الكاتب: الدكتور محمد جمشيدي

هدف العدوّ: سلب الثوريّة من سياسة الجمهورية الإسلاميّة الخارجيّة
يتناول بيان قائد الثورة الإسلامية الذي يحمل عنوان ”الخطوة الثّانية“ الحديث حول مختلف جوانب السياسة الخارجيّة والعلاقات الدوليّة. بعض هذه الجوانب ترتبط بسياسة الجمهورية الإسلامية الخارجيّة وبعضها الآخر يرتبط بالأحداث والأبحاث الاستراتيجيّة في البيئة الدوليّة. فهم نوع إدراك الإمام الخامنئي لمسار التحوّلات منذ الماضي وصولاً إلى المستقبل ينطوي على أهميّة استراتيجيّة لأيّ شخصيّة مفكّرة. ومن أجل تقديم شرح أفضل لأسباب منهج السياسة الخارجيّة المطروح في بيان الخطوة الثّانية للثورة ينبغي الالتفات إلى هذه النّقطة بأنّه اليوم وبعد مرور أكثر من أربعين عاماً على انتصار الثّورة الإسلاميّة لا يزال هاجس الغرب وخاصّة أمريكا هو ”أساس الثّورة“. بعبارة أخرى، أمريكا لم تكتفِ بعدم مجاراة الثورة الإسلاميّة والنظام المنبثق عنها أي الجمهورية الإسلامية بل هي تنظر إليه كتهديد لها. خلال فترة حكم ترامب تمّ شنّ أكبر عدد من الهجمات على ”الماهيّة والأسس الثوريّة“ لهذا البلد. المجموعة الخاصّة بإيران الموجودة في وزارة الخارجيّة الأمريكيّة أعلنت في إحدى تقاريرها أنّ إيران هي الحكومة الثوريّة الوحيدة الباقية على وجه الأرض وينبغي لأمريكا أن تنهي أمرها. 
في الحقيقة فإنّ المفهوم المفتاحي للسياسة الخارجيّة في حكومة ترامب تجاه إيران هي الثّورة وكّل مطالبهم ومن ضمنها شروط بومبيو الإثني عشر حيال إيران تركّز على التخلّي عن مكتسبات الثورة الإسلاميّة في مختلف المجالات. وبناء على ذلك فإنّ سبيل الحلّ الذي تقدّمه أمريكا من أجل أن تصبح إيران عاديّة في البيئة الدّولية هو ”سلب الجمهوريّة الإسلاميّة ثوريّتها“. بعبارة أخرى، فإنّ العدوّ ينظر إلى هذه الثورة الإسلاميّة على أنّها جعلت إيران أقوى حتّى من الناحية الماديّة وإنّ إزالة تهديد إيران إنّما يتمّ حصراً عن طريق سلب سياسة الجمهورية الإسلامية الخارجيّة ثوريّتها. والآن بفهمنا لهذا الإطار يمكن إدراك أهميّة تأكيد قائد الثورة الإسلاميّة على قضيّة الثورة وضرورة استمرارها. 
مجرّد تقديم أمريكا الشكاوى ووصفها للثورة الإسلاميّة بأنّها مخرّبة لمصالح الغرب يشكّل شاهداً على صحّة مواقف قائد الثورة الإسلاميّة القائلة بأنّ الأعوام الأربعين الماضية انقضت دون أن تتمّ خيانة المبادئ. ويصرّح سماحته في عدّة مواطن بأنّ هدف الثورة الإسلامية لم يقتصر على الإمساك بزمام أمور الحكم بل إنّ هاجسها خلافاً لما يروّج له الغربيّون ليس مجرّد بقائها الواقعي. بل لكون هذه الحكومة مبنيّة على الإسلام والناس فإنّ السلطة لوحدها لا تكسبها الشرعيّة ولا الواقعيّة.

 

مفهوم ”النظام الثوري“ الاستراتيجي
من ناحية أخرى فإنّ استراتيجيّين أمريكيّين من أمثال كيسنجر وبعض شخصيات ومسؤولي البلاد غير الثوريّين يكرّرون هذه الجملة بأنّه على إيران أن تختار بين خياري انحيازها لـ ”الشعب - الحكومة“ أو ”النهضة الثوريّة“. وعلى عكس هذا الأمر، يشدّد هذا البيان على المفهوم الاستراتيجي لـ ”النّظام الثوري“. لا تناقض بين هذين الأمرين لأنّ الأوّل يظهر البنية والثاني يظهر المبدئ. سلب الجمهورية الإسلامية ثوريّتها يعني سلبها مبادئها وهويّتها. لا يوجد أيّ بلد مهمّ اليوم في أنحاء العالم لا تتأثّر سياسته الخارجيّة بمبادئه وهويّته بعبارة أخرى، الهويّة هي التي تحدّد المصالح أيضاً. النظام الثوري يعني البحث الواقعي عن مبادئ الشعب. 

لا ضير في أن يلقي أولئك الذين ينتقدون دور الهويّة، والمبادئ والقيم في سياسة إيران الخارجيّة نظرة على الأمن القومي لأمريكا لأنّ هناك على الدوام فصل من هذه الوثائق يختصّ بالحديث عن التقدّم بالقيم الأمريكيّة إلى الأمام. النظام السّياسي لا يستطيع أبداً أن ينتج ”القوّة النّاعمة“ دون القيَم ولذلك لا يستطيع أبداً أن يدّعي منطقاً جديداً في العلاقات الدوليّة. فهم هذه القضايا يثبت سبب أهميّة التأكيد على عنصر الثورة وماهيّتها في مجال السياسة الخارجيّة. بعبارة أخرى، الثورة الإسلامية تحوّلت إلى سبب لتقدّم الجمهورية الإسلامية واكتسابها القوّة وأينما واجهت الجمهورية الإسلامية أيّ مشكلة كان منشأ ذلك تراجع وغفلة وابتعاد المسؤولين عن الثورة الإسلامية. وردت الإشارة إلى هذه المضمون عدّة مرّات في البيان. 

رسم حدود مع العدوّ
المفهوم الهامّ الآخر في مجال السياسة الخارجيّة هو ”رسم الحدود مع العدوّ“. هذا الأمر يحتاج بداية إلى قبول وجود عدوّ وعداء وثانياً يحتاج إلى رسم الحدود مع العدوّ. البعض في الداخل لا يؤمنون بوجود عدوّ ويعتبرون أنّ سبب المشاكل هو وجود سوء تفاهم ويعتبرون أنّ الحلّ يكمن في إجراء حوارات مع الغرب والتواصل والاندماج معه. الاتفاق النووي شاهد جيّد على بطلان هذه الفرضيّة. الإمام الخامنئي رغم أنّه يوافق على الحوار مع العدوّ حول المشاكل القابلة للحلّ إلّا أنّ سماحته لا يرى أنّ الحلّ يكمن في الاندماج مع الغرب ويؤكّد على رسم حدود [مع العدوّ]. لا يقتصر رسم الحدود على الهويّة بل إنّ إحدى فوائده هي اكتساب قدرة أكبر على تحديد المصالح. عندما لا يتمّ رسم الحدود قد ينتج عن ذلك العمل على تأمين مصالح العدوّ بدل تأمين المصالح الذاتيّة. والنموذج البارز للشخصيّة التي لم ترسم حدوداً مع العدوّ محمّد مرسي رئيس جمهورية مصر عقب الصّحوة الإسلاميّة والذي أُطيح به في النهاية بدعم أمريكي للانقلاب في مصر. 

 

أفول أمريكا وتعاظم قوّة الجمهوريّة الإسلاميّة
القضيّة الثالثة ترتبط بالأحداث الجيوسياسية. فقد أعلن قائد الثورة الإسلامية عن بروز أحداث في المحافل العالميّة ووصولنا إلى نقطة عطف تاريخيّة وهذا التقييم يؤيّده الخبراء وحتى أجهزة الاستخبارات من ضمنها المجتمع الاستخباري في أمريكا. بعبارة أخرى فإنّ الجميع يؤمنون بأنّ مكانتنا الحاليّة أشبه بالمراحل التاريخيّة خلال مؤتمر فيينا عام ١٨٢٥، وخلال العقدين بين عامي ١٩٢٠ و١٩٤٠ وأثناء وقوع الحروب العالميّة وانهيار الاتحاد السوفييتي عام ١٩٨٩. هذه الأحداث تبرز في منطقة الشّرق الأوسط ضمن إطار الصحوة الإسلامية وتداعياتها وأيضاً عدم قدرة أمريكا على الحضور في المنطقة وإدارتها. هناك عنصران مفتاحيّان هامّان في هذا الخصوص: الأوّل هو فشل تيّار ومشروع العلمانيّة في الشّرق الأوسط حيث أنّ التيارات الفكريّة البارزة في أمريكا تشير إلى هذه القضية اليوم وانهزام الحكومات العلمانيّة في المنطقة أيضاً هي نتيجة لتلك الهزيمة الكبرى. العنصر الثاني هو تعاظم عدد سكان المسلمين في المنطقة والعالم والانحياز المتضاعف للمسلمين نحو حياة تطابق الشّريعة. هذه كلّها تقييمات تصرّح بها الحكومات الغربيّة أيضاً. وهذه المسار حديث النشوء شكّل أرضيّة لتعاظم قوّة الجمهورية الإسلامية. هذه الأحداث تضرّ بمصالح الغرب الاستراتيجيّة ولذلك يتّضح هنا لماذا تستمرّ أمريكا في معارضتها للثّورة الإسلاميّة؟ أي كلا عنصري الثوريّة والإسلامويّة.

 

لماذا لا يمكن تصوّر وجود حلّ لأيّ مشكلة فيما يخصّ أمريكا؟
حركة الثورة الإسلاميّة لا تستطيع فقط إخراج المنطقة بكلّ سهولة من قبضة أمريكا ووضع تحدّيات جديّة أمام مصالح واشنطن وحلفائها الاستراتيجية بل بإمكانها أن تكون لها تأثيرات جديدة في المجال الذي يتعدّى حدود هذه المنطقة. وهذا السبب في أنّ بيان الإمام الخامنئي يتحدّث حول الخطوة الثانية والمسار القادم على المستوى الدّولي. اللافت هنا أنّه مع وجود كون البعض في الداخل باتباعهم منهج إعادة النظر يطرحون هذه الفكرة بأنّ الثورة الإيرانية لم تكن إسلامية في الأساس فإنّ المحلّلين الغربيّين كانت لديهم تأكيدات على مشارف مرور أربعين عاماً على انتصار الثورة حول أنّ هذه الثورة كانت إسلاميّة من الأساس ورفضوا بذلك آراء المطالبين بإعادة النّظر. مع قراءة هذه المقالات يتبادر إلى الذهن هذا السؤال بأن ما هو سبب تأكيد العدو على إسلاميّة الثورة؟ 
يكمن الجواب في أنّ هدفهم يتمثّل بزيادة الضغط على الناس ومحاصرتهم إعلاميّاً وإظهار الثورة الإسلامية للشعوب المنكسرة في المنطقة على أنّها نموذج فاشل. بعبارة أخرى، من الواضح بالنسبة للغرب أنّ تقدّم الإسلام والإسلامويّة في العالم حقيقة واضحة والسبيل للسيطرة عليه هو تخريب نموذج إيران، وعدم السماح للحركات حديثة الظهور في المنطقة بقطع مسار الثورة الإسلامية في إيران. بإمكان مثل هذا الفهم الاستراتيجي الإجابة على هذا السّؤال أيضاً بأن ” لماذا لا يمكن تصوّر وجود حلّ لأيّ مشكلة فيما يخصّ أمريكا ولماذا لا تنتج عن التفاوض معها سوى الأضرار الماديّة والمعنويّة؟“ السبب هو أنّ أمريكا لديها مشكلة في الأساس مع ذات هذه الهويّة والوجود المبني عليها ولا تقتصر مشكلتها على سلوكنا. مشكلة أمريكا مع إيران هي ماهيّتنا وما دام هذا النوع من التفكير مسيطراً في أمريكا فمن الطبيعي أن يكون سعي أمريكا خلق مشاكل لإيران لا حلّ مشاكلها.
النقطة الأخيرة هي أنّ هذا البيان ينبغي أن يحظى باهتمام واضعي السياسات في مجال السياسة الخارجيّة والأمن القومي. على هذا الأساس، ينبغي أن يكون التخطيط لخطوة الثورة الثانية مبنيّاً على لعب دور على المستوى الدولي وأن يكون الحفاظ على هوية ومبادئ الثورة الإسلامية والتقدّم بها إلى الأمام على لائحة الأعمال.  

 

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع arabic.khamenei.ir