وصيّتي لكم في هذه الأيّام الثلاثة التي تمضونها في المسجد، هي أن تمارسوا مراقبة أنفسكم، فحينما تتكلّمون أو تتناولون الطعام أو تجالسون إخوانكم أو تقرأون الكتب أو تفكّرون أو تخطّطون للمستقبل، عليكم في جميع ذلك أن تراقبوا أنفسكم، وأن تقدّموا مرضاة الله على أهوائكم النفسيّة، وأن لا تذعنوا للأهواء، والتمرين على ذلك في هذه الأيّام الثلاثة يمكنه أن يكون درساً لأولئك الأعزّاء ولنا نحن الجالسون هنا وننظر بغبطةٍ إلى المعتكفين، وعلّمونا أيضاً من خلال عملكم.
~الإمام الخامنئي ٢٠٠٥/٨/١٩
الاعتكاف الذي يمارسه الشباب هو في الحقيقة اختلاء بالله. إنه عمل فردي أكثر منه عملاً جماعياً. إيجاد صلة بالله. لا تكون البرامج الجماعة في مراكز الاعتكاف بحيث تؤثر سلباً على لذة الاختلاء بالله والارتباط الفردي والقلبي به. ليفسحوا المجال ويعطوا الوقت ويدعوا هؤلاء الشباب يتلون القرآن، ونهج البلاغة، والصحيفة السجادية.
إنني أوصي بالصحيفة السجادية خصوصاً في أيام الاعتكاف هذه. الصحيفة السجادية هذه كتاب معجز حقاً. ولحسن الحظ ترجمت وتوفرت ترجماتها وجاؤوني العام الماضي بترجمة جيدة للصحيفة السجادية ورأيتها؛ كانت ترجمة جيدةً جداً. لينتفعوا من هذه المعارف المبثوثة في أدعية الإمام علي بن الحسين ( سلام الله عليه ) في الصحيفة السجادية ويقرأوها ويتأملوها. إنها ليست أدعية وحسب، بل هي دروس، وكلمات الإمام السجاد وكل الأدعية المأثورة عن الأئمة ( عليهم السلام) والتي وصلتنا زاخرة بالمعاني والمعارف.
إذاً، شهر رجب شهر العبادة والتوسل إلى الله والتضرع، وهو شهر التشبّه بأمير المؤمنين. لنقوّ ارتباطنا بالله كي نستطيع الخوض في كل ميادين الحياة بإرادة قوية وخطوات ثابتة وذهنية نيّرة.
الاعتكاف مكان للعبادة، وطبعاً ليست العبادة مجرد الصلاة، فالتواصل الجيد مع المعتكفين، وعلاقات الصداقة والأخوّة، والتعلم منهم، وتعليمهم، وتجربة المعاشرة الإسلامية وتعلمها، كل هذه فرص قد تتوفر في الاعتكاف. ينبغي التخطيط لهذه الأمور. العمل الأهم هو التخطيط. إذا لم يكن هناك تخطيط ولم تجر مساعدة هذه الجماعات الشبابية المتشوقة والمتحمسة التي تقصد المساجد للاعتكاف، فإن هذه الطاقات سوف تهدر، وقد تتحول إلى طاقات مضرّة.
أنظروا ما الذي تستطيعون فعله لتقريب قلب المعتكف من الله وتقريب عقله وذهنه أيضاً من الله، وبالطبع فإن الإنسان حينما يستأنس في باطنه وقلبه بالله تعالى سيترك ذلك تأثيراته على ظاهر الإنسان وتظهر عليه علامات ذلك.
حينما تعتري الإنسان حالة الخشوع فإن الخضوع أيضاً يتحقق تبعاً للخشوع، وعندئذ سيؤثر ذلك في حياته. الشاب الذي يخرج من الاعتكاف بعد ثلاثة أيام سيكون طاهراً مغتسلاً وسيتحلى بطهارة معنوية، ويكون ذلك ذخراً له. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية والعظمة.. ثلاثة أيام من الصيام والانقطاع عن ذيول الحياة الدارجة والتوجه لله تعالى وللمعنويات وللمعارف والتوحيد. هذه أشياء لها قيمة كبيرة. دققوا في تطبيق هذه الأشياء بصورة صحيحة وهدايتها وتوجيهها بصورة صحيحة. ليكن الخطباء جيدين وليتحدثوا وليعلموا المعتكفين المعارف الدينية. وليجر تجنب الضجيج على أنواعه مما يدور عادة في المجتمع كهوامش وأمور جانبية، ولنقض هذه الأيام الثلاثة بالاتجاهات المعنوية. وإذا خرجوا بعد ذلك، فهناك الكثير من الميادين والساحات والمجالات المعيشيّة التي يمكن للمرء أن يخوضها في المجتمع، ولكن ليكن الأصل في هذه الأيام الثلاثة هو الاتصال بالله، وليجر التخطيط لذلك. هذا هو الأصل والأساس وسوف يتطور ويتنامى إن شاء الله.