بسم الله الرحمن الرحيم

بارك الله السنة الجديدة عليكم جميعاً أيها الأعزاء مدراء قطاع الصناعة و الناشطين الفكريين و العمليين في هذا القطاع البالغ الأهمية. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى لتستطيعوا بشوقكم و إيمانكم التقدم ببلدكم و شعبكم إلى الأمام، و تجعلوه عزيزاً شامخاً في هذا المجال ذي الدور الكبير جداً في تقدم البلاد.
زيارتي اليوم لها فيما لها معنى رمزي. بالإضافة إلى أنها زيارة لقطاع مهم، فإن المضمون الذي نرمي إليه هو أن نلفت الانتباه إلى أهمية الصناعة في تقدم البلاد. و نقصد بالصناعة الصناعة المتفجرة و المتدفقة من أذهانكم و أفكاركم و ابتكاراتكم و إيمانكم. نعتقد أن للصناعة تأثيراً أساسياً جداً في تقدم البلد. و الواقع أن العنصر الأصلي لاعتبار البلد متقدماً و ما يستلزمه من مقتضيات هو التقدم في الصناعة بالشروط المحددة في مواضعها، و المتعلقة بأفكار و عقائد و إيمان شعبنا و شعبكم أيها الأعزاء.
كان هناك وهم خطير في الأذهان، تم ضخه و حقنه في الأذهان - و ربما لا يزال هذا الوهم موجوداً إلى الآن في بعض الأذهان - و هو وهم التضاد بين الحياة العقلانية المتقدمة من ناحية، و الحياة المعنوية و الأخلاقية من ناحية ثانية. كان البعض قد صدقوا أنه لو أراد المجتمع أن يعيش حياة عقلانية عملية متصارعة الخطى على طريق التقدم فهو مضطر للابتعاد عن الأخلاق و المعنويات و الدين و الله! إذا كنا مشدودين للأخلاق و محبين للمعنويات، و أخذنا بنظر الاعتبار الضوابط و الحدود الدينية و الأخلاقية، فسنكون مضطرين لصرف النظر عن تقدم البلد و عن العيش حياة عقلانية! كان ثمة مثل هذا الوهم. و لهذا الوهم أسبابه التاريخية الواضحة، و له أيضاً أسبابه المرتبطة بعلم الاجتماع. ما نروم الإصرار عليه هو أن الجمهورية الإسلامية و سيادة الدين و الإسلام أبطلت هذا الوهم و رفضته. نحن نريد و نستطيع أن نعيش حياة عقلانية و منطقية و علمية و متقدمة، و نكون في الوقت ذاته متمسكين بقيمنا الأخلاقية و ملتزمين بإيماننا الديني و عاملين بفرائضنا الدينية و مقتضيات حياتنا الدينية، بل و نتقدم في هذا الاتجاه.
الإسلام دين المعنوية و دين العلم في نفس الوقت. كان المجتمع الإسلامي في القرنين الرابع و الخامس للهجرة من أكثر المجتمعات البشرية تقدماً. مفاخرنا العلمية في تلك الفترة لا يزالون يتألقون كالنجوم في سماء العلم حتى بعد مرور ألف سنة، و لكننا أصبنا بحالة من الركود و التراجع لأسباب خاصة.
مسيرتنا اليوم مسيرة تقدمية نحو الأمام. إنها مسيرة ذات قفزات واسعة و يجب أن تكون هكذا، سواء على الصعد العلمية أو على الصعد المعنوية و الأخلاقية. الصناعة بوسعها أن تكون صناعة متقدمة و تراعى فيها في الوقت ذاته الاعتبارات الدينية و الأخلاقية و الإنسانية. إننا نريد منكم أنتم الصناعيين في بلادنا و مدراء الصناعة أن تكونوا رمزاً و مثالاً لهذه الحقيقة، ملتزمين بالدين، و في الوقت ذاته و بسبب الالتزام بالدين، ملتزمين بالتقدم السريع في الصناعة.
على مستوى الصناعة نحن غير قانعين بما تحقق لحد الآن. هذا مع أن ما تحقق لحد الآن يعد قيّماً و مهماً للغاية. لسنا ممن لا يعرف قيمة هذه الأشياء، بل نعرف قيمتها، و قد بذلت جهود قيمة في سبيل تحقيق ما تحقق، و نحن لا نتجاهل ذلك، لا، هذه أمور محفوظة و مقدرة في محلها، بيد أنها بداية المطاف.
