بسم الله الرحمن الرحيم

أبارك لكم جميعاً أيها الشباب الأعزاء و يا أمل المستقبل النجاحات التي حققتموها في فترة دراستكم و استعدادكم للدراسة في هذه الجامعة، و كذلك بمناسبة ذكرى اليوم العظيم الثالث من خرداد، و هو يوم لا ينسى في تاريخ الثورة بل في تاريخ بلادنا.
المراسم هذا اليوم مراسم جيدة جداً و في حدود النصاب، و هي كالحرس الثوري نفسه ممتزجة بالمعنوية و القدرات الروحية و الجسمية و الاستعداد و الجاهزية الفكرية و العلمية، و دليل على تقدم الحرس الثوري إلى الإمام.
أعزائي، يوم فتح خرمشهر - و هو في الحقيقة نقطة الذروة في عمليات »بيت المقدس« التي جرت في شهري أرديبهشت و خرداد من سنة 61 - نموذج زاخر بالدروس و العبر لنا جميعاً و لتاريخنا و لمستقبلنا. ففي هذا اليوم استطاعت القوات الفدائية في الجيش و الحرس بتنسيق مذهل و مثير للإعجاب، و بشجاعة و تضحية تفوق الوصف توجيه ضربة قاسمة لا لجسد الجيش العراقي و حسب، بل لجسد النظام الاستكباري العالمي الذي وقف بعدده و عدته خلف الماكنة الحربية لنظام البعث. ما كان أحد يظن أن مثل هذا الشيء سيحدث، لكنه حدث.
فما هو العامل الرئيسي في هذه القضية؟ يمكن سرد عدة عوامل لذلك، لكن العامل الأول و الرئيس هو روح الثقة بالله و الثقة بقوتنا و قدراتنا. لو أردنا يومذاك التفكير وفق الحسابات العادية و الدارجة، لما استنتج أحد أن مثل هذه الحدث يمكن أن يقع، لكن شبابنا و رجالنا المؤمنين و جنودنا في القوات المسلحة بهمتهم و إيمانهم و توكلهم على الله و وضعهم أرواحهم العزيزة على الأكف و عدم خوفهم من أخطار الموت خاضوا غمار الساحة و خلقوا هذا الحدث العظيم. فتح خرمشهر قمة هذه المفاخر و ثمرتها، و لكن طوال مدة عمليات بيت المقدس التي استمرت قرابة شهر كانت هناك المئات من علامات التضحية بشكل مثير للدهشة.
أنتم الشباب الأعزاء أبنائي الأحباء أرجوكم أن تقرأوا بدقة تفاصيل هذه العمليات التي دوّنت لحسن الحظ جوانب قليلة منها. انظروا ماذا فعل شبابنا و رجالنا الذين يستلزم ذكر أسمائهم جميعاً كتاباً ضخماً. و لو أردنا استثناءً ذكر أسماء بعضهم كنموذج فيجب الإشارة إلى أفراد مثل »أحمد متوسليان« القائد الشجاع الحرّ المضحي، لنعلم ماذا فعل هؤلاء في هذه العمليات و المواجهة الكبرى و ما هي القوة التي استعانوا بها. العبارة المنقولة عن إمامنا الجليل و التي سمعتموها طبعاً حيث قال: »الله هو الذي حرّر خرمشهر« هي في الواقع أدق و أحكم كلمة قيلت في هذا الباب. و تماثل تماماً من حيث المعنى قوله تعالى »و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى«.(1) لقد تجلت قدرة الله تعالى في قلوب المقاتلين و عزيمتهم الفولاذية و صبرهم و سواعدهم القديرة، و قدرتهم على الإبداع و الابتكار. كان العدو يعتمد على الماديات. و واضح أن القوى المادية لا تستطيع مجابهة غليان المعنوية و الإنسانية. و كذا هو الحال دائماً. و الحال على نفس الشاكلة اليوم أيضاً.
أعزائي، اليوم أيضاً لا تستطيع القوى المادية بكل قدراتها - بأموالها، و صناعتها، و تقنيتها المتطورة، و تقدمها العلمي - مجابهة المجاميع البشرية التي تتخذ من الإيمان و العزيمة و الهمّة و التضحية مؤشراً و معياراً لها في أمورها.
الذين وقفوا يومها مقابل شعب إيران و جنوده، هم أنفسهم الذين يقفون اليوم مقابل شعب إيران.. يجب أن نعرف هؤلاء. يومها أيضاً كانت أمريكا، و الناتو، و بريطانيا، و فرنسا، و ألمانيا. كانوا يعطون لصدام الأسلحة الكيمياوية و التجهيزات و المعدات العسكرية و الطائرات و خرائط الحرب، و يزودونه بمعلومات حديثة عن ساحة المعركة، و يقفون وراءه عسى أن يستطيعوا دحر نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هذا النظام الرفيع، نظام التوحيد و المعنوية الذي يمثل راية التوحيد و الإنسانية المرفرفة، و نداء حرية الشعوب و استقلالها. هؤلاء كانوا يقفون سنداً لصدام، و هم اليوم موجودون و واقفون أيضاً. الذين يسعون اليوم أيضاً لقلب الحقائق بإعلامهم، هم سبب انعدام الأمن في معظم أنحاء العالم، و يصورون إيران باعتبارها خطراً و تهديداً. الذين يرتكبون الجرائم اليومية في باكستان، و في أفغانستان، و يمارسون المذابح لسنوات طويلة و يأسرون الناس، في العراق بشكل، و في فلسطين بشكل.. الذين يقفون وراء القوة الشيطانية للكيان الغاصب للقدس، هم أنفسهم يقفون اليوم مقابل الشعب الإيراني. هم أنفسهم وقفوا سنة 61 خلف صدام و هزموا في حينها، و كونوا على ثقة أنهم سيهزمون اليوم أيضاً.
ليس نظام الجمهورية الإسلامية، جمهورية كسائر الحكومات و الجمهوريات أو الأنظمة غير الجمهورية في العالم. إنه نظام له رسالته. رسالة نظام الجمهورية الإسلامية رسالة تتعطش لها شعوب العالم. و هذا يختلف عن بلد أو حكومة أو أي نظام سياسي يفكر بحدود جغرافية معينة، و يترأسه أشخاص ملوثون بمختلف الشهوات البشرية. القضية هنا قضية قيم و قضية الإنسانية.. قضية إنقاذ الشعوب من ربقة القوى المتدخلة و المهيمنة. نظامنا الإسلامي له رسالته البشرية. هذه الرسالة هي التي جعلت ناهبي العالم يقفون بوجه الشعب الإيراني. لو كان هذا اليوم هو اليوم الأول لهذا المواجهة لربما تزعزعت قلوب البعض، لكننا حالياً لسنا في اليوم الأول. منذ إحدى و ثلاثين سنة و هذه المواجهة قائمة بأشكال مختلفة: الهجوم العسكري، و الهجوم السياسي، و الحصار الاقتصادي، و مختلف التهديدات الأخرى. جاء الساسة و الرؤساء في البلدان المتعطشة للهيمنة و ذهبوا و بقي الشعب الإيراني صامداً. و شمخ هذا الصرح المتين يوماً بعد يوم، و تجذرت هذه الغرسة المعطاء و الإلهية و هذه الشجرة الطيبة في هذه الأرض الطيبة الموهوبة أكثر فاكثر. إذا كان لأعداء المعنوية و القيم الإسلامية و أعداء إيران الإسلامية العزيزة أمل يومذاك، فهم اليوم بلا أمل، إنما يبذلون جهودهم بيأس. إنهم لا يعرفون الطريق و لا يعرفون الشعب الإيراني، و يقيسون الأمور اليوم وفق حسابات ما قبل ثلاثين عاماً و أربعين عاماً و خمسين عاماً و زمن الهيمنة المطلقة للقوى الكبرى دون أن يكون لها منافس، و هذا قياس خاطئ. لقد تغيّر العالم و استيقظت الشعوب، لذلك فأنتم اليوم أيها الشعب الإيراني و أيها الشباب الذين تمثلون زبدة شباب هذا الشعب و المتميزين فيه - الشباب الأعزاء في الحرس الثوري - أنتم مبعث أمل للشعوب. الكثير حتى من الحكومات تعقد الأمل عليكم و عينها عليكم. مع أنهم يعلمون أن الجمهورية الإسلامية ليست ممن يتدخل في شؤون البلدان الأخری لكن مجرد وجود هذه الرسائل، و مجرد الصمود و القوة المعنوية التي تعبر عن نفسها في كل الميادين تربط على قلوبهم و تدفعهم نحو الصمود و الثبات. في القارة الآسيوية حالياً، و في قارة أفريقيا، و في قارة أمريكا، و حتى في القارة الأوربية، ليست قليلةً الشعوب التي تعقد عليكم الآمال و تنظر إليكم بعين الإعجاب.
أعزائي، اعرفوا قدر فرصة الشباب هذه، و هذه الطاقة و المواهب. اعرفوا قدر فرصة الرشد و النضارة المتاحة لكم. أنتم، و شباب الجيش، و شباب قوات الشرطة، و منظومة التعبئة المقدسة الطاهرة لديها حالياً في هذا البلد الإلهي إمكانيات لم تتوفر في السابق أبداً للشباب النخبة و المؤمنين و الصالحين. استثمروا هذه الفرص، فاستثمارها هو أفضل شكر لها.
فصل هذه الجامعة عن الجامعة الشاملة - و كلا الجامعتين قطب و مركز قيّم و مهم جداً أسسه الحرس الثوري - هو لصالح الحرس و قد كان ضرورياً من أجل التقدم العلمي و التقني و العملي للحرس، و ينبغي متابعة هذه المسألة في كلا المركزين بكلّ جدّ. في الجامعة الشاملة، و في جامعة الضباط و إعداد الحرس يوجد أساتذة جيدون و مدراء كفوؤن و شباب صالحون و الحمد لله. و على كل واحدة من الجامعتين متابعة نشاطها و قيمها و واجباتها.
ربنا، أنزل فضلك و رحمتك و لطفك على هذه المنظومة. اللهم اشمل إمامنا العزيز الذي فتح لنا هذا الطريق برحمتك و فضلك. اللهم أرفع و زد من درجات شهدائنا الكرام و هم و الحمد لله أحياء و سيبقون أحياءاً، و ألحقنا بهم، و أبلغ سلام هذه المنظومة لحضرة سيدنا الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه).
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الهوامش:
1 - سورة الأنفال، الآية 17.