... قضية انتظار ظهور الإمام المهدي المنتظر (عليه الصلاة والسلام) من القضايا عميقة المعاني والدلالات والزّاخرة بالمضامين السامية في منظومة الفكر الشيعي. وخصوصاً في الوقت الحاضر حيث اكتسبت هذه القضية معنى خاصاً حول العالم. جميع المسلمين رووا قضية المهدي (عليه الصلاة والسلام) ويؤمنون بها. فكرة أن اليد القادرة لبقية آل النبي الأكرم (صلي الله عليه وآله وسلم) وسائر أولياء الله في الأرض من المقرّر أن تنقذ البشرية من الظلم والجور الذي يغمرها، فكرة متفق عليها، لكن الفرق بين الشيعة وغير الشيعة هو أن الآخرين يعلمون أن شخصاً من آل الرسول سوف يأتي لكنهم لا يعرفونه، أما الشيعة فيعرفونه، يعرفونه باسمه واسم أبيه واسم أمه وتاريخ ولادته الدقيق وبأوامره وتعاليمه وعلامات وجوده في المجتمعات البشرية، وهذه ميزة كبيرة. قلوب الشيعة مرتبطةٌ متصلة بذلك القطب الملكوتي الإلهي. قلوبهم عامرة بمحبة ذلك الكيان المقدس فهم يتحدثون معه ويطلبون منه ويتودّدون إليه ويتوسلون به. وهذه ليست بالأشياء القليلة. هذا أمل ينبثق في قلب الإنسان بفضل الإيمان والاعتقاد واليقين بوجود منقذ وحضوره. هذا الأمل له قيمة كبيرة جداً. ولا شك أنه مبعث تحركات كبيرة في المجتمعات الإسلامية والمجتمعات الشيعية وهو الرصيد الأساسي لحركة الثورة الإسلامية العظيمة، هذه العقيدة وهذا الانتظار فرجٌ في حدّ ذاتهما. 

الشعب اليائس من حلول الفرج، الشعب الذي لا يغمر قلبه نور يجعله متفائلاً بالمستقبل، سوف يتقبل الواقع القائم في العالم وهيمنة القوى الظالمة، وسيضطر لتحمل الوضع الموجود وتقبله والاستسلام له والتكيف معه. أما الشعب الذي يعلم على الرغم من الظواهر العاتية للقوى العالمية والهيمنات العالمية وعلى الرغم من العظمة الظاهرية للباطل بكل تجلياتها، أن هذه العظمة زائلة وليس لهذه السلطة والهيمنة رصيد داخلي وجذور، سيعلم أن وراء هذه المظاهر السلطوية الظالمة وجولات الباطل، سيادة الحق. مثل هذا الشعب تتفتح في قلبه براعم الأمل الخضراء وسيبقى متفائلاً غارقاً في الأمل، وهذا الأمل هو الذي سيمنحه الجرأة ويعلمه المبادرة والعمل ويحضه على الحراك ويمنحه القدرة على الحراك. ينبغي إدراك قيمة هذا الأمر. وهذه نقطة على جانب كبير من الأهمية. لقد تعلم الشيعة أن انتظار الفرح من أفضل الأعمال. معنى هذه العبارة أن ليس من حق الشيعة مهما كانت الظروف – حتى لو كانت أصعب الظروف – أن ييأسوا ويفقدوا أملهم، لأنهم منتظرون، منتظرون للفرج، منتظرون لليسر، منتظرون لتجلّي الآفاق، وهذا الانتظار بحد ذاته يمنحهم القوة والاقتدار والحيوية. وأينما كانت القوة والحيوية والأمل سارت الحياة نحو النظام والترتيب والخير والإصلاح. هذه أداة أساسية بيد الشيعة تنبع من عمق معتقدات التشيع، وهي أمرٌ ينطوي على قيمة كبيرة. 

نحن طبعاً نعرف للقضية المهدوية أسساً فكرية جد عميقة ومكينة. لا يتصورنّ أحد أن قضية المهدوية مجرد قضية عاطفية، لا، الركائز الفكرية للمهدوية ركائز جد متينة ورصينة. كل الشبهات التي نشرها معارضو ومعاندو هذه الفكرة في الأذهان لها ردودها القوية. لكن الشيء الذي أروم طرحه الآن هو، على الرغم من أن البعد المنطقي والفكري والاستدلالي لهذه الفكرة بعدٌ بارز جداً إلا أن الجانب العاطفي والإيماني لهذه العقيدة الشيعية مع ذلك جانب مهم للغاية. قضية الاعتقاد بالمهدي لها بعدها الفردي وهو أن كل شخص يجب أن يسعى لإقامة علاقة شخصية بينه وبين ولي الله الأعظم (أرواحنا فداه). الكل يجب أن يكوّنوا صلة وعلاقة بين قلوبهم وأرواحهم وبين ذلك الكيان المقدس الذي هو مظهر لأسماء الله وصفاته ومظهر لقدرة الله وعلمه ووعاء كامل لمعرفة الله، وذلك عن طريق التوجه والتوسل والتكلم وإبداء المودة والمحبة وبالاستعداد الذاتي. على الجميع أن يكونوا مستعدين جاهزين. ما من أحد بوسعه القول إن ظهور الإمام المهدي (عليه الصلاة والسلام) لن يكون في المستقبل القريب، فنحن لا نعلم، ربما كان في المستقبل القريب، وربما كان في زمن حياتنا، وربما حظي الناس في هذا الجيل بمثل هذا التوفيق. فهل يمكن إقامة علاقة مع ذلك الإنسان العظيم عن طريق التلوث بالأدران وضعف النفس وعدم إصلاحها خلال فترة دولته الحقة وحكومته الإلهية؟ يجب أن نعد أنفسنا ونجهزها. ينبغي لكل شخص أن يشعر أن من واجبه إعداد نفسه، وهذا الإعداد إعداد معنوي وروحي وإيماني. على كل شخص أن يوفر في نفسه رصيداً عظيماً من الأمل والإيمان والنورانية ليكون جديراً بأن يكون من المقربين لذلك الإمام ومن خواصه ومن أنصاره وأعوانه في حركته العالمية العظيمة. يجب أن نعد أنفسنا. فإن لم نصبح من المقربين له وأتباعه فلن يكون هناك شقاءٌ أسوء من هذا الشّقاء.