أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمةً للعالمين أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. اللهم صلِّ على محمد وآل محمد. نشكركم على إتاحة هذه الفرصة لنا وللمتابعين، خصوصًا في أعقاب الفعالية الاستثنائية التي شهدها لبنان والمنطقة والعالم، والتي تتزامن مع الذكرى الأربعين لتأسيس الجمعية، وإحياء الذكرى السنوية الأولى لشهادة سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله (قدّس سرّه). سنتحدث عن هذه الفعالية «أجيال السيد»، ولكن قبل ذلك: بعد أربعة عقود من العطاء، لمع نجم كشافة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في سماء لبنان ومحور المقاومة. نرجو منكم بيان الرؤية والرسالة والأهداف التي تأسست عليها الكشّاف، وكيف تطورت عبر هذه المسيرة الطويلة؟

بسم الله الرحمن الرحيم. أولًا: أهلًا وسهلًا بكم، وبموقع الإمام الخامنئي العربي، وبمتابعيه الأعزاء. سلّمكم الله، إن شاء الله. جمعية كشافة الإمام المهدي عليه السلام هي إحدى مؤسسات المجتمع المقاوم التي أسّسها «حزب الله» ورعاها وبناها، وهي تحت نظر ورعاية وعناية خاصة من سماحة الأمين العام سيد شهداء الأمة، السيد حسن نصر الله (رحمه الله)، على مدى أربعين عامًا، وهو عمر هذه الجمعية التربوية الكشفية التطوعية التي تستهدف وتتوجه إلى الأطفال والناشئة والشباب من عمر ست سنوات إلى سبع عشرة سنة. كانت رحلة مليئة بالنجاحات ومليئة بالجهود ومليئة بالعِبَر، وغنية جدًا بالمحتوى وبالمناهج، وبنتائج الغرس الإسلامي الإيماني الجهادي الولائي الذي أنتج على مدى أربعين سنة... هذه الجمعية تجتاز الآن عتبة الأربعين سنة، وهي، كما وصفها سماحة السيد قبل أعوام عدة، بأنها في عزّ شبابها وفي عزّ عطائها، وهي جمعية فعّالة وكفؤة، وهي إحدى النِّعَم على الناس في لبنان لما لها من قدرة وفعالية في استقطاب الأطفال والشباب وفي تربيتهم وتوعيتهم وإعدادهم ليكونوا جيلًا مؤمنًا فعّالًا خادمًا لمجتمعه ومدافعًا عن وطنه.

 

استحضارًا لقول سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله) بأن «حزب الله» هو «شجرة طيبة»، وقد رأينا تجليات ذلك في حضور أربعة وسبعين ألف متطوع كشفي في هذه الفعالية الاستثنائية. كيف تبلورت هذه الفعالية الضخمة؟ وما هي أبرز محطات رحلتها من الفكرة إلى التنفيذ؟

نحن كنا على تخوم الأربعين، أي قبل حوالى ثلاث سنوات بدأنا التفكير في كيف نُحيي الأربعين. كان الاتفاق على أن يكون هذا الإحياء إحياءً واسعًا يُظهِر للناس، والأهم للأجيال، التراكم: تراكم الإنجازات، تراكم الأعمال، تراكم التجربة المميزة، والآفاق التي مرّت بها الجمعية، إذ نستطيع أن نعمل فاصلًا بين زمنين: بين الجمعية من التأسيس إلى الأربعين، وبين رؤيتنا إلى المستقبل ومستقبل الأجيال. ثم جاءت شهادة سيد شهداء الأمة. للوهلة الأولى، أي في وقت الشهادة، صُرف النظر عن الفكرة لأننا دخلنا في زمن من الحزن والفقد، وكانت غالبية خططنا التي نتكلم عنها في محضره وتحت رعايته. لكن هذا الحزن، عندما امتدّ واجتزنا العام وجاءت سنوية سماحة السيد، ظهرت لدينا فكرة مميزة جدًا: وهي أن ندمج إنجازات رحلة الأربعين سنة مع سنوية سماحة السيد تحت عنوان الفعالية الكبرى التي خططنا لها والتي هي «أجيال السيد». كانت «أجيال السيد» صلة الوصل ما بين أربعين عامًا عاشت هذه الجمعية تحت رعايته وظلّه، وهذا حصادها في الحقيقة، وما بين الذكرى السنوية لشهادته. كما تلبيةً لحاجة هذه المسيرة بعد هذه الحرب الطويلة الشرسة والعدوانية وما تعرّض له أهلنا فيها من القتل والتهجير، وبعد سعي كثير من الأعداء في إعلامهم وفي خططهم السياسية إلى محاولة إيجاد صورة عن هذا المجتمع أنه بعد شهادة السيد أُحبط أو انهار، وأن هذه الشدة التي نزلت به ستؤثر في معنوياته. إذا كان تشييع سماحة سيد شهداء الأمة كبيرًا جدًا، وكما قال البعض إنه كان وجدانيًا وعاطفيًا ولا يمكن القياس عليه، ولكنّ هذه الفعالية تحديدًا جاءت لتقول: إن هذا التخطيط الواعي ظهر جليًا بالأجيال، بهذه الأجيال الكبيرة، وبتسجيل أيضًا أكبر رقم لتجمّع كشفي في العالم، جاء في سنوية السيد ليقسم للسيد قسم الأجيال. إضافة إلى الإعلان عن هذه الفعاليات، كانت في الحقيقة أيضًا رسالة إضافية مهمة جدًا أعلنتها الأجيال جميعها، وكانت لحظة تحدٍّ أخرجت المجتمع الذي تعرّض لهذا العدوان كله، أخرجته من حالة الحزن إلى حالة التحدي والأمل. نحن طبعًا قبل ثلاث سنوات كانت لدينا الفكرة. كنا نعرف أننا سنضعها في البرنامج، ولكن الخطوات العملية لم تحدث إلا قبل ثلاثة أشهر على أبعد تقدير. هذا المجهود كله حدث قبل ثلاثة أشهر فقط. لقد حظينا نحن طبعًا في هذه الجمعية بكادر مميز استقرّ على مدى أربعين عامًا متمتعًا بتجربة جيدة وبروحية ممتازة. استعنّا، فكان الطاقم العامل من المتطوعين والشباب والأساسيين يتجاوز الستة آلاف متطوع يعملون كخلية نحل. توزّعنا للدعوة وللترويج وتبليغ الأفراد وأهاليهم - تعرف أن الأعمار الصغيرة تحتاج إلى إذن من الأهالي - وتهيئنا لموضوع النقل والطريق واللباس الكشفي والأمور اللوجستية كلها، وكان عملًا كبيرًا. هذا كان في خط موازٍ مع الالتفات إلى البرنامج وتفاصيل الاستعراضات. طبعًا يمكن القول إننا لم نكن نقصد في البداية أن نكون أضخم تجمّع كشفي في العالم، ولكن عندما سُجِّل على المنصة التي أعددناها خصيصًا للحضور وللراغبين في المشاركة من الكشفيين، وعندما انتقلت الأعداد إلى ما فوق الثلاثين ألفًا - لم نكن نُعلن ذلك ولكن كنا نراقب أعدادنا - انتبهنا إلى موضوع الرقم القياسي. ذهبنا إلى بحث دقيق حول المخيمات العالمية المماثلة، وعرفنا أن أكبر رقم هو في الهند منذ حوالى سنتين أو ثلاث سنوات: كان خمسة وخمسين ألفًا. هذا سُجِّل لديهم وسُجِّل في المنظمة العالمية. صارت الفكرة قريبة، وكانت الأرقام تقترب إلى أن تأكدنا أن العدد تجاوز [خمسة وخمسين ألفًا]، وقبل ستة أيام تقريبًا، كان العددُ لدينا ستين ألفًا، ولكن ورغم ذلك لم نُعلن عن هذا الأمر. في الأيام الأخيرة، تكثّف الرقم بسرعة كبيرة جدًا نتيجة الترويج الداخلي والدعاية التي بثثناها بين الكشفيين والقادة الميدانيين للترويج لهذا.

 

كانت هناك حركة عفوية في بعض القرى، وقد رأينا تجلياتها لدى أهالي الكشفيين الذين أرسلوا أبناءهم للحضور في هذه الفعالية، أو لدى القرى التي استقبلت أبناءها العائدين بعد انتهاء التجمع.

هذا طبعًا كان جزءًا مهمًّا من الفعالية، فأهالي الكشفيين كانوا جزءًا من هذا التحدي وهذا النجاح. هم الذين أمّنوا لأولادهم كلفة النقل واللباس الكشفي وحضّروهم لذلك، وتعاونوا في ما بينهم، وبعض الجهات ربما لا تستطيع أن تقدّم كلفة مالية بهذا الحجم، فكان هذا الأمر موجودًا. صار الذين لم يسجّلوا يرغبون في التسجيل، حتى نحن أدركنا أن المدينة لن تتّسع، فأعددنا خطة تفصيلية لاستغلال المساحات الإضافية كلها: الممرات والأدراج والتراسات المحيطة، وحتى أرض الملعب خارج المدرجات، كي تتّسع لهذا العدد. كان هناك حضور، وقبل آخر يوم كان عددنا سبعة وستين ألفًا، وفي هذه الليلة فقط قفز العدد من سبعة وستين ألفًا إلى أربعة وسبعين ألفًا. يعني كان الناس يبحثون عن الباصات: كيف ستأتي؟ هذه الليلة كانت ليلة عزيمة في استلحاق من لم يسجل... لأن صار لهذا التجمّع عنوان التحدي. المجتمع المقاوم اليوم، الذي هو كما وصفه سيد شهداء الأمة: مجتمع أشرف الناس ومجتمع أكرم الناس ومجتمع أطهر الناس، المجتمع المقاوم الذي تعرّض لأضخم عملية عسكرية من حرب وتهجير، وحرب سياسية وحرب اقتصادية وديبلوماسية، هذا كله. كان هناك إصرار من الخطط الإعلامية على إلصاق الهزيمة به، وهو لا يشعر بها. نحن نشعر أن انتصارنا انتصار، وأن شهادتنا انتصار، وقوة التحدي عالية جدًا. بعض الناس ربما في لبنان كانوا يعتقدون نتيجة كثافة الدعاية أن «حزب الله» انتهى، وأن علينا فقط أن نذهب لندفنه. لكن أتت هذه الفعالية لتشرق كالشمس الساطعة مؤكدة أن هذا المجتمع ليس مقتصرًا على تشييع السيد والحالة العاطفية، بل هو بفعل واعٍ وإرادة كبيرة ورسالة عميقة للعالم. لسنا نحن فقط، بل حتى أجيالنا. نحن حتى لو استطعنا أن نحضر أعمارًا أصغر كنا أحضرنا أكثر، ولكن في الحقيقة كان الناس يوجهون هذه الرسالة، وفيها تحدٍّ. كنت أراقب على صفحتي على «الفيسبوك» وأشاهد تعبيرات الكشفيين أثناء عملية التحضير. ماذا كانوا يقولون؟ ما كانوا يريدون؟ ماذا كان أهاليهم يقولون؟ الكل كان يريد إحياء أربعينية الجمعية. لدينا مفخرة بكثير من الإنجازات، ولكن الأساس عند الجميع هو وقفة التحدي. لذلك صار البرنامج كله والكلمات والإعلام المرافق لنا على هذا النبض. لذا أتت هذه المشهدية الرائعة التي فعلًا لم يشهد لها لبنان مثيلًا من الدقة والتنظيم، والأفراد الكشفيون الذين حضروا إلى هذا التجمّع لم يكونوا مجرد حاضرين يريدون أن يروا البرنامج والاستعراضات، بل كانوا مشاركين. كانت تصل كل واحد منهم مواد ومحتويات للمشاركة في القسم وفي الأناشيد وفي الأهازيج وفي المشهديات التي رآها الناس على المدرجات، فكل واحد جاء بإيجابية عالية. لذلك كان الانتظام بين الحضور (على هذا النحو)... وهناك كانت المفاجأة. يمكن أن يُدرَس هذا الأمر بصورة منفصلة: كيف لهذه الأعمار على مدى أربع ساعات في المدرجات وساعتين أو ثلاث أن تكون على هذا المستوى من الالتزام ومن الإتقان والوقار؟ كان أمرًا مفاجئًا. يعني كان بجانبي على المنصة الأساسية كثير من الشخصيات، وكانوا يقولون: إنه أمر عجيب! كيف يبقون بهذا الوضع، من دون أي خلل؟ المشهدية كانت مميزة، هذا هو التحدي.

لقد أصبح الكشاف جزءًا أصيلًا ومكونًا في المجتمع. هذا التجمّع ملأ برسالته كثيرًا من المساحات التي تحتاج إلى إجابات عن هذه البيئة. أمام هذا المشهد، الأصدقاء تيقّنوا أننا أقوياء وحاضرون وأن الأجيال معنا، والعدو الذي دائمًا ما كذب على نفسه وعلى العالم، تيقّن اليوم وبالبرهان الساطع لهذه الأجيال وبكلماتها أن هذا المجتمع مرّ بحزن وفقد، ولكنه على العهد وعلى العزم وعلى الأمل، وأقسم القسم الذي يؤكد فيه لسيّده، لسيد شهداء الأمة، أننا نحمل رايته وأننا على العهد، إن شاء الله.

 

ما من سيرة شهيد إلا ويرتبط اسم الشهيد وحركته الجهادية بجمعية كشافة الإمام المهدي على مستوى التنشئة. حتى يصل الإنسان إلى هذا المستوى من العطاء والتضحية، ما هو البرنامج التربوي الذي تعتمده الجمعية للتنشئة للوصول إلى هذا المقام؟

كشافة الإمام المهدي عليه السلام هي جمعية استقطابية تربوية، لها منهج تربوي متكامل قائم على المحتوى الإسلامي الأصيل، على منهجية الإسلام المحمدي الأصيل، على منهج الولاية، على منهج القيم والنهوض. يتربى فيها الفرد ليُبنى بناءً إسلاميًا، وليحمل قضاياه، ويخطو في سبيل هذه القضايا. نحن نساعده على الفهم وعلى بناء القدرات وعلى الوعي والبصيرة بما يحيط به وبقضاياه الأساسية. عندما يكبر هذا الإنسان على هذا المنهج ويتربّى في ظل هذه القيادة ويحمل هذه القضايا وهذا اللواء، من الطبيعي أن يكون مجاهدًا، ومن الطبيعي للمجاهدين أن يكونوا مجاهدين حتى الشهادة. لذلك منهم كثير من الوجوه على امتداد عمر هذه الجمعية، كان نباتها نباتًا حسنًا، سواء من الذين استمروا في حياتهم فاعلين ومبادرين وناجحين وعلماء وأساتذة وخُدّامًا اجتماعيين، وأيضًا من المجاهدين ومن الشهداء. نحن نركّز على الثقافة التعبوية والجهادية. ليس لدينا، وبحسب الأعمار التي نتعامل معها، برنامج عسكري ولا برنامج تدريبي للعسكر ولا أي مخطط لإدماج العمل العسكري. بالعكس، نحن نريد لهذه المرحلة أن تكون بنائية، تربويًا وثقافيًا وأخلاقيًا، وتسعى إلى بناء الكفاءات والمهارات. العمل في الساحة الجهادية هو خيار شخصي يأتي بعد المرحلة الكشفية. هذا من المهم التركيز عليه.

 

نرى اليوم امتدادًا للحركة الكشفية مرتبطًا بخط المقاومة في دول أخرى مثل العراق وأيضًا اليمن العزيز وغيرهما. ما هو الدور الذي تلعبه كشافة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في لبنان بوصفها جزءًا من هذا الجسر الإقليمي للشباب المقاومين؟ وكيف تُتبادَل الخبرات والتجارب لتعزيز هذا المحور؟

طبعًا نحن جزء، إن شاء الله، نابض وفاعل في جسد هذه الأمة، بوصفنا أفرادًا نحمل قضايا، وبوصفنا جمعية ومؤسسة تربوية شبابية أيضًا تحمل قضايا الأمة وتؤدي دورها أينما سمح المجال لذلك. في الساحة العراقية، بحمد الله وبهِمّة الشباب العراقيين والجهات والأحزاب والتيارات الشبابية... لدينا مساعدة للإخوان في تأسيس العمل الكشفي، والعمل الشبابي على غرار تجربة كشافة الإمام المهدي. طبعًا لديهم تجاربهم وخصوصياتهم، ونحن نساعدهم في ذلك. هناك آفاق واعدة في العراق، هناك جهات كثيرة، ونحن إن شاء الله في سنوات على موعد مع كثير من النتائج الطيبة للأطفال والفتيان والشباب هناك، ومع نموذج كشفي فعّال وقوي يستطيع أن يقدّم تجربة مميزة كما قدّمتها كشافة الإمام.

 

بالنظر إلى تركيز سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله) والسيد حسن نصر الله (حفظه الله) على أن الشباب هم روح الأمل، ما هي الرؤية المستقبلية التي يجب أن يعمل عليها الشباب الكشفيون في لبنان والمنطقة؟

طبعًا، نحن ننطلق بالكامل في رؤيتنا للعمل الشبابي والتربوي من الرؤية العامة للإسلام المحمدي الأصيل، ومن توجيهات سماحة القائد (حفظه الله) وتوصياته وآرائه وفكره، التي فعلًا أتحفتنا بكثير من الإشارات وأوضحت لنا المناهج لنعمل عليها، هذا النجاح كله اليوم. اليوم في كشافة الإمام المهدي، تتجاوز الأعمار ما بين خمس عشرة وسبع عشرة سنة، ثلاثة وعشرين ألف شخص، ما شاء الله. لدينا القادة الذين هم حوالى اثني عشر ألف كشفي متطوع، بمتوسط عمر إحدى وعشرين إلى اثنتين وعشرين سنة. هذا كله طبعًا، من القدرة على جذب الشباب وعلى إعدادهم أمام مسؤولية يتعاملون معها بتفانٍ غير عادي وبتضحيات غير عادية، مُستمَد من هذا الفكر ومستلهَم من تلك الشخصية العظيمة التي تمثّل قدوة للشباب، وهذا أمر تعمل الجمعية عليه بوصفه جزءًا أساسيًا من منهجها التربوي. نحن أكثر من لمس خيرات هذا النهج وبركاته. طبعًا توجيهات سماحة سيد شهداء الأمة للشباب أيضًا هي جزء مكوّن لحركتنا الشبابية. الجمعية تحاول أن تساعد في كثير من الأماكن في بلاد الاغتراب حيث ما كان هناك أشخاص أو جهات تريد استلهام هذه التجربة. في اليمن، لدينا علاقات جيدة. في سوريا، كان هناك كثير من التجارب المهمة. طبعًا بالتفاعل مع الإخوة في الجمهورية الإسلامية، ومؤسساتها التربوية والشبابية، لدينا كثير من الروابط ونقل التجربة والاستفادة من التجارب الكبيرة. في الحقيقة، كثير من برامجنا الناجحة إنما استُفيد فيها من تجربة الإخوان في الجمهورية في مجال العمل الشبابي وفي مجالي الأطفال والفتية.

 

اختيار عنوان «أجيال السيد» للفعالية يختزن مضامين عميقة، لعل أبرزها العلاقة الأبوية التي ربطت سيد شهداء الأمة (قدس سره) بالكشفيين، خصوصًا بعد أن قدّم لهم منزله. ما هي أبرز القيم التي حرص سماحته على غرسها في نفوسهم في هذه العلاقة الأبوية؟

هناك جهتان لعلاقة كشافة الإمام المهدي (عليه السلام) بسماحة سيد شهداء الأمة. هناك علاقة مرتبطة بشخص سماحة السيد ومحبته الخاصة وعنايته التي رأيناها على امتداد السنوات، وحتى التفاتاته إلى التفاصيل، ويمكن القول إن كثيرًا من نجاحات البرامج والأنشطة والجاذبية والروح العاملة كانت بفضل هذه العناية الخاصة. كان حبه للكشاف حبًا خاصًا. كان سماحة السيد يحب مؤسسات الحزب كلها والناس جميعهم. فعلًا هو يعني ملخص للحب. لكن كان للجمعية عناية خاصة. هو كان يعبّر قائلًا مثلًا إنني أحب هذا اللقاء معكم. يعني لست فقط ألبّي دعوتكم لأكون بينكم، بل أحب هذا اللقاء أيضًا. كان يصرّ على أن يكون هذا اللقاء بعيدًا من الإعلام ومغلقًا، لأن لديه حديثًا خاصًّا مع القادة، وكان حريصًا على توجيهات كثيرة. بعض الضيوف الداخليين كانوا يعتقدون أن سماحة السيد يبث إليكم من التوصيات وبعض المحتويات ويُعلق عليكم كثيرًا من الآمال، وهذا لا نراه منه في جهات أو مؤسسات أخرى. البعض يقول: كنا نغبطكم. البعض يقول: كنا نحسدكم على ذلك. تجلّى هذا الحب في مجموعة أمور. أذكر منها موضوع البيت. سماحة السيد، حسب ما أعلم، ليست لديه أملاك شخصية. كان لديه هذا المنزل الذي كان فيه قبل أن يكون أمينًا عامًا، وهو منزل متواضع، مؤلف من غرفتي نوم وصالون فقط، أي بيت صغير، ولم يعد يناسب طبيعة الظروف الأمنية والمهمات العملية لسماحة السيد، فانتقل إلى منزل آخر. بقي هذا المنزل، فأعطاه إلى ابنه في البداية، الشهيد السيد هادي، ولكن قبل أن ينتقل إلى بيت الزوجية استُشهِد، فعاد البيت إلى سماحة السيد. ثم أهداه أيضًا إلى ابنة الشهيد القائد الحاج رضوان، الحاج عماد. أيضًا سكنت فيه لمدة سنة تقريبًا، ثم لضيقه أيضًا باعوه، وانتقلوا منه، لأنه كان ملكها. الشخص الذي اشترى هذا البيت، عندما علم أنه كان لسماحة السيد وأنه أهداه إلى ابنة الشهيد، قرّر إعادة إهدائه لسماحة السيد. سماحة السيد، طبعًا بناءً على اعتقادي، لا يريد أن يكون شيء باسمه، فذكر أمام الإخوة في المكتب أنه «نريد أن نعطي هذا البيت لأحد». لو سمحتم، رشّحوا لي جهات. كما نقل لي الأخ في المكتب، قال إنه ذكرنا له مجموعة من الأسماء، ولكن ما تذكّرنا أن نقول له إن الكشاف من ضمنها. لكن عندما أعطوه في اليوم التالي مجموعة خيارات، قال: أعطوه للكشاف. اتصلوا بي طبعًا وقالوا لي إن السيد أعطاكم بيته. توقعت أن هناك أحدًا من الإخوان قد طلب البيت. اعتقدت أن أحد الإخوة في العمل طلب، أي إن أحد أقسام العمل طلب منزلًا من سماحة السيد، فتفاجأت، إلى أن عرفت أنه يريد إهداء بيته للكشاف، فهو يقصد ما يفعل. هو يقول دائمًا: أنا أراهن على هذه الأجيال. في إحدى المقابلات، تكلّم كثيرًا عن رهان العدو على الأجيال القادمة ورهانه هو على أن هذه الأجيال هي التي ستكمل المسار بأشدّ ما كان الآباء يفعلون. فعلًا نحن استحضرنا ذلك في تسميتنا الفاعلية، واستحضرنا سماحة السيد، فهي فعلًا فعالية «أجيال السيد».

 

"في خطبة التعزية، قال سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله) عن السيد (قدس سره): «لقد غادرنا السيد بجسده، لكن نهجه وصوته الصادح سيبقيان حاضرين فينا أبدًا». بناءً على هذه المقولة، كيف استلهم الكشاف في الأربعة عقود نهج السيد، وكيف تُرجم غيابه الجسدي إلى بقاء فكري في عمل الجمعية؟"

تحوّل السيد بشهادته الكبرى. إن الرسالة الصادقة والعارمة التي أعطتها شهادته للأمة، جعلته يتحوّل من شخص حقيقي إلى منهج حقيقي. كان نورًا يتجسّد في رجل. هذا الرجل ارتحل، ولكن بقي هذا النور ساطعًا بين أيدينا. نحن أصلًا عندما جاء العام الأول لشهادته، لم نشعر أن هناك عامًا مرّ. لا نزال في الحزن. أي لم يذكّرنا الموعد. السيد حاضر دائمًا فينا وفي هذه المشهدية. نحن نحضّر لتلك المشهدية، السيد هو الحاضر. لذلك لاحظتم أن صورة سماحة السيد العملاقة الموجودة في القلب، في وسط هذا التجمّع، هذا رمز مقصود إلى أنه صاحب هذا الاجتماع الضخم وصاحب هذه الأجواء، هو الذي له قول قاله عن الجمعية يومًا: «هذه الجمعية أمانة في أعناقكم جيلًا بعد جيل». هذه الأجيال التي قال عنها ذلك والتي حملت الأمانة، جاءت إليه لتؤدي له هذا القسم.

 

ذكرتم أن الكشفيين ينتهجون النهج الولائي، رغم اختلاف الفئات العمرية لديهم (من البراعم حتى سن الثالثة والعشرين). كيف تعملون على الجانب الولائي في التنشئة؟ وهل هو مادة تُقدَّم أم منهاج تربوي متكامل؟

طبعًا القسم الثاني من علاقة الجمعية بسماحة السيد هي كونه مظهرًا للولاية وواسطة للولي. كان هناك حب إضافي: حب لشخصه، لسماحته، لحبّه هو، لأخلاقه، لدماثته، للودّ الذي كان يقدمه لمن كان حوله. كان هناك حب حقيقي. كما كان مظهرًا لتلك الولاية، فكان العشق حقيقيًا، وكانت الولاية حقيقية. تربّت هذه الجمعية كغيرها، ولكننا مسؤولون عن الأجيال، فتربّت على منهج الولاية وعلى حبها، ولذلك كان شعارها الأساسي «وأطيعوا». كانت الطاعة لأولي الأمر هي الرمز المفتاحي، إذا أردتَ القول، للأنشطة والبرامج كافة. كان محور الطاعة هو الأساسي، حتى في علاقة الجمعية الداخلية. الجمعية اليوم، كما الجمعيات الكشفية، تنظيمها شبيه بالعسكر، فيه تدرّج ورموز كثيرة من ضمنها الطاعة والالتزام والعمل تحت ظل القائد وما إلى ذلك. إذًا الولاية ليست فكرة نقولها أو مفهومًا ندرسه فقط، بل هي حالة تربوية يعيشها الفرد بكيانه كله، في رحلة اثنتي عشرة سنة التي هي سنوات التربية عليها. إنّ المنهج التربوي الذي تعتمده الجمعية هو منهج دامج ما بين المعرفة المباشرة وما بين الإطار الرمزي، اللذين يتحققان من هذه الأنشطة في الساحات كلها، وما بين شخصية القادة الكشفيين الذين يتولّون العلاقة مع الأفراد. هذه الجوانب كلها تندمج، لتنتج شخصيات لديها قدوة ومنهاج ومعرفة وإطار محبَّب. يعني الأنشطة، سواء في ساحات الفرح والتنافس الإيجابي وجو المرح والألعاب، كلها تحتوي على ما يحبّب الأفراد بقائدهم. العلاقة الشخصية الجيدة التي تسهّل الاقتناع وتقرّب مفهوم الولي المحبوب، الولي الذي يجب أن يُطاع. لذلك نجاحات الأنشطة كلها تعتمد على تلك الطاعة. الطاعة تصير جزءًا من الفهم والمعرفة، وجزءًا من الطريقة العملية لإنجاح العمل، يعني بغير الطاعة وبغير الارتباط بالقرار وبالتكليف وبالنظام الذي ينشأ عليه الشخص، لن تكون الأعمال ناجحة ومفرحة. هذا التراكم مع الوقت ينتج أشخاصًا لديهم استعداد، عن قناعة وعن محبة وعن ممارسة، للالتزام وللمساهمة الفعّالة وللمبادرة وسط التوجيهات ولإنجاز الأعمال وللنجاحات. هذا طبعًا يفترض مساحات تربوية تجريبية، ونوعًا من المناورات مرة بعد مرة لتتّضح الفكرة وتصبح جزءًا من السلوك.

 

كان هذا القائد بمنزلة الأب العطوف لأجياله، وقد وصفه سماحة القائد بأنه كان ثروة للعالم الإسلامي. الكشافة هي جزء من هذا العهد الذي نُقسم به لسيد شهداء الأمة (قدس سره)، ولسماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله (حفظه الله) الذي يخاطبهم بقوله: «أحبّكم جميعًا». ما هو عهدكم؟

هذا العهد كان فعلًا طبيعيًا وكان طموحًا وموقفًا يحتاجه الكشفيون لاستكمال علاقتهم بسماحة السيد. هذا القسم أتى ليلبّي مفهومين: الحب والتعلّق بالأهداف، وفي الوقت نفسه العلاقة مع الولاية، مع مظهر الولاية. سماحة السيد ربّانا على أن نكون موالين، لدينا بيعة، لدينا عهد. الأجيال جاءت على هذا القسم القصير ولكنه الجامع والمعبّر، الذي انتُقيت كلماته بدقة ليكون الرابط المشهود أمام العالم لهذا العهد: أننا على عهد الأجيال لسماحة السيد، باتّباع ولي الأمر وطاعته، والاستمرار تحت الراية ذاتها التي، إن شاء الله، هي راية الولي وهي راية إمام الزمان (أرواحنا فداه). أريد أن أتحدث أيضًا عن موضوع العلم الإيراني. طبعًا جمعية كشافة المهدي هي جمعية ولائية، تعتقد أن مرجعها ووليّها وولي أمرها وولي أمر المسلمين هو سماحة الإمام القائد الخامنئي (حفظه الله)، وتعمل قولًا وفعلًا وتربويًا على هذا الأمر. علاقتنا مع الجمهورية الإسلامية ونظرتنا إليها هي نظرتنا إلى الأم، إلى دولة الإسلام، إلى الدولة التي تمثّل جزءًا مهمًا من طموحنا لدولة العدالة. لذلك نحن معها. ضمن المشهديات التي وزّعناها على المدرّجات، وضعنا مثلًا العلم الفلسطيني رمزًا إلى أننا وأهل فلسطين في خط واحد دفاعًا عن المقدسات وفي مواجهة العدو ودعمًا لأطفال فلسطين، ووضعنا (عبارة) «حماية غزة» أيضًا للإشارة إلى دعم أطفال غزة في مواجهة القتل. وضعنا علم اليمن، الذي هو أحد البلدان الإسلامية النابضة في الموضوع المقاوم والداعم لفلسطين والذي يمثّل الكرامة الإسلامية. وضعنا علم الجمهورية الإسلامية التي تعرّضت لعدوان وقُتل فيها أطفال وكان لديها كثير من الضحايا نتيجة التوحّش الإسرائيلي. بعض الأشخاص أثناء البروفات صوّر العلم الإيراني، فالبعض في لبنان حاول أن يقول: لماذا العلم الإيراني، وهل نحن إيرانيون؟ وهل وهل وهل؟ عمل على توظيفنا... فجاءتنا اتصالات كثيرة مفادها أنه لا داعي لذلك... فالمعنى السياسي للعلم الإيراني قد يكون غير مناسب. قلنا لهم إن إحدى رسائل التجمّع هي الرسالة الأخوية والأبوية والإيمانية والإسلامية إلى الشعب الإيراني الذي وقف إلى جانب الشعب اللبناني والذي كان داعمًا له، والذي خرجت المظاهرات فيه تأييدًا له، والذي فعلًا نعدّه عمقنا الثقافي والإسلامي الكبير. لذلك، كل التحية إلى سماحة القائد، وإلى قيادة الجمهورية الإسلامية، وإلى الشعب الإيراني العزيز الذي نحن نتطلّع وإياه، إن شاء الله، إلى الأهداف والقيم ذاتها.