ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي خلال أيّام شهر رمضان المبارك بشكل يومي مجموعة من الدروس القرآنية للإمام الخامنئي التي فسّرها سماحته وشرحها ضمن خطاباته. وقد تمّ إعداد هذه الدّروس تحت عنوان "ربيع القرآن" بشكل تراتبيّ من الجزء الأوّل حتّى الجزء الثلاثين من القرآن الكريم حيث سوف يُنشر في كلّ يومٍ من أيّام الشهر الفضيل درسٌ من هذه الدروس على الموقع الرّسمي وحسابات شبكات التواصل الاجتماعي.

..........

ثُمَّ كَانَ عَٰقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَٰـُٔواْ ٱلسُّوٓأَىٰٓ أَن كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ
سورة الرّوم المباركة ﴿١٠﴾

الخطر الكبير الذي يتربّص بالمجتمع الإسلامي
يقول القرآن الكريم: «ثمّ کان عاقبة الّذین اسائوا السوأی أن کذّبوا بآیات اللَّه»؛ (۱) أي أنّ الذين ارتكبوا أعمالاً سيّئة سيلقون أسوء مصير، ما هو؟ تكذيب الآيات الإلهيّة. (…) أينما بحثتم في التاريخ ورأيتم أنّ المجتمع الإسلامي أصيب بالانحراف، يكون قد انحرف من هذه النقطة. قد يأتي العدوّ الخارجي ويلحق الهزيمة وينكّل؛ لكنّه عاجز عن القضاء على الإيمان، والإيمان سيبقى ويظهر مرّة أخرى في مكان آخر. لكن أينما هجم العدوّ الداخلي على الإنسان وأفرغ باطنه وذاته، فسوف ينحرف عن مساره … (٢)

التأثير المتقابل بين الأخلاق والسلوكيات
غالبيّة أنواع الضّلال، سببها الذنوب التي تصدر عنّا أو الخصال السيّئة التي يختزنها وجودنا. عاقبة الذّنب هي الضّلال؛ إلّا في حال شعّ نور التّوبة في أعماق الإنسان. فتأكيدهم علينا باستمرار بأن "لو أذنبتم، فعليكم أن تتوبوا فوراً بعد ذلك الذنب، وتندموا وتقرّروا عدم العودة إليه" سببه أنّ الانغماس في مستنقع الذنوب خطيرٌ جدّاً وقد يبلغ الإنسان مرحلة لا يقدر فيها على العودة والتراجع.
أحدهما الذنب الذي يؤدي نحو الضلال والآخر هو الخصال السيئة. الخصال القبيحة تضلّ الإنسان بدرجة أكبر من الذنوب. فإذا كنّا مغرورين ومتعصّبين لآرائنا في أيّ كلام وعقيدة، وخطّأ بعضنا الآخر ثمّ قال ”لا أحد يفهم ويعمل بشكل صحيح غيري“، دون أن نكترث لمشورة واستدلال ومنطق ودون أن ننصت لأيّ كلمة حق؛ وعندما يستشري الحسد في وجودنا بحيث يجعلنا نرى الجميل قبيحاً ولا نكون حاضرين لتصديق الحقيقة اللامعة أينما كانت؛ وإذا دفعنا حبّ الشهرة، وحبّ المنصب والمال إلى الامتناع عن قبول الحقيقة، هنا نكون قد بتنا مستعدّين لاستقبال صفات الضّلال الخطيرة.(٣)

الزّلل المحدود ينتهي بالانحراف في العمل والعقيدة
النقطة الأخرى التي يجب على الناشطين السياسيين، والمسؤولين ورجال السلطة، وأصحاب المسؤوليات المختلفة والمتنفذين الحذر منها بشدة هي مسألة الانحراف والفساد الشخصي. علينا جميعاً المراقبة والحذر من ذلك. الإنسان معرض للفساد والانحراف. الزلات الصغيرة تأخذ الإنسان أحياناً  نحو زلات أكبر و أكبر وقد تهوي به أحياناً إلى السقوط في أعماق الهاوية. ينبغي الحذر بشدة. لقد حذرنا القرآن. هذا التحذير موجود في القرآن بخصوص حالات متعددة. يقول في آية من الآيات: « ثُمَّ كَانَ عَٰقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَٰٓـُٔواْ ٱلسُّوٓأَىٰٓ أَن كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ»؛ عاقبة بعض هذه الأعمال هي أن يصل الإنسان إلى الموضع الأسوء ألا وهو تكذيب الآيات الإلهية. ويقول في آية أخرى: «فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه»؛ (٤) أخلفوا الله ما وعدوه، وهذا ما جعل النفاق يتغلغل في قلوبهم. أي إن الإنسان يرتكب ذنباً فيجرّه هذا الذنب إلى مساحة النفاق. والنفاق هو الكفر الباطني. الكافرون والمنافقون في هذه الآية القرآنية إلى جانب بعضهم. ويقول عزّوجل في آية أخرى: «إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا» (٥) حين ترون البعض ينهزمون أمام العدو ولا يطيقون القتال والصمود فما هذا إلا بسبب شيء ارتكبوه سابقاً. لقد أفسدوا باطنهم بالخطايا. الزلات تفسد الإنسان. هذا الفساد يؤدي إلى الانحراف في العمل وأحياناً إلى الانحراف في العقيدة. وهو شيء يحصل تدريجياً، ولا يحصل دفعةً واحدة حتى نظن أن شخصاً ينام ليلته مؤمناً ويستيقظ في الصباح منافقاً. (٦) علينا أن نفعل ما من شأنه ترويج الأخلاق الإسلامية في المجتمع. عندما نتحدّث عن الثورة الإسلامية، فإنّ الأخلاق تمثّل جزءاً من الإسلام. 

وجزء آخر من الإسلام يرتبط بالعقائد. هذه المعتقدات يجب أن ترسخ في أعماق أهالينا وشعبنا. وينبغي لهذه العقائد أن تترك أثراً في سلوكياتنا. يجب أن لا يكون مجتمعنا مجتمع ارتكاب الذّنوب. الذّنوب تؤدّي إلى أن نعجز عن مقاومة عدوّنا الكبير -المتمثّل في شياطين الإنس والجنّ-؛ «إنّ الّذین تولّوا منکم یوم التقی الجمعان إنّما استزلّهم الشّیطان ببعض ما کسبوا»، أو ورد في آية أخرة: «ثُمَّ كَانَ عَٰقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَٰٓـُٔواْ ٱلسُّوٓأَىٰٓ أَن كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ». العمل السيّء يؤدّي بالإنسان نحو فقدان الاستقامة في الميدان وتغيير المعتقدات؛ ”أن كذّبوا بآيات الله“.
في بعض الأحيان نستغرب تبدّل معتقدات مختلف الأشخاص؛ يرى الإنسان بعض النّخب، ويدقّق ويبحث، فيرى أنّ هذه الآية الشريفة صدقت بحقّهم: «إنّما استزلّهم الشّیطان ببعض ما کسبوا».(٧)

انزلاق النّخب وسبيل العلاج
كثيرون ضربوا بالسّيف في ركب رسول الله (ص)؛ لكنّهم عجزوا عن الحفاظ على سوابقهم. وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) بحقّ أولئك الذين ضربوا بالسيف في ركب النّبي الأكرم (ص)، لكنّهم قُتلوا فيما بعد في إحدى الحروب [ضدّه]: كم أزال هذا السيف في أيام عديدة غبار الحزن عن وجه النّبي (ص). نفس ذلك السيف، كان السّيف الذي أشهر في وجه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)!(٨) ينبغي الإبقاء على السوابق. 
ليست صحيفة الأعمال الإلهيّة على هذا النّحو. لدينا فعل يحبط سائر الأعمال أيضاً؛ «أولئك حبطت أعمالهم» (٩) ماذا تعني كلمة حبطت؟ أي أنّ كلّ أعمالهم ذهبت هباء منثوراً. لا تظنّوا أنّنا إن عملنا عملاً جيّداً وخزنّاه وحفظناه، فسوف يبقى حين نرتكب عملاً سيّئاً. لا، العمل السيّء يذهب بالعمل الحسن في موازين الأعمال عند الله عزّوجل. قد يؤدّي عملٌ معيّن وحركة سيّئة إلى سلب الإنسان أساس الإيمان أيضاً. 
أنا أعرف بعض الأشخاص الذين أقدموا على فعل أعمال جيّدة لبضعة أيّام، ثمّ في لحظة غفلة ارتكبوا عملاً سيّئاً وتوقّعوا توقّعاً فائضاً عن حدّه ولم يعطوه ما كان يتمنّاه، فوقع في قلبه شرخ وابتعد عن الله عزّوجل … (١٠) 
علاج هذا الأمر هو التقوى. علينا أن نراقب أنفسنا، ونراقب من هم حولنا؛ فلتراقب النساء أزواجهنّ، والأزواج زوجاتهم، والأصدقاء المقرّبون من بعضهم بعضهم البعض؛  «وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصّبر» (١١) فلنراقب بعضنا لكي لا ننزلق. على الشعب أن يوجّه المواعظ للمسؤولين، وينصحوهم ويضمروا الخير ويطلبوه لهم. أخطار انزلاق المسؤولين أكبر على النظام، والبلد وجميع الناس. (١٢)

الهوامش:
۱) سورة الرّوم؛ الآية ١٠
٢) كلمته في خطبتي صلاة الجمعة في طهران ١٨/٥/٢٠٠١
٣) كلمته في خطبتي صلاة الجمعة في طهران ٣/٢/١٩٩٥
٤) سورة التوبة؛ الآية ٧٧
٥) سورة آل عمران؛ الآية ١٥٥
٦) كلمته في خطبتي صلاة الجمعة في طهران ١١/٩/٢٠٠٩
٧) كلمته في لقاء مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافيّة ١٣/٦/٢٠١١
٨) الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج٣، ص٨٣
٩) سورة البقرة؛ الآية ٢١٧
١٠) كلمته في لقاء مع قادة وأعضاء الحرس الثوري ١٨/٢/١٩٩١
١١) سورة العصر؛ الآية ٣
١٢) كلمته في خطبتي صلاة الجمعة في طهران ١١/٩/٢٠٠٩