الإمام الخميني أعاد الأمل للأمّة وفلسطين
انتصار الثورة الإسلامية في ايران في هذه اللحظة، أوّلاً أحيا الآمال الكبيرة جدّاً في منطقتنا، أي لدى كل شعوب المنطقة، خصوصاً لدى الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني والشعوب الموجودة هنا التي تعاني من وجود إسرائيل لأن الإمام الخميني (قدّس سرّه الشريف) كان موقفه واضحاً منذ البدايات حول اسرائيل والمشروع الصهيوني وتحرير فلسطين والوقوف إلى جانب المقاومة الفلسطينية  والشعب الفلسطيني وتحرير كامل الأرض، والموقف من أصل وجود دولة اسرائيل ككيان غاصب في المنطقة.
انتصار الثورة الإسلامية في ايران أعطى هذا الأمل الكبير بالمستقبل، وأعطى معنويّات عالية ودوافع كبيرة لكلّ المقاومين وحركات المقاومة في المنطقة، وأعاد التوازن؛ خرجت مصر لكن دخلت إيران. هذا أعاد التوازن إلى الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتالي دخلت منطقتنا ودخل مشروع المقاومة في المنطقة في مرحلة تاريخية جديدة بالكامل، وكان ذلك بداية لنهوض إسلامي ونهوض جهادي ونهوض مقاوم على مستوى العالم العربي وعلى مستوى العالم الإسلامي عند الشيعة وعند السنّة، والشعارات التي أطلقها الإمام الخميني (قدّس سرّه الشريف) في موضوع فلسطين، وفي موضوع الوحدة الإسلامية، وفي موضوع المقاومة، وفي موضوع مواجهة أمريكا، وفي موضوع الصمود والثبات، وفي موضوع ثقة الشعوب بربّها وبنفسها وإحياء الإيمان بقدرتها على المواجهة وعلى صُنع الانتصار، هذا كلّه كان له تأثيرات مباشرة على أوضاع منطقتنا.

الإمام الخميني لمؤسّسي حزب الله: واجبكم هو المقاومة ولا تنتظروا دعماً من أحد
في سنة ١٩٨٢، بالتحديد إذا أردنا شيئاً يذكّر بالأحداث في إيران، بعد تحرير مدينة خرّمشهر. الإسرائيليّون كانوا قلقين جدّاً من الحرب الإيرانيّة العراقيّة أو الحرب الصدّاميّة المفروضة على إيران. ولذلك بعد تحرير خرّمشهر، الإسرائيليّون أخذوا قرار اجتياح لبنان، وهذا طبعاً له أسبابه ويوجد ارتباط عميق بين انتصارات الجبهة في إيران وبين العدوان الإسرائيلي على لبنان. ودخلوا إلى جنوب لبنان وإلى منطقة البقاع وإلى جبل لبنان وإلى العاصمة بيروت وضواحي بيروت، إلى هذه المنطقة.
في ذلك الحين اجتمع مجموعة من العلماء والإخوة والمجاهدين وقرّروا إنشاء المقاومة الإسلاميّة، وإيجاد تشكيل إسلامي جهادي مقاوم جديد متناسب مع الوضع الجديد أو الاستحقاقات الجديدة بسبب الاجتياح الاسرائيلي. وفي ذلك الحين دخل الى لبنان، هذه المساحة الصغيرة -ليس إلى كل لبنان بل إلى ما يقارب نصف لبنان، أي ٤٠ بالمئة من مساحة لبنان- دخل مئة ألف جندي وضابط إسرائيلي، وأيضاً كانت إلى جانبهم قوات متعدّدة الجنسيّات أمريكية وفرنسيّة وبريطانيّة وإيطاليّة بحجّة الحفاظ على السّلام. وأيضاً كانت هناك ميليشيات وجماعات لبنانية لها صلة بالإسرائيليّين، وتتعاون معهم. أي أنّ الوضع كان سيّئاً جدّاً جدّاً جدّاً. هذه المجموعة من العلماء والمؤمنين والمجاهدين قرّرت أن تبدأ عملاً جهاديّاً جديداً باسم المقاومة الإسلاميّة، الذي أصبح اسمه بعد مدّة قليلة ”حزب الله“.
تزامن ذلك مع قرار سماحة الإمام الخميني (قدّس سرّه) بإرسال الحرس يعني ”سپاه پاسداران انقلاب اسلامي“، حرس الثورة الإسلامية، إلى سوريا ولبنان لمواجهة الاجتياح الإسرائيلي. طبعاً كانت النيّة في البداية أن يقاتل الحرس إلى جانب الجيش السوري والمقاومين اللبنانيين والفلسطينيّين. لكن بعد مدّة توقّف الهجوم الإسرائيلي عند حدود معيّنة ولم تعد هناك جبهة مواجهة كلاسيكيّة وأصبحت الحاجة ملحّة إلى عمل مقاوم، أي عمل شعبي.
في ذلك الحين سماحة الإمام الخميني (قدّس سرّه) بدّل المهمّة والمأموريّة من المواجهة العسكريّة المباشرة للحرس والقوات الإيرانية التي جاءت إلى سوريا ولبنان إلى مهمّة أخرى هي مساعدة الشباب اللبنانيّين وتدريبهم ليتمكّنوا هم، يعني اللبنانيّون أنفسهم، من قتال المحتلّين وتنفيذ عمليات المقاومة، هذا أوّلاً.
فأصبح دور الحرس الذي كان يتواجد في ذلك الحين في سوريا وفي منطقة البقاع اللبنانيّة -في بعلبك والهرمل وجنتا- حيث كانت هناك معسكرات تدريب، أصبح دوره استقبال الشباب اللبناني وتدريبه على أساليب القتال وتقديم الدعم اللوجستي لهم من سلاح ومهمات وتوجيه، وطبعاً نفس وجود الحرس أعطى قوّة معنويّة كبيرة للشباب اللبناني وكلّ المقاومين الذين يقفون بوجه إسرائيل.
بعد ذلك اجتمع هؤلاء الإخوة وقرّروا أن يشكّلوا كما قلنا هذا التيّار الكبير والواسع، تم انتداب مجموعة منهم، انتداب ٩ أشخاص، من بينهم كان الشهيد السيد عباس الموسوي (رضوان الله تعالى عليه)، طبعاً أنا لم أكن من بين التسعة، فأنا في ذلك الوقت كنت جدّاً صغير السّن، كان عمري حوالي الإثنين وعشرين عاماً أو ثلاثة وعشرين عاماً فقط، وهؤلاء التسعة ذهبوا إلى الجمهورية الإسلامية، في ذلك الحين التقوا بالمسؤولين وذهبوا في خدمة الإمام الخميني (قدّس سرّه). وعرضوا على الإمام أن هذه هي أوضاعنا وهذه هي أحوالنا وهذه هي نيتنا، ونحن نؤمن بإمامتك وولايتك وقيادتك، فما هو تكليفنا؟
سماحة الإمام قال أنّ واجبكم هو المقاومة وأن تواجهوا رغم إمكانيّاتكم المتواضعة وعددكم القليل، كان عدد حزب الله قليل جدّاً، إبدأوا من الصّفر، اتّكلوا على الله سبحانه وتعالى، لا تنتظروا أحداً من العالم أن يساعدكم، اعتمدوا على أنفسكم واعلموا أنّ الله سبحانه وتعالى ناصركم، وأنا أرى أنّ النصر في جبينكم. طبعاً كان أمراً عجيباً في ذلك الوقت، وهو بارك هذا المسار وهذا الخط، وهذه الجلسة التي ذهب فيها الإخوة إلى خدمة الإمام كانت الخطوة التأسيسيّة لبدء مسيرة حزب الله في لبنان، وأصبحت حركتنا تحمل هذا الإسم المبارك.

الإمام الخميني عن الاستشهاديّين: هؤلاء هم أهل العرفان الحقيقي!
أنا أذكر من جملة الأمور الجميلة في موضوع الاستشهاديّين، تعرفون أنّ التجربة الأولى للعمل الاستشهادي كانت في لبنان، والإخوة هم الذين قاموا بذلك، وقبل أن يُنشر [ذلك] في وسائل الإعلام، أرسل الإخوة مقطع فيديو في ذلك الوقت [يتضمّن] وصايا للاستشهاديّين الذين نفّذوا عمليّات استشهاديّة كبيرة في لبنان زلزلت الاحتلال وقوات الاحتلال، وقُدّم هذا الفيديو لسماحة الإمام وشاهده وعقّب عليه، طبعاً الوصايا جميلة جدّاً وفيها الكثير من الإيمان والمعرفة والعشق والشّوق، قال الإمام (رضوان الله عليه): "هؤلاء الشباب.."، فكلّهم كانوا من الشباب، قال: "هؤلاء هم أهل العرفان الحقيقي". وكان متأثّراً جدّاً من وصايا هؤلاء الشّهداء.

آخر لقاء مع الإمام …
إلى اليوم الأخير من حياته الشّريفة والكريمة كان دعمه لحزب الله في لبنان ومواكبته وحمايته وعنايته كبيرة جدّاً. قبل وفاته بشهرين أو أقل، وكان الإمام مريضاً جدّاً، وقلّما ما يلتقي بالمسؤولين، طبعاً بالمسؤولين من خارج إيران في الحدّ الأدنى، ذهبت أنا إلى إيران، وكنت في ذلك الوقت قد أصبحت عضواً في شورى حزب الله، ومسؤولاً تنفيذيّاً لحزب الله، فذهبت والتقيت مع سماحة السيد القائد، ومع سماحة الشيخ هاشمي [رفسنجاني] (رحمه الله)، ومع المسؤولين الآخرين، وقلت: أنا أريد أن ألتقي بسماحة الإمام، وقالوا أنّ الإمام لا يستقبل أحداً وهو مريض جدّاً. فأنا قلت: نحاول، فقالوا: لا مشكلة. فذهبت إلى مكتب الإمام وطلبت موعداً، وكان في ذلك الوقت صديقنا في بيت الإمام الذي يعتني باللبنانيّين كثيراً، كان سماحة الشيخ رحيميان (حفظه الله)، وهو نقل للمرحوم السيد أحمد (رحمة الله عليه)، وفي اليوم الثاني قالوا: تعال. وطبعاً كلّنا تفاجئنا، وذهبت للقاء الإمام (رضوان الله تعالى عليه) ولم يكن هناك أحد. أي أنّه حتى المرحوم السيّد أحمد لم يكن موجوداً، ولم يكن هناك أحد من الجهات المعنيّة، على سبيل المثال وزارة الخارجيّة وحرس الثورة عادةً كانوا يتواجدون معنا في اللقاءات. حتّى سماحة الشيخ رحيميان أدخلني إلى الغرفة عند الإمام وخرج، وبقيت وحدي. طبعاً تهيّبت الموقف كثيراً، والإمام كان يجلس على الكنبة العالية وأنا جلست على الأرض. لكن من شدّة التهيّب كان صوتي لا يخرج، فالإمام قال لي: اقترب. فجلست في جوار الإمام وتحدّثت معه وكان معي رسالة أعطيتها لسماحته وهو أجابني على المطلب الأساسي الذي كنت أنقله إلى سماحته وهو يرتبط ببعض التطوّرات والأحداث في ذلك الحين في لبنان، وبابتسامة كبيرة قال لي: قل لكلّ الإخوة لا تقلقوا، أنا معكم والإخوة في الجمهوريّة الإسلاميّة كلّهم معكم، ونحن سنقف دائماً إلى جانبكم. هذا كان آخر لقاء مع سماحة الإمام.

مرحلة ما بعد رحيل الإمام …
كما تعرفون أنه في حياة الإمام رضوان الله عليه، الحزب اللهيّون في لبنان والمقاومون كانت علاقتهم بالإمام من الناحية الفكرية والثقافية كبيرة جدّاً، لكن من الناحية العاطفية كانوا شديدي التعلّق بالإمام، أي أنّهم كانوا بالفعل عشّاقاً للإمام، مثل كثير من الايرانيين، مثل شبابكم الذين كانوا يقاتلون في الجبهات. كانوا ينظرون إلى الإمام كإمام وقائد ومرشد ومرجع تقليد وأب كبير لهم. وأنا لا أذكر عشقاً لشخص كهذا العشق الذي كان من هؤلاء الناس والشباب في لبنان لسماحة الإمام (رضوان الله تعالى عليه). فلذلك رحيل الإمام في ذلك اليوم ترك حزناً شديداً جدّاً لا يقل عن حزن الايرانيين. هذا في المجال العاطفي. لكن في المجال الآخر كان هناك قلق، تعرف أن الإعلام الغربي كان دائماً يتحدّث عن ما بعد الإمام الخميني، ويقولون المشكلة هي هذا الرّجل، فإذا مات ورحل عن الدّنيا ستنقسم إيران، وستدخل إيران في الحرب الأهليّة، وسيكون هناك صراع شديد في ايران، وليس لديهم بدائل للقيادة و…. كانت حرب نفسية كبيرة في السنوات الأخيرة، خصوصاً السنة الأخيرة من حياة الإمام رضوان الله تعالى عليه, وخصوصاً بعد القضايا الداخلية التي حصلت عندكم، في موضوع عزل الشيخ المنتظري والمسائل الأخرى. فهنا كان يوجد أيضاً قلق وترقّب، وكان يُقال لنا أن الجمهورية الإسلامية التي تستندون إليها وتعتمدون عليها وتؤمنون بها سوف تبدأ بالسقوط والانهيار بعد رحيل الإمام (رضوان الله تعالى عليه). هذا أيضاً الأمر الثاني.
الأمر الثالث، بمعزل عن الحرب النفسية هناك عدم وضوح، أي أننا هنا في لبنان لم نكن نعرف بعد رحيل الإمام إلى أين يمكن أن تذهب الأمور وماذا يمكن أن يحصل؟ أيضاً من هذه الجهة كنا قلقين. عندما شاهدنا على شاشات التلفزة اليوم الأوّل واليوم الثاني وتماسك إيران والأمن القوي في إيران، الهدوء يعني، وحضور الشعب الإيراني في تشييع الإمام (رضوان الله تعالى عليه)، بدأنا نطمئن إلى أن إيران ليست ذاهبة إلى الانقسام وإلى الحرب الأهليّة، وأنّه في نهاية المطاف سيتمكّن الإيرانيّون من انتخاب القائد المناسب في مناخ معقول وجيّد. وكنّا ننتظر مجلس الخبراء كما ينتظره كلّ الإيرانيّين. انتخاب سماحة السيد القائد (حفظه الله) بالنسبة للبنانيّين، طبعاً بكل صراحة لم يكن مُتوقّعاً، نحن لم نكن نعرف بشكل جيّد الشخصيات الايرانية وأنه هل يوجد أكفأ من سماحة السيد القائد أو أعلم أو أخبر، نحن كنا نعرف بشكل أساسي المسؤولين الذين كنّا نتواصل معهم. لكن إعلان انتخاب سماحة السيد القائد لهذه المسؤولية أدخل الاطمئنان والسعادة والهدوء إلى قلوبنا بشكل مفاجئ جدّاً وغير عادي. أستطيع أن أقول في تلك الساعة كل ما كان من قلق أو اضطراب أو غموض فيما يتعلق بالمستقبل أو خوف، كلّه زال. ودخلت إلى قلوب الجميع طمأنينة عجيبة غريبة. وأنا أعتقد طبعاً أن هذا من إرادة الله سبحانه وتعالى، ومن فضل الله سبحانه وتعالى، أنّ الله سبحانه وتعالى أدخل إلى قلوب كل المؤمنين بهذه المسيرة هذا الهدوء وهذه الطمأنينة وهذه السعادة وهذه الثقة. وطبعاً من الساعات الأولى هنا من العلماء والتجمّعات وحزب الله أرسلوا برقيّات التأييد والمبايعة لسماحة السيد القائد، قائداً للأمّة الإسلامية، قائداً للمسلمين وإماماً للمسلمين. لأنّ مجلس الخبراء لم ينتخبه بهذا العنوان، بل انتخبه بعنوان قائد الجمهورية الإسلامية في إيران، رهبر جمهوري اسلامي ايران. لكن المؤمنون خارج إيران كلهم سارعوا إلى إرسال برقيات البيعة لسماحة السيد القائد كإمام للمسلمين، ووليّ لأمر المسلمين وقائد للأمة، كما كانت الحال مع سماحة الامام الخميني (قدّس سرّه الشريف).