذا لا نستطيع رفع مستوى وإنتاجية آبارنا النفطية؟ لماذا لا نستطيع إنجاز أعمال تخدم في تقدم صناعاتنا؟ إذن، تستطيع الجامعة المساعدة في هذا المجال الصناعي.

وفي خصوص قضية الآفات الاجتماعية، قضية الطلاق، والإدمان، والأحياء المحيطة بالمدن [السكن العشوائي]، والجرائم، والفضاء الافتراضي وما شاكل مما أشاروا له، طبعاً منذ مدة ـ وقد قال [أحد الأساتذة] مدة أربعة أعوام، والظاهر أن المدة ليست أربعة أعوام، ويبدو أنها ما بين سنتين وثلاث سنوات ـ أشركنا كل أجهزة البلاد في هذه القضية، أشركنا الأجهزة المعنية من السلطات الثلاث في قضية الآفات الاجتماعية، وتم عقد جلسات جيدة وتتابع ويتم إنجاز أعمال كثيرة. وهذه طبعاً من الأعمال والأمور الطويلة الأمد والتي لا تلاحظ آثارها ونتائجها بسرعة. يمكن للجامعة أن تساعد في هذا المضمار أيضاً. ذكروا اقتراحات كانت جيدة جداً وأنا الآن أوصي مكتبنا أن يجمعوا هذه الاقتراحات التي قُدِّمت، في كل المجالات التي قُدِّمت فيها، ويفكروا فيها في جلسات ويجدوا سُبلاً لتنفيذها وتطبيقها.

أو قضية عجلة الإنتاج والاستهلاك وقضية التجديد والإبداع التي أشاروا لها، أولاً يجب أن يكون لنا تجديدنا وإبداعنا؛ بمعنى إيجاد الفكرة، ثم الإنتاج، ثم التسويق وما شاكل. وتسويق العرض والاستهلاك هذا إنما هو سلسلة، وينبغي للسلسلة أن تتحرك بشكل صحيح. بمعنى أن توجد سلسلة تصل بين قطاع الإنتاج وقطاع الاستهلاك، وعلى هذه الحلقات أن تنقل الإمكانيات بعضها إلى بعض بصورة صحيحة ليتم العمل بشكل صائب. إذا كان ثمة عيب وخلل في هذه العجلة فمن يجب أن يخوض في الساحة ويدخل إلى المضمار؟ الجامعة، الجامعة هي من يجب أن تنظر أين يكمن الخلل، وهي التي ينبغي أن تزيل الإشكال لنستطيع إنجاز العمل.

أو قضية دعم البضائع الإيرانية والتي شاهدت لحسن الحظ أن أحد السادة أولاها اهتماماً وفكَّر فيها وعمل في خصوصها. وقد كان في كلمته نفس النقاط التي سجلتها هنا بالضبط. افترضوا أننا نرى ما هي عقبات إنتاج البضائع ذات الجودة العالية. القضية الأولى هي أننا في الداخل يجب أن ننتج بضاعة ذات جودة عالية ليكون لها زبائنها وتُباع. ما هي موانع وعقبات إنتاج البضاعة الجيدة، ثم كيفية التسويق، ماذا نفعل حتى نستطيع أن نجد لمنتجاتنا أسواقاً في الداخل والخارج. [ايجاد أسواق] في الخارج قضية أخرى مستقلة، [أما] القضية الداخلية فهي قضية ذهنية وثقافية أشاروا لها، وهي صحيحة تماماً. أي يجب في أقسام العلوم الاجتماعية والنفسية في الجامعات أن يدرسوا أسباب ميل بعض شرائح الشعب لاستهلاك البضائع الخارجية وقلة ميلهم للبضائع الداخلية، وما هو سبيل العلاج. طبعاً ذكروا سُبل علاج لكنها لا تكفي، فهذه القضية بحاجة إلى دراسة علمية. يمكن حقاً العثور على سبل وطرائق وحلول. وترون فجأة خلال سنتين أو ثلاث سنوات أو أربع سنوات أن القضية انقلبت تماماً، كما أنه في الوقت الحالي وبهذا العمل الإعلام الذي تم إلى حد ما راح بعض الباعة يعرضون البضائع الأجنبية على أنها بضائع داخلية! هذا ما لدينا علم به ـ لدي اطلاع على ذلك وقد رفعوا لي تقريراً به ـ أي إن الشخص يذهب ويطلب من البائع بضاعة ما والبائع يملك النوع الأجنبي منها ولأنه يعلم أن الزبون يحتاج إلى النوع الداخلي منها لذا يقول له كذباً إنها إيرانية! هذا شيء جيد جداً. والكذب طبعاً شيء سيئ، ولكن من الحسن جداً أن يضطر البائع لأجل بيع بضاعته أن يقول إنها داخلية. ينبغي ترويج هذه الثقافة. فكيف تشاع هذه الثقافة؟ لهذا الأمر أسلوبه العلمي، وأنتم من يجب أن يقوم بهذه المهمة. أو نقل المكتسبات العلمية الجديدة إلى القطاعات الإنتاجية، هذه كلها من أعمال الأقسام المختلفة في الجامعات.

وعليه ينبغي على الجامعات أن تعثر على القضايا والمشاكل في البلاد ـ وقد وجدت في كلمات السادة لحسن الحظ وسجَّلت هذا هنا وهو أمر لافت جداً، لاحظت أنهم اهتموا حقاً بتشخيص القضايا والمشكلات، فقد قالوا مثلاً إنها قضية أنكم تقولون إنَّ المرأة يجب أن تكون ربة منزل وفي الوقت نفسه تكون صاحبة دراسات عليا، فكيف تجتمع هذه مع تلك. حسناً هذه واحدة من القضايا، لاحظوا، تشخيص القضايا شيء مهم جداً، بأن نعكف على تشخيص القضايا والعثور عليها ـ وبعد ذلك نعالج تلك القضايا. إذن، تستطيع الجامعة أن تعثر على المشاكل والقضايا وأن تساعد كذلك في حلها. والكلام كثير طبعاً في هذا الخصوص. لقد دونت هنا بعض النقاط لكن الوقت قليل.

طبعاً المدراء يجب أن يريدوا ويرغبوا بهذا الشيء. إنني من هذا الموقع أطلب من السادة أعضاء الحكومة الحاضرين هنا أن يطرحوا في اجتماعات مجلس الوزراء هذه القضايا وقضية ارتباط الجامعة وقضايا البلاد بشكل جدي ليكتسب الجميع الدوافع والحوافز والرغبة بالمتابعة. ونحن نقول ذلك لكل واحد من الوزراء طبعاً. في فترة من الفترات كان لدينا وزير طاقة وكان أخاً صالحاً جداً درس في جامعة أمير كبير. كان يتحدث معي حول إحدى القضايا ويقول إنَّ لدينا مشكلة في هذه القضية. فقلت له يا أخي، اسبق هيئة الحكومة بخطوة واذهب إلى هذه الجامعة التي درست أنت فيها واطرح هذه القضية هناك وسوف يعالجونها لك. وكانوا سيعالجونها بالتأكيد، فأنا لا أشكُّ في ذلك. أي إن تصدي الجامعة لقضايا البلاد إذا أُخذ حقاً مأخذ الجد من قبل المدراء ـ وهذا هو الأصل ـ فسوف تتقدم الأمور برأيي. أي إنَّ المدير يجب أن يذهب إلى باب بيت العالم، هذه هي القاعدة الأساسية. يجب أن لا يقف العالم وراء باب مكتب المدير. على المدير أن يذهب إلى باب بيت العالم ويطلب منه المساعدة.

ينبغي على الجامعة أن تربي شباباً ذوي إيمان وشرف ومبادرة وغير كسالى ومن أهل الجد والسعي والثقة بالنفس وممن يقبلون الحق ويطالبون به.

وفيما يتعلق بالأمر اللازم الثاني الذي أشرت إليه، تربية [الطلبة الجامعيين] من حيث الأخلاق والثقافة والهوية: إعداد القوة العاقلة. فما هي القوة العاقلة؟ وما هو العقل؟ ليس العقل في الأدبيات الإسلامية مجرد ذلك الجهاز الذي ينجز لنا الحسابات المادية، لا، «اَلعَقلُ‌ ما عُبِدَ بِهِ‌ الرَّحمٰنُ‌ وَاكتُسِبَ بِهِ الجنان» (2). هذا هو العقل. «اَلعَقلُ‌ يهدي‌ وَينجي» (3). هذا هو العقل. يجب أن يستطيع العقل التسامي بالإنسان. العقل على مستوى من المستويات هو ذلك العامل الذي يوصل الإنسان إلى مقام القرب ومقام التوحيد، وبمستوى أدنى العقل هو ذلك الشيء الذي يوصل الإنسان إلى أسلوب الحياة الإسلامية. وبمستوى آخر العقل هو ذلك الشيء الذي ينظم الارتباطات المادية للحياة الدنيا. هذا كله من فِعل العقل. العقل والقوة العاقلة هي ذلك الشيء الذي يمكنه أن يتوفر على كل هذه الأشياء، لذا فهو بحاجة إلى التربية المعنوية. ربّوا الطلبة الجامعيين تربية معنوية. هؤلاء شباب، والشاب بشكل طبيعي لطيف وطاهر نسبياً وممكن التحرك بالاتجاه المعنوي، وهذا ما يجب تأمينه في الجامعة. «لا يستَعانُ‌ عَلَى‌ الدَّهرِ إلّا بِالعَقل» (4). الحياة غير ممكنة من دون العقل. لذلك ينبغي أن يكون الجانب التربوي لهذه القوة العاقلة قوياً. ينبغي على الجامعة أن تربي شباباً ذوي إيمان وشرف ومبادرة وغير كسالى ومن أهل الجد والسعي والثقة بالنفس وممن يقبلون الحق ويطالبون به. هذه خصال الإنسان السامي. هذا هو الإنسان الذي يريده الإسلام. هذا هو الإنسان الذي لو تولّى إدارة المجتمع لاستطاع توجيه المجتمع نحو الصلاح والفلاح. وإلا افترضوا مثلاً أنه من الشائع الآن في الفضاء الافتراضي أن يسيئ بعضهم إلى بعض، هذا ضد ذاك، وذاك يتهم هذا، وأن يضخِّموا نقطة ضعف صغيرة، ويريقوا ماء وجه إنسان مؤمن ولا يُعلم من هو، طبعاً هذا شيء سيئ جداً. ثمة مثل هذه الأشياء بين شبابنا ويجب الحؤول دونها، وهذا الشيء ممكن بالتربية المعنوية.

في مجلس الرسول (ص) نال شخصٌ من عرض مؤمن وأراق ماء وجهه ـ ولم تذكر الرواية بأي شكلٍ نال منه ـ ودافع شخص آخر عن ذلك المؤمن الذي جرى النيل منه. فقال الرسول (ص) إن هذا الذي فعلته ـ حيث دافعت عن ماء وجه مؤمنٍ ـ حجاب دون نار جهنم. هذا حجاب دون نار جهنم. هذا هو أسلوب الحياة الإسلامية. يعني «ارحَم تُرحَم» (5). ارحم لكي يرحمك الله تعالى. هذا ما يجب تعليمه ونشره بين شبابنا. شبابنا يجب أن يكونوا «أشِدّاءُ على الكفّارِ رُحَماءُ بَينَهُم» (6) ـ هذه الآية التي تلوها هنا ـ يجب أن يتربى بهذه الطريقة. يقف بوجه الظلم، ويقف بوجه المعتدي، لكنه يتعامل بعطف وتسامح مع أخيه المؤمن. يجب أن نُعلِّم شبابنا العفو والتجاوز. إذا لم يجر تهذيب هذا الشاب اليوم وأصبح غداً مسؤولاً عن قطاع ما فسوف ينجز الأعمال بطريقة ضعيفة أو غير موثوقة أو خاطئة. الذي يكون اليوم على استعداد للنيل من شخص ما بدافعٍ من المزاح أو إمضاء [تقضية] الوقت أو لإشباع حس داخلي، فعندما يكون غداً في تنافس انتخابي مثلاً سيكون على استعداد من أجل الفوز أن يسحق إنساناً مؤمناً بالكامل. هذا سيصبح ذاك [غداً]. وسيكون لهذا أثره هناك أيضاً.

وهناك أيضاً قضية انعدام الهوية. ربّوا الشاب وخرِّجوه بحيث يكون صاحب هوية. إذا لم يشعر المجتمع بالهوية فإن الأصوات القوية المتعسفة سوف تهزمه بسهولة أكبر. الذي يصمد هو الذي يشعر بالهوية. وهذه الهوية أحياناً هوية وطنية وأحياناً هوية دينية وأحياناً هوية إنسانية وأحياناً الشرف، مهما كان، يجب أن يتربى [الشاب] وينشأ بهوية. ولحسن الحظ فإن مجتمعنا الإسلامي ـ الإيراني اليوم له هويته المتجذرة والتاريخية والقوية والقادرة على الاستقامة، وهذا ما قدّمه وأثبته. هذا ما يجب أن ننقله إلى شبابنا. وإذن، فالقضية الثقافية قضية مهمة، وعلى القطاعات الثقافية أن تشعر بالمسؤولية ويجب أن تعمل في هذا المجال.

والقضية الثالثة التي أشرنا إليها هي الصيرورة [التحول] الدائم في الجامعات. سجلت عدة قضايا ونقاط سأقوم بعرضها. إن تصحيح وإصلاح أمور الجامعات له اليوم مصاديق واضحة.

من هذه المصاديق الواضحة أن نبدل منحى استهلاك العلم إلى منحى إنتاج العلم. إلى متى يجب أن نجلس ونكون مستهلكين للعلم؟ إنني لا أعارض أبداً تعلُّم العلم من الآخرين، وهذا ما قلته مراراً والكل يعلمه، قلت إننا لا نشعر بالعار من أن نتعلم من شخص يحمل علماً ونتتلمذ على يده، لكن التتلمذ شيء والتقليد شيء آخر! إلى متى نتبع علم هذا وذاك؟ لماذا عندما يُقال في مضمار العلوم الإنسانية [تعالوا] لنجلس ونفكر ونجد العلوم الإنسانية الإسلامية، ترى البعض يضجّون ويثورون فوراً ويقولون «يا سيدي هل هذا علم»؟ هل هو علم؟ في العلوم التجربية التي يمكن اختبار علميتها ونتائجها في المختبرات بدأ يلوح خطأ المكتشفات والمعطيات العلمية يوماً بعد يوم، وتتوقعون أن لا تكون هناك أخطاء في العلوم الإنسانية؟ كم توجد في الاقتصاد آراء متعارضة ومتضادة؟ في الإدارة وفي شتى قضايا العلوم الإنسانية، وفي الفلسفة، توجد كل هذه الآراء المتعارضة، أي علم؟ العلم هو الشيء الذي تتوصل أنت له وتستطيع فهمه ويترشح من داخل ذهنك الفعال النشط. يجب أن نسعى إلى أن ننتج العلم بأنفسنا، فإلى متى نستهلك علوم هذا وذاك؟ نعم، لا مانع أن نأخذ البضاعة التي لا نمتلكها من الآخر الذي يمتلكها ونستفيد منها، وأن ننتفع من علوم الآخرين، لكن هذا لا يمكنه أن يكون بشكل دائم ومستمر. أحياناً لا ينتقل علم الآخرين إلينا بصورة صحيحة، وأحياناً لا يعطوننا الجزء الإيجابي الجيد منه، وأحياناً لا يعطوننا النسخة الحديثة منه، وهذا ما حدث مراراً في بلادنا للأسف خلال سنوات حكم الطاغوت. يجب أن لا نكرر التجارب ثانية. إذن، ينبغي أن ننتج العلم.

يجب أن نسعى إلى أن ننتج العلم بأنفسنا، فإلى متى نستهلك علوم هذا وذاك؟

وبالطبع فقد سمعت مؤخراً أن البعض يكتبون ويقولون دائماً أشياء تفيد إنكار حالات التقدم العلمي في البلاد والتي تؤيدها المؤسسات الدولية المختصة، إنني أرفض هذا الكلام مائة بالمائة، أرفضه مائة بالمائة، لا، حالات التقدم العلمي في البلاد حالات واقعية حقيقية وليست حالات فقاعية [وهمية] كما يدّعي البعض. لقد تقدمنا في النانو، وتقدمنا في الخلايا الجذعية، وتقدمنا في الطاقة النووية، وتقدمنا في تقنيات الأحياء، وتقدمنا في مجالات مختلفة من الطب، تقدمنا في كثير من المجالات المتنوعة، وهذه الحالات من التقدم واقعية حقيقية موجودة.

وكما أشاروا فذات يوم كنا إذا خرجنا من المدن الكبيرة واجهنا شحة في الأطباء الإيرانيين. وقد كنت أنا نفسي في زاهدان وفي إيرانشهر، وقد كان الأطباء هناك هنوداً، وقد راجعتهم بنفسي، ولم يكونوا سيئين طبعاً لكن البلاد كانت [حينها] تحتاج إلى أطباء أجانب. وفي بدايات الثورة كانوا يعطون لأمراض القلب مواعيد مؤجلة تمتد لثمانية أعوام وتسعة أعوام وعشرة أعوام؛ أي إنَّ مريض القلب يراجع المستشفى فيعطونه موعد عملية جراحية بعد عشرة أعوام، وكانوا يموتون غالباً حتى ذلك الموعد. هكذا كنا. واليوم يُجري الأطباء المتخصصون عمليات قلب مفتوح في المدن البعيدة. هذه الحالات من التقدم حالات واقعية، فلماذا يريد البعض بثَّ اليأس في الشرائح الجامعية الإيرانية ولدى المتخصصين والعلماء الإيرانيين؟ لا، حالات التقدم حالات واقعية فعلاً، ولكن ينبغي تنميتها.

الخطوة الأخرى ترشيد الأبحاث وتوجيهها. لدينا في الوقت الحاضر أبحاث. محورية المقالات والدراسات العلمية في جامعاتنا هي بحدِّ ذاتها قضية ومسألة، والبعض يخالفون هذه المحورية، والبعض يقولون لا بُدّ منها. وزيادة عدد المقالات والدراسات العلمية بحد ذاتها ـ وخصوصاً المقالات التي يُرجع إليها ـ تمثل سمعة حسنة للبلاد ولا ضير فيها، ولكن ينبغي إنتاج دراسات ومقالات مرشدة موجهة. هذا ما سبق أن أشرنا له، وهو ليس موضوع اليوم، فقبل سنوات قلت أنا وتحدَّث بعض الأساتذة المحترمين هنا وكرروا بأن البحوث يجب أن تكون مرشدة موجهة هادفة، فلاحظوا ما هي حاجة البلاد، وما هي الفراغات، فلتعمل تلك البحوث على ردم هذه الفراغات وسدها، فهذا شيء على جانب كبير من الأهمية. ينبغي إخراج البحوث غير الهادفة من دائرة العمل. وبالطبع فإن هدف البحوث يفترض أن يكون شيئين: الأول تحقيق المرجعية العلمية والتواجد في مجموعة رواد العلم والتقنية، والثاني حل قضايا البلاد ومشكلاتها الحالية والمستقبلية. وهذان الهدفان لا يتعارضان مع بعضهما، وسمعت أن البعض يقولون: «كيف لا يتعارضان يا أخي؟ هل هذا الهدف صحيح أم ذاك؟» كلاهما صحيح. البحوث ينبغي أن تكون للارتقاء إلى قمة العلم وتحقيق المرجعية العلمية ـ ونحن سنصل في المستقبل حتمياً إلى هذه النقطة فنكون مرجعية علمية في العالم ـ وأيضاً لحل قضايا البلاد الجارية ومشكلاتها.

البحوث العلمية ينبغي أن تكون للارتقاء إلى قمة العلم وتحقيق المرجعية العلمية وأيضاً لحل قضايا البلاد الجارية ومشكلاتها.

قضية أخرى ينبغي بالتأكيد الاهتمام بها ومتابعتها في الجامعات هي قضية التمهيد والإعداد للتعليم العالي، وهذه أيضاً قضية أولاها أحد السادة هنا اهتمامه وذكرها لحسن الحظ. وقد تمت المصادقة على مشروع «الإعداد» في سنة 95 [2016 ـ 2017 م] في المجلس الأعلى للثورة الثقافية، لكنه لم يشهد تقدماً ملحوظاً. وهذا معناه أن يُصار إلى تقسيم وطني للأعمال بين جامعات البلاد في خصوص المجالات والبحوث المتنوعة المطروحة على الصعيد العلمي. وهذا مؤثر جداً في التخطيط، وسوف يُسهِّل عملية التخطيط وتقييم الوضع العلمي في البلاد، وسوف تحصل حالة تعاضد وتآزر طبعاً. وطبعاً يبدو أنَّ وزارة الصحة كان لها في هذا المجال حراك أفضل، هكذا رفعوا لي في التقارير.

القضية الأخرى التي تهم الجامعات هي تحقيق الخارطة العلمية الشاملة للبلاد. تمَّ تحقيق وتنفيذ جزء من الخارطة العلمية الشاملة لكنها لم تتحقق كلها. ومن المشكلات التي سبق أن طرحتها في هذه الجلسة (7) هي أن كثيراً من الجامعيين الإيرانيين لم يقرأوا الخارطة العلمية الشاملة للبلاد وهم غير مطلعين عليها أصلاً. تمَّ العمل على الخارطة العلمية الشاملة للبلاد بشكل كبير، كل هؤلاء العلماء والمتخصصين والخبراء العلميين والجامعيين عملوا على إنجاز هذه الخارطة فتمَّ إنتاج شيء شامل جامع جيد، فيجب تطبيق وتنفيذ هذه الخارطة الشاملة في الجامعة. من الذي يجب أن يطبقها؟ الجامعات والجامعيون في البلاد أنفسهم، والأساتذة أنفسهم، هم من يجب أن يقرأوا هذه الخارطة الشاملة ويطلعوا عليها ويعلموا ما هي وما الذي تم طلبه في هذه الخارطة العلمية الشاملة وتعقد جلسات تداول لأجل تطبيقها بين الأساتذة والطلبة الجامعيين في المستويات العليا، وتلاحظ آثارها في الأجواء التعليمية وتعليم البلاد والبحث في البلاد.

القضية التالية عدم توازن الفروع الجامعية، فبعض الفروع والحقول تعاني من عزلة وغربة. الإحصائيات التي رفعوها لي تدلُّ على أن المتقدمين لامتحانات القبول الجامعي في الفرع الرياضي، وهو فرع مهم للغاية، قد انخفضت نسبتهم بمقدار خمسين بالمائة، وهذا شيء خطير بالنسبة لمستقبل البلاد. إننا نحتاج هذه الفروع العلمية الأساسية ـ وخصوصاً فروعاً مثل الرياضيات والفيزياء ـ للمستقبل، وإذا انخفض عدد المتقدمين في هذه الفروع وحصلت حالات إقبال واسعة وهجوم على الفروع ذات العائدات المالية الكبيرة التي توفر للإنسان مالاً وشغلاً بنحو فوري سريع، فهذا ما سيؤدي إلى مشكلة. وينبغي على الأجهزة الجامعية بالتأكيد تعويض وتلافي وإصلاح عوارض عدم التوازن هذا.

ومن المسائل أيضاً قضية محورية المقالات العلمية التي أشرت لها حيث ينبغي أن تكتب المقالات باتجاه حلِّ مشكلات البلاد. والطريق السهل الذي يشكله إنتاج المقالات من أجل رفع مستوى الأساتذة هو بحد ذاته من المشكلات. في النظام الداخلي لترفيع مستوى أساتذة الجامعات تلعب المقالات دوراً كبيراً جداً في ترقية الأساتذة، وهذا طريق سهل، ينبغي إنجاز العمل بشكل أدق قليلاً؛ أي إنَّ الترقية يجب أن لا تقوم على مجرد المقالات فقط، فهناك أعمال أهم يمكن أن تكون معياراً (8). (حسناً جداً هذا يدلُّ على أنكم تؤيدون هذا الكلام وأيضاً قد تعبتم (9) لذلك اختتم كلمتي).

أيها الأعزاء، على الجامعة أن تخرِّج طلاباً متفائلين بالمستقبل وأصحاب نظرة إيجابية لوضعية البلاد والمستقبل. هذه هي القضية الأهم. الطالب الجامعي اليوم يجب أن يكون واثقاً من أنه في الغد عندما يحين دوره في الإدارة والكفاءة والتدبير والإصلاح وما شاكل، فإن ما سيستلمه هو بلد أفضل من اليوم. ينبغي منح الطالب الجامعي هذا التفاؤل. وهذا هو واقع القضية. لقد تقدمنا اليوم كثيراً بالمقارنة بما قبل عشرة أعوام وعشرين عاماً وأربعين عاماً. وبعضكم مطلعون ولكن الكثير منكم شباب؛ أي إنكم لا تتذكرون ما قبل ثلاثين عاماً ـ ولا تتذكرون وضع البلاد ولا تتذكرون وضع الجامعات ـ لكنني أقول لكم إن تقدم البلاد وتقدم الأجواء الجامعية خلال هذه الأعوام العشرين أو الثلاثين كان تقدماً مثيراً للإعجاب والتمجيد حقاً. إذن، ينبغي إعداد الطالب الجامعي وتربيته على هذا النحو؛ أي يجب أن يكون معتقداً بقدرات البلاد، ومؤمناً بنجاحات البلاد ـ سواء النجاحات الداخلية أو النجاحات الخارجية ـ ومعتقداً بتقدم البلاد وقدرات البلاد وقدرة البلد على صناعة المستقبل، يجب أن يكون مؤمناً ويعرف مكانة البلاد في العالم. نحن اليوم في العالم بلدٌ له أكثر الأعداء بين الحكومات المستكبرة وبين العتاة عديمي القيمة، ولنا أكثر الأنصار بين كتل الشعوب في الكثير من البلدان، ولا أقول في كل البلدان ولكن في الكثير من البلدان. السمعة الحسنة التي للجمهورية الإسلامية في الكثير من هذه البلدان ـ في البلدان الجارة وأبعد من البلدان الجارة ـ لا يمتلكها أيُّ بلدٍ من البلدان الأجنبية. قد يكون هناك ميل وانجذاب نحو البلد الفلاني المتقدم علمياً ولكن بلا أي حب ومودة. للجمهورية الإسلامية مثل هذه المكانة ولها مثل هذا الموقع ولهذا فإنَّ لها أعداء خبثاء ألداء، وسوف يندحر كل هؤلاء الأعداء بتوفيق من الله مقابل الشعب الإيراني والجمهورية الإسلامية، ولن يستطيعوا فعل شيء.

القادة الصهاينة أناسٌ فاقوا من حيث الظلم والجور كلَّ ظلمة التاريخ.

وافترضوا الآن أن شَمِر العصر رئيس وزراء الكيان الصهيوني القاتل للأطفال (10) يذهب إلى أوروبا ويتظاهر بأنه مظلوم ويقول إنَّ إيران تريد القضاء علينا وما شاكل من كلام ـ حسنٌ، أولاً إنهم هم الشَمِر بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ أي إنهم أشخاصٌ فاقوا من حيث الظلم والجور كلَّ ظلمة التاريخ ـ ومخاطبه [مستمعه] الأوروبي يستمع ويهز رأسه ويقول له نعم نعم ولا يشير أبداً إلى أنكم ترتكبون في غزة كل هذه الجرائم، وترتكبون في القدس هذه الجرائم، لا يتحدثون عن هذا الشيء أبداً. هذا يتحدث وأولئك يهزون الرؤوس، حسنٌ هذا العالم عالم سيئ. وقد سارت الجمهورية الإسلامية بشكل منطقي في كل المجالات. ففي قضية الكيان الغاصب هذه كان جمال عبد الناصر (11) قبل أربعين أو خمسين سنة يرفع الشعارات ويقول سنرمي اليهود في البحر؛ أي إنه عندما كان يريد التحدث ضدَّ إسرائيل كان يقول سنرمي اليهود في البحر، أمَّا الجمهورية الإسلامية فلم تقل هذا الكلام منذ اليوم الأول، بل قدَّمنا مشروعاً منذ البداية وقلنا إن الديمقراطية ومراجعة الرأي العام وأصوات الشعب اليوم يمثِّل أسلوباً حديثاً عصرياً متقدماً يوافقه العالم كله، حسناً جداً، لأجل تعيين نوع حكومة دولة فلسطين التاريخية فليراجَع الرأي العام للشعب الفلسطيني وأصواتهم، ويمكن إقامة استفتاء. هذا ما قيل قبل سنين للأمم المتحدة باعتباره رأي الجمهورية الإسلامية وفكرة الجمهورية الإسلامية، وتم تسجيله هناك. هذا هو رأينا: الذين هم فلسطينيون حقاً ـ افترضوا مثلاً الذين كانوا فلسطينيين لا أقل من مائة عام فسابقاً، من ثمانين عاماً فسابقاً، لقد كان في فلسطين مسلمون وكان فيها يهود وكان فيها مسيحيون هم فلسطينيون ـ لتطلب أصوات هؤلاء الفلسطينيين أينما كانوا، سواء كانوا في الأراضي المحتلة أي كل أرض فلسطين، أو في خارج فلسطين، وأي نظامٍ يُحدده هؤلاء لأرض فلسطين سيكون هذا هو النظام المقبول الحاكم، مهما أرادوا. فهل هذا الرأي رأي سيئ؟ أليس هذا الرأي رأياً تقدمياً؟ الأوروبيون ليسوا على استعداد لفهم هذا الكلام، ثم ترى ذلك الطرف القاتل للأطفال الخبيث الظالم الشبيه بشمر يذهب هناك ويتظاهر بالمظلومية ويقول إن إيران تريد القضاء علينا والقضاء على عدة ملايين من السكان.

اللهم اجعل ما قلناه وما في أذهاننا وما سمعناه لك وفي سبيلك. اللهم قرِّب بلادنا يوماً بعد يوم من ذروة الرفعة والرُّقي الذي ينشده الإسلام. اللهم اشمل بنظراتك ولطفك وعنايتك وحمايتك أجواءنا الجامعية والجامعيين الإيرانيين والأساتذة الإيرانيين المحترمين وطلبتنا الجامعيين الأعزاء، ووفقهم لما ترضاه، واحشر الروح الطاهرة للإمام الخميني الجليل وأرواح الشهداء الطاهرة مع أوليائهم، وألحقنا بهم.

والسّلام عليكم و‌ رحمة‌ الله وبركاته.­

 

الهوامش:

1 ـ في بداية هذا اللقاء الذي أقيم في يوم الخامس والعشرين من شهر رمضان المبارك 1439 هـ ق تحدَّث ثلاثة عشر أستاذاً من أساتذة الجامعات الإيرانيين معربين عن آرائهم واقتراحاتهم في شتى القضايا.

2 ـ الكافي، ج 1، ص 11.

3 ـ غرر الحكم ودرر الكلم، ص 124.

4 ـ بحار الأنوار، ج 75، ص 7.

5 ـ أمالي الصدوق، المجلس السابع والثلاثين، ص 209.

6 ـ سورة الفتح، شطر من الآية 29.

7 ـ كلمة الإمام الخامنئي في لقائه أساتذة الجامعات بتاريخ 04/07/2015 م.

8 ـ صلوات الحضور على محمد وآل محمد.

9 ـ ضحك الإمام الخامنئي والحضور.

10 ـ بنيامين نتنياهو.

11 ـ رئيس جمهورية مصر الأسبق.