كلَّ عام، كنّا كلّما نقترب من أيام أربعين الإمام الحسين – عليه السّلام –، تضجّ أصوات النّداءات لشدّ الرحال إلى كربلاء الحسين – عليه السّلام –، وينشغل المشتاقون في تجهيز مقدّمات السفر. تخفق القلوب شوقاً للزيارة أكثر من قبل، وتنتظر لحظة الوصال. لكنْ هذه السّنة التكليفُ هو البقاء والعمل بالتوصيات الصحّية في هذه السنة، اتّسعت دائرة المتحسّرين من الفراق وغير القادرين على السّفر. لذلك، تفضّل الإمام الخامنئي قائلاً بشأن يوم الأربعين: «ليجلس الناس جميعاً في البيوت، وليقرؤوا زيارة ’الأربعين‘ بتوجّهٍ وحضور قلب، وليشكوا للإمام الحسين – عليه السلام».
فيما يلي نضع بين أيديكم مقطعاً من كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع جمع من زائري كربلاء الذين وفقوا بزيارة سيدالشهداء في السنوات الأولى لفتح طريق كربلاء أمام الزائرين الإيرانيين بعد عشرين سنة من إغلاقه في زمن نظام صدّام حسين.

كربلاء قِبلة القلوب 
كربلاء قِبلة القلوب. تلك البقعة التي كان يُتصوّر يوماً ما أنه دُفن فيها كلّ شيء، الأصالة والحقائق والقيم، وانتهت فيها جميع مظاهر الإسلام الصّافي وقُضي عليها، أنظروا اليوم كيف تجذب إليها قلوب النّاس من كل أنحاء العالم! ليس من منطلق الإيمان والقناعة فقط، وإنما من منطلق العشق. من إيران، من السعودية، من الهند، من مختلف أقطار العالم؛ إنّما يحمل الاشتياقُ الناسَ إلى كربلاء. إذاً، بات من الواضح أنّ أيادي أهل الدنيا الماديّة لا يمكنها في أيّ وقتٍ أن تدفن الأصالة والحقائق. إنْ كان بعض الناس ضعيفين وغير جديرين، وجرت عملية الإخفاء والكتمان أمام أعينهم، فسيدفعون الثّمن لغياب حميّتهم ولضعف همّتهم. لكن الله جلّ وعلا سيُحرّك أناساً يُحسنون الاستفادة من هذه الأصالة والحقائق.

كلّما مضى الزمان، ازدادت هذه الدّائرة اتساعاً 
منذ الزّمن الذي وقعت فيه حادثة كربلاء إلى الزّمن الذي بات فيه الناس يذهبون لزيارتها زُرافات وهذه الدائرة تزداد اتساعاً، على خلاف الوضع الطبيعي في العالم. مثلاً عندما نرمي حجراً في الماء، تولد أمواجٌ. في البداية، يُولّد دائرة في محيطه، ثم مع مرور الزمن تضعف هذه الدائرة وتضعف حتى تتلاشى. في حادثة كربلاء، جرى العكس، أي أن دائرة الموجة التي ولّدتها كربلاء كانت تزداد اتساعاً وعلوّاً وظهوراً وبقاء وإنتاجاً وتحريكاً. اليوم يُوجد موانعُ أيضاً. فهناك خَلَفٌ للخليفة المتوكّل العباسي لا يستطيعون أن يتحمّلوا! خلال هذه السنوات الأخيرة كم مرّة حتى الآن اعترضوا طريق المواكب التي كانت تأتي في «الأربعين» من مختلف مناطق العراق إلى كربلاء! لقد قدّمت العشائر الغيورة والمؤمنة في العراق امتحانات دامية على هذا الطريق.

محبّة تزداد توهّجاً يوماً بعد يوم 
أيضاً قبل أربع سنوات من ذلك أو خمسٍ كان لدينا نموذج مشابه. لو كان الطريق مفتوحاً، لعُرف عندئذ أين تكمن هذه الأشواق أكثر، وكم مراكز هذا العشق والحماسة والمحبّة مستولية على القلوب ومتجذّرة فيها بعمق! فالحبّ والعشق ناران مُحرِقتان. الكثير من أنواع الحبّ مثل الخشبة اليابسة، عندما توضع فوق النّار سرعان ما تشتعل، لكن ليس لها قابليّة البقاء، فهي سطحية. لكنّ هذا النّوع من المحبّة هو معنويّ، ويزداد مع مرور الزمن توهّجاً. أساساً لا ينطفئ ولا يضعف، والسرّ في هذا هو العامل المعنويّ.

