بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك لكم جميعاً أيها الإخوة الأعزاء الذين تتحملون أعباء ثقيلة علی كواهلكم عيد النيروز و حلول الربيع فصل النضارة و الطراوة و تجديد الحياة، و نحن نشهد مساعيكم و جهودكم الواسعة في القطاعات المختلفة المرتبطة بكم. تقبل الله تعالی بمشيئته هذه الجهود منكم جميعاً و وفقكم لتستطيعوا - كما ذكرنا هذه السنة لشعب إيران - أن تتقدموا في الميادين المختلفة الواسعة الأخری بهمتكم المضاعفة و عملكم المضاعف و جهدكم المضاعف و أن تصلوا بالقوات المسلحة في الجمهورية‌ الإسلامية بشكل حقيقي إلی المرتبة اللائقة بهذا النظام و المناسبة للعناصر المؤمنة و الصادقة و الخدومة‌ مثلكم.
الواقع أنه من النعم الكبيرة‌ التي منّ الله بها في هذه الفترة‌ علی القوات المسلحة هي وجود مسؤولين صادقين و صميميين. علی المرء أن يعتبر هذا الشيء فعلاً نعمة‌ كبيرة و يشكرها. هذه الظاهرة‌ التي أفصحت عن نفسها في نظام الجمهورية‌ الإسلامية و تجلت و تبلورت في فترة‌ الدفاع المقدس، أي ظاهرة اعتبار الذات فرعاً للهدف و ليس ربط الهدف بالذات، هذه ظاهرة مهمة جداً و تستحق الشكر حقاً. لا أننا لم يكن لدينا طوال هذه الفترة أشخاص غير مخلصين، بلی، بالتالي توجد في جميع الشرائح و الطبقات و الأفراد مختلف أنواع الأخلاق و الأمزجة، بيد أن النظرة‌ الغالبة‌ هي هذه. إنني حينما أنظر لقادتنا الأعزاء - و هم أنتم - أشكر الله تعالی حقاً علی ما تفضل به علی هذا الشعب فجعل مثل هؤلاء‌ العناصر المؤمنة المخلصة علی رأس هذه الأمور الكبيرة الخطيرة.
و أنتم أيها السادة الذين تعدون من نعم الله التي يجب أن نشكرها، يجب عليكم بدوركم أن تشكروا الله علی أن وفر لكم هذا التوفيق و هذه الفرصة للنهوض بهذه الأعمال الكبيرة المهمة. كلنا كان بوسعه - كل واحد منا أنا و أنتم - أن يكون إنساناً ناشطاً في إطار حياته الشخصية، كأن يكون أحدنا تاجراً جيداً أو رجل دين جيداً أو جامعياً جيداً، و نبذل مساعينا لإنفسنا و شخوصنا، و لا نتحمل وزراً أمام الله تعالی. لأن العمل الذي نقوم به الآن قد يكون فيه وزر و وبال كثير و العواتق تنوء بهذا الحمل الثقيل. كان بوسعنا أن لا نكون كذلك و تكون لنا حياتنا العادية، و لكن بالطبع لما كان لكم هذا الدور الذي تمارسونه حالياً في بلادكم و نظامكم، إذن من الجدير أن تشكروا الله لأنكم تعملون في مكان وفر لكم فيه فرصة ممارسة‌ هذا الدور. تواجدكم و إرادتكم و معرفتكم و درجة‌ إخلاصكم يمكن أن يكون لها تأثيرها في مصير البلاد و في تاريخ البلاد و في مستقبل هذا الشعب، و ليس المستقبل هنا مستقبل ما بعد عشرة‌ أعوام أو عشرين عاماً بل مستقبل ما بعد مائة عام و مائتي عام. و إذا كان هذا التأثير تأثيراً إيجابياً كان صدقة‌ جارية هي أفضل من كل شيء و لا يعادلها شيء. بوسعكم رسم خط و القيام بعمل يسعد به الشعب لسنوات طويلة و يحظی من خلاله بخير الدنيا و الآخرة. هذا شيء لا تضاهيه أية عبادة أو صلاة ليل أو خدمة‌ متوسطة أو عادية للناس. إنه شيء رفيع جداً و قد منحنا الله هذه الفرصة أنا و أنتم، إذن علينا أن نشكر. لكنه مثل كل الأعمال الكبيرة‌ كما أن غنيمته كبيرة فإن غرامته ثقيلة و خطيرة أيضاً. «من له الغنم فعليه الغرم». إنها حالة‌ متعادلة تشبه الأرتفاع الكبير في تسلق الجبال. إذا سقط الإنسان من ذلك الارتفاع فخطر ذلك أكبر بكثير مما لو سقط من ارتفاع متر أو مترين. و لكن تلك النقطة علی كل حال نقطة رفيعة و عالية. كلما كانت المكانة أرفع كانت الأخطار أكثر.
و السبيل إلی سدّ الطريق أمام هذه الأخطار هو ملاحظة‌ التكليف و الواجب و مكافحة هوی النفس. ليست المسألة أنهم وضعوا الإنسان في منظومة مبهمة غامضة بحيث لا يعلم ماذا يفعل، لا، مخالفة و مكافحة هوی النفس المخالف للشرع و الدين، و ملاحظة‌ الواجب و التكليف بشكل مستمر و العمل به. إذا سرتم علی هذا الخط - و هو طبعاً ليس بالخط السهل بل هو صعب - سيكون من الواضح ما الذي ينبغي فعله. لذلك اعتقد أنه من الأعمال التي يجب علی أمثالي و أمثالكم القيام بها هو أن نطلب من الله تعالی و نقول له: ربنا، لا تبدل هذه النعمة التي أعطيتنا إياها - أي فرصة التواجد في موقع مؤثر في مصير البلاد و الشعب - إلی نقمة. و لا تجعل هذا الشيء الموجب للأجر شيئاً‌ يستدعي الوزر. هذا شيء‌ يرتبط بمساعينا نحن. لنطلب العون من الله و نشحذ هممنا و نضاعف مساعينا.
القوات المسلحة - كما جاء‌ في بيان الإمام علي عليه الصلاة ‌و السلام - هم حصن و سور ممدود حول الشعب و البلاد. السور يجب أن يبقی قائماً دوماً و لا تحدث فيه ثغرة، لذلك علی القوات المسلحة أن تحافظ دوماً علی رصانتها و قوتها.
تحدث داخل السور أحداث و ظروف مختلفة، فقد ينام البعض، و قد يكونوا مستيقظين، و قد يتشاجر البعض فيما بينهم، و قد ينشغل البعض بأعراس أو مآتم، لكن السور يجب أن يبقى منيعاً قوياً في كل هذه الأحوال و الظروف. انظروا للقوات المسلحة من هذه الزاوية. يجب أن تبقى هذه المنعة و القوة دائماً. إذا توفرت هذه القوة و المتانة و كان الحراس المرابطون على السور يقظين واعين يرصدون تحركات الأعداء، و لم يغفلوا عن أية نقطة أو جانب سيبقى الأمن محفوظاً لما في داخل السور، و في ظل هذا الأمن يمكن للناس أن يضمنوا دينهم و دنياهم، و إذا لم يتوفر الأمن لم يتمكنوا من ذلك. إذن، الاهتمام بقوة القوات المسلحة و اقتدارها مبدأ ديني لا يمكن غضّ الطرف عنه. على الجميع المراقبة و التدقيق، و على القوات المسلحة نفسها التدقيق و الحذر، و على الحكومات أيضاً أن تدقق و تفتح عينيها، و على الجماهير أن تدعم و تُسند ليبقى هذا السور قوياً منيعاً. في كل الأحوال و مهما حدث في الداخل يجب أن يبقى سور القوات المسلحة مصوناً.
طيب، هذا من باب تشبيه المعقول بالمحسوس. للسور في كل موضع معناه الخاص. أنتم السور، فالجيش نوع من الأسوار، و الحرس نوع من الأسوار، و التعبئة شكل من أشكال السور، و قوات الشرطة سور، و الاستخبارات سور. كل واحدة من هذه المنظومات لها واجباتها المحددة حيث يجب عليها مراعاة كونها سوراً قوياً منيعاً.
