بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، سيما بقية الله في الأرضين. 

مرحباً بكم أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات، الأعضاء الناشطين في جهاز مهم جداً هو الجهاز القضائي. نبارك لكم أسبوع السلطلة القضائية ونحيّي ذكرى الشهيد بهشتي. والحق يقال أن هذا الشهيد الجليل كان نعمة سواء للثورة وخصوصاً للسلطة القضائية في الجمهورية الإسلامية. كان رجلاً صاحب أفكار وصاحب إرادة قوية ومنضبطاً ودؤوباً ونشطاً. كان نعمة كبيرة، ونحن نحيّي ذكراه، فأعلى الله من درجاته إن شاء الله. ونتقدم بالشكر لباقي رؤساء السلطة القضائية المحترمين في مختلف الفترات، فقد كان لكل واحد منهم نشاطه وأعماله وجهوده لهذه السلطة بالغة الأهمية. 

حسناً، قيل الكثير حول أهمية السلطة القضائية، وذكرنا نحن أيضاً بعض النقاط عن هذا الموضوع، وتحدث الآخرون كلهم أيضاً عن أهمية السلطة القضائية، فهذا شيء معروف وواضح. ومحور هذه الأهمية هو العدل فقد جاء في القرآن الكريم: «وَاِذا حَكمتُم بَينَ النّاسِ اَن تَحكموا بِالعَدل» (2). العدل أساس الحياة الإنسانية الطيبة. إنكم حتى عندما تدعون لتعجيل ظهور الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) تطلبون أن يظهر لينشر العدالة، هذا هو الواقع بالتالي: «يملَاُ اللهُ‌ بِه الاَرضَ‌ عَدلًا وَ قِسطاً بعدَ ما مُلِئَت ظُلما وَ جَورا» (3). مع أن ذلك الإمام العظيم سينشر الدين والتقوى والأخلاق أيضاً في المجتمع لكنكم لا تقولون: «يملأ الله به الارض ديناً» بل تقولون: «عدلاً». وهذا يدل على أن العدل هو الحاجة الأساسية للحياة الإنسانية الطيبة. وأنتم مؤسسة العدالة، أنتم العدلية، ومهمتكم الأساسية إقامة العدل. من هنا تنبع أهمية السلطة القضائية. طبعاً ثمة في دستور البلاد نقاط أخرى سوف نتحدث عنها. 

كانت السلطة القضائية في الجمهورية الإسلامية بناء جديداً ـ مثل غرسة ـ وتختلف اختلافاً أساسياً عن السلطة القضائية قبل الثورة. طيب، ينبغي لهذه الغرسة أن تنمو يوماً بعد يوم. ويجب أن تشهد تقدماً في كل فترة بالقياس إلى الفترة التي سبقتها، وقد بدأت الآن فترة جديدة ويجب أن يكون هناك فضل أو زيادة أو امتياز وثمار تضاف وتهدي للسلطة القضائية علاوة على ما قام به الماضون وتهدي للسلطة القضائية، فما هي هذه الثمار؟ إنها التحول، التحول في السلطة القضائية. فما معنى التحول؟ معنى التحول أن لديكم أصولاً معينة ومحددة على أساس الإسلام والقرآن والجمهورية الإسلامية يجب أن تراعوها، وينبغي أن تسيروا ملتزمين بها وضمن إطارها، وهذه هي المهمات والمأموريات الأساسية للسلطة القضائية، هذه لا تتغير، هذه هي الركائز التي كانت منذ البداية ولا تزال موجودة الآن وستبقى موجودة بعد الآن أيضاً، إنما التحول هو أن تبدعوا وتوجدوا أساليب ومناهج مبتكرة وجديدة ومؤثرة تأثيراً كبيراً لتطبيق هذه الأصول والمبادئ ولتنفيذ هذه المهام والمأموريات والوصول إلى هذه المطامح والأهداف، وأن تستفيدوا من هذه الأساليب المبتكرة مضافاً إلى معالجة العيوب والثغرات والنواقص الموجودة في الماضي. هذا هو معنى التحول. 

