بسم الله الرحمن الرحيم
يتعيّن علينا أن نشكر الله تعالى علی الفرصة و المهلة التي منحها لنا للبقاء في ساحة هذا الامتحان الصعب - امتحان البقاء و الحياة - و أن نلتقي على أمل الفضل و القبول و التوفيق الإلهي بعد نهاية هذا العام، أن نلتقي مرةً أخرى بالإخوة و الأخوات الأعزاء نواب المجلس بمناسبة الذكرى السنوية لتشكيله و انتخابه.
أولاً نشكر جهودكم أيها النواب المحترمون و رئيس المجلس المحترم الذي قدم اليوم أيضاً بياناً شافياً و كافياً و مفيداً. أنتم النواب المحترمين، ما عدا الجهود التي بذلتموها في ميدان التشريع و الإشراف و سائر الواجبات القانونية - التي قدم رئيس المجلس المحترم اليوم تقريراً عنها، و قد عرض بالأمس في الاجتماع الذي عقدناه تفاصيل أكثر - مارستم دوركم في الميادين السياسية الداخلية و الخارجية المهمة، و ينبغي تقديم الشكر الصميمي لكم على ذلك. حينما يواجه النظام جبهة واسعة من الخصومة و الأحقاد على مستوى العالم حيث تفصح هذه الجبهة بمناسبات شتى عن تواجدها و إيذائها، يرى المرء أن المجلس يتخذ موقفه كعضو فعال و حي.. في قضايا فلسطين، و القضية النووية و غيرها من القضايا المختلفة. و كذلك في الشؤون الداخلية، و كما أشرتم، كان للمجلس دوره حيال بعض الفتن و سوء الأخلاق. هذا يستدعي الشكر و التقدير.
حينما ينظر الإنسان إلى تركيبة المجلس و نسيجه بالنظر إلى اختلافات التيارات و التوجهات و الأذواق السياسية - و هذا شيء طبيعي على كل حال - يجد أنه منظومة حيّة فاعلة مؤمنة لها شعورها بالمسؤولية. و هذا هو الصحيح.
بلدكم اليوم - و ربما كان الصحيح أن نقول تاريخكم - قلق إزاء سلوكنا أنا و أنتم. إننا نعيش في الوقت الراهن ظروفاً و موقعاً حساساً من الناحية التاريخية. دورنا، و قراراتنا، و أفعالنا، و تركنا للأفعال، لها تأثيراتها على الأجيال القادمة و على مستقبل البلاد.. هذا مع أن كل فترة الثورة هي من هذا القبيل. هذه الأعوام الثلاثين أعوام سيكون لها تأثيراتها و بصماتها في المصير التاريخي لمستقبلنا. لكن يبدو لي أن هذه البرهة و هذه الظروف التي نمرّ بها في الأعوام القليلة الحالية لها خصوصيات فريدة و نادرة.
وضع العالم آخذ في التغيير. ظروف العالم السياسية و الموازنات السياسية و موازين القوى على مستوى العالم تمرّ بتحولات، و يلاحظ الإنسان ظهور حالات جديدة. أنتم باعتباركم ممن يعمل في مجال السياسة تعلمون جيداً أنه في هذه الظروف يمكن لجميع العناصر الموجودة في الساحة أن تمارس دورها لصالح الأهداف و المبادئ المنشودة أو قد تبقى عاطلة غير فاعلة. حينما تحصل التغيرات و التحولات العالمية فإن العنصر العاطل أو القليل الفاعلية أو الغافل سيكون له بلا شك دور ضعيف و نصيب قليل في الهيكلية الجديدة التي من المقرر أن تسود الأحوال السياسية في العالم. العنصر الفعال و الواعي و اليقظ يرصد الساحة و يرى التفاعلات و يخمّنها، و يستطيع أن يوفر لنفسه موقعاً أقوى وأثبت و أكثر بركة و أقرب إلى أهدافه و مبادئه في الهيكلية الجديدة التي يراد لها أن تظهر. هذه هي الظروف اليوم.
