بسم الله الرحمن الرحيم
مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء. بوركت عليكم جميعاً إن شاء الله مناسبة يوم المعلم، و على كافة المعلمين في جميع أنحاء البلاد، و كذلك علی الشعب الإيراني. إنه لدرس لنا أن يجعلوا يوم المعلم يوم استشهاد معلم كبير. هذه خطوة رمزية تعني أن عظمة عملية التربية و التعليم ترتقي إلى حد الامتزاج بين العمل الفكري و العلمي و المشاركة في الميادين الأساسية للحياة - كما كان عليه الشهيد مطهري رضوان الله تعالى عليه - و هذا هو الوضع المنشود و المحبّذ في هذه المهنة الشريفة و العمل العظيم.
ثمة نقطة أساسية هي أن على معلمي البلاد معرفة عظمة العمل الذي أخذوه على عواتقهم و راحوا يقومون به. إذا علم المرء أي عمل عظيم يقوم به سوف يتضاعف تحفزه و حركته و إيمانه و سعيه في هذا العمل. كالجندي الشجاع الذي يعمل و يجاهد في نقطة حساسة من خطوط الجبهة، فإن دوره الجهادي من العظمة و الأهمية بحيث يمكن أن يؤثر و ينفع للجبهة كلها. إذا علم المقاتل هذه الحقيقة فلن يتعب أبداً و لن يملَّ إطلاقاً، و لن يؤثر فيه أيُّ عامل من عوامل اليأس. هذه نقطة يجب أن تكون حاضرة دوماً أمام أعين معلمينا و هي أن دور المعلم بالنسبة للمجتمع دور حيوي و لا يقبل المقارنة مع الكثير من الأدوار المهمة و الحساسة في التركيبة الاجتماعية.
هذه المادة الخام التي توضع تحت تصرف المعلم لوح بسيط و على حد قول الشاعر: »أنا لوح بسيط مستعد لتقبّل أية نقوش« و اليد الرسامة ترسم هذا اللوح و تصوّره و تمنحه هوية جديدة. ثمة عوامل مختلفة: عوامل التربية و الدين و الأحداث الاجتماعية و المؤثرات الخارجية، و في عصرنا الحاضر: وسائل الإعلام و ما إلى ذلك تؤثر جميعها، بيد أن دور المعلم يبقى دوراً بارزاً مميزاً. بوسع المعلم أن يخرج هذه المادة الخام حتى من أسر العوامل الوراثية. و قد أثبت العلم ذلك. كما أن العوامل الوراثية السلبية كالأمراض و الأعراض الجسمية يمكن إزالتها بتدابير معينة و أعمال وقائية و أنشطة محددة، كذلك الحال بالنسبة للعوامل الوراثية الأخلاقية و الروحية و المعنوية. بوسع المعلم تربية هذا الحدث أو الطفل و جعله إنساناً عالماً مفكراً يتحلى بروح البحث العلمي و يرغب في البحث و الدراسة و العلم، أو يجعله إنساناً سطحياً غير راغب في العلم و التعمق و البحث العلمي. بوسعه أن يخرِّجه و يقدمه للمجتمع إنساناً شريفاً نجيباً خيراً طيب القلب طاهر النفس، أو على العكس قد يجعله إنساناً شريراً مسيئاً. و بمقدوره أن يجعله إنساناً متفائلاً ذا ثقة بالنفس و مملوءاً بالأمل و محباً للعمل و النشاط، أو على الضد من ذلك يمكنه تخريجه إنساناً يائساً قانطاً منعزلاً منكفئاً على نفسه. كما بوسعه أن يجعل منه إنساناً متديناً تقياً ورعاً طاهراً، أو إنساناً لا أبالياً غير آبه للقيم الأخلاقية و التعاليم الدينية. بوسعه التغلب حتى على عوامل التربية الخارجية مثل وسائل الإعلام. بل إن التعليم المستمر على مدى سنوات و العمل على هذه المادة الخام و القلب المستعد لتقبّل الأشكال المختلفة، يمكنه التفوق حتى على الدور التربوي للوالدين. هذا هو دور المعلم.