و العالم عالم منطق القوة.. عالم الظلم.. إنه ليس بالعالم الحسن. بل هو عالم سيئ. عالم الجاهلية. عالم غلبة الشهوات و العسف على على أكثرية الناس. في مثل هذا العالم يجب التدقيق و الحذر جداً. يجب العمل بكل وعي و ذكاء و تدبير و شجاعة. أنتم ترون سلوك الساسة و الزعماء في العالم. من أجل أطماعهم و حرصهم و جشعهم و دعمهم للشركات التي تدعمهم، و لأجل ملء جيوب أصحاب الشركات و الرأسماليين الكبار، ترون أية فجائع ترتكب في العالم، طبعاً تحت عناوين حسنة و إيجابية و لكن فارغة و كاذبة. إنهم طلاب حرب لكنهم يتحدثون عن السلام و يقفون تحت لافتة السلام. لا يرون للإنسان و الإنسانية أية حقوق و قيمة، و يقفون مع ذلك تحت يافطة حقوق الإنسان. و هم أصحاب عدوان و العدوان من سياساتهم الأصلية و يزعمون مجابهة العدوان. يستخدمون في سياساتهم و سلوكهم كل الأساليب القذرة من اغتيالات و تأسيس للمنظمات الإرهابية، و استخدام للشركات الإرهابية - و هذه من الأمور الجلية في العالم الراهن - و تلاحظون نموذج ذلك في العراق، و في أفغانستان، و في البلدان التي دبّروا فيها الانقلابات، تلاحظون الاعتداءات التي حصلت على البلدان.. ترون كل هذا، و مع ذلك يأتون بظاهر هادئ، و أنيق، و معطّر بأفضل العطور، و بألفاظ مناسبة، يظهرون هكذا أمام أنظار الناس كرؤساء جمهورية البلد الفلاني أو الفلاني.. يتلاعبون بالرأي العام للناس و يخدعونه و يؤسسون أمورهم على الخداع. هذا هو العالم.. عالم قائم على الكذب و الخداع و الظلم و العسف المقنّع، و في بعض الأحيان ترفع حتى الأقنعة. أحياناً يقودهم الغرور و الثقة بركائزهم الهشة إلى أن يفلتوا الزمام من أيديهم. و قد رأيتم أن رئيس جمهورية أمريكا هدّد قبل أيام بشكل تلويحي باستخدام السلاح النووي! هذا كلام عجيب جداً، و يجب على العالم أن لا يمرّ بهذا الكلام مرور الكرام على الإطلاق. في القرن الحادي و العشرين، قرن كل هذه الادعاءات حول السلام و حقوق الإنسان و المنظمات العالمية و مؤسسات مكافحة الإرهاب و ما إلى ذلك، يقف رئيس جمهورية بلد و يهدد بهجوم نووي! هذا كلام عجيب جداً في العالم. و هو في ضررهم هم أنفسهم و لكن لا يفهمون. معناه الصريح أن الحكومة الأمريكية حكومة شريرة و لا يمكن الثقة بها. إنهم يحاولون منذ أعوام أن يثبتوا في إطار ملفنا النووي أن الجمهورية الإسلامية لا يمكن الثقة بها، و الحال أن الجمهورية الإسلامية في هذه الأعوام الثلاثين لم تهاجم أي بلد و لا أية منطقة ابتداءً، و لم تربّ إرهابيين. هم يريدون القول إن الجمهورية الإسلامية لا يمكن الثقة بها، حسناً، من هو الذي لا يمكن الثقة به في العالم؟ الذين يمتلكون القنابل النووية و لا يخجلون من القول إننا قد نستخدم هذه القنابل النووية أو سوف نستخدمها. هذا كلام عجيب جداً و هو فضيحة لهم.
ينبغي الحذر و التدقيق جداً في مثل هذا العالم. طبعاً مجابهة هذا الظلم و العسف المقنّع و غير المقنع و بمختلف صنوفه لا ينحصر في الجاهزية العسكرية، فالأهم من الجاهزية العسكرية هي الجاهزية المعنوية و الروحية، و قدرة عزيمة الشعب و قدرته على الوقوف و الصمود بوجه هذه الأعاصير. الإعصار يأتي و يمرّ و يذهب.. مهما كانت قدرته يأتي و يمرّ، المهم هو هل نستطيع أو لا نستطيع الوقوف مقابل هذا الإعصار؟ مشكلة الأبنية التي تنهار أنها لا تستطيع المقاومة و إلا فالإعصار ليس دائمياً. إذا ثبّت الشعب أقدامه و منح نفسه قدرة الوقوف و المقاومة، و عزّز نفسه فلن تستطيع الأعاصير و الطوفانات فعل شيء.. تأتي و تذهب.. تذهب و يبقى الشعب.
متانة النظام و قوته بهذه الأشياء: الإيمان، و القدرة على الصمود، و العزيمة الراسخة، و عدم الانخداع بالألفاظ المعسولة و المجاملات الناعمة التي يجري أحياناً تبادلها بكل سهولة في الكثير من المعاملات السياسية، و الحال أن وراء هذه الألفاظ الناعمة وجهاً خشناً عبوساً لأولئك الذين يحملون نوايا سيئة. و النماذج على ذلك في زماننا و في العقود الأخيرة كثيرة جداً. لاحظنا حالات كثيرة تتعلق بنا أو بالبلدان الأخرى. التحلي بالفطنة و عدم الانخداع و الثقة بالذات و الثقة بالله تعالى، و تعزيز القدرة على الصمود، و الإيمان بإمكانية اكتساب القوة و الاقتدار و المقاومة، هذه هي الأشياء التي تحفظ الشعب و تصونه.