لدينا جهاز بأساليب عملية وبخطط تنفيذية وإلى جانبه هناك مقدار من المؤاخذات والنواقص، وإذا أردتم التحول فيجب جعل تلك الأساليب ناجعة وتحويلها إلى أساليب أكثر تأثيراً وكفاءة ومرونة، ورفع تلك الموانع والإشكالات والنواقص. هذا هو التحول، وهذه العملية تحتاج طبعاً إلى خطة وبرمجة، فالتحول غير ممكن من دون برنامج، ولا يمكن التحرك والعمل بطريقة يومية، إنما ينبغي أن تكون هناك أجهزة عاقلة ومفكرة تجتمع وترسم صورة ومخططاً عاماً لهذا التغيير الأساسي وتدونه على الورق وتتخذ القرارات. وهذه العملية تمت بحمد الله. هذا الجزء من المهمة طلب من حضرة السيد رئيسي رئيس السلطة القضائية الجديد المحترم قبل أن يتولي هذه المسؤولية، فقام بإعداد خطة تحول شاملة ومقبولة، إذن هذه عملية تمت، هذا الجزء من المهمة تم وأنجز، وهذا شيء حسن جداً لكن البرنامج عبارة عن أمور ذهنية، وإذا أردنا لهذا البرنامج أن يتحقق خارجياً فلا بد من العمل. إذن، توصيتي الأولى لرئيس السلطة القضائية المحترم ومسؤوليها المحترمين ومختلف أقسامها هو أن تطبقوا هذا البرامج الجيد الذي دونتموه وأعددتموه وقدمتموه، تطبقوه وفقاً لجدول زمني من دون أي تساهل أو غض الطرف، لا تسمحوا له بالتعثر. لا تخشوا شيئاً، تقدموا إلى الأمام، توكلوا على الله تعالي، وبادروا واعملوا، وطبقوا هذه الخطة عملية. أفعلوا ما من شأنه أن يحصل بعد مدة مقبولة ومعقولة شعور أكيد بأن السلطة القضائية تشهد تحولاً وفي حال تحول ـ مع أن ذه البرامج والخطط طبعاً ليست قصيرة الأمد أو لعدة أشهر وما إلى ذلك وليست أموراً عملية بهذا المعنى ـ وهذا شيء يحصل بفضل حركتكم وجهدكم. وطبعاً تلك الخطة القصيرة الأمد مهمة هي الأخرى.. إعداد الخطة. 

في زمن ما كنت أتصور أن إعداد الخطة يمثل خمسين بالمائة من العمل، ولكن ما لم ينضم هذا الخمسون بالمائة إلى ذلك الخمسين بالمائة اللاحق، فكأنه لا شيء وكأنه لم يحصل أبداً. الأمر هنا من قبيل أنكم تريدون مثلاً سحب ماء من قعر بئر إلى الأعلى وعمق البئر مائة متر مثلاً، وتسحبون الماء إلى خمسين متراً ويبقى الماء هناك، فكأنكم لم تفعلوا شيئاً، ولا فرق بين أن تسحبوه إلى خمسين متراً أو لا تسحبوه أصلاً. إذا أردتم أن تصل تلك النتيجة والثمرة إلى أيديكم فعليكم الاهتمام بالخمسين بالمائة اللاحقة المتمثلة بالعمل والتحرك والنشاط والمبادرة وباقي الشروط اللازمة، يجب أن تقوموا بهذه الأعمال لكي تصلوا إلى النتيجة والثمار إن شاء الله وأنا متفائل بذلك. إنني حين أنظر للعدلية والسلطة القضائية في البلاد أتمنى أن تستطيعوا إن شاء الله النهوض بهذه المهمة. وأقولها لكم: إبدأوا هذه العملية منذ البداية، ولا يكون الأمر بحيث نقول مثلاً: «لدينا مزيد من الوقت، ولدينا بعض المجال، لدينا متسع من الوقت، وسوف نقوم بهذه الأمور إن شاء الله»، ثم نقول في أواسط العمل أو أواخره: «يجب أن نقوم بهذا العمل ويجب أن نقوم بذاك العمل». هذه حالة لا فائدة منها. يجب أن تبدأوا منذ اليوم الأول، ولا تسمحوا لأنفسكم بأي تأخير. هذه قضية.

سجلت عدة نقاط حول السلطة القضائية. والنقاط التي أشار لها السيد رئيسي كانت جيدة جداً، وهذا هو ما نقوله نحن أيضاً وقد ذكره هو. نشير إلى جملة من النقاط. 
إحدى النقاط أن تراجعوا دستور البلاد وتلاحظوا واجبات السلطة القضائية في القانون. ليس واجب السلطة القضائية القضاء والمحاكم فقط، إنما واجب السلطة القضائية أكثر من هذا. حسب دستور البلاد إحياء الحقوق العامة من واجبات السلطة القضائية. وإحياء الحقوق العامة عملية لها مديات واسعة جداً تمتد من قضايا الاقتصاد إلى قضايا الأمن إلى المجال الدولي، هذه كلها ضمن الحقوق العامة. الدفاع عن حقوق الشعب على الصعيد الدولي شيء بالغ الأهمية، وهو من ضمن واجباتكم. أو على سبيل المثال نشر العدل والحرية، ونشر العدل هذا إلى جانب نشر الحرية. والمراد من الحرية في دستور البلاد هو بالطبع الحريات المشروعة، وهذا شيء معروف. نشر الحرية أيضاً من ضمن واجباتكم. كيف تقومون بهذا الشيء؟ بأيّ أسلوب؟ قلت إن الأساليب التي يجب أن تختاروها ينبغي أن تكون أساليب جديدة ومبتكرة. 

أو الحيلولة دون وقوع الجرائم، قضية الحؤول والوقاية على جانب كبير من الأهمية. من الجيد واللازم أن نعين قسماً في السلطة القضائية للوقاية والحيلولة دون وقوع الجرائم، بيد أن الوقاية عملية واسعة جداً. يجب أن تعرفوا الجرائم وتعرفوا أسبابها والعوامل التي تؤدي إلى الجرائم، وينبغي أن تعرفوا الأعمال التي يمكنها الحؤول دون وقوع الجريمة. ثمة تفاصيل واسعة مطولة في هذا الباب. وكل واحد من هذه الأعمال بحاجة إلى من يقوم به ويفعله. لا يمكن أن نقول مثلاً إننا وضعنا لجنة أو هيئة لهذه المهمة، لا، هذه أمور ينبغي أن تتابع واحداً واحداً. 
أو حسن تطبيق القانون، من الذي ينقض القانون؟ من الذي ينتهك القانون؟ ليس القانون مجرد مقررات المرور أو على سبيل المثال القانون الذي ينتهكه الشخص الفلاني اللاأبالي، ففي بعض الأحيان ينتهك القانون بشكل عام وواسع، وهنا يجب أن تتصدي السلطة القضائية بكل قوة وبشكل مباشر. القصد هو أنه كلما نظر المرء للسلطة القضائية يلاحظ عظمة هذه السلطة وسعتها ومدياتها أكثر، وهذا الأمر بأيديكم ومن اختصاصكم، وأنتم من تحمل على عاتقه هذا الأعباء الثقيلة. إذا استطعتم إن شاء الله أن تقوموا بعمل ما وتنجحوا فسيكون هذا الأمر عظيماً وكبيراً جداً وستكون فيه مرضاة عظيمة من الله. أي إنكم إذا نهضتم بأعمالكم على نحو حسن إن شاء الله فسيكون ذلك من قبيل الصدقات والإنفاقات منقطعة النظير. 

نقطة أخرى أشار لها سماحة السيد رئيسي هي قضية مكافحة الفساد. مكافحة الفساد قضية تطرح في داخل السلطة القضائية أو خارجها، بيد أن الأولوية لداخل السلطة. هناك آلاف القضاة الشرفاء الطاهرين والموظفين الأمناء في كل السلطة القضائية يعملون ويجدون ويدأبون، ويظهر عنصر غير صالح في عدلية ما في مدينة من المدن ويقوم بشيء معين ويشوه سمعة هذه النفوس الطاهرة الشريفة. فهل هذا بالشيء القليل؟ هل هذا بالشيء الصغير؟ ربما كان عدد أولئك الأشخاص غير الصالحين الموجودين في كل السلطة القضائية لا يشكلون سوى نسبة مئوية صغيرة جداً من الأشخاص الذين هم في ذروة الشرف ـ لدينا قضاة يعيشون حياة صعبة ويتابعون ملفات كبيرة مهمة لكنهم لا ينحرفون حتى بمقدار ذرة، ولو كانوا من أهل الانحراف لأصبحت حياتهم أفضل بكثير، لكنهم لا ينحرفون أبداً ـ أو هم قضاة عاديون يقومون بأعمالهم بأمانة وصدق. نسبة أولئك الفاسدين غير الصالحين إلى هؤلاء الأفراد نسبة ضئيلة جداً، بيد أن النسبة القليلة حتى لو كانت واحد بالمائة لها مع ذلك تأثيراتها المخربة، وسوف أعود للتطرق لهذا الموضوع في رسم ملامح السلطة القضائية. تشددوا في خصوص الفساد داخل السلطة القضائية. والسبب هو أن هذه السلطة هي المسؤولة عن رفع الفساد، فإذا فسدت هي نفسها كان ذنبها مما لا يغتفر. كلما ارتفعت مرتبة وشأن والمكانة الحقوقية للإنسان أكثر كلما ازدادت أهمية عمله سواء بالاتجاه الإيجابي أو بالاتجاه السلبي. لاحظوا أن الله تعالى يخاطب نساء الرسول في القرآن فيقول لهن: «يٰنِساءَ النَّبِي‌ مَن‌ يأتِ ‌مِنكنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَينَةٍ يضٰعَف لَهَا العَذابُ ضِعفَينِ» (4). أية واحدة منكن تقوم بمخالفة تعذب عذاباً مضاعفاً. العمل نفسه الذي لو قامت به امرأة أخرى تضرب عند الله تعالى مائة سوط إذا قامت به واحدة منكن تضرب مائتي سوط، لماذا؟ لأنكن زوجات النبي «وَمَن يقنُت مِنكنَّ لِله وَ رَسولِه» (5) ثم إن جزاءهن وأجرهن مضاعف أيضاً. حين تفعلون عملاً صالحاً يكون أجركم أيضاً مضاعفاً. هذا بسبب أهمية مكانة الإنسان.

إنني في كثير من الأحيان يرقّ قلبي للنبي يونس (سلام الله عليه). وما الذي كان قد فعله حتى يقول: «سُبحٰنَك اِنّي كنتُ مِنَ الظٰلِمينَ‌» (6) وبتلك العقوبة الشديدة التي عاقبه الله تعالى بها. كلما دعا قومه ومهما فعل وحاول لم يستجب له قومه، فامتعض منهم وترك المدينة، هذا ما فعله. إذا كان هناك عالم في مدينة معينة مثلاً ينصح الناس والناس لا يصغون له ولا يعملون بنصائحه فيعلن مغادرته ويقول لن أبق إذن في هذه المدينة ويقوم ويخرج منها، ففعله هذا سيئ، ولكن هل عقابه أن يذهب في البحر وفي بطن الحوت ويقول الله تعالى عنه لو لم يكن من المسبحين: « لَلَبِثَ في بَطنِه إلى يومِ يبعَثونَ» (7) كان المقرر أن يبقى في بطن الحوت إلى يوم القيامة! هل جزاؤه هذا؟ ولكن مع ذلك نجد أن الله تعالى عاقب يونس بهذا الشكل. لماذا؟ لأنه نبي. يقول له أنت نبي: «فَظَنَّ اَن لَن نَقدِرَ عَلَيهِ‌» تصور أننا لن نتشدد معه. «نَقدِرَ» بمعنى التشدد «فَنادىٰ فِي الظُّلمٰتِ اَن لا اِلهَ اِلّا اَنتَ سُبحٰنَك اِنّي كنتُ مِنَ الظٰلِمينَ» (8) اعتبر نفسه ظالماً واعترف «فَاستَجَبنا لَهُ وَنَجَّيناهُ مِنَ الغَمِّ» (9). هكذا هو الحال، إنك تختلف عن الإنسان العادي. إذا فعل إنسان عادي شيئاً له توبيخه وعقابه وقمت أنت بذلك العمل فسيكون عقابك ضعفاً أو عدة أضعاف الشخص العادي، فالأمر مختلف. انظروا بهذه العين للمفاسد داخل السلطة القضائية. 

طبعاً التطاول والتهم والإساءات التي توجّه للسلطة القضائية كثيرة، هذا ما نعلمه أيضاً. أي إنهم يتكلمون ويكتبون ضد السلطة القضائية أكثر بكثير حقاً من الواقع. والآن هناك الفضاء الافتراضي أيضاً، جهاز لا أول له ولا آخر يكتب فيه كل واحد كل ما يشاء. هذه لا أهمية لها ويجب أن لا تعوقكم عن عملكم. هل تعرفون شخصاً في العالم وفي التاريخ أعدل من الإمام أمير المؤمنين؟ هذا الإمام أمير المؤمنين نفسه الذي هو مظهر العدالة اتهموه بعدم العدالة. شيء يقولونه بالتالي، ويقولونه ضد الجميع، ضد الرسول، وضد الرسل والأنبياء وضد الإمام أمير المؤمنين، وضد الله، ويقولونه ضدكم أيضاً، فليقولوا، لا يمنعكم ذلك من أداء أعمالكم. 
نقطة أخرى مهمة جداً قضية بناء ملامح وصورة السلطة القضائية. قد تكونوا صالحين وشرفاء جداً ولكن تقع حادثة أو حوادث من شأنها أن لا ينعكس ذلك الشرف وتلك الأمانة وذلك الصدق في أنظار الناس، بل ينعكس في أنظارهم ضد ذلك، هذا شيء سيّئ للغاية. ما يجب أن ينعكس في أنظار الناس هو أن للسلطة القضائية هذه السمات: 

أولاً تتميز بالحكمة، في قرارات التنصيب والتعيين وفي أحكامها وفي سلوكها وفي أقوالها. يجب أن تثبت أنها ذات حكمة. وخصوصاً المسؤولين رفيعي المستوى في السلطة القضائية يمكنهم أن يمارسوا دوراً في هذا المجال. 
يجب أن تثبت وتدلل أنها ذات علم بمبادئ القضاء. هذا شيء يجب أن يعرض ويثبت ويكون معلوماً أنه جهاز عالم ويعمل عن علم ومعرفة ويقوم بأعمال خبروية علمية. والعلم إما قانون أو فقه. مبادئ القضاء في الجهاز القضائي عبارة عن الفقه والقانون. 
وأنها سلطة لها آذان صاغية للاستماع ولها سعة صدر للاستماع، سواء في العدلية من قبل المحققين أو في مقابل المدعي العام وأخيراً في المحكمة أمام القاضي. ينبغي أن تكون هناك آذان صاغية. اسمعوا! أنصتوا للشاكي والشخص الذي جاء يشتكي وانظروا ما الذي يقوله حقاً وأنصتوا أيضاً للمتهم الذي يدافع عن نفسه، اسمعوا تماماً ما الذي يقوله. هذا شيء يجب أن يسمع، وقد لا توافقون كلامه ولا تقبلونه ولكن استمعوا له. 

وهناك أيضاً الاقتدار والحسم. يجب أن تتحلوا بالحكمة وبالعلم وبحسن الإصغاء وأيضاً بالاقتدار. يجب أن يدركوا أن السلطة القضائية لها اقتدارها، وأنها تعمل بحسم فيما تشخصه وتصل إليه من نتائج. بقاء الملفات وهو ما كررته مراراً في هذه الجلسة من اللقاء بالسلطة القضائية إنما هو رفس وركلة توجه لهذه الحالة. عندما يبقى الملف سنة أو سنتين أو خمس سنوات أو عشر سنوات فمعنى ذلك أن الجهاز القضائي يعاني من التردد وعدم الحسم في هذه القضية، ولا يدري ما الذي يجب أن يفعله. وهذا غير ممكن، يجب أن يعملوا بالنتيجة التي يصلون إليها بحسم مهما كانت تلك النتيجة. 

حسناً، ماذا نفعل الآن حتى تتكون مثل هذه الصورة والملامح في أذهان الناس عن السلطة القضائية؟ هذا يعود لسلوككم ولأقوالكم ولأعمالكم وللإعلام الصحيح الذي تقومون به، وبالطبع فإن الأجهزة المتنوعة مثل الإذاعة والتلفزيون وغيرها يجب أن تساعد. الجهاز القضائي ملك الثورة وملك الناس والشعب وملك البلد، وجميع الأجهزة ينبغي أن تساعد في هذا المعنى. لا يكون الأمر بحيث يعمدوا إلى شيء صغير في التلفزيون أو في الصحيفة الفلانية ـ مثل ما يفعل الفضاء الافتراضي حيث يقولون فيه كل ما يحلو لهم دون مبالاة ـ فيتكلم هؤلاء أيضاً على هذا النحو فينشروا شيئاً صغيراً غير معلوم وغير موثوق ويكون فيه إضعاف وزعزعة للسلطة القضائية. يجب أن لا يكون الأمر على هذا النحو. تكوين هذه الصورة يقع على عاتق الجميع، يقع على عاتقكم وعلى عاتق الآخرين. حسناً، هذه أيضاً نقطة. 

ونقطة أخرى تتعلق بالتنصيبات والتعيينات. لاحظوا أن الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) في عهده المعروف لمالك الأشتر ـ وهو أرقى كتاباته وفيه جزء يتعلق بالسلطة القضائية، ويسمونه خطأ معاهدة [عهدنامه] وهو ليس معاهدة بل عهد، بمعنى أوامر ودساتير ـ يقول أولاً: «ثُمَّ اختَر لِلحُكمِ بَينَ النّاسِ اَفضَلَ رَعِيتِك في نَفسِك‌» (10) اختر للقضاء أفضل الناس. «أفضل» هذا شيء مهم جداً. ثم يذكر الإمام الخصوصيات والسمات التي يجب أن يتحلى بها هذا الشخص الأفضل، وهي عشر خصوصيات أو إثنتا عشرة خصوصية، ولكم أن تراجعوها. إنني أرجو رجاء مؤكداً من الجميع ـ وخصوصاً مدراء السلطة القضائية والذين لهم دور في التعيينات وما إلى ذلك ـ أن يراجعوها وينظروا فيها. يذكر الإمام خصوصيات وسمات تنطبق تماماً على الاحتياجات التي يشعر بها الإنسان، وقد أحصاها الإمام كلها وبينها وقال بأن القاضي يجب أن تتوفر فيه هذه الخصوصيات (11). إذن التعيينات مهمة جداً. انتقاء الأفراد للوظائف والمهمات المختلفة عملية مهمة. التعيينات وكذلك الانتقاء. تريد انتقاء قاض وتريد انتقاء أفراد لأعمال معينة، فانظروا في هذه الخصوصيات وراجعوها بالتأكيد. الذي أرجوه أن تراجعوا هذا الجزء من رسالة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أي أوامره لمالك الأشتر.

ونقطة أخرى وهي الأخيرة هي أن واجب السلطة القضائية هو القانون والحقوق والفصل وتعيين الحدود، ولكن لا بد في هذه العجلة والماكنة الفولاذية المهمة للسلطة القضائية، لا بد من وجود وسيلة تلطيف ومرونة. ثمة أشياء تعمل على التلطيف، تعمل على تلطيف السلطة القضائية وتلطيف نتاجات ومخرجات السلطة القضائية. في السلطة القضائية نفسها يمكن هذا الشيء عن طريق مراعاة الأخلاق. وخصوصاً اجتناب سوء الأخلاق مع المراجعين، وكذلك الأمر مع المرؤوسين، ولكن مع المراجعين أكثر من المرؤوسين. حسن الخلق، حتموا على أنفسكم بالتأكيد أن تتعاملوا معهم بأخلاق. المحقق في مقام التحقيق، والمدعي العام في مقام المجادلة مع المتهم أو محامي المتهم في المحكمة. عندما يستدل ويبرهن فليبرهن ولكن لتكن هذه البرهنة بأخلاق. بعض هذه الأعمال التي يقوم بها الغربيون وينشرون أفلامها من قبيل أن المدعي العام يستخدم النبرة واللهجة الفلانية ويسيئ الأدب والاحترام، أولاً الكثير من هذه الأشياء كذب، وثانياً لا تجعلوا أعمال الغربيين ملاكاً ومعياراً لأعمالكم أساساً. انظروا ماذا يقول لكم الإسلام وما هي أوامر الإسلام ودساتيره. تعاملوا بأخلاق، ثم إنه في بعض الأحيان يتجادل القاضي مع المتهم ويتكلم ويسأل شيئاً ويجيب بشيء، فليكن كل هذا بأخلاق وبلين وبسعة صدر وبصبر. هذا عن التعامل الداخلي. 
وفي الأداء في المواطن التي يكون فيها خصام لتكن هناك توصيات بالعفو والصفح والتسامح والتجاوز وما شاكل. والإسلام يقول في القضايا العائلية: «وَالصُّلحُ خَير» (12)، ليصالحوا وليعملوا على المصالحة. وقضية إحياء التحكيم فيما يتعلق بشؤون العائلة أو مجالس حل الخلافات ـ طبعاً بشكلها الصحيح ـ هذه هي حالات إشراك الأخلاق في أعمال السلطة القضائية وفي عجلة وتلافيف السلطة القضائية. طيب، كان هذا ما يتعلق بقضايا السلطة القضائية. 

حول الشؤون السياسية الجارية في الوقت الحاضر أيضاً أبدى الشعب الإيراني عن نفسه عزة وعظمة واقتداراً بالمعنى الواقعي للكلمة والحمد لله. لا في خصوص القضايا الأخيرة ـ وهذه بحد ذاتها نموذج ـ بل على مدى هذه الأعوام الأربعين، لقد أبدوا ذلك حقاً. حين ترون في وكالات الأنباء الخارجية عن ألسنة الساسة والدبلوماسيين وما شاكل أنهم كثيراً ما يكررون هذه الأيام بأن إيران لا يمكن تركيعها بالضغوط والحظر والتهديد وما إلى ذلك، فهذا ليس ناتجاً عن الأوضاع في الشهر الأخير أو الشهرين الأخيرين أو الأشهر الستة الأخيرة بل هو ناجم عن أربعين عاماً من مسيرة الشعب الإيراني. لقد حرر الشعب الإيراني نفسه بالثورة من قوقعة الذلة والخضوع التي فُرضت عليه. لقد حطم هذه القوقعة وخرج منها. وبرزت فيه الهوية الإيرانية بخصوصيات إسلامية، وصار ينشد العزة والاستقلال والتقدم، لذلك كلما زاد الأعداء الظّلمة من ضغوطهم لم تؤثر فيه هذه الضغوط. لقد مارسوا كل هذه العراقيل ضد الانتخابات في البلاد، لكن الناس يشاركون بعزم وإرادة مثيرة للإعجاب حقاً في ساحات الانتخابات. وفي آخر هذا العام توجد انتخابات، وهناك أيضاً على الرغم من وجود بعض حالات بث الترديد والشكوك من قبل بعض الأفراد، لكنني أعلم أن الشعب سوف يشارك في هذه الانتخابات بشوق وحماس، وهذا ما يثبت ويدل على عظمة الشعب الإيراني. وإذا بهم يوجهون التهم لهذا الشعب الكبير هذا الشعب الشجاع هذا الشعب حسن السمعة، من الذي يوجه الاتهامات؟ أكثر حكومات العالم شراً أي الحكومة الأمريكية (13). أكثر دول العالم وحكومات العالم شروراً ومسببو الحروب وسفك الدماء والتفرقة ونهب وسلب الشعوب على مدى تاريخ طويل، وليس على مدى عشرة أعوام أو عشرين عاماً، الوجوه الأكثر كراهية في مثل هذه الدولة يتهمون شعب إيران، ويوجهون الشتائم والإهانات لشعب إيران في كل يوم. الشعب الإيراني لا يتوقف بسبب هذه الإهانات ولا يتراجع بسبب هذه الإهانات والشتائم. لقد تعرض الشعب الإيراني للظلم ـ هذا الحظر الظالم نفسه ظلم بارز ضد شعب إيران ـ لقد تعرض الشعب الإيراني للظلم لكنه ليس ضعيفاً، الشعب الإيراني مقتدر. وبفضل من الله وبحول الله وقوته سوف يصل الشعب الإيراني بقوة واقتدار إلى كل أهدافه التي رسمها لنفسه. 

نحن تعرضنا للظلم، ونحن مظلومون، لكننا لسنا ضعفاء بل نحن أقوياء. الجزء الأساسي والمهم من قوة الشعب الإيراني قائم على الاعتقاد بالتسديد والدعم الإلهي. قال لا تخافا «اِنَّني مَعَكما اَسمَعُ وَاَرىٰ» (14). الله تعالى معنا وهو يساعدنا الآن، والدليل على ذلك هو هذه الأعوام الأربعون حيث مارسوا ضدنا كل هذه المؤامرات والضغوط وأشعلوا الحرب والفتن ومارسوا النفوذ والتغلغل وأطلقوا العناصر الإرهابية ضد الناس، وقاموا بألف عمل قبيح خياني ضد هذا الشعب، وهذا الشعب وواقف كالجبل ويزداد رسوخاً وقوة يوماً بعد يوم. وهو اليوم أكثر قوة من قبل عشرة أعوام وعشرين عاماً وأكثر اقتداراً ورسوخاً. وحين لم يستطيعوا تحقيق أهدافهم عن طريق الضغوط وما شاكل، ولأنهم يتصورون الشعب الإيراني شعباً بسيطاً ينخدع جاءوا ليقولوا: «تعالوا وتفاوضوا معنا فأنتم يمكن أن تتطوروا وتتقدموا»! نعم، الشعب الإيراني سوف يتقدم بالتأكيد ولكن من دونكم، وإذا جئتم أنتم فلن يكون هناك تقدم. أنتم وبريطانيا والآخرون كنتم لخمسين عاماً من العهد البهلوي ـ وخصوصاً أمريكا طوال نحو ثلاثين عاماً في العهد البهلوي الثاني ـ الكل في الكل في هذا البلد وتراجع هذا البلد إلى الوراء يوماً بعد يوم. أنتم لا يمكنكم أن تكونوا عوامل تقدم، بل أنتم عوامل تأخر الشعب الإيراني. الشعب الإيراني يتقدم شريطة أن لا تقتربوا أنتم. 

يقولون تعالوا للمفاوضات، المفاوضات خدعة. المفاوضات على ماذا؟ على ما يريده هو، أي إن هناك في يدكم سلاحاً لذلك فهو لا يتجرأ على التقدم إلى الأمام فيقول لكم أعطني هذا السلاح، ألق هذا السلاح لأستطيع أن أفعل معك كل ما أريد، لأستطيع أن أنزل بك أي مصيبة أريدها. هذه هي المفاوضات. إذا وافقت في هذه المفاوضات التي تحصل على كلامه فسوف تنزل بك الويلات، وإذا لم تقبل كلامه فستعود الأسطوانة نفسها على ما كانت والمعارك والضجيج والإعلام والدعاية وأن «هؤلاء لا يخضعون» وحقوق الإنسان الأمريكية وما إلى ذلك من الترهات. يضربون ويقتلون قرابة ثلاثمائة إنسان في السماء ثم يزعمون المزاعم عن حقوق الإنسان. يهبّون لمساعدة السعوديين ويقصفون الشعب في اليمن بتلك الصور في الأسواق والمساجد ومجالس العزاء ومجالس الفرح وفي المستشفيات وما إلى ذلك، ثم يدّعون حقوق الإنسان. هكذا هم. 

كلا، لقد وجد الشعب الإيراني طريقه، وقد رسمت الثورة طريقنا، ورسمه الإمام الخميني الجليل، وأهدافنا واضحة ومعروفة. ولقد تكررت هذه الأهداف طوال هذه العقود مراراً وتكراراً، وهي أهداف قيّمة وجذابة: تحقيق الرفاه المادي، تحقيق العزة الاجتماعية، تحقيق مستوى عال من العقلانية، والوصول إلى مراحل مبرزة وممتازة من العلم، والوصول إلى الاستقرار الاجتماعي والأمن الاجتماعي. هذه هي أهدافنا وهي الأهداف التي رسمها الإسلام لكل شعب. والإسلام رسم هذه الأهداف لنا أيضاً، وقد سرنا نحو تحقيق هذه الأهداف وسوف نصل لها كلها على الرغم من أنف العدو. نسأل الله أن يوفقكم ويوفقنا لنستطيع أداء الواجبات التي على عاتقنا بأفضل وجه إن شاء الله. 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

 

الهوامش:
1 ـ في بداية هذا اللقاء الذي أقيم بمناسبة أسبوع السلطة القضائية، تحدث حجة الإسلام والمسلمين السيد إبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية. 
2 ـ سورة النساء، شطر من الآية 58 . 
3 ـ بحار الأنوار، ج 36 ، ص 316 . 
4 ـ سورة الأحزاب، شطر من الآية 30 . 
5 ـ سورة الأحزاب، شطر من الآية 31 .
6 ـ سورة الأنبياء، شطر من الآية 87 . 
7 ـ سورة الصافات، الآية 144 . 
8 ـ سورة الأنبياء، شطر من الآية 87 . 
9 ـ سورة الأنبياء، شطر من الآية 88 . 
10 ـ نهج البلاغة، الكتاب رقم 53 . 
11 ـ هذه الخصوصيات هي: القدرة على أمر القضاء، عدم الفزع من أطراف النزاع، عدم الإصرار على زلات الذات، اجتناب الطمع، عدم الاكتفاء بالتصورات والآراء السطحية، الاحتياط في مواجهة الشبهات، الاستناد على الأدلة، عدم التعب من مراجعات أطراف النزاع، الصبر في اكتشاف الحقيقة، إصدار أحكام قاطعة حاسمة عدم اتضاح الحقيقة، عدم الانخداع بالمديح والثناء، عدم الميل لأحد أطراف النزاع بسبب تحريض وتشجيع الآخرين.