أنظروا إلى منطقتنا، انظروا إلى الشرق الأوسط. الأحداث التي تقع حالياً في الشرق الأوسط و فيما يتصل بقضية فلسطين أحداث غير مسبوقة و لم يحدث ما يشابهها من قبل. و هذا يدل على حدوث تغيرات و تحولات. و حينما تنظرون على مستوى العالم - مكانة أمريكا و مكانة بعض البلدان الأوربية، و تأثيراتها في العالم و دورها الذي تمارسه - ترون تغييرات كبيرة آخذة في الحدوث. خلال فترة الأعوام الثلاثين الماضية رأينا أمثال ذلك في بعض الأحيان، و يجول في خاطري الآن نموذج واحد منها، لكن المرء يشعر بها بوضوح أكبر في الوقت الراهن.
إذا مارسنا دورنا في هذه الظروف فسيكون ذلك يقيناً لصالح مستقبل البلاد و مستقبل النظام و مستقبل تاريخنا. و ممارسة الدور منوطة بتوفر الانسجام اللازم و الاقتدار اللازم و المحفزات الكافية و التعاون القريب و الصميمي في الداخل. ينبغي النظر من هذه الزاوية لقضايا البلاد و قضايا التشريع و العلاقة بين الحكومة و المجلس، و المواقف المختلفة على الصعد الداخلية و الخارجية. يتوجب النظر لكل هذه الأمور و الشؤون من هذه الزاوية. و عندئذ ستقل أهمية الكثير من الأمور التي قد تبدو لنا مهمة للوهلة الأولى. لذلك اعتقد أن المجلس الحالي - و تركيبته جيدة و الحمد لله، فأنتم شخصيات مؤمنة، و ثورية، و عارفة بالأمور، و الكثير منكم دارسون و مثقفون، و قضايا البلاد قضايا حساسة - في هاتين السنتين المتبقية من عمره، يجب أن يستثمر جميع الفرص حتى يستطيع النهوض بما هو مناسب و حق و جدير.
لحسن الحظ فإن جماهير البلد، و خلافاً لما يتوقعه معارضو النظام و أعداؤه، أبدوا عن أنفسهم مواقف جيدة و الحق يقال. لقد أثبتت جماهير الشعب أنها تحبّ الإمام. طبقاً للإحصائيات التي يزودوننا بها دائماً و في كل سنة فقد كان عدد المشاركين في مراسم ذكرى رحيل الإمام أكثر من السنة الماضية و السنة التي سبقتها. طيب، ما معنى هذا؟ أن تجتمع كل هذه الحشود من طهران و من المدن و تأتي في الجو الحار و تبقى تحت الشمس عدة ساعات - المكان الذي كنا نحن فيه كان فيه سقف أو نصف سقف - في هذه الصحون الواسعة و في الشوارع و الطرق.. هذه الحشود المتراكمة في »بهشت زهراء« من نساء و رجال و أطفال. سمعنا أن البعض منهم تحمل الوقوف هناك تحت الشمس سبع أو ثماني ساعات، و هذا يستحق الشكر و التقدير حقاً. أرى لزاماً عليَّ هنا أن أشكر من الصميم و أقدر من أعماق القلب شعبنا العزيز ممن حضروا ذلك الاجتماع العظيم، على كل هذا الوفاء.