و لحسن الحظ فإن أرضية كل هذه الأشياء متوفرة لدينا. منذ ثلاثين سنة و الطوفانات المختلفة تأتي و تمرّ، و هذا الشعب واقف بثبات و الثورة تزداد رسوخاً. نحن اليوم أقوى بكثير مما كنا عليه قبل عشرة أعوام و عشرين عاماً و ثلاثين عاماً. قدراتنا حالياً أكبر بكثير و على كافة الصعد مما كانت عليه سابقاً. لقد أثبتنا ذلك في مواجهتنا لكل أنواع العدوان. شعبنا يثبت ذلك بفضل و توفيق من الله. إذن، هذا هو الاقتدار الأصلي.
و لكن كما ذكرنا، يجب أن لا نسمح بحدوث ثغرة في هذا السور. نعم في داخل السور يقف الشعب بثبات، لكن السور - أي القوات المسلحة - يجب أن تتماسك بقوة. أولاً، على القوات المسلحة أخذ التهديدات بجد، و هذا ما قلته مراراً. لا يمكنكم أن تحسبوا حساباتكم كما يحسب رجال السياسة حساباتهم. في الحسابات السياسية يقال مثلاً إن احتمال هجوم الأعداء ضئيل.. عشرون بالمائة، أو ثلاثون بالمائة، أما أنتم فيجب أن تقولوا إن احتمال هجوم العدو مائة بالمائة. ينبغي أن تحافظوا على جاهزيتكم على كافة المستويات بناءً على هذا الأساس.
اعتقد أنه يجب النظر بعين الجد للمشاريع الإبداعية. و لحسن الحظ فهذه حالة متوفرة في القوات المسلحة. إنها مثل كتلة من المواهب تظهر منها القشرة الخارجية و يستفاد منها، أما أعماق هذه الكتلة فلا تزال غير مطروقة و غير ظاهرة و غير متفتحة بعد. هكذا هو شعبنا. يشعر الإنسان حقاً أنه في بداية الثورة كانت الاستفادة قليلة من هذه الكتلة من المواهب الفكرية و المهارات في المجالات و القطاعات المختلفة. و قد أطلقت الثورة حركة جيدة في القطاعات العلمية و التقنية و العمران و الثقافة و السياسة و غير ذلك، فتفتحت المواهب و ازدهرت. أي تم تفتح طبقات أخرى داخلية من هذه الكتلة من المواهب. هذه التجربة تعلمنا أن إمكانياتنا عالية جداً.
تابعوا الأعمال و المشاريع الإبداعية. ابحثوا في المشاريع التي لم يجربها العالم.. في التخطيط للعمليات و في التخطيط للمعلومات و في طريقة التعامل مع العدو.. الحيلة بشكل، و التدبير بشكل.. هذه أعمال مهمة. و أؤكد هنا على نوعية تنظيم القوات المسلحة. لحسن الحظ سار الحرس و الجيش كلاهما في هذا الصراط و هم يفكرون و يعملون. كان ثمة إبداع في التنظيم التقليدي - في الحرس بشكل و في الجيش بشكل - و عليكم الآن بالأعمال المبتكرة. طبعاً ليس كل جديد جيد و محبّذ. العمل الجديد المحبّذ هو المصحوب بالدقة و الاختبارات و ملاحظة كافة الجوانب. خوضوا غمار الأعمال المبتكرة. و هذا ما كان لحد الآن في مختلف قطاعات القوات المسلحة. و مثال ذلك جهاد الاكتفاء الذاتي في الجيش، حيث انجزوا منذ ثلاثين عاماً أعمالاً كبيرة. و في الحرس كانت هناك نشاطات عديدة في هذه المجالات. الحمد لله ليست أيدينا فارغة من التجارب الباعثة على الأمل و التفاؤل. يرى المرء و يشهد أن بالإمكان القيام بأعمال كبيرة.
هذا ما نريد أن نقوله. و سوف تتحقق و تظهر إن شاء الله جميع الأشياء التي قلناها أو لم نقلها و هي من آمالنا، في برامجكم و خططكم و أعمالكم.
طيب، لكل هذا روح و روحه هي المعنوية والبصيرة الدينية و تعميق الاعتقادات الدينية، و هو ما يعبّر عن نفسه و يظهر في جهود الإخوة الأعزاء الدؤوبين المجاهدين في قسم التوجيه العقيدي و السياسي، و في ممثليات الولي الفقيه في الحرس و الأقسام الأخرى. هؤلاء الإخوة أيضاً عليهم ملاحظة الأولويات و الإبداعات و الطرق الجديدة و الهمّة المضاعفة لتزداد يوماً بعد يوم إن شاء الله الظواهر الدينية و العمق العملي و العقيدي في القوات المسلحة.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته