بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين سيما بقية الله في الأرضين.
الغاية من الحضور في هذا المكان التاريخي و بين حشدكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء هي بالدرجة الأولى أداء الاحترام لأرواح المقاتلين و الشهداء الأبرار الذين شهدت هذه الأرض بطولاتهم و تضحياتهم و حركتهم العظيمة خلال أيام الحرب المفروضة و الدفاع المقدس.
و هي في الدرجة الثانية تقديم الشكر و التقدير لأهالي خوزستان الأعزاء، و الإخوة و الأخوات الذين خرجوا من الأمتحان مرفوعي الرأس في هذه المنطقة، و في أشد الأزمنة حساسية و أصعب الظروف. أعداء الشعب الإيراني كانوا يظنون بأهالي خوزستان الأعزاء شيئاً آخر، لكن ما حدث كان شيئاً مختلفاً عمّا تصوروه و ظنوه. الصف الأول من المقاتلين المناضلين الأبطال تشكل من شباب مضحين هم أبناء هذا التراب و هذه المنطقة.. أهالي خوزستان الأعزاء، نساؤهم و رجالهم. زرت خلال فترة الدفاع المقدس بعض القرى التي رزحت تحت نير العدو البعثي و شاهدت عن كثب وضع الأهالي فيها و معنوياتهم. كان التحامهم بإيران الإسلامية و بالشعب المجاهد البطل و بالإسلام - الذي رفعت رايته في إيران - بحيث لم يستطع العدو البعثي زعزعت هذه الأواصر الوطيدة بوساوس القومية و المشتركات اللغوية. إذن، حضورنا في هذه المنطقة هو من ناحية لتقديم الشكر و التقدير لأهالي خوزستان الأعزاء.
و الجانب الثالث هو تقديم الشكر لكم أيها المسافرون الذين جئتم من مناطق بعيدة و قريبة من البلاد إلى هذه النواحي، و أثبتم بخطواتكم و قلوبكم ارتباطكم الروحي بأولئك الشباب و الرجال و الأبطال الذين شهدت هذه المنطقة تضحياتهم، سواء في هذه المنطقة - منطقة عمليات الفتح المبين - أو في سائر مناطق خوزستان، أو في المناطق الحربية بالمحافظات الأخرى كمحافظة إيلام، و كرمانشاه، و كردستان. لقد سار أبناء البلد منذ سنوات على هذه السنة الحسن جداً، و أخذوا يأتون إلى هذه المناطق سنوياً و يزورونها خصوصاً في مثل هذه الأيام من بداية السنة. هذه المناطق مزار.
أيها الشباب الأعزاء، يا أبنائي الأعزاء، و أغلبكم لم تكونوا في تلك الأيام و لم تشهدوا تلك الأيام الصعبة المريرة. لقد كان هذا السهل الجميل و هذه المناظر الخلابة و هذه الأرض الخصبة ذات يوم تحت أقدام أعدائكم. أوجد جنود النظام البعثي في هذه الأرض التي هي أرضكم و لكم، جحيماً يجعل المرء يأسف من نواح مختلفة، فمن ناحية كيف حولوا هذه الأرض الجميلة و هذه الطبيعة الخلابة إلى كتلة من نار و جحيم. في أيام محنة الحرب و قبل عمليات الفتح المبين، شاهدت هذه المنطقة الشمالية المطلة على هذا السهل، و هي منظر ساحر جميل واسع، و لا أنسى منظر قوات الأعداء التي توزعت في هذه الأرض الواسعة على شكل عدة ألوية. كانوا يقرعون أرضكم و ترابكم بأحذيتهم و يهينون الشعب الإيراني. الذي أنقذ بلدكم هم هؤلاء الشباب المجاهدون المضحون. التعبئة و الجيش و الحرس و المقاتلون المضحون الذين لا يزال من بقي منهم متواجداً في مناطق البلاد المختلفة، و البعض منهم قد استشهد »فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا«.(1)
أعزائي، أيها الشباب الحاضرون في هذا الاجتماع و في هذه الصحراء و يا جميع شباب البلاد، اعلموا أن جيل الشباب في فترة الدفاع المقدس استطاع بتضحياته و فطنته و إرادته و عزيمته الراسخة إنقاذ البلاد من أيدي الأعداء. كان هدف أعداء نظام الجمهورية الإسلامية فصل جزء من الوطن الإسلامي وإذلال الشعب الإيراني بذلك. أرادوا فرض قهرهم و جبروتهم على شعب إيران. أرادوا إذلال شعبنا و التسلط على أرواحه و أمواله و أعراضه. من الذي لم يسمح بذلك؟ الشاب المقاتل الفدائي، و تلك العزيمة الراسخة، و ذلك الإيمان القوي هو الذي وقف أمام العدو بعدده و عدته الضخمة.. أمريكا كانت تساعد عدونا، و الاتحاد السوفيتي يومذاك كان يساعده، و البلدان الأوربية التي تتشدق اليوم بحقوق الإنسان كانت تساعد يومها ذلك العدو الخبيث ليقتل و يدمر و يحرق الأرض و أهلها. و كان يفعل ذلك دون وازع، بيد أن شبابكم، أي شباب هذا الشعب لم يسمح بذلك. في »دشت عباس« هذا، في هذا السهل الواسع و هذه المنطقة الكبيرة، تقدم الشباب بأرواحهم إلى الساحة و انتصروا على الأعداء و هزموهم و أذلوهم بعزيمتهم الراسخة و أحبطوا المؤامرة التي شاركت و اسهمت و تدخلت فيها كل القوى الاستكبارية و سعت إلى تنفيذها.
أريد أن أقول لكم: أيها الشباب الأعزاء، هكذا هو الحال دوماً، عزيمتكم الراسخة و وعيكم و بصيرتكم و صمودكم و حسمكم و شجاعتكم بوسعها دوماً فرض الهزيمة على كل الأعداء مهما كانوا في ظاهرهم كباراً و أقوياء. و هكذا هو الحال اليوم أيضاً. و كذلك سيكون يوم غد. إذا أراد الشعب الإيراني أن يبلغ ذروة السعادة في الدنيا و الآخرة - و هو يريد ذلك و سوف يبلغه إن شاء الله - فالطريق إلى ذلك عبارة عن الشجاعة، و البصيرة، و التدبير، و العزيمة الراسخة، و الإرادة القوية عند النساء و الرجال، و كل هذا يعتمد على الإيمان الإسلامي. الشيء الذي يضمن هذه العزيمة و الهمّة الراسخة لدى جنودنا هو إيمانهم القلبي. كانوا مؤمنين بالدين، و الله، و القيامة، و المسؤولية الإنسانية مقابل الله. إذا توفّر هذا الإيمان في أي شعب و في أي مجتمع فسيجعله منيعاً قوياً يستطيع المقاومة.
أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، نحن اليوم متقدمون على ما كنا عليه في أيام الحرب المفروضة و الدفاع المقدس بدرجات كثيرة.. نحن أقوى بكثير، و نفوذ الشعب الإيراني في العالم الإسلامي أوسع بكثير. نحن اليوم أقدر، و قد أحرز شعب إيران هذا الاقتدار بفضل صموده، و المؤامرات ضدنا في الوقت الراهن أيضاً كثيرة، بيد أن شعب إيران بصموده يستهزئ بمؤامرات الأعداء، و يسير في طريقه بثبات.
المهم هو أن لا ينسى الشعب الإيراني هذه المرحلة التاريخية الحساسة - مرحلة الدفاع المقدس - و يبقى يتذكر الأعوام المليئة بالمحن و الزاخرة أيضاً بالمفاخر خلال فترة الدفاع المقدس و الحرب المفروضة. هذه الزيارات و إبداء الودّ والمحبة و إقامة مراسم الذكريات تساعد على بقاء هذه الذكريات حيّة في الخواطر و الأذهان. إنني مرتاح جداً لحركة »السائرون إلى النور« التي انطلقت منذ سنوات و هي تنمو و تتصاعد يوماً بعد يوم و الحمد لله، و اعتبرها حركة مباركة جداً، و اعتقد أن هذه المرحلة الحساسة تمثل تجربة بالنسبة لنا. أنتم الشباب اليوم لو كنتم في ذلك اليوم لتواجدتم في هذا الميدان بعزيمة راسخة.
لقد أثبتم أيها الشباب بطولتكم حالياً في ميادين العلم و السياسة و الجد و العمل و التضامن الوطني و البصيرة.. لقد أثبتم صمودكم. أحياناً تكون الحرب العسكرية أسهل من الحرب الفكرية و الحرب على الصعد السياسية. لقد أثبت الشعب الإيراني أن بصيرته و ثباته في الحروب السياسية و الأمنية ليس أقل من صموده في الحرب العسكرية. لذا فإن شبابنا و الحمد لله شباب جدير ثابت ناضج و عليهم عدم الاكتفاء بهذا القدر و الطموح إلى الهمّة المضاعفة و العمل المضاعف. ارفعوا هممكم. على الشعب الإيراني تعويض التخلف الذي عاشه خلال فترات الاستبداد الطويلة و التدخل و النفوذ الأجنبي. إنني على ثقة راسخة بأن شباب بلدنا العزيز اليوم لا نظير لهم على مستوى العالم أو هم نادرو النظير. و هذه بشارة لمستقبل البلاد. سوف ترون أيها الشباب إن شاء الله اليوم الذي تكون فيه بلادكم من الناحية العلمية و التقنية و السياسية و النفوذ الدولي في مستوى جدير بإيران الإسلامية و بشعب إيران الكبير.
نتمنى أن تشملكم إن شاء الله أدعية سيدنا الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه)، و أن تشمل الألطاف الإلهية أرواح الشهداء الأعزاء.. شهداء الحرب المفروضة و الدفاع المقدس، و خصوصاً شهداء منطقة الفتح المبين، و يكونوا راضين عنّا جميعاً، و تكون الروح الطاهرة لإمامنا الجليل راضية عنّا جميعاً إن شاء الله.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الهوامش:
1 - سورة الأحزاب، الآية 23.