هذه أمور على جانب كبير من الأهمية. رغم مضي إحدى و عشرين سنة على رحيل الإمام فإن الجماهير لا تزال تعشقه إلى هذه الدرجة. الإمام مظهر الثورة و الدين و المبادئ التي دعا إليها و فتح أعيننا عليها لأول مرة و هدانا و وجّهنا نحوها.. الشخص الذي نادى بقدرات هذا الشعب في السير نحو مدارج العلاء و الكمال. حينما يحترم الشعب إنساناً له هذه الخصوصيات فمعنى ذلك أنه يحترم هذه المبادئ. و هذه المبادئ هي ما يضمن سعادة الشعب. الشعب الذي يكون حيوياً نشيطاً مؤمناً معتقداً بالإسلام من أعماقه، الشعب الذي يؤمن بذاته و يثق بربّه فلن يمكن لأية عقبة أن تعيقه عن المسير في طريق الكمال. هذه أمور مهمة جداً. أنتم نواب مثل هذا الشعب. هذا عن المشاركة العاطفية و العقلانية و الشعورية و الرابطة المعنوية بالإمام، و ذاك عن المشاركة في انتخابات العام الماضي بمستوى أربعين مليون نسمة. هذه أمور قيمة جداً و لها معنى كبير جداً. أنا و أنتم في الواقع خدمة مثل هذا الشعب. تارة يكون الشعب لا أبالياً و غير نشيط و غير فاعل و غير مكترث.. لهذه الحالة مقتضياتها. و تارة يكون الشعب متحركاً راغباً حماسياً متشوقاً عاطفياً فهيماً إلى هذه الدرجة.. هذه الحالة بدورها لها مقتضياتها.
المسؤولية على عواتقنا كبيرة جداً، أنا و أنتم، و الحكومة و جميع المسؤولين.. جميعنا. كما قلت يومها في مرقد الإمام، ينبغي إشراك الحسابات المعنوية في الأمور. ليست القضية أن يقول الإنسان من زاوية عقلانية محضة: حسناً، يجب أن نعمل. لا، الله تعالى سوف يسألنا و يحاسبنا أيضاً. هناك سؤال و حساب بقدر الإمكانيات المعطاة و بقدر النعمة الممنوحة.
إذا استطعنا إن شاء الله أن نفعل ما يجعلنا مرفوعي الرأس أمام الله تعالى، عندئذ ستشملنا هذه الآيات التي تلاها القارئ المحترم بصوته الجميل: »لا يحزنهم الفزع الأكبر و تتلقاهم الملائكة«.(1) الفزع الأكبر. الله العظيم حينما يعتبر شيئاً كبيراً بل و أكبر فلا شك أن الموقف مهيب جداً جداً. لكن الذين يعملون و يجدّون و يسعون و ينهضون بواجباتهم ستكون نفوسهم مطمئنة هناك. يجب أن نصدق هذه الأمور و نؤمن بها.
قيل الكثير حول المجلس - في المجلس نفسه و في خارج المجلس - و كانت هناك تنويهات و تنبيهات، و قد ذكرنا نحن أيضاً بعض النقاط. و أذكر هنا بعض النقاط قد يكون قسم منها مكرراً.
في النظر لشؤون البلاد و قضاياه - و هي مسؤوليتكم التي تتجلى على شكل قوانين و عملية تشريعية - ينبغي ملاحظة خصوصيتين اثنتين هما: المبدئية و الواقعية. يجب أن تكون النظرات مبدئية فلا تتنازلوا عن المبادئ. النظرة يجب أن تبقى نظرة مبدئية، و لكن من دون نسيان الواقع. نحدد سقفاً معيناً، لكن الواجبات التي نرسمها لأنفسنا أو للحكومة أو للمسؤولين يجب أن تكون في ضوء الواقع المعاش، و لكن باتجاه تلك المبادئ حتى تتصاعد هذه القدرات باطراد. الواقعية بمعنى معاكسة الحالة المبدئية ليست محبذة. الملاك هو أننا نروم الوصول إلى تلك المبادئ. و لكن إلى جانب هذا، لا بد من الواقعية. ينبغي أن لا تستغرقنا الأوهام. أحياناً قد يصاب المرء بالتوهم في اتخاذه القرارات و فيما يجب أن يفعل. هذا خطأ. ينبغي أخذ المبادئ بنظر الاعتبار. و يتعيّن صعود الدرجات واحدة واحدة نحو المبادئ حسب ما يمليه الواقع.
هذه نقطة، و النقطة الأخرى التي يدور حولها الكلام دائماً، و قد تحدثنا عنها، و تحدثتم عنها، و تحدثت الحكومة عنها، هي مسألة التعاون و التنسيق بين المجلس و الحكومة. هذا ما يجب أن يتحقق. أن يقول المجلس لقد قمنا بجميع ما يجب علينا و على الحكومة الآن القيام بما يجب، و تقول الحكومة من جانب آخر: لقد قمنا بجميع ما يلزم و على المجلس أن يقوم باللازم.. هذا غير ممكن. ينبغي التعاون بصميمية. الحكومة و المجلس لكل منهما حدوده و واجباته في القانون. طبعاً، بعض هذه الحدود غير واضحة حقاً. الحقيقة أن بعض هذه الخطوط ليست بارزة و واضحة، و هذه من عيوب قوانيننا. علينا تشخيص هذه الخطوط الفاصلة. ما يحتاجه البلد اليوم هو التعاون. بمعنى يجب أن لا تكون هناك في الحكومة نزعة لعدم الطاعة حيال المجلس و لا تكون في المجلس نزعة مطلقة لإيذاء الحكومة و عرقلة عملها. إذن، على كلا الجانبين أن يتعاونا بصميمة و واقعية و بملاحظة موقع بعضهما. هذا واجب على جانب كبير من الأهمية.
مثلاً في مسألة القانون - و هي محل كلام - هناك حوارات بين الجانبين. من ناحية، الكلام القائل إن على الحكومة العمل بالقانون - أي إن ما يتخذ شكلاً قانونياً سيكون من واجب الحكومة العمل به - كلام صحيح. و من ناحية أخرى على المشرع أخذ دور المدير التنفيذي بنظر الاعتبار. التنفيذ عملية صعبة. البعض منكم كانوا تنفيذيين. كانوا وزراء أو شاركوا في القطاعات التنفيذية المختلفة. التنفيذ يختلف اختلافاً كبيراً عن التخطيط للتنفيذ.. و عن الخطط التي يعدّها الإنسان و يرسمها حتى تنفذ. إذن، ينبغي التنبه للواقع. الحكومة هي العنصر المتواجد في وسط الساحة و تريد النهوض بالأعمال. علينا تسهيل عمل الحكومة، و مراعاة أعمالها و وظائفها. صحيح أن عليها العمل بالقانون، و لكن صحيح أيضاً أن على المجلس العمل بحيث تستطيع الحكومة الالتزام بالقانون، و إلا لو افترضنا مثلاً أننا ألقينا واجباً على عاتق الحكومة و لم نصادق على ميزانيته، سيكون هذا الأمر غير ممكن. هذه حالة تخلق مشكلات. أو لنفترض أن الحكومة تقدم لائحة للمجلس - و الحكومة تعدّ هذه اللائحة طبعاً حسب إمكاناتها و قدراتها و في ضوء إمكانيات البلد و قدراته المالية و الأرضيات المساعدة - فيتصرف المجلس في هذه اللائحة بحيث تتحول إلى شيء آخر تماماً. كثيراً ما يعاتبنا رجال الحكومة على هذه الحالة. و أنا مطلع على الأمور و أدري بملابسات العمل، فقد كنت في الحكومة و كنت في المجلس و أدري كيف يمكن العمل و كيف يمكن تصحيح العمل و كيف يمكن العمل بطريقة أخرى. ينبغي التنبه لهذه النقاط.
عليهم العمل بصميمية حقاً، و هذا أمر لا يتعلق بالخطوط و التيارات السياسية. ما نقوله هنا لا نخاطب به الذين يحملون توجهات فكرية متماشية مع الحكومة، لا، حتى الذين يعدون من حيث الفكر السياسي في مقابل الحكومة هم أيضاً إخوة مؤمنون و متدينون و ثوريون. القضية هنا قضية الثورة و قضية مصالح البلد. على الجميع التقيّد. بهذه الأمور. في تلك الجهة يتم سنّ القوانين بهذه الصورة، و في هذه الجهة سيكون من واجب الحكومة طبعاً العمل بالقانون. هكذا يمكن إلزام الحكومة بالعمل بالقانون. يجب أن يحصل هذا التعاون من الجانبين.
النقطة الأخرى التي أروم طرحها هي مما يؤيده بعض الإخوة أصحاب الخبرة و السابقة في المجلس. لجان المجلس تتحمل واجبات و أدواراً كبيرة و يجب أن تعمل الكثير. قاعة المجلس هي بالطبع محل لاتخاذ القرارات، لكن الأعمال التأسيسية تجري في اللجان. بل نعرف في المجلس طوال هذه الأعوام أشخاصاً كانوا يدرسون الأمور قبل أن يعرضوا وجهات نظرهم في المجلس.. كانوا يذهبون و ينظرون في الأمور و يدرسونها و يفحصون جوانبها. العمل بهذه الطريقة جيد. في مثل هذه الحالة حينما تدخلون إلى المجلس و في قاعته و تطرحون القوانين و يتحدث الموافقون و المخالفون سوف يحصل اهتمام بكل نقطة من أحاديثهم. و إذا لم يكن ذلك كان الإنسان خالي الذهن، و ستكون قرارات الإنسان من النوع الذي لا يستند إلى حجة. سواء بخصوص القانون أو بخصوص القرارات الأخرى من قبيل تعيين الأشخاص في المواقع المختلفة، و الوزراء و غيرهم. إذا جرت دراسة مسبقة للأمور سيدخل الإنسان غمار المسألة بحجة. أحياناً يعارض عشرة أشخاص و تكون الأجواء أجواء معارضة، لكنك موافق و لديك براهينك و أدلتك و أفكارك و تعمل وفق الاجتهاد و الفهم الذي تحمله عن القضية. هذا هو الصحيح. أي نريد أن نقول للسادة و السيدات و نوصيهم بالاهتمام بدراسة الأمور في اللجان بل حتى قبل اللجان. من هنا، فإن التواجد في اللجان مهم جداً و من المهم أيضاً الحضور في الأوقات المحددة و بشكل مستمر.
النقطة الأخرى تتعلق بالجانب الإشرافي للمجلس. لاحظوا أن للمجلس مهمة إشرافية حيال الأجهزة التنفيذية - و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية - و عليكم أن تطرحوا شأناً و موقعاً إشرافياً للمجلس نفسه و لكل واحد من النواب. بعد أن تنتهي السنتان المتبقيتان من هذه الدورة ليس من المعلوم هل ستبقون في المجلس أم لا. هل لا تعودون إلى المجلس أم لا. قد لا تعودون إلى المجلس إطلاقاً، و لكن سيمرُّ به المئات و المئات من الأفراد الآخرين. سيأتي أناس يشغلون هذه المقاعد. إذا استطعتم الآن أن تؤسسوا الآلية المتقنة و المتينة للإشراف على عمل النواب، فسيكون لكم أجر ذلك على مدى ما تعمل هذه المؤسسة بصورة جيدة.. الأجر الإلهي لذلك سيكون من نصيبكم. و العكس بالعكس للأسف. لديكم اليوم قدرة منحكم الله إياها - قدرة نيابة المجلس - تستطيعون بها التأسيس لآلية في الإشراف و السيطرة، فإذا لم تنهضوا بذلك سوف تسألون و تحاسبون. سيسأل الله تعالى يوم القيامة.. ليست القضية برمتها: هل لدينا كلام تقبله المحكمة أم لا. هذه المحاكم ليست بشيء، المحاكم البشرية ليست بشيء. المهم هو المحكمة الإلهية. »يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور«.(2) أعماق قلوبنا مكشوفة واضحة لله تعالى. إذا عملنا أكثر من حدود تكليفنا و لم يعلم أحد و لم يشكرنا أحد، فإن الله تعالى يعلم، و الكرام الكاتبين يكتبون و الله يشكرنا على ذلك. و إذا قصّرنا و لم يعلم أحد و غطّينا على التقصير بحيث تصور الآخرون أننا أنجزنا العمل بصورة جيدة و الحال أننا مقصرين في الباطن، و لم يعلم أحد و لم يلمنا أحد، فإن الكرام الكاتبين ينظرون و يكتبون و الله تعالى يؤاخذنا. هذا برأيي شيء مهم.
حسناً، النائب مثلنا جميعاً معرض لمثل هذه الزلات و الآفات. المال فتنة. هذا ليس كلامي بل كلام الإمام السجاد (عليه الصلاة و السلام).. »المال الفتون«، المال يفتن الإنسان. إنه يحرف القلوب عن الطريق، و يتزلزل الكثيرون أمامه.. أشخاص لم يكن يتصور الإنسان أنهم يتزلزلون و يزلّون، لكنهم يزلّون أحياناً. و كذلك هي القدرة و السلطة. و كذلك هو الخجل و الإحراج، و كذلك المحبة، و كذلك العداوة.. هذه أحوال قد تزلنا. و يجب أن يكون هناك موقع للإشراف. نشكر الله على أنكم أيها الإخوة و الأخوات ترحبون بهذه المسألة بقلوب واعية يقظة.
و النقطة الأخيرة تتصل بالخطة الخامسة، و هي قضية مهمة جداً. هذه خطة مطروحة في المجلس و أنتم مشغولون في دراستها. اعتقد أنه ينبغي العمل في دراسة الخطة الخامسة بحيث لا يظهر الإشكال الذي تحدثنا عنه سابقاً. أي لا تظهر الخطة بشكل يختلف في ماهيته عن اللائحة المقدمة للمجلس. بمعنی أنه يجب إصلاح الخطة و تكميلها و ليس تبديلها. و هذا يتطلب تعاون الحكومة و المجلس. نعتقد أن للحكومة دورها في هذا المجال و للمجلس دوره.
و أخيراً أيها الإخوة الأعزاء أيتها الأخوات العزيزات.. يجب أن تعرفوا قدر هذه النعمة. إنها لفرصة كبيرة جداً أن تكونوا في موقع النيابة بانتخاب من الشعب و يكون لكم دوركم فيما يجب أو لا يجب فعله. إنها نعمة كبيرة جداً. يجب أن تشكروا الله ليل نهار.
لم يكن هذا البلد بيد الشعب و بيد نوابه و لم يكن للجماهير دور. منذ أن ظهرت الدستورية و الأصوات و القوانين و المجالس في هذا البلد - باستثناء دورة أو دورتين في بداية عمر المجلس - لم يكن للمجلس في هذا البلد أي معنى. لم يكن ثمة مجلس، و لم يكن للشعب إسهامه بأي معنى من المعاني. لم يكن مدراء البلاد منتخبين من قبل الشعب و لم يكن المشرعون منتخبين من قبل الشعب، و لم يكن للشعب دوره أساساً. كان هذا البلد شيئاً آخر و يسير في طريق آخر. و قد ظهرت هذه الحالة بفضل الثورة، لذا يجب معرفة قدرها و اغتنامها.. يجب على الإنسان أن يشكر الله تعالى على هذه النعمة الكبيرة ليل نهار.
نتمنى أن يوفقنا الله تعالى جميعاً لشكر هذه النعمة و أداء هذا الواجب. نرجو أن يسعد الله تعالى الروح الطاهرة لإمامنا الجليل - فاتح هذا الفتح الكبير و فاتح هذا الدرب - و يرفع من درجاته. نسأل الله تعالى أن يرفع درجات شهدائنا الأبرار و مجاهدينا الأعزاء الذين جاهدوا طوال هذه الأعوام الواحدة و الثلاثين لتمتين هذا الصرح و رفعته، و تجذير هذه الشجرة، و أن يثيب كل العاملين الخدومين و أن يثيبكم أنتم أيضاً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء بمشيئته.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الهوامش:
1 - سورة الأنبياء، الآية 103.
2 - سورة غافر، الآية 19.
3 - الصحيفة السجادية، الدعاء 27.