فيما يخص صناعة السيارات جربنا و تحملنا تخلفاً طويلاً. الميزة الكبرى التي تتميزون بها هي أنكم استطعتم قطع وتيرة هذا التخلف الطويل بهممكم، أي تغيير حالة الغفوة و الخمول و النعاس التي انتابت البلاد لحوالي ثلاثين عاماً بعد دخول صناعة السيارات إلى البلاد. منذ عقد الأربعينات [الستينات من القرن العشرين للميلاد] حينما دخلت صناعة السيارات للبلاد - نحو ثلاثين عاماً تقريباً - كنا نراوح في مكاننا. بقينا في طور التقليد المحض. لا يمكن مؤاخذة مسؤولي البلاد في عقد الستينات، ذلك أن عقد الستينات هو عقد الثورة و الدفاع المقدس، و على حد تعبير المسؤول المحترم هذه الصالة صالة تسليح الجنود. كل بيوت الشعب الإيراني كانت في الواقع سنداً لساحة الحرب بشكل من الأشكال. لا يمكن تسجيل المؤاخذات على عقد الستينات، أما قبل عقد الستينات و قبل عهد الثورة فهي فترة يمكن أخذها بالحسبان، و يجب أخذها في الحسابات. أربعة أو خمسة أعوام هي فترة الحركة التقليدية لصناعة السيارات في البلدان التي أرادت أن تكون مصنّعة للسيارات، فلماذا تطول هذه المدة هنا بهذا الشكل؟ هذه خطيئة الذين لم يفكروا بمصالح البلاد، و لم يخلصوا في أعمالهم من أجل عزة البلاد، و لم يكترثوا لتضييع و إهدار الأرصدة المادية للبلاد. أما في نظام الجمهورية الإسلامية فقد بدأتم المشوار منذ عقد السبعينات، و كان هناك تقدم إلى الأمام. هذا المحرك الوطني الذي تم تصنيعه بالكامل ابتداءً من الفكرة و التصميم إلى آخر أجزائه بفضل الفن و التقنية الإيرانية و الأيادي الإيرانية و الأفكار الإيرانية و المساعي الإيرانية، إنما هو رمز لعزة البلاد. هذا شيء له مغزاه العميق. القضية ليست مجرد أننا استطعنا إنتاج محرك سيارة.. القضية تتجاوز هذه الحدود. العالم اليوم ساحة سباق لأدوات مختلف أنواع المحركات، و محرك السيارات كوسيلة دارجة من وسائل الحياة و متداولة من قبل الجميع و مرئية بشكل يومي و دائم، هو من أبرز و أهم هذه الأنواع. في هذا العالم الزاخر بالتجاذبات و التنافس استطعتم هنا إبداء الفنون التي يستطيع الفنان الإيراني إبداعها. هذا شيء له قيمة كبيرة.
يمتلئ قلب الإنسان قيحاً حينما يتذكر أن سيارات بلادنا و لسنين طوال - سواء تلك التي كانت تستورد من الخارج أو التي كانت تنتج في الداخل حسب الظاهر - كانت تعمل فيها محركات أجنبية تماماً صنعها الآخرون و أنتجها عمال من بلاد أخرى. بدل أن نوفر العمل لعمالنا، و نستفيد من مهارتهم و ننفعهم و نتقدم بالبلاد إلى الأمام، كنا في الواقع نساعد الآخرين. و في الوقت الراهن وفرتم أنتم و الحمد له هذه الفرصة و هذه الإمكانية، و هنا شيء له قيمة كبيرة. إنني أقدر و أثمِّن عملكم الجيد هذا، و لكن كما سبق أن قلت فإنه يمثل الخطوة الأولى.
من شروط تنمية أي بلد هو أستقلاله الصناعي. علينا أن نستطيع الوقوف على أقدامنا في كافة المجالات الصناعية. علينا الاعتماد على أفكارنا و استخدام قدراتنا. طبعاً العالم عالم التبادل و التعاطي، و لكن التبادل بين الجانبين. التبادل هو الأخذ و العطاء. ستكون لكم مكانتكم في سوق التبادل الصناعي حينما تقفون على أقدامكم في المجال الصناعي. هذا ما نريده و نحتاج إليه. إيران الإسلامية جديرة بهذا الشيء. بما لنا من تاريخ و تراث حضاري هائل، و بهذه الحركة الجماهيرية، و بمواهب الشباب هذه، و بكل هذه المواهب المتوفرة في بلادنا، فإننا بحاجة لهذا الشيء. ينبغي أن نعتبر رايةً مرفرفة في قطاع الصناعة في العالم الإسلامي. و العالم الإسلامي سوف يرحب بهذه الحالة - و سوف أشير لاحقاً إلى قضية التصدير باعتبارها من قضايانا الأساسية المهمة - و سينظر العالم إلى الجمهورية الإسلامية و يرى أن هذا الشعب بذكائه و قدراته استطاع تحقيق هذا التقدم على هذا الصعيد.
هناك عدة نقاط و مسائل في هذا المضمار أذكرها الآن. من المسائل أننا إذا أولينا الصناعة الداخلية ما تستوجب من الأهمية - و كلامنا هنا عن صناعة السيارات و يمكن أن نسحب الكلام على الميادين الأخرى - فلا بد لنا من تنظيم سياستنا في التعديل التجاري. أي إن الاستيراد المنفلت سيوجه ضربة بالتأكيد و ستترتب عليه بعض المضار - أجهزة التخطيط في البلاد و الذين يرسمون السياسات التنفيذية ينبغي لهم التفطن إلى هذه النقطة. الوفرة و زهد الأسعار شيء جيد جداً، لكن الأهم و الأفضل منه تنمية الصناعة الداخلية و نهوضها. ليس من الصحيح أن نفتح الأبواب للاستيراد لأسباب شتى معظمها واهٍ و غير مقنع. لقد ذكرت للمسؤولين مراراً - المسؤولين في القطاعات الحكومية على اختلافها - أنه إذا كانت تبريراتكم و منطقكم لزيادة الاستيراد و تسهيل استيراد البضائع الصناعية هو رفع جودة الصناعات الداخلية، فعليكم الضغط على هذا القطاع. ثمة سياسات يمكن اتخاذها، و إجبار المنتج الداخلي على رفع جودة بضائعه. أسوء خيار لرفع جودة المنتجات الداخلية هو أن نفتح الطريق للصناعات الخارجية. هذا هو أسوء خيار. هناك خيارات أفضل لكي نرفع جودة بضائعنا.
النقطة المهمة الأخرى هي مسألة البحث العلمي.. البحث العلمي و تنمية التقنيات. جميع الصناعات في العالم اليوم بما في ذلك صناعة السيارات، تدور حول محور العلم. إنهم يفكرون دائماً و يعملون و يبحثون علمياً من أجل استكمال هذا الجانب و إنتاج بضائع أقل عيوباً، و أجمل، و أقل استهلاكاً للطاقة و أزهد سعراً. هذا غير متاح من دون التقدم العلمي و التأمل و الدقة والبحث و التحقيق. ينبغي ترك باب البحث العلمي مفتوحاً. الأجهزة المختلفة و المعامل الصناعية و مدراء الصناعة و مدراء الحكومة المشرفون على الصناعة عليهم تركيز جهودهم على قضية البحث العلمي. هذا يساعد على أن تستطيع الصناعة الحفاظ على نفسها داخل إطار الظروف التنافسية الصعبة، و لا تسقط أرضاً في تنافسها مع المنافسين الأقوياء المتقدمين. و هذا ممكن عن طريق البحث العلمي.
و من القضايا الأخرى المهمة في صناعاتنا و منها صناعة السيارات، قضية التصدير. على الأجهزة الحكومية المختلفة أن تبذل جهودها لتأمين أسواق التصدير. هذه من المهام الحساسة جداً و الأعمال التي تحتاج إلى فن و مهارة و جهود متنوعة و مركبة و متعددة الجوانب. بعض بلداننا الجارة تصدر السيارات و يعود عليها هذا التصدير بمليارات الدولارات سنوياً! هذه عملية مهمة جداً. أي إن مسيرة صناعة السيارات - و أنا أذكر السيارات هنا كنموذج بارز، و القضية تشمل كل الصناعات المماثلة - يجب أن تتركز منذ البداية على فتح باب التصدير. بمعنى أنه ينبغي منذ البداية التفكير في هذا الجانب، و على المؤسسات الحكومية جعل أسواق التصدير و توفير مثل هذه الأسواق أحد أهدافها.
و من القضايا في هذا المضمار قضية البيئة - و قد سمعت هنا عبر التقارير أن ثمة اهتمام بقضية البيئة، و أريد التشديد على هذه القضية - أي إن من المؤشرات الأساسية التي يجب أخذها بنظر الاعتبار في صناعة المحركات و جميع الأجهزة و الصناعات هي قضية البيئة. تخريب البيئة من الأمور التي يشعر الشعب أو المنطقة الجغرافية أو كل العالم أحياناً بضررها حينما لا تكون ممكنة التفادي و التعويض. قضية البيئة قضية مهمة جداً. و قد شدد الإسلام بدوره على البيئة و رعايتها. الحفاظ على البيئة و رعايتها قضية توصل لها العالم مؤخراً، و قد كانت من ضمن التعاليم الإسلامية. هذه أيضاً نقطة مهمة جداً يجب التنبه لها.