المجتمع بحاجة إلى أفراد مؤمنين متحفزين صبورين متفائلين آملين مهتمين بالمصالح العامة و راغبين في الوصول إلى قمم الكمال الفردي و الاجتماعي.. أناس مبتكرين محققين باحثين و طلاب تقدم. من الذي سيخلق ذلك؟ هنا يبرز دور المعلم. جهاز التربية و التعليم مهم و حساس إلی هذه الدرجة.
طبعاً، قيل الكثير عن قضايا التربية و التعليم و دور المعلمين. و نحن اليوم لسنا في ظروف تجعلنا نكتفي بالكلام بل نحتاج إلى العمل. التربية و التعليم سواء في جانبها اللجاني أو في ما يتصل بمجموعة المعلمين و الأساتذة في كل أنحاء البلاد، بمقدورها رسم مصير البلاد و مستقبله. صحيح أن التغيير الجذري للتربية و التعليم مشروع أساسي نبّهنا له مسؤولي البلاد و مدراء التربية و التعليم مراراً. و الحمد لله سمعتم في كلمة الوزير المحترم أنه تم العمل بصورة جيدة على هذا الصعيد حيث يجب القيام بتغيير أساسي في التربية و التعليم حسب الاحتياجات و على أساس الأهداف السامية و الإمكانيات الهائلة المتوفرة في البلاد، و الطاقات الإنسانية الموجودة.. هذا الشيء صحيح في محله و موضعه، و أنا أشدد هنا على هذه العملية و أن لا تتوقف بل يجب أن تتابع و تستمر حتى النهاية بشوق و همة مضاعفة و تحفّز لا ينتهي، و هي عملية صعبة طبعاً، لكن المعلم من حيث تحفزه الشخصي و من حيث شعوره بالمسؤولية لا يمكنه أن يتوقف عن العمل إلى حين يتوفر الواقع المنشود و المحبذ في مؤسسة التربية و التعليم. توصيتي لكم جميعاً أيها المعلمون الأعزاء و المعلمون في جميع أصقاع البلاد هي أن تؤمنوا بدوركم العظيم هذا و أن تعلموا أي دور خطير تمارسونه لمستقبل البلاد.
تعرض بلدنا طوال قرون لخسائر جسيمة و تخلف كبير و غفلة لا يمكن تعويضها.. هذا الحال الذي نشاهده اليوم. و مع ظهور الثورة الإسلامية و بهذه الحركة و المسيرة الجديدة يجب أن يسير هذا البلد في الطريق الجدير به و الجدير بتراثه و القمين بإسلامه.. و هذا بحاجة إلى حركة عظيمة.
ليلتفت المعلمون الأعزاء أيَّ إنسان بحاجة لغد هذا البلد. ما هي الخصوصيات التي يجب أن يتميّز بها رجالنا و نساؤنا من أجل بناء هذا البلد بشكل مطلوب و جيد؟ هذا ما يتمّ على أيديكم. هذا الحدث أو الطفل الجالس في الصف أمامكم هو تحت تصرفكم و يمكنكم تعزيز روح الثقة بالنفس لديه و زرعه بالأمل و دفعه إلى سوح العمل من خلال كلامكم و أسلوبكم و سلوككم معه، و بمقدوركم بثّ روح التدين فيه كما ينبغي له. يمكنكم جعله إنساناً ذكياً دؤوباً اجتماعياً محباً لمصالح المجتمع، و إيقاظ روح الإبداع لديه. معلمنا الواعي يمكنه القيام بكل هذا داخل الصف الدراسي. هذا هو الواجب العام للمعلمين في كافة أنحاء البلاد.
طبعاً، من أجل أن يقوم المعلم بكل هذا يشعر أنه بحاجة إلى توجيه و إرشاد دقيق من قبل المجتمع و المفكرين و متخصصي التربية و التعليم. هذه الحاجة هي التي تفرز الثمار و تأتي بها. إذا شعر المعلمون بهذه الحاجة سينعكس شعورهم هذا فوراً على الأجهزة المنتجة في البلاد، فيتمُّ إنتاج ما نحتاج إليه. ما لم نشعر بالحاجة و ما لم نسأل و ما لم نطلب فلن يصار إلى إنتاج الشيء الذي نحتاجه. هذا هو دور التربية و التعليم.
و أقول حول شهيدنا الغالي المرحوم آية الله مطهري (رضوان الله تعالى عليه): الحق أن سلوك ذلك الرجل الكبير و طبعه كان دليلاً و مؤشراً على معلم كامل يشعر بالمسؤولية. لم يتخلف عن الخوض في أي مجال من المجالات التي تحتاج إلى تواجد المفكر الإسلامي، و لم تستطيع الملاحظات و المصالح و الاعتبارات المختلفة إعاقته و منعه من الخوض في هذا المجال أو ذاك، سواء في المجالات السياسية أو الصعد الفكرية. على مستوى الإجابة عن الأسئلة المختلفة التي كانت تشغل ذهن شبابنا في تلك الفترة لم يكن الشهيد مطهري كبعض أدعياء التنوير الديني يعرض أفكاراً أجنبية على منطق الدين و محتواه بطلاء ديني و قوالب دينية، بل على العكس، قدم المفاهيم الدينية الحقيقية بمظاهر تتناسب مع روح العصر و مع أسئلة المتلقين و احتياجاتهم. لم يكن يلهث وراء أن تمدحه مجموعة معينة أو فئة فكرية خاصة. حارب الرجعية و التخلف الفكري و التحجر و الأفكار الدينية الخاطئة - الناتجة عن التحجر و الرجعية - بنفس المقدار و الشدة التي واجه بها البدع و الأفكار المنحرفة و الانتقائية. هذه كانت ميزة ذلك الرجل الكبير. لم يتعب، بل كان دؤوباً يبذل جهوده دون انقطاع. و لم يتقيّد بالأسماء و العناوين الجامعية و الحوزية الدارجة. نزل إلى الساحة كجندي من جنود الفكر و التأمل. عمل بإخلاص و قد بارك الله تعالى في عمله. و اليوم بعد ثلاثين عاماً على استشهاد ذلك الرجل الكبير لا يزال كلامه جديداً حياً، كتب لهذا العصر. في ذلك الوقت كان ثمة من ينتفع من آرائه و أفكاره على مختلف المستويات الفكرية و يستخلص إجاباته من أفكاره، و اليوم أيضاً حيث تطورت الأفكار و انحلت الكثير من المسائل التي واجهت الذهنيات الباحثة، لا يزال فكر الشهيد مطهري يجيب عن أسئلة جديدة. و هذه هي سمة الفكر العميق المصحوب بالإخلاص.
الإخلاص حالة معجزة. إذا وضع الإنسان أقدامه في طريق معينة من أجل الله، بارك الله في عمله، و هكذا يتحول الجهد الذي بذله ذلك الرجل العظيم و الشهيد العزيز طوال عقود من الزمن ذخراً لا ينفد لمجتمعنا. هذه مهمة تقع على عواتقنا جميعاً و على كافة الأصعدة.
شعبنا و بلدنا اليوم، و بعد مضي ثلاثة عقود على أكبر حدث وقع في هذا البلد بعد دخول الإسلام إليه - أي قيام النظام الإسلامي و هذا أكبر حدث - و لفت إليه أنظار العالم الإسلامي و ليس المنطقة و حسب، بل ترك بصماته على المعادلات السياسية في العالم، و قد حقّق الشعب و الحمد لله في هذه الأعوام الثلاثين تقدماً كبيراً في المرافق المختلفة، من المناسب اليوم أن ينظر مفكرو البلد إلى أفق المستقبل و يروا ما الذي يريدونه و ماذا يريدون أن يفعلوا.
