كاتب: السّيد أحمد خاتمي
سرد لجيل الشباب يتناول ماضي الثورة الإسلامية
بيان الخطوة الثانية الذي أطلقه الإمام الخامنئي هو نصّ مضغوط للغاية حول ثلاثة قضايا أساسيّة تختصّ بالثورة الإسلامية. إحداها ماضي الثورة الإسلامية الذي وللأسف لم يتمّ التطرّق إليه كما ينبغي وإنّ الأجيال الثانية، والثالثة والرابعة ليست مطّلعة عليه كما ينبغي. استهلّ قائد الثورة الإسلامية بيانه بالحديث حول الماضي، الماضي الذي كان يشهد سرقة كلّ ذخائر هذا الشعب؛ وسرقة دين الناس، وحريّة الناس، واستقلال النّاس وذخائرهم الاقتصادية. لقد روى الإمام الخامنئي الأحداث بصفته أحد الكبار الذين كانوا ضمن الأحداث وشاهدوها عن كثب. قد يكون أحدهم راوياً لكنّه قرأ [الأحداث] في التاريخ والكتب، لكنّ قائد الثورة الإسلامية خطّ ما شاهده بأمّ عينه. هذا جانب أقترح على المثقّفين توثيقه، فكلّ جملة من جمل الإمام الخامنئي يجدر توثيقها. الحمد لله أنّنا نملك عدداً كبيراً من المؤرّخين من الذين يتحمّلون المسؤولية في هذا المجال ويمكن الاستفادة منهم وإغناء هذا البيان الزاخر بالمضامين من خلال توثيق حول هذه الإرشادات. وحبّذا لو لا يقتصر التوثيق على الجانب الكتبي فقط ليتعدّاه إلى فنون إخراج الوثائقيات الإعلامية في المجالين السّمعي والبصري. ينبغي أن تتمّ الاستفادة من الفنّ الملتزم في هذه المجالات. إنني أعتقد بأنّه لا توجد لدينا نقائص في المجال الكتبي، فقد ألّفت كتب في هذا المجال لكن ينبغي أن يتمّ تصوير ما كُتب.
الجانب الثاني من البيان يتناول حاضر الثورة الإسلامية. لقد صوّر الإمام الخامنئي التديّن المعاصر، والاستقلال المعاصر، والحريّة المعاصرة، والمكانة العلميّة المعاصرة بشكل مميّز وأوضح سماحته بقلمه البليغ ”ما الذي كنّا عليه، وما الذي نحن عليه الآن وما الذي نملكه“. هذا القسم هو أيضاً يشكّل ضرورة من ضروريّات ثورتنا الإسلامية. لماذا؟ لأنّه لو لم تُلاحظ النقاط البارزة، فسوف نُبتلى لا سمح الله بنكران النعم وهنا يحذّر القرآن قائلاً: {وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (١) هذه الآية تقول بأن لو كفرتم بالنّعم فإنّني لن أسلبكم إياها فقط، لأنّه من البديهي أن تُسلب، بل ستُعاقبون أيضاً. هذه هي بركة ”استعراض ما نحن عليه“ الذي ورد في مختلف أقسام هذا البيان.
عقد الآمال على الشباب استناداً إلى السيرة الحكوميّة للرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام)
الجانب الثالث لهذا البيان يتناول مستقبل الثورة الإسلامية. ما يلوح في هذا البيان حول مستقبل الثورة الإسلامية هو أنّ جُلّ أمل قائد الثورة الإسلامية مصبوب على الشباب. إذا ما دقّق أحد في هذا البيان يجد أنّ كلمة الشباب استخدمت في هذا البيان أكثر من أي كلمة أخرى. هذه ليست شعارات يطلقها الإمام الخامنئي بل إنّ اعتقاده هو هذا. اعتقاد كان يملكه الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله). الرّسول الأكرم منح الشباب ثلاثة مناصب لم تكن حينها وقد لا تكون اليوم محمولة بالنسبة للبعض.
1) نصّب الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) شابّاً يبلغ من العمر ٢٠ عاماً يُدعى ”مُصعب بن عُمير“ ممثّلاً له وإمام جمعة في المدينة. إذا ما غضّينا الطرف عن الماضي، فاليوم أيضاً لو قاموا بجعل شابّ يبلغ من العمر ٢٠ عاماً إمام جمعة في إحدى الأماكن سيُقال بأنّ الأطفال أصبحوا أئمة جمعة، لكنّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) لم تكن لديه هذه الأدبيات وكان يثق بقدرات الشباب.
٢) بعد فتح مكّة عزم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على خوض حرب حُنين، ونصّب شابّاً يبلغ من العمر ٢١ عاماً ويُدعى ”عتّاب بن أُسَيد“ والياً على مكّة، وكان أيضاً إمام جماعة المسجد الحرام. اعترض البعض، وقالوا ألا يوجد هناك من هم أكبر سنّاً وأكثر خبرة؟ أجاب النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «وَ لَا یَحْتَجَّ مُحْتَجٌّ مِنْکُمْ بِصِغَرِ سِنِّهِ» لا يقولنّ أحد بأنّ عمر ”عتّاب“ قليل. « فَلَیْسَ الْأَکْبَرُ هُوَ الْأَفْضَلَ» ليس الأمر على هذا النحو بأنّ من يكون سنّه أكثر يكون هو الأفضل. «بَلِ الْأَفْضَلُ هُوَ الْأَکْبَر» (٢) بل الأكبر هو الأكثر فضلاً.
٣) قبل رحيل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بسبعة أيام فُرضت على المسلمين الحرب. نصّب الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ”أسامة بن زيد“ الذي كان يبلغ من العمر ١٨ عاماً قائداً للجيش وطلب من الجميع الانضواء تحت لوائه وقال: «لَعَنَ اللهُ مَن تَخَلَّفَ عَن جَیش اُسامة» (٣) هذه كانت سنّة وسيرة وطريقة النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
٤) وهذا ما كان عليه الأمر في ركب أمير المؤمنين (عليه السلام). ومن الشخصيات البارزة جدّاً في ركب أمير المؤمنين كان ”محمّد بن أبي بكر“، الذي أصبح والياً على مصر قبل مالك الأشتر. قُتل محمّد بن أبي بكر بأسلوب شنيع ووضعوه في جلد حمار وأحرقوه، الأمر يشبه ما تفعله داعش اليوم. كان ”محمّد بن أبي بكر“ يبلغ من العمر ٢٨ عاماً، وقد استشهد مالك الأشتر عندما كان يبلغ من العمر ما يقارب الأربعين سنة.
وفي حادثة كربلاء الأليمة أيضاً تبرز الوجوه الشابّة. وفي ركب صاحب العصر والزّمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) أيضاً تصرّح الرواية بأنّ الأغلبيّة ستكون من الشباب.
تنصبّ كلّ آمال قائد الثورة الإسلامية فيما يخصّ مستقبل الثورة الإسلامية على الشباب وهذا ما يظهر في التوصيات السبعة التي أرفقها في المجالات المعنوية والعلمية والبحثية وسائر المجالات. خلاصة القول أنّه يجب أن لا يبقى هذا البيان أبداً شعاراً بل ينبغي أن يتمّ الاهتمام به في التخطيطات كوثيقة بالغة الأهميّة.
الهوامش:
۱) سورة إبراهیم، الآية ۷.
۲) بحار الأنوار، ج۲۱، ص.۱۲۳
۳) الملل و النحل، ج۱، ص۳۰.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع arabic.khamenei.ir