لو أردت أن أذكر بعبارة واحدة كل ما يجول في خاطري حول عملكم أيها الإخوة الأعزاء لقلت لكم إن إبداعكم و ذكاءكم و جهودكم و متابعتكم هي ضمانة غد هذا البلد، و ضمانة مستقبل هذا الشعب. لا تتعبوا من العمل، و لا تنصبوا من الجهد و المتابعة. نعرف بلداناً دخلت هذا الميدان بعدنا و هي الآن متقدمة علينا! هذا بسبب المتابعة و عدم الاستسلام للتعب من العمل و لأن المدراء الكبار ركزوا هممهم على عدم ترك العمل. من النواقص المهمة التي شاهدتها في بعض حكوماتنا طوال هذه الأعوام عدم متابعة الأمور و الأعمال. يبدأون العمل بشوق واندفاع، ثم يبقى غير مكتمل! لماذا؟ لأن المدراء لا يدعمون و لا يتابعون الموضوع.. لا بد من دعم مالي و إداري و تشجيع و متابعة و رفع للعقبات الجزئية عن الطريق. أحياناً يكون ثمة مانع صغير يعرقل عملاً كبيراً لفترات زمنية طويلة.. هذا ما تدل عليه تجارب الإنسان. شاهدنا أعمالاً كبيرة توقفت و تابعنا المسألة و تحرّينا أسباب هذا التوقف فعلمنا أن هناك مانعاً صغيراً عرقل العمل، و لم يبدوا همماً كافية لرفع هذا المانع الصغير، و بقي هذا المشروع العظيم معطلاً لسبب تافه. لحسن الحظ فإن الحكومة الحالية حكومة نشيطة و متابعة و ذات همة و مخلصة، و الوزير المحترم شاب نشيط متحفز. نتمنى أن تتقدموا بالعمل إن شاء الله على أحسن وجه.
و الزراعة و هي مهمة جداً بالنسبة لنا، و تعدّ في رأيي ركناً أساسياً للحياة في بلادنا، مرتبطة هي الأخرى بالصناعة. تقدم الزراعة غير ممكن من دون تقدم الصناعة. بمعنى أنني حين أوكد على القطاع الصناعي يجب أن لا يعد هذا إنكاراً و إقصاءً للقطاع الزراعي. إنه في الواقع تأييد و مساعدة للتقدم الإجمالي في البلاد، بما في ذلك التقدم في القطاع الزراعي. إنني مصرّ على تقدم قطاع الصناعة، و هذا التقدم ممكن عن طريق البحث العلمي و استخدام الفعل و الذكاء المتوقد المتوفر و الحمد لله لديكم أيها الشباب الأعزاء، و في الأيدي الإيرانية الماهرة.
أقولها لكم: إن الكثير من هذه البلدان المعروفة في العالم اليوم بصناعتها و تحتلّ المراتب الأولى عالمياً، لدي معلومات وثيقة بأن معدل ذكائهم أدنى من معدل الذكاء في بلادنا! لكنهم استطاعوا عبر العمل و الجهد الدؤوب أن يتقدموا. الذكاء و التمتع بالفطنة و الموهبة و القدرات العقلية من العوامل المهمة جداً التي تتوفر فينا، و علينا إرفاق ذلك بالعامل الثاني ألا و هو العمل و الجد و المتابعة و عدم التعب. و اعلموا أن حركة البلاد في هذه الحالة ستكون سريعة و ذات قفزات إن شاء الله، و ستتقدم على شكل قفزات و سيتم إنجاز أعمال كبيرة. و نلاحظ اليوم أن بلدنا يقف ضمن عشرة بلدان أو ثمانية بلدان أولى في العالم على صعد متعددة. و قد قال أحد السادة الآن إننا ضمن البلدان الستة الأولى في العالم في أحد المجالات التي نستطيع القيام بها. هذا شيء مهم جداً. هذا البلد الذي كان قبل الثورة بعيداً فراسخ عن الصناعة و الإبداع و الخلاقية و النشاط ، و لم يكن يأمل في هذه الأشياء، و لم تكن لديه الثقة بالنفس، وصل اليوم إلى هنا. هذا شيء مهم جداً. إذن، الطريق بالنسبة لكم مفتوح، و القدرة على القفزات متوفرة. نسأل الله تعالى أن يوفقكم و يعينكم بمشيئته.
قضية الارتباط بالجامعة التي أشار لها أحد السادة هي أيضاً على جانب كبير من الأهمية. منذ سنوات و أنا أوصي الجامعات و الأجهزة الحكومية بإقامة أواصر متينة بين الصناعة و الجامعة. نحن بحاجة إلى انبثاق مراكز و أقطاب جامعية تختص بالصناعات المختلفة و منها صناعة السيارات لترفد القطاع الصناعي.
وفقكم الله تعالى و شملكم بأدعية سيدنا بقية الله (أرواحنا فداه) و أرضى عنكم أرواح الشهداء الطيبة و روح الإمام الجليل. كان هذا اليوم يوماً طيباً بالنسبة لي و قد ارتحت لمشاهدة هذه الجهود و ثمارها و نتائجها، و أشكر الله على ذلك و سوف ادعو لكم إن شاء الله.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته