بسم الله الرحمن الرحيم
أنا سعيد جداً و أشكر الأصدقاء لإعدادهم هذا اللقاء الطيب. هذه الجماعة في الواقع رمز للجماعة المعبِّرة عن التركيب بين العلم و الإيمان. الأساتذة‌ الجامعيين بطابعهم الإلهي التعبوي مظهر للتركيب بين العلم و الإيمان. و الاجتماع اجتماع صميمي جيد. لقد استمعت بدقة لكلمات الأصدقاء و الأعزاء الذين تحدثوا - و هم علماء واعون - و قد قدموا اقتراحات جيدة البعض منها يرتبط بالحكومة طبعاً - و الوزراء المحترمون و المسؤولون حاضرون، و علی الأجهزة الحكومية متابعة هذه الأمور - و بعض الاقتراحات أعمّ و أشمل من مساحة عمل الأجهزة التنفيذية، و علينا التفكير فيها، و سوف نستفيد منها و نعمل بها إن شاء الله.
الاقتراح الذي ذكر بخصوص تسمية يوم استشهاد الشهيد چمران باسم يوم «‌تعبئة‌ الأساتذة» و «الأساتذة التعبويين» يلوح لي أنه اقتراح ذو معنی و مغزی. كان المرحوم الشهيد چمران بحق نموذجاً و مظهراً للشيء الذي يرغب الإنسان في أن تتجه تربية الشباب و الجامعيين نحوه. إنه اقتراح لا بأس به.
كما أن حقوق هذا الشهيد علينا تستدعي أن نتحدث حوله قليلاً. أولاً كان هذا الشهيد عالماً و شخصية بارزة و موهوبة جداً. قال لي هو نفسه إنه في الجامعة التي كان يدرس فيها دراساته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية - حسب ما أتذكر - كان أحد شخصين أثنين هما المتفوقان الأولان في تلك الجامعة و في ذلك القسم و الفرع الدراسي. كان يروي لي تعامل الأساتذة معه و إزاء تقدمه في الشؤون العلمية. كان عالماً بكل معنی الكلمة. و كان مستوی الإيمان الواله لهذا العالم بحيث أنه ترك العناوين و المعيشة و المناصب و المستقبل الدنيوي الذي يحكم به العقل حسب الظاهر، و ذهب إلی جانب الإمام موسی الصدر في لبنان، و انشغل بالأنشطة الجهادية، و في زمن كان فيه لبنان يعيش واحدة من أخطر و أمرّ فترات تاريخه. كنا هنا عام 57 نسمع بأخبار لبنان. الخنادق كانت موزعة‌ في شوارع لبنان، و كانت هناك تحريضات الصهاينة، و البعض كانوا يساعدونهم من داخل لبنان. كان الوضع السائد هناك عجيباً و مبكياً، و الساحة معقدة و مزدحمة و مختلطة الأوراق.
في ذلك الحين وصلنا و نحن في مشهد شريط صوتي للمرحوم چمران كان العامل الأول لعلاقتنا و ارتباطنا بالمرحوم چمران. كان في الشريط محاضرة‌ من ساعتين يشرح فيها ملابسات الساحة اللبنانية و ما يحدث فيها. و كان الأمر لافتاً و مثيراً جداً بالنسبة لنا. ببصيرة واضحة و رؤية سياسية‌ شفافة جداً و فهم للساحة - ما الذي يحدث في تلك الساحة الصاخبة، و من يجابه من، و من يتوفرون علی المحفزات لاستمرار هذه المذبحة الداخلية في بيروت - تحدث عن كل هذا في شريط من ساعتين بعثه و وصلنا إلينا. ذهب إلی هناك و حمل البندقية. ثم تبين فيما بعد أنه يتوفر أيضاً علی الرؤية السياسية و الفهم السياسي و المصباح القوي الخارق للضباب في فترات الفتن. الفتنة تغبّش الأجواء‌ كما يفعل الضباب و لا بد من صباح خارق للضباب هو البصيرة. قاتل هناك، و حينما انتصرت الثورة أوصل نفسه إلی هنا.
و كان متواجداً حاضراً في الميادين الحساسة منذ بداية ‌الثورة. توجّه إلی كردستان و كانت له مشاركته الفاعلة في الحروب التي دارت هناك. ثم جاء‌ إلی طهران و تولی وزارة الدفاع. و حين نشبت الحرب ترك الوزارة و المناصب الحكومية و المواقع و سار إلی أهواز، فقاتل و صمد إلی أن استشهد في الحادي و الثلاثين من خرداد سنة 60. أي إن المناصب لم تكن مهمة بالنسبة له، و الدنيا لا قيمة لها عنده، و زخارف الحياة لا تشكل أهمية في نفسه. و لم يكن إنساناً جافاً متصلباً لا يفهم ملذات الحياة، بل علی العكس كان لطيفاً جداً و صاحب ذوق و مصوّراً من الطراز الأول - يقول هو نفسه إنني التقطت آلاف الصور، لكنني لست في هذه الصور، لأنني كنت دائماً المصوِّر - كان فناناً. كان نقي القلب لم يطالع العرفان النظري، و ربما لم يتعلم عند أي شخص في أي مسلك عرفاني أو سلوك عملي، لكن قلبه كان قلباً باحثاً عن الله و نقياً و من أهل المناجاة و المعنويات الدينية.
كان إنساناً منصفاً. ربما كنتم مطلعين علی قضية «پاوه» حيث تقع پاوه علی مرتفعات جبلية، و بعد عدة أيام من القتال تمت محاصرة المرحوم چمران و عدد قليل ممن كانوا معه. حاصرهم أعداء ‌الثورة من كل جانب و كادوا يصلوا إليهم، و هنا اطلع الإمام الخميني علی القضية و بُث عن الإمام نداء إذاعي يطلب فيه من الجميع التحرك صوب پاوه. أذيع هذا النداء الساعة الثانية بعد الظهر، و في الساعة الرابعة عصراً شاهدت في شوارع طهران شاحنات و سيارات حمل پيكاب و غيرها تحمل الناس العاديين و العسكريين و غير العسكريين من طهران، و كذلك من كل المدن الأخری تتحرك نحو پاوه. بعد قضية پاوه، حينما جاء‌ المرحوم الشهيد چمران إلی طهران قدم تقريراً لرئيس الوزراء في وقته في اجتماع كنت حاضراً فيه، و كان بينهما علاقة‌ ودية قديمة. قال المرحوم چمران في ذلك الاجتماع:‌ حينما أذيع نداء‌ الإمام الساعة الثانية، بمجرد إذاعة النداء، و قبل أن تصل أية‌ أنباء‌ عن تحرك الجماهير إلی هناك، شعرنا و كأن الحصار قد انكسر. كان يقول: تواجد الإمام و قراره و نداؤه كان مؤثراً إلی درجة أنه بمجرد وصول نداء‌ الإمام و بسرعة البرق كأنما انتهت كل تلك الضغوط التي كنا نعيشها. و فقد أعداء ‌الثورة معنوياتهم و ارتفعت معنوياتنا و هجمنا و كسرنا الحصار و استطعنا أن نخرج. عندها غضب رئيس الوزراء في حينه و تحامل علی المرحوم چمران بالقول: لقد قمنا بكل هذه الأعمال و الجهود فلماذا تنسب كل شيء للإمام؟! أي إنه لم يكن يلاحظ هذا و ذاك و يذكر الأمور بإنصاف. مع أنه يدري أن هذا الكلام سوف يثير العتاب لكنه كان يقوله.
التواجد في الساحة كان حالة‌ دائمية بالنسبة له. ذهبنا سوية من هنا إلی أهواز. ذهبنا إلی الجبهة أول ما ذهبنا سوية. دخلنا أهواز في ظلام الليل. الأضواء كلها كانت مطفأة. و العدو علی حدود 11 أو 12 كيلومتراً من مدينة أهواز. و كان معه نحو 60 أو 70 شخصاً جمعهم من طهران، لكنني كنت لوحدي. توجّهنا إلی هناك بطائرة سي - 130. و ما إن وصلنا و قدموا لنا تقريراً عسكرياً قصيراً أمر الجميع أن يستعدوا ليتوجهوا للجبهة. كانت الساعة بحدود التاسعة أو العاشرة مساء. جاءوا للذين كانوا معه بملابس عسكرية من دون تضييع للوقت فلبسوها و توجهوا جميعاً.. و قلت له: هل يمكن أن آتي معكم؟ لأنني تصورت أنني لا أستطيع المشاركة في مجال القتال العسكري. فرحّب و قال: نعم نعم يمكن أن ترافقنا. و هناك خلعت ثيابي و لبست اللباس العسكري، و كان عندي كلاشنكوف فحملته و سرت معهم.
أي إنه بدأ العمل منذ الساعة الأولی، و لم يسمح للوقت بأن يفوت. لاحظوا، هذا هو التواجد و المشاركة. المشاركة و الحضور من خصال الحالة التعبوية و التيار التعبوي.. عدم الغياب في الساحات التي يجب التواجد فيها. هذه من أولی خصوصيات التعبويين.
في يوم فتح سوسنگرد - و تعلمون أن سوسنگرد كانت محتلة ثم حررت، ثم عادت و أحتلت، ثم جرت تحركات ثانية و تحررت مرة أخری - جرت مساع حثيثة لكي تأتي قواتنا - قوات الجيش التي كانت يوم ذاك تحت قيادة أشخاص آخرين - و تنظم هذا الهجوم و توافق علی المشاركة فيه. في الليلة التي كان المفروض أن يشن الهجوم في اليوم الذي يليها من أهواز علی سوسنگرد، و في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، جاءوا بالخبر أنهم حذفوا إحدی الوحدات التي كان المقرر أن تشارك في الهجوم. و كان معنی هذا إما أن لا يتم شن الهجوم أو أنه سيكون فاشلاً تماماً. و کتبت مذکرة لآمر اللواء الذي کان في أهواز، و همّش المرحوم چمران تحتها - و قد جاء مؤخراً نفس ذلك الآمر المحترم، و قد أطر تلك المذکرة و أعطانیها، فکانت ذکری تعود لنحو ثلاثین سنة، و المذکرة موجودة الآن عندي - و قد کنا سویة إلی ما بعد الساعة الواحدة بعد منتصف اللیل، و جرت مساع لشن هذا الهجوم غداً. ثم ذهبت و نمت و انفصلنا بعدها.
نهضنا في الصباح الباکر. و حین تقدمت القوات العسکریة - قوات الجیش - سرنا خلفهم أنا و عدد من الأفراد الذین کانوا معي. و حین وصلنا إلی منطقة العملیات سألت أین چمران؟ فقالوا لي: جاء چمران في الصباح الباکر و تقدم إلی الأمام. أي قبل أن تتحرك القوات العسکریة المنظمة و المقرر تحرکها - و التي جری التخطیط أین تستقر و کیف یکون اصطفافهم العسکري - و قبل أن تتقدم، کان چمران قد تقدم مع جماعته عدة کیلومترات. ثم أنجز هذا العمل الکبیر و الحمد لله، و جرح چمران. رحم الله هذا الشهید العزیز.. هکذا کان چمران.. لم تکن الدنیا و المناصب مهمة بالنسبة له، و لم تکن الشهرة و المعیشة مهمة عنده. لم یکن مهماً لدیه باسم من یسجل العمل. کان منصفاً و لا تأخذه لومة لائم و شجاعاً و صلباً. کان جندیاً مجداً في الحرب رغم لطفه و رقة مزاجه الشاعریة العرفانیة.
رأیته بنفسي یدرِّب قواتنا علی الرمایة بمدفع الآر. بي . جي، و لم تکن قواتنا تجید الرمایة به. ذلك أن الآر. بي. جي لم یکن من أسلحتنا المقررة و لم نکن نمتلکه و لا نجید الرمایة به. و کان هو قد أتقن استخدامه في لبنان و کان یسمیه آر. بي . جي باللهجة العربیة. بینما کنا نسمیه آر. پي. جي. کان قد أتقن استخدامه هناك و راح یعلم قواتنا طریقة الرمایة به. أي إنه کان رجلا عملیاً تماماً في ساحة العملیات و العمل. و الآن لکم أن تلاحظوا ذلك العالم في فیزیاء البلاسما بدرجاته العالية إلی جانب شخصیة العریف المدرِّب في العملیات العسکریة و بتلك المشاعر الرقیقة و بذلك الإیمان القوي و بتلك الصلابة و بکل هذه الترکیبة. هذا هو العالم التعبوي و هذا هو نموذج الأستاذ التعبوی. هذا هو نموذجه المتکامل الذي شاهدناه عن کثب. التعارض بین التراث و الحداثة کلام فارغ في کیان مثل هذا الإنسان، و التضاد بین الإیمان و العلم شيء مضحك. هذه التعارضات الزائفة الکاذبة - التي تطرح کنظریات و یجري وراءها البعض لاهتمامهم بامتداداتها العملیة - لا یعود لها معنی في کیان مثل هذا الإنسان. فهناك في کیانه الإیمان و العلم، و التراث و الحداثة، و النظر و العمل، و الحب و العقل. یقول الشاعر:
میاه الحب لا تجتمع في ساقیة واحدة مع العقل
و أنا المسکین خلقت من ماء و نار
لکن چمران کان یحمل الماء و النار في نفسه. العقل المعنوي الإیماني لا یتنافی إطلاقاً مع العشق، بل و یعدّ سنداً لذلك العشق المقدس الطاهر.
حسناً توقعنا الآن و هو لیس بالتوقع الکبیر، أي إن الأرضیة التي یشاهدها الإنسان - معنویاتکم المتوثبة هذه، و هذه القلوب الطاهرة النقية، و هذه الذهنيات النيرة، و هذه الحركية في أذهانكم، و التي يشاهدها المرء عن كثب في المجالات المختلفة - تمنح الإنسان الأمل و التوقع بأن يكون خريجو جامعات الجمهورية الإسلامية ـ لا على نحو الاستثناء بل على نحو القاعدة - من أمثال چمران، و لا يكون أمثال چمران استثناء. هذا الأمل ليس أملاً في غير محله.
حينما اجتمعتم في سنة 76 ، عدد في مشهد و عدد في إصفهان، و عدد في جامعة (علم و صنعت) حول بعضكم باسم الأساتذة التعبويين، لو قيل آنذاك أنه سيكون بعد عشرة أعوام أو بعد إثني عشر عاماً عدة آلاف من الأساتذة التعبويين بنفس هذه المحفزات، و بنفس هذا الحب، و بنفس هذه التوجهات، على مستوى البلاد، لما صدق أحد ذلك، لكنه حصل. لا أريد أن أبالغ، و لا أروم تجميل الواقع لنفسي و لكم أكثر مما هو، و أن نوهم أنفسنا بالأوهام، لا، واضح أننا لسنا جميعاً في مستوى واحد - بعضنا أعلى و بعضنا أدنى، إيماننا و حبنا و هممنا و دوافعنا - لكن هذا التيار تحول من تيار ضعيف لم يكن البعض يأملون أن يستمر، و كرّس البعض كل هممهم للقضاء ‌عليه، إلى تيار لا يمكن الآن الوقوف بوجهه: التيار العظيم للأساتذة الجامعيين الثوريين المؤمنين و التعبويين على مستوى الجامعة، و في الحقول العلمية المختلفة و في المراتب العلمية العليا.
إذن، ليس هذا التوقع توقعاً في غير محله. حينما يرى المرء هذا التحرك و هذا النماء فإن هذا التوقع لن يكون توقعاً في غير محله بأن نريد لجامعات الجمهورية الإسلامية أن تخرِّج في المستقبل عناصر كالشهيد چمران. و عندها لكم أن تنظروا ماذا سيحدث! ماذا سيحدث! نظام بمطاليب دولية ذات مستو‌ى عال فيما يخص الإنسان، و نظام الحكم، و المرأة، و الأخلاق، و العلم.. مطاليبنا اليوم مطاليب دولية.
و البعض - من العاملين في الصحافة أو سواهم - ما إن يجيئ اسم الدولي حتى يتبسّموا استهزاء. هؤلاء لا يفهمون و لا يدركون ما معنى أفق النظر الواسع. ما لم تنظروا إلى القمة فلن يمكنكم الصعود حتى إلى السطح، ناهيك عن الأمل بالارتقاء إلى القمم.. الهمّة‌ العالية.. في رواياتنا تم توصية المؤمن بأن تكون له همّة عالية. و العظماء أيضاً يقولون للسالك: لتكن همّتك عالية. لا تفرحكم هذه الخطوات الأولى و الفتوحات الصغيرة في بداية المشوار، و لتكن هممكم عالية. و النظرة يجب أن تكون إنسانية. الإنسان هو الموجود في كل العالم. «إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق»، أما أن دينه و دينك واحد، أو إذا لم يكن كذلك كان مثلك في الخلق و الإنسانية. النظرة يجب أن تستوعب هذا المدى الواسع.
الآمال التي نحملها اليوم لهذه المديات الواسعة آمال لا يرفضها أي شعب واع، و لا أي عالم مثقف، و لا أي سياسي منصف. إننا ننادي بإلغاء نظام الهيمنة، أي علاقات الهيمنة: المهيمن و الخاضع للهيمنة. حتى الإنسان الذي يعيش في بلد حكومته حكومة هيمنة مائة بالمائة لا يرفض هذا الكلام، أي يجب أن لا تكون العلاقات على المستوى العالمي علاقات مهيمن و خاضع للهيمنة. و ننادي كذلك بالعدالة، و استخدام العلم لرفاه البشر و ليس لتهديد البشر. خصوصاً في هذه الحقب الأخيرة بعد النهضة العلمية في العالم - عصر النهضة - و لا سيما في القرن الأخير، نجد أن الكثير مما جرى على الساحة العلمية بدل أن يكون لراحة البشرية و رفاهها كان لتهديد البشرية. إما تهديد الأرواح، أو تهديد الأخلاق، أو تهديد العائلة، أو تشجيع النزعة الاستهلاكية و ملء جيوب الناهبين الدوليين و مؤسسي و أصحاب الشركات و الكارتلات. و ما نقوله هو أن العلم يجب أن يستخدم بدل ذلك لخدمة‌ الإنسان، و لخدمة‌ رفاهه و سكينته، و لخدمة‌ روحه و نفسه. هذا كلام ليس بوسع العالم رفضه.
و تعلمون أن نظاماً بهذه المبادئ و شعب بهذه الخصوصيات - باستخدام همته الإيمانية من أجل التقدم في هذه المجالات، و بالنظر للوعود القرآنية حول نصرة المؤمنين، و بعدم الخوف من الموت و اعتبار الموت وصولاً إلى الله و شهادة لله - إذا تحلى بشخصيات عالمة مثقفة من قبيل چمران فإلى إين سيصل؟ هذا هو ما نتوقعه.
و أقول كلمة حول التعبئة. كانت التعبئة تحركاً عجيباً لا نظير له حدث في الثورة. و قد كان هذا نابعاً من ينبوع الحكمة الإلهية الذي أودعه الله في قلب ذلك الرجل الإلهي الكبير.. ذلك الإمام الجليل. كان الإمام حكيماً.. حكيماً بالمعنى الحقيقي للكلمة. أحياناً نستخدم كلمة الحكيم لأناس صغار، لكنه كان حكيماً بالمعنى الحقيقي للكلمة. «و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً». لقد منحه الله تعالى الحكمة. كانت تنبع و تنبع من فؤاده حقائق، منها قضية التعبئة هذه، حيث أرسى الإمام أسس التعبئة منذ اليوم الأول للانتصار، و حتى قبيل الانتصار، من خلال إنزال الجماهير إلى الساحة و إلقاء أعباء الحركة على عواتقهم، و من خلال الاعتماد عليهم و الثقة بهم. لقد وثق الإمام بالجماهير، و وثقت الجماهير بأنفسهم و توفرت لهم ثقة عالية بالذات، و لو لم يثق الإمام بالشعب لما وثق الشعب بنفسه. هناك أرسيت دعائم التعبئة. و الواقع أن الحرس الثوري نبع من التعبئة. جهاد البناء‌ انطلق من التعبئة. صحيح أن التعبئة لم تكن منظمة‌ مدونة كما أصبحت في الأعوام التالية، لكن ثقافة التعبئة و تحركها و حقيقتها غدت ينبوع الكثير من الخيرات الهائلة لبلادنا و مجتمعنا و نظامنا الإسلامي. هذه هي حقيقة التعبئة. التعبئة في الحقيقة جيش بلا ألوان و لا ادعاءات شاملة على مستوى البلاد. و هو جيش للقتال في جميع الساحات. و ليس في الساحة العسكرية فقط. الساحة العسكرية جانب محدود يحصل في بعض الأحيان، فالحرب لا تحصل دوماً.
مجالات تواجد التعبئة أوسع بكثير من المجال العسكري. ما قلته مراراً و أكرره من أن التعبئة يجب أن لا تعدّ مؤسسة عسكرية، لا أقوله من باب المجاملة بل هو حقيقة القضية. التعبئة ساحة جهاد و ليست ساحة قتال. القتال جانب من الجهاد. الجهاد معناه التواجد في الساحة بخصوصية‌ الجهد و السعي و الهدف و الإيمان.. هذا هو الجهاد. لذلك قال:« جاهدوا بأموالكم و أنفسكم في سبيل الله».. جهاد النفس و الجهاد بالمال.. أين يحصل جهاد النفس؟ هل يحصل فقط عندما نسير لسوح القتال و نضع أرواحنا على الأكف، لا، من صنوف جهاد النفس أن تقضوا أوقاتكم من الليل إلى الصباح في العمل لإنجاز مشروع بحثي، و لا تشعرون بمرور الساعات. جهاد النفس هو أن تغضّوا الطرف عن ترفيهكم، و عن راحتكم البدنية، و عن أعمالكم التي تحقق لكم إيرادات عالية - المشاريع الصانعة للمال على حد تعبير الأجانب - و تقضوا أوقاتكم في هذه البيئات العلمية و البحثية حتى تصلوا إلى حقيقة علمية حية و تقدموها لمجتمعكم كباقة ورد. هذا هو جهاد النفس. و جانب بسيط منه هو الجهاد بالمال.
إذن ساحة التعبئة ساحة عامة و لا تختص بشريحة معينة كما لا تختص بجزء من الأجزاء الجغرافية للبلد، و لا تختص بزمن دون زمن آخر. و لا بمجال دون مجال آخر. التعبئة موجودة في كل الأماكن و في كل الأزمنة و في كل المجالات و في كل الشرائح. هذا هو معنى التعبئة.
و الآن تريدون أن تكونوا تعبويين في الجامعة.. واضح ما الذي ينبغي أن تفعلوه. ما الذي تحتاج إليه الجامعة؟ ما الذي يحتاج إليه البلد؟ منذ سنوات بدأنا نطرح قضية العلم، و لاحظوا اليوم أن الكثير من حالات الحسد و التنافس و الحسرات و الشعور بالتخلف التي لدى أعدائنا الدوليين تعود لتقدمكم العلمي. الذين يثنون على الشعب الإيراني اليوم إنما يثنون عليه لما لديه من العلم، و الذين يعادونه إنما يعادونه بسبب علمه. تقدمكم العلمي له مثل هذا الأثر.
و هذا ما يتعلق بالخطوة الأولى.. لا نزال لم نعمل شيئاً. نعم، كانت هناك حالات تقدم في النانوتكنولوجيا، و البيوتكنولوجيا، و القضايا النووية، و الفضاء، و الفروع العلمية المختلفة، و هي حالات تقدم مهمة و كبيرة، لكنها لا تعدّ شيئاً بمقاييس الحركة العلمية لبلد من البلدان. قال أحد الأصدقاء - و أنا أيضاً لدي هذه الأحصائيات - إن سرعة التقدم العلمي و إنتاج العلم في بلادنا أكثر بأحدى عشرة مرة من متوسط ما في العالم. هذا ما سجله مركز بحوث غربي في كندا بكل تفاصيله. و طبعاً فإن هذه الإحدى عشرة مرة هي المتوسط، و في بعض المجالات فإن سرعتنا أكبر من العالم بخمس و ثلاثين مرة، و في بعض المجالات أقل. لكن المتوسط أحدى عشرة مرة. أي إن سرعة تقدمنا العلمي طوال هذه الأعوام العشرة أو الخمسة عشرة الأخيرة كانت أكبر من سرعة العالم بأحدى عشرة مرة. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية، لكنه ليس الشيء الذي نتوقعه و نصبو إليه، بل هو أقل منه بكثير. يجب مواصلة هذه السرعة بنفس الشدة إلى نصل للمستوى المطلوب. و هو ما يجب أن يحصل في الجامعات.
من الضروري في الجامعات إعداد شخصيات من مستوى الشهيد چمران. هذا شيء‌ نحتاج إليه. و بالتالي فالأستاذ الجامعي التعبوي يعلم ما يجب عليه القيام به في الجامعات. التواجد الدائم و في الوقت المناسب و المخلص و الجهادي بالنسبة للأستاذ الجامعي هو بالمعاني التي ذكرناها. و للأستاذ الجامعي دور كبير جداً. دور الأستاذ في البيئات التعليمية دور مميز و مهم جداً. فالأستاذ لا ينقل العلم فقط، إنما طباع الأستاذ و منهجه يمكن أن يربي المتعلمين. فالأستاذ إذن مرب. يبدو أن تأثير الأستاذ على الطالب أكبر - حسب الظاهر - من سائر العوامل المؤثرة في التقدم العلمي و المعنوي و المادي للمتعلم. و هو أكبر من بعض العوامل بكثير. أحياناً يستطيع الأستاذ بكلمة واحدة تأتي في محلها المناسب تبديل صف أو مجموعة من الطلبة ‌الجامعيين أو طلبة‌ المدارس إلى أناس متدينين. و ليس من الضروري لذلك أن يدرس الأستاذ فرع العلوم الدينية أو المعارف الإسلامية، لا، أحياناً تستطيعون في درس الفيزياء أو الرياضيات أو أي درس آخر و في دروس العلوم الإنسانية أو غير الإنسانية أن تقولوا كلمة واحدة، أو تستفيدوا استفادة جيدة من آية قرآنية، أو تشيروا إلى قدرة الخالق و الصنع الإلهي بما يبقى في قلب الشاب و يحوله إلى إنسان مؤمن. هكذا هو الأستاذ.
و هنالك العكس طبعاً. للأسف يوجد في جامعاتنا اليوم أساتذة - مع أنهم قلائل - يتصرفون بالاتجاه المعاكس تماماً و مهما كان درسهم، و يبثون اليأس بكلمة واحدة في نفس الشاب من مستقبله و من مستقبل بلاده و من مستقبل تواجده في البلد، و يجعلونه غير مكترث لتراثه و متعطشاً للينابيع الأجنبية غير السليمة و الملوثة ثم يتركونه. لدينا من هذا القبيل أيضاً. للأستاذ مثل هذا الدور. إذن وفقاً للمعنى الذي نضعه للتعبئة، و بالمعنى الذي نطلقه للأستاذ الجامعي، و بتصورنا للأستاذ التعبوي، تتضح درجة حساسية دوركم في الجامعات.
وجود هذه المنظومة نعمة‌ للنظام الإسلامي.. إنها نعمة ‌كبيرة. لا يوجد هذا العدد من الأساتذة المتدينين في أي بلد من البلدان الإسلامية، و في البلدان غير الإسلامية من باب أولى.. أساتذة جامعيون علماء متخصصون محترفون في فروعهم، و مؤمنون بالله و بالجهاد، و مؤمنون بسبيل الله و بالأهداف الإلهية، و بهذا العدد الكبير.. هذا شيء لا نظير له في العالم. و هو أيضاً من بركات الإمام الجليل. إعرفوا قدر هذا و حافظوا عليه بكل قوة، و نظموه، و شخصوا أهدافه، و كونوا دقيقين في ذلك، و أوضحوا الأنشطة التي ينبغي أن يقوم بها الأستاذ التعبوي. و كونوا بالمعنى الحقيقي للكلمة قادة هذا الميدان العظيم من ميادين الجهاد في سبيل الله. إنها مهمة‌ على جانب كبير من الأهمية.
البلد اليوم بحاجة لهذه الأمور. و القضية ليست قضية اليوم فقط، فالحاجة قائمة‌ دائماً، لكننا اليوم في برهة حساسة. لو أردت أن أذكر لكم لباب تصوري - و ربما لم يكن بالإمكان إقامة البراهين عليه في فرصة قصيرة، لكنه مبرهن، و كل ما في الأمر أنه لا يمكن أقامة البرهان و الدليل عليه بكلمتين - هو أن مراكز الاستكبار العالمي تبذل آخر جهودها في مواجهة الحركة الإسلامية التي تعدّ الجمهورية الإسلامية‌ رمزها الحقيقي. وصلت جهودهم و مساعيهم و تدابيرهم إلى طرق مسدودة في الكثير من الميادين، و أفلت الزمام من أيديهم. هذا الطوق الذي فرضوه على القضايا العالمية‌ انكسر في أكثر المناطق حساسية في الأرض، و أعني بها منطقة الشرق الأوسط، أو أنه تضعضع على الأقل، لكنني أعتقد أنه انكسر و انقطع، و أفلت الزمام من أيديهم.
رحم الله المرحوم الشيخ حسين لنكراني رجل الدين السياسي المخصرم القديم. في سنوات 53 و 54 أو حتى قبل ذلك - السنوات الأخيرة من عقد الأربعينات - كان يشبِّه واقع النظام الطاغوتي بشخص صعد فوق قبة و بيده منديل من حرير ملئ بالجوز، و قد انفتح طرف المنديل و راح الجوز يخرج منه على سطح القبة، و هو يريد أن يجمع هذا الجوز.. جوزة‌ تسقط هنا و أخرى هناك و ثالثة‌ في طرف ثالث، و هو على‌ القبة. لو كان المرء على‌ الأرض المستوية لربما استطاع جمع الجوز بشكل من الأشكال.
و اعتقد أن نظام الهيمنة اليوم يعيش نفس هذه الحالة في مواجهته للحركة الإسلامية. أقدامه ليست في موضع راسخ صلب، فقد انكشفت للناس الكثير من حيلهم الإعلامية القديمة. ثمة‌ حالياً في المجتمع الأمريكي غضب عميق من التواجد القوي للوبي الصهيوني آخذ بالتصاعد و الاتساع. هذا السخط و عدم الرضا آخذ بالتكوّن تدريجياً بين الشعب الأمريكي، و هو مركز تحرك الصهاينة و العتاة و الرأسماليين الصهاينة. طبعاً النظام الحاكم في أمريكا يتشدد كثيراً في التعامل مع جماهير الشعب الأمريكي - نمط خاص من التشدد - و يشغلهم بالحياة و متاعبها إلى درجة لا يعود لديهم الوقت لأي شيء، و مع ذلك فإن هذه الحالة آخذة بالنشوء و التكوّن. هذه معلومات موثقة‌. و نفس القضية مشهودة في البلدان الأوربية أيضاً، و لكن على نحو آخر. و الحال في البلدان الإسلامية معلومة. بلدان الشرق الأوسط تعيش أوضاعاً معلومة للجميع. الشعوب تشعر بكراهية و بغض لكيان الولايات المتحدة الأمريكية و منظومة الهيمنة في العالم. و المهيمنون لا يستطيعون السيطرة على هذا الوضع رغم كل محاولاتهم و مساعيهم.
لو لم يظهر نظام الجمهورية الإسلامية في العالم و لم تبزغ شمسه لما كانت مشكلتهم قد ظهرت بهذه السرعة، و لربما تأخرت خمسين سنة قادمة. لكن ظهور الجمهورية الإسلامية و تواجدها عقّد المسألة عليهم، لذلك فهم يعادونها بشدة، لكنه عداء متخبّط و مضطرب. العداء الآن من هذا القبيل. الأعمال التي يقومون بها و التدابير التي يتخذونها و الضجيج الذي يثيرونه و الإعلام الذي يطلقونه.. هذا القرار من منظمة الأمم المتحدة، و الحظر المفروض على بعض البضائع، و من ثم تضخيم الحظر و إبراز أهميته أكبر بمرات من حقيقته و واقعه، و من ثم التهديد العسكري الذي يحتاطون في إطلاقه و لا يطلقونه بنحو شديد و أكيد.. كل هذا بسبب انفعالهم في مواجهة هذه الحركة الإسلامية العظيمة الرصينة المتجذرة في كل العالم الإسلامي. و الشعب الإيراني رائد هذه الحركة.
هم طبعاً يخلقون بعض المتاعب، و هذا مما لا شك فيه. ثمة متاعب في جميع الصدامات و النزاعات الاجتماعية، لكن الإنسان يصبر على الصعاب من أجل الوصول إلى مصالح أكبر و مراتب أرقى. هكذا هو الوضع الآن. و بالتالي فهذه البرهة برهة حساسة للأسباب التي ذكرتها، و تتطلب العمل و الجهد و الجد.
إذن، ينبغي في الجامعات القيام قبل كل شيء بأعمال علمية و مشاريع بحثية و تحقيقية، و كذلك القيام بعمل معنوي و إيماني، و تسويد روح الجهاد على كافة الأنشطة. هذه هي المهمات الرئيسية التي ينبغي النهوض بها في الجامعات. و من ثم يأتي الدور لتنظيم هذه الحركة. بالطبع أعتقد أن الأساتذة المتدينين المندفعين للعمل من أجل البلاد لا يتحددون في كل البلاد بهذه المجموعة المتواجدة في تعبئة الأساتذة، إنما تمتد حدودهم إلى خارجها. فهناك الكثيرون لا يحملون بطاقات عضوية التعبئة، و ليسوا ضمن منظومة تعبئة الأساتذة الجامعيين، لكنهم في الحقيقة تعبويون و متدينون و مستعدون - و مستويات استعدادهم و جاهزيتهم طبعاً ليست بدرجة واحدة، و مستويات الإيمان أيضاً ليست واحدة.. و قد كان الوضع هكذا دوماً، و سيبقى كذلك دائماً - و يجب تنظيم الحركة و النظر لها نظرة عقلائية‌ مدبرة و تشخيص البرامج و الأعمال و الأهداف. هذه مهمة يجب أن تتم و تحصل و أنتم المكلفون بإنجازها.
و على مستوى الأعمال الفردية يجب عليكم متابعة عملية تعليم الطلبة الجامعيين، و التواجد في المناخات الفكرية للطلبة الجامعيين. بمستطاع الأساتذة التعبويين تسجيل تواجدهم المعنوي و الإرشادي و الباعث على الطمأنينة و السكينة في قلوب الطلبة الجامعيين و في مناخاتهم الذهنية. و من الممارسات المهمة على هذا الصعيد الدور الذي يضطلع به الأساتذة في خلق البصيرة في منظومتهم نفسها، و لدى متلقّيكم أيضاً و هم الطلبة الجامعيين. و للبصيرة دور كبير جداً. التمرّن على التواجد و المشاركة.. و هو ما قلته عن الشهيد چمران. كان يتابع الأعمال إلى الساعة الواحدة ليلاً و أكثر. و في الصباح الباكر، و الفجر يكاد يطلع لتوّه، يتواجد في الجبهة قبل الجميع، و يشارك في أي موضع يتعين عليه المشاركة فيه. ينبغي أن نتمرّن على هذا التواجد الدائم و في الوقت المناسب في أي موضع تستدعي الظروف تواجدنا فيه. علينا جميعاً التمرّن على هذا الشيء.
الاتحاد و التلاحم في الداخل و كذلك بث الاتحاد في المجتمع. أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء.. البلد اليوم بأمس الحاجة إلى وحدة الكلمة. إنني أخالف الكلام و التصرفات و الكتابات التي تؤدي إلى الشقاق و التصدع حتى لو كانت دوافعها سليمة و محفزاتها صادقة.. إنني لا أوافقها. إذا أراد شخص معرفة رأيي فرأيي هو ما ذكرته. علينا إيجاد الانسجام و التلاؤم في هذه المنظومة العظيمة الهائلة ذات الإمكانيات الكبيرة. ألا يمكن تقسيم هذه الجماعة الجالسة هنا إلى عشرة مجاميع بذرائع شتى؟ يمكن ذلك بسهولة. الذين يرتدون ثياباً بهذا اللون أو ذاك، و الذين تبلغ أعمارهم كذا، و الذين ينحدرون من المنطقة الفلانية‌ من البلاد.. يمكن التصنيف على هذه الأسس و بناء الجدران بين الأفراد. ميزة الثورة ‌أنها استطاعت رفع هذه الجدران. كنا نعيش في بيوت صغيرة ذات جدران عالية، و لا علم لنا بأحوال بعضنا. و جاءت الثورة فرفعت هذه الجدران، و بدّلت تلك البيوت الصغيرة إلى ساحة واسعة هي ساحة الشعب الإيراني و الشعب الثوري. طلبة الجامعات كانوا على علاقات سيئة بطلبة العلوم الدينية، و طلبة العلوم الدينية كذلك مع طلبة الجامعات، و أساتذة الجامعات كذلك مع تجار السوق، و تجار السوق مع الفلاحين.. كانت هناك جدران بيننا. و جاءت الثورة فرفعت هذه الجدران. فهل نأتي و نشيد هذه الجدران مرة أخرى؟ و هي جدران مغلوطة و غير صحيحة و باطلة؟ لا، المباني واضحة، و الأصول واضحة. و الاتجاه واضح. كل من يسير وفق هذه المباني في هذا الاتجاه فهو ضمن المجموعة. خذوا هذه المسألة بنظر الاعتبار و الاهتمام.
قلت مراراً: يجب أن لا نظلِم. و هذه أيضاً من المهام الأساسية جداً. الظلم شيء سيئ و خطر. ليس الظلم مجرد أن يصفع شخص شخصاً آخر في الشارع. أحياناً يكون الظلم كلمة في غير محلها ضد شخص لا يستحقها، أو كتابة في غير محلها، أو تصرف في غير موضعه. يجب ملاحظة طهارة الفؤاد و طهارة العمل بنحو مشدّد.
أخال أنني سبق أن قلت هذا في موضع ما:‌ كان رسول الله (ص) واقفاً ينظر شخصاً يقام ضده حد رجم الزنا، و البعض كانوا وقوفاً أيضاً. و كان هناك شخصان يتحدثان مع بعضهما. قال أحدهما للآخر إنه مات كما يموت الكلب - عبارة من هذا القبيل - ثم سار النبي (ص) نحو البيت أو المسجد، و كان هذان الشخصان مع النبي. و حينما كانوا يسيرون في الطريق صادفوا ميتة عفنة - ميتة كلب أو حمار أو شيء آخر - كانت على الأرض هناك. فالتفت النبي (ص) إلى ذلكم الشخصين و قال: عضّا من هذه الجيفة و كلا شيئاً منها. فقالا: يا رسول الله أتأمرنا بأكل الميتة؟! فقال: ما فعلتماه بأخيكما كان أسوء من أكل هذه الميتة. فمن كان هذا الأخ؟ إنه الشخص المحصن الذي ارتكب الزنا و كان يُرجم و قالا عنه تلك العبارة و لامهما النبي بهذه الطريقة.
لا تقولوا أكثر من الواقع و أكثر مما يجب و ينبغي. لنكن منصفين و عادلين. هذه هي واجباتنا. ليس من حقنا لأننا مجاهدون و مناضلون و ثوريون أن نقول كل ما نستطيع عمّن هو أدنى منا بقليل - حسب ما نعتقد و نظن - لا، ليس الأمر كذلك. نعم، درجات الإيمان ليست متساوية، و الحدود ليست واحدة، و البعض أفضل من البعض. و هذا ما يعلمه الله، و ربما علمه عباد الله الصالحون، و لكن في مقام التعامل و الحياة الجماعية ينبغي الحفاظ على هذا الاتحاد و الانسجام و تقليل هذه التمايزات.
الشيء الذي من المهم جداً أن لا ننساه هو الأهداف و المعايير الأصلية. قلنا هذا مراراً، و قد ذكره اليوم أيضاً أحد الأساتذة المحترمين. المعيار هو مقارعة الاستكبار و الوقوف الصلب بوجه حركة‌ الكفر و النفاق - لا في داخل البلاد فقط بل على مستوى العالم أيضاً - و التشخيص الواضح للحدود مع أعداء الثورة و الدين. إذا لم يرسم الشخص حدوده بنحو واضح مع الأعداء يكون قد انتقص من قدر نفسه. و إذا اقترب من الأعداء ‌يكون قد خرج من الدائرة. هذه هي المباني و الخطوط الأصلية. حركة الثورة حركة واضحة و متقدمة‌ إلى الأمام و سوف تستمر إن شاء الله.
حسناً، نحن أيضاً أردنا - مثل هؤلاء السادة الذين عملوا بطريقة تعبوية و ذكروا كل هذه الآراء في خمسة دقائق - أن نذكر كل ما لدينا في هذه المدة الطويلة التي منحت لنا، و لكن نرى أن هذا لم يتيسّر، و لم نذكر جميع النقاط، لكنني أخال أنه تم ذكر النقاط اللازمة‌، و لا أضايقكم أكثر من هذا.
أتمنى أن يحفظكم الله تعالى جميعاً و يوفقكم و يزيد من بصيرتكم يوماً بعد يوم، و يزيد من توفيقاتكم إن شاء الله في الجهاد العلمي و الجهاد العملي و الجهاد في نشر البصيرة في بيئة العلم و الجامعات و المجتمع.
و السلام عليكم و رحمة‌ الله و بركاته.