العالم الإسلامي عالم متشتت و متفرق. المسلمون رغم توفرهم على القرآن و على أمتن التعاليم و أقواها يعانون من التخلف لأسباب شتى. ما هي هذه العوامل؟ ينبغي معرفتها. يتعين أن تنصب همة شعب إيران على الوصول إلى محطّة تتحول فيها جميع سلوكياتها و حركاتها و سكناتها و نتاجاتها الفكرية إلى مرجعية متقنة أكيدة للشعب في العالم الإسلامي. ليجد مفكرو الشعوب و مثقفوها الطريق. هذه هي المسؤولية التاريخية التي تقع على الشعب الإيراني. و هذا هو الطريق الممتد أمامنا بشكل طبيعي. علينا السير في هذا الطريق و قطعه بصورة صحيحة. لنتحرك بثقة بالنفس. لنأخذ معنا إلى الساحة كل قدراتنا و طاقاتنا البشرية و الفكرية و مواهبنا التي منحها الله تعالى لهذا الشعب، عندئذ سيتغيّر مصير العالم الإسلامي، و تبعاً له مصير العالم.
العالم يسير حالياً في طريق سيئ. و يعيش أوضاعاً سيئة. الأخلاق تسحق في العالم. و الشعوب تعاني و تتألم من هذا الانحطاط الأخلاقي، و مفكرو الشعوب متنبهون لهذه الخسارة الكبرى، و يبدون إنزعاجهم و قلقهم و هذا ما يمكن أن يلاحظ على كلامهم و آرائهم. يمكن السير في طريق تنقذ البشرية مما هي فيه. هذا المصير المفزع المنتصب أمام البشرية يمكن تغييره، و الخطوة الأولى أن نوجد في أنفسنا ذلك التحرك الكبير و التحول العظيم. و الأمر يبدأ من التربية و التعليم. لقد توفرت البُنى التحتية و الحمد لله طوال هذه السنوات الثلاثين في القطاعات المختلفة بشكل جيد. يمكن التحرك على أساس هذه البُنى التحتية. الواجب ثقيل و الطريق طويل و العمل صعب، و لكن في نهاية الطريق يلوح الضياء و النور الذي يمنحه الله، و بوسع المرء أن يرى ذلك. نهاية الطريق مشرقة، و الأفق مشرق، و يمكن السير في هذا الطريق بصورة جيدة.
هناك حالات عِداء ضدنا. أي نجاح يحرزه الشعب الإيراني يؤدي إلى أن يشعر البعض في العالم بالإخفاق. الأقوياء يصطفون بشكل طبيعي إزاء هذه التحركات غير المنسجمة مع مصالحهم غير المشروعة، هذا ليس بالشيء العجيب و غير المتوقع، إنما هو شيء متوقع بالنسبة لكل شعب يدخل ساحة الكفاح الحياتي العظيم.. شيء متوقع. واصل شعبنا مسيرته هذه منذ بداية الثورة و إلى اليوم مواجهاً هذه العقبات و الموانع. هذه ليست بشيء. هذه التهديدات و الكلمات التي يطلقونها و حالات المعارضة و العرقلة التي تصدر عنهم، أثبتت تجربة الشعب الإيراني أن لا تأثير لها في مسيرة الشعب و لن تؤدي إلى تبطيئ حركته و سيواصل الشعب مسيرته و طريقه. المهم أن يعرف كل شخص دوره؛ أن يعرف كل شخص أينما كان واجبه الملقى على عاتقه بنحو صحيح و يقوم به. و سوف يساعدنا الله بمشيئته عزَّ و جلَّ.
نتمنى أن يتابع المسؤولون المحترمون في وزارة التربية و التعليم هذه العملية الكبيرة بهمة عالية و عمل دؤوب مضاعف و سعي متظافر إن شاء الله في ضوء هذه الحقائق المهمة و المسؤوليات الجسيمة المذكورة، و سوف تحققون أنتم المعلمين الأعزاء أينما كنتم من أرض البلاد هذا العمل بتفاؤل و توكل على الله تعالى و نظرٍ إلى رحمته و هدايته و أجره. نتمنى أن يثيبكم الله جميعاً، و يسرَّ أرواح شهدائنا الأبرار الطاهرة الذين وفروا لشعبنا هذه الفرصة و الإمكانية للخوض في قضاياه الأساسية. ندعو أن يحشر الله تعالى الروح الطاهرة لإمامنا الجليل فاتح هذا الدرب أمامنا مع الأرواح الطيبة لأوليائه، و أن يشملكم جميعاً بالأدعية الزاكية لسيدنا بقية الله الإمام المنتظر (أرواحنا فداه).
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته