بسم الله الرحمن الرحيم
أيام أسبوع العامل لا تختص بالعمال الأعزاء فقط، بل هي لكل الإيرانيين، فطبقة العمال في الحقيقة من الصفوف المتقدمة للسعي العام في البلاد و بين أبناء الشعب من أجل بناء الغد. ما يقوله الإسلام حول العامل - بالمعنى العام للكلمة - ليس مجاملات. حينما ينحني رسول الإسلام العظيم و يقبل يد العامل فلا يمكن حمل ذلك علی عمل يراد منه المجاملة، إنما هي صناعة ثقافة و دروس يراد منها تثمين أيدي العمال الماهرة و سواعدهم الناشطة في الأمة الإسلامية و على مرّ الزمان و التاريخ. إننا ننظر للعمال من هذه الزاوية. العامل البسيط، و العامل الماهر، و المهندس، و المصمم، و كل الذين يبذلون جهودهم في سلسلة العمل و الإنتاج مشمولون بتكريم الإسلام و تقديره.
مطاليب العمال - المطاليب المادية - محفوظة في موضعها، و من واجب الجميع متابعة هذه المطاليب المادية الحقة و تحقيقها، و لكن ثمة أيضاً مطلب معنوي ألا و هو منـزلة العامل و الاهتمام بجهوده و مساعيه، و أن يفهم أن ما يقوم به إنما هو جهاد. هذا شيء مهم. العامل خلف الماكنة أو عند التصميم و رسم الخرائط أو عند العمل في المزرعة، أو في أي موضع يتم فيه إنتاج العمل، إنما ينتج شيئاً و يجب أن يشعر و يعلم أنه يقوم بعمل مهم له قيمته. هذا ما يروم الإسلام بيانه. هذه هي عقيدتنا القلبية. ثمة بون كبير بين هذه النظرة و نظرة العالم المادي، سواء العالم الرأسمالي أو العالم الاشتراكي الذي ينظر للعامل باعتباره أداةً. في العالم الرأسمالي قد يتمتع بعض العمال بوضع مادي جيد - و هذا الشيء ليس عاماً بالطبع، إنما البعض منهم يتمتعون بوضع مادي جيد - لكنهم يبقون في أعين أرباب العمل و مخططي شؤون العمل و الإنتاج مجرد أدوات، أشبه بالبراغي و الصامولات، و ما قيمته إلا حينما يستطيع تقديم قيمة مادية لهم و خلق المال لهم. هناك فرق كبير بين هذه النظرة للعامل و بين نظرة ترى العامل مجاهداً في سبيل الله بسبب ما يقوم به من عمل، و فوق كل الأجور المادية فإن له أجراً إلهياً و قيمة إلهية و ثواباً إلهياً. هاتان الرؤيتان تختلفان عن بعضهما اختلافاً كبيراً. هذا شيء ضروري و يمثل حاجة حقيقية.
في النظام الإسلامي و في الجمهورية الإسلامية العزيزة في بلادنا، خرجت طبقة العمال منذ مطلع الثورة و إلى اليوم من اختباراتها مرفوعة الرأس ناجحة. خلال فترة الدفاع المقدس، شهد جميع من كانوا هناك مشاركة طبقة العمال العظيمة، عمال المدن و عمال القرى، و عمال الصناعة و العاملين في الزراعة، و عمال الخدمات و سواهم، شهد الجميع مشاركتهم في الميادين العسكرية أو مجالات الإسناد العسكري، و لاحظ الكلُّ أي دور مارسه العمال الإيرانيون في تلك الأعوام الثمانية. و ما عدا ذلك خرج العمال في نظام الجمهورية الإسلامية منذ بداية الثورة و إلى اليوم ناجحين أبهر النجاح من الامتحانات التي مروّا بها.
تعلمون أن طبقة العمال و الشعارات السياسية التي تصطنع لهذه الطبقة في العالم، كانت دوماً من أوراق الضغط على الحكومات. و في نظام الجمهورية الإسلامية حاول بعض الأعداء منذ البداية استخدام ورقة الضغط هذه ضد الجمهورية الإسلامية. أنا بنفسي ذهبت في أيام التاسع عشر، و العشرين، و الحادي و العشرين، و الثاني و العشرين من بهمن سنة 57، ذهبت عدة أيام متوالية إلى أحد المعامل في طريق كرج بسبب حادث أو خبر وصلنا. أخبرنا العمال أنفسهم، و وصلنا الخبر من المعمل بأن البعض من التابعين للزمر الماركسية و اليسارية توجهوا إلى هناك و يريدون جعل المعمل مقراً لهم - و تعلمون أن تلك المنطقة تضجّ بالعمال، ففي طريق كرج القديم الكثير من المعامل المتراصة - و كانوا يريدون تجميع العمال هناك و التوجّه بهم إلى بيت الإمام و نحو مدرسة »علوي« حيث كان يقيم الإمام ليسيطروا حسب ما توهموا على الأوضاع. ذهبت إلى هناك. و كان في ذلك المعمل نحو ثلاثمائة أو أربعمائة عامل. و الذين كانوا قد تجمعوا في الصالة يقدرون بسبعمائة أو ثمنمائة شخص. بمعنى أن هناك أفراداً من غير العمال قد حضروا. كنت أذهب لذلك المعمل عدة أيام، أذهب صباحاً و أعود عصراً، أو أذهب صباحاً و أعود ليلاً، و في أحد الأيام وقفت سبع ساعات خلف المنصة و لاقطة الصوت أتحدث و أتحدث، و جاء واحد من أولئك و رفع الشعارات و تحدث و أجبته و أقنعته، و أخيراً أخرج العمال أنفسهم ذلك الفريق المخرب من المعمل. منذ ذلك الحين و إلى اليوم وضع أعداء الإسلام و الجمهورية الإسلامية ضمن خطة عملهم رفع شعارات سياسية و الإمساك بطبقة العمال كأداة ضغط على الإسلام و النظام الإسلامي. منذ ثلاثين سنة و هم يسعون سعيهم و يحاولون استخدام هذه الورقة ضد نظام الجمهورية الإسلامية، و منذ ثلاثين سنة و هم يتلقّون الصفعات من قبل عمّال البلاد. هذه هي معرفتنا بطبقة العمال. هذه هي العلاقة الصميمية بين طبقة العمال و النظام الإسلامي، المرتكزة على الإيمان و على الركن الركين الذي تأسس عليه النظام الإسلامي. لذلك سوف تتقدم مسيرة البلاد نحو الإنتاج و بمحورية العمال و المنتجين - من عمال و أرباب عمل - و لن يكون بوسع المسيئين الإخلال في هذه المسيرة.
طيب، لننظر الآن إلى ماهية القضية. التقدم المادي للبلاد يتوقف بالدرجة الأولى على عنصرين: العنصر الأول هو العلم، و العنصر الثاني هو الإنتاج. إذا لم يكن ثمة علم تلكأ الإنتاج أيضاً. البلد يتقدم بالعلم. إذا كان هناك علم و لكن لم يحصل إنتاج و تكامل و تطور على أساس هذا العلم سوف يبقى البلد يراوح. و قد كان العيب و النقص خلال فترة حكم الطواغيت هو أننا لم نكن نمتلك العلم، و لأننا كذلك لم يكن لدينا إنتاج قائم و متقدم و متطور على أساس العلم. لذلك حينما دخل العالم حيّز الصناعة و تقدم في هذا المجال تقدمت القارة الآسيوية التي دخلت ساحة الصناعة بعد أوربا، أما نحن فبقينا متخلفين نتيجة حكم الطواغيت و الظروف المختلفة. و إذا أردنا التعويض - و نحن نريد ذلك و قد تحرك شعبنا و حقق تقدماً جيداً - فعلينا الاهتمام بالعلم و الإنتاج، و متابعة ذلك في مراكز العلم و البحث العلمي و بأشكال حديثة جديدة. منذ سنوات و أنا أشدد على مسألة العلم، و الحمد لله فقد تحركت عجلات التقدم العلمي و إنتاج العلم في البلاد، و طبعاً ينبغي زيادة سرعتها فنحن لا نزال في بداية الطريق.
و ثانياً: الإنتاج. الإنتاج في حيّز الصناعة و في مجال الزراعة يحتل المرتبة الأولى من الأهمية. البلد الذي لا يكون فيه إنتاج سيكون تابعاً شاء ذلك أم أبى. حتى لو كان كل نفط العالم و غازه كامناً في جوف أراضينا و في آبارنا لما نفعنا ذلك شيئاً. و ترون أنه توجد بلدان ثرية للغاية من حيث احتياطيات المعادن و الطاقة و الفلزات الثمينة النادرة، لكنهم يعيشون حياة تعيسة ذليلة على الأرض التي تحمل في داخلها كل تلك الكنوز. ينبغي تطوير الإنتاج في البلد، و خصوصاً الإنتاج القائم على العلم و المهارات العلمية و التجريبية. و هذا ما يتم على أيدي العمال و أرباب العمل. و إدارة ذلك تقع على عاتق الحكومة إذ عليها التنظيم و البرمجة و العمل. و بوسع سياسات المادة 44 التي أعلنّا عنها قبل سنوات و أبلغناها للأجهزة الحكومية و التشريعية أن تمارس دورها في هذا النطاق، و لكن يتعيّن على الجميع توخّي الدقة و الحذر.
الإنسان مخلوق عجيب يا أعزائي! أحياناً تغدو حتى العبادة و صلاة الليل أداةً لتغلغل الشيطان و خداع النفس البشرية بأن صاحبها يصلي صلاة الليل! كل الأفكار الحسنة الشريفة يمكن أن تتحول إلى منافذ للشيطان. سياسات المادة 44 شيء جيد جداً و ضروري و ينبغي تطبيقها بالتأكيد على نطاق واسع. و لكن يتعين الحذر من أن تتحول إلى فخ شيطاني رغم إيجابيتها.. كصلاة الليل. من هنا أيضاً يمكن للشياطين أن يتوغلوا. قلت مراراً أن الاستغلاليين و الانتهازيين و العلماء بالقانون الخارقين له، و الذين يعرفون كيف يخدعون المأمورين و المسؤولين و الرؤساء و المرؤوسين و الناس في الشوارع و الأزقة من أجل الوصول إلى طعم معين، يأتي هؤلاء و يشتروا المعمل ثم يعطلوه بذرائع شتى و يتركوا العمال عاطلين عن العمل، ثم يعيدون تكاليف شراء المعمل ببيع مكائنه القديمة، و يكسبون المليارات و آلاف و ألوف من بيع أراضي المعمل. هذه أمور حصلت، و يمكن أن تحصل، و ينبغي على الجميع الحذر منها.
القضية الأخرى في مجال العمل هي العلاقة بين العامل و رب العمل. كلا المنهجين الدارجين في زماننا - المنهج الاشتراكي و المنهج الرأسمالي - خاطئ. في المنطق الاشتراكي كان العامل و ربّ العمل عدوّين يقفان بوجه بعضهما و يتعطشان لدماء بعضهما.. هذا هو تحليلهم. و الحل الذي قدموه كان باطلاً ضعيفاً خاطئاً: ملكية الحكومة لكل مصادر الإنتاج و أدواته، و التي أدت بعد عدة عقود إلى تلك الفضيحة. كانت هذه نظرة تقرر حالة عداء و صراع بين العامل و ربّ المعمل. و النظرة الأخرى هي نظرة المنطق الغربي التي تعتبر ربّ العمل سلطاناً مسلطاً على العامل و مالكاً له و ترى العامل أداة بيد ربّ العمل و تحت تصرفه. هذا بدوره إهانة لشخصية الإنسان، و رؤية خاطئة تماماً. كلا النظرتين خاطئة!
ليست هذه نظرة الإسلام. نظرة الإسلام نظرة التعاون، فهذان عنصران إذا تركّبا سوف ينتجا العمل. خلافاً للنظرة اليسارية و الماركسية التي تقيم كل شيء على أساس التناقض - و قد محيت من صفحات الفكر الفلسفي في العالم و الحمد لله - يتجه الإسلام نحو رؤية الوئام و التعاون. بدل أن يكون هذا العنصران على الضد من بعضهما لينتجا شيئاً ثالثاً، يلتئمان ليوجدا شيئاً ثالثاً. هذه هي نظرة الإسلام، و هي النظرة الطبيعية، و نظرة السنة الإلهية و قوانين الخلقة. و كذا الحال بالنسبة لكل قضايا العالم من طبيعية و سياسية و تاريخية و اقتصادية و غير اقتصادية. نظرية الإسلام، في مقابل نظرية التناقض الماركسية، هي نظرية الالتئام و الائتلاف و التزاوج و المواكبة و التكامل. و كذلك الحال بالنسبة لقضية العامل و ربّ العمل. هذان عنصران يجب أن يضعا أيديهم في أيدي بعضهم حتى يظهر العمل إلى النور و يكون ثمة إنتاج. العامل من دون ربّ العمل لا يستطيع فعل شيء، و رب العمل من دون العامل لا يستطيع فعل شيء. يتموضع هذان إلى جوار بعضهما في إطار علاقة سليمة و أخلاقية و إنسانية، و عندئذ تكون الأجواء أجواء تنمية الإنتاج. و فضلاً عن التقدم المادي ستتوفر الحالة المعنوية. هذه هي نظرتنا. لا تعتبر رب العمل ملعوناً مطروداً كما يراه التيار اليساري، و لا نعتبره سلطاناً بيده كل شيء كما يريد التيار اليميني. كلا، رب العمل يمكن أن يكون عنصراً شريفاً - إذا تعاون حقاً كان شريفاً حقاً - إلى جانب عنصر شريف آخر هو العامل. يضعان يداً بيد و يسيران حسب علاقات إنسانية و إسلامية واضحة. هذا هو أساس العمل. على الجميع العمل بهذا الاتجاه. و على العامل نفسه و ربّ العمل نفسه أن يحاولا بكل إخلاص التقدم بالإنتاج في البلد إلى الأمام.
أعزائي، نحن متأخرون. طبعاً إذا قارنّا الأمور بما كانت عليه في زمن الطاغوت سنكون متقدمين جداً. في عهد الطاغوت كنا بحاجة للأجانب من أجل أصغر الأشياء في منظومة الإنتاج و المكائن و المعامل و الصناعة. و المعامل التي كانت تؤسس كانت معامل مونتاج تابعة للأجنبي مائة بالمائة. لم نكن نجيد التصميم و لا الصناعة و لا معرفة العناصر اللازمة. كان يجب أن نأخذ كل شيء من الأجانب و نطلبه منهم و نتوسل إليهم.. نعطي النفط و نعطي المال و نعطي ماء الوجه و السمعة، و نعطي الاقتدار السياسي و نخضع لهيمنتهم لنحصل على شيء. و اليوم يصدِّر الشعب الإيراني خدماته التقنية. بلدكم اليوم من أبرز البلدان و في المراتب العليا عالمياً في مجال بناء السدود و محطات الطاقة. فأين هذا من ذاك؟ الأعمال التي تقومون بها حالياً - الأعمال الصناعية و التقنية - لها من يشتريها في الكثير من بلدان العالم. إنكم تؤسسون خطوط إنتاج في العديد من بلدان العالم. هذا الشيء لم يكن له معنى إطلاقاً في عهد الطاغوت. نذهب و نؤسس خطوط إنتاج صناعية لبلد عدد سكانه كبير و قد يكون نفطياً و ثرياً؟! هذا الكلام لم يكن له معنى آنذاك، و قد تحقق اليوم. إذن، نحن متقدمون تقدماً كبيراً بالمقارنة إلى الماضي. لكننا متأخرون بالقياس إلى ما هو شأن الشعب الإيراني و مكانته و ما يستدعيه تراثنا التاريخي، و ما ينبغي لإيران أن تكونه بين بلدان العالم. لذلك يجب أن نتقدم. هناك الكثير من الأعمال الضرورية يجب إنجازها. حينما أقول »الهمّة المضاعفة« فهذا هو السبب. لا تقتصر هممنا على أن نرفع هذا الحجر من طريقنا - هذا ليس بالشيء الكبير - إنما يجب أن تتعالى هممنا إلى مستوى الصعود إلى القمم. هذا هو معنى الهمّة المضاعفة. و هذا لا يأتي مجاناً، و لا يحصل بمجرد الكلام و المجاملات و المديح، إنما يحصل بالنـزول الحقيقي إلى ساحة العمل و الإبداع.
همة العامل، و همة المهندس، و همة المصمم، و همة الباحث العلمي في مراكز البحث و التحقيق - المراكز التي تدعم المشاريع علمياً - و همة ربّ العمل و الباذل و المموّل، و همة المسؤول الحكومي.. هذه الهمم كلها يجب أن تتضاعف و تزيد، و هو أمر ممكن. إمكانياتنا أكثر من هذا بكثير يا أعزائي أحياناً يقترح المرء على الإنسان شيئاً فوق طاقته و أكبر من إمكانيته. هذا الشيء ليس عقلانياً و لكن أحياناً تنظرون إلى شاب و جسمه و عضلاته و ترون أن بمقدوره أن يكون مصارعاً من الدرجة الأولى، أو لاعب جنباز من الطراز الأول، أو رياضياً كبيراً في المجال الفلاني.. يمكنه أن يكون نجماً، فتقولون له: حاول و أسع سعيك. هذا يختلف عن إنسان ضعيف لم يمارس الرياضة لمدة عشرين سنة و لا يمكنه أن يكون مصارعاً جيداً. الشعب الإيراني أشبه بذلك الشاب الموهوب المتناسق البدن و صاحب الإمكانيات الذي إذا بذل سعيه اللازم استطاع أن يصل إلى القمة و يحقق النجومية. هكذا هو الشعب الإيراني، و قد أثبت ذلك. هذا ليس ادعاء و لا هو شعار، بل هو واقع تجلّى لنا من خلال الدراسات. تجارب الأعوام الثلاثين المنصرمة جعلت هذا الأمر واضحاً بالنسبة لنا كالشمس في رابعة النهار.
الشعب الذي لا يساعده أحد، و تغلق في وجهه أبواب المنتوجات الصناعية و التقدم التقني، و إذا به ينتج بنفسه الجيل الثاني و الثالث و الرابع من أجهزة الطرد المركزية، و يبهت كل أصحاب الطاقة و الصناعات النووية في العالم. من أين تعلموا هذا؟ الشعب الذي لم يساعده أحد في علوم الأحياء، و إذا بهم ينظرون فجأة فيرون أنه ينتج ما ينتج من الخلايا الجذعية. كم من البلدان في العالم يستطيعون فعل ذلك؟ سبعة أو ثمانية أو تسعة بلدان. من بين كل هذه البلدان و كل هذه الادعاءات، يقفز هذا البلد فجأة من المرتبة المائتين مثلاً إلى المرتبة الثامنة. عن ماذا ينمُّ هذا؟ ألا ينمُّ عن موهبة خارقة؟ في بداية الحرب لم نكن نعلم ما هو الآر. بي. جي - الآر. بي. جي صاروخ صغير، و الذين كانوا في الحرب شاهدوا ذلك و جربوه مراراً - لم يكن لدينا و لم نكن نعرفه و لم يكن من أسلحتنا المعتمدة، و الآن بعد مضي عدة سنوات و رغم ظروف الحظر و المحاصرة يصنع بلدنا صاروخ »سجيل« و يصنع صواريخ تحمل أقماراً صناعية، و العالم يقف هكذا و ينظر بذهول. و قد أنكروا ذلك في البداية و قالوا: إنهم يكذبون، و لا يستطيعون، لكنهم وجدوا بعد ذلك أن الأمر واقع. و كذا الحال في كل القطاعات. ما معنى ذلك؟ معناه أن هذا الشاب موهوب جداً، و أن هذا الشعب له إمكانيات و قابليات كبيرة، و أن هذه الطاقات البشرية مهمة و قيمة جداً و يجب الاستفادة منها. إذن، نحن قادرون. هذا هو معنى الهمّة المضاعفة، أي نقل الإمكانية الكامنة إلى الفعل.
و العالم الذي يصطف بوجه إيران و يكشّر لها عن أنيابه و يعرض أظفاره الدامية و يسيئ أخلاقه و يمارس العرقلة و التعثير إينما استطاع إلى ذلك سبيلاً، هو العالم الاستكباري. العالم الخاضع للنظام الرأسمالي الظالم الجائر. هذا العالم ليس بوسعه أن يطيق هذا الوضع لأنه خارج قاعدته، لذلك نراه يواجهه و يعاديه، و أنتم تلاحظون العِداء و الإساءة طوال هذه الأعوام الثلاثين. الشيء الذي لم يكن قليلاً و شاهده الجميع و امتلأت منه أعينهم هو العداء و العناد و الخبث الذي مارسه أعداؤنا. لكنهم لم يستطيعوا فعل شيء و كونوا واثقين أنهم لن يستطيعوا فعل شيء بعد الآن أيضاً.
نحن نستند إلى ألطاف الله و توفيقاته، و إلى الإيمان الذي تحدثت عنه في بداية الكلمة و الراسخ و المتجذر في قلوبكم و في قلوب كل واحد من أبناء الشعب الإيراني. حينما يكون هذا الاستناد و التوكل و الاعتماد، و يبذل الإنسان مساعيه و طاقته، سيكون »إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات« ذلك إيمانكم و هذا العمل الصالح. كل هذه الوعود الحسنة التي وعد بها المؤمن ذو العمل الصالح في القرآن الكريم - الانتصار في الدنيا، و الفلاح و النجاح في عالم المعنوية و العالم الآخر، و التقرب إلى الله تعالى، و الشموخ و العزّ و النصر في الدنيا و الآخرة - إنما هي نتائج ذلك الإيمان و العمل الصالح. علينا السير في هذا الطريق.
رحمة الله و سلامه على إمامنا الجليل الذي دلنا على هذا الدرب.. هو الذي جعلنا نسير في هذا الطريق.. هو الذي أخذ بأيدينا و أيقظنا بجوهره الإلهي و سار بنا إلى هذا الوادي. كلما تقدم هذا الشعب زاد الله تعالى من حسنات ذلك الرجل الكبير. و سلام الله و رحمته على شهدائنا و مجاهدينا و الذين ضحوا في هذا السبيل و وضعوا أرواحهم على الأكف و نزلوا إلى وسط الساحة، سواء هم، أو عوائلهم، و سواء الذين استشهدوا منهم أو الذين أصيبوا و تعوقوا، أو الذين بقوا لشعبنا و الحمد لله. أجزل الله الأجر لهم جميعاً. نتمنى أن تشملكم جميعاً توفيقات الباري عزّ و جلّ و الأدعية الزاكية لسيدنا الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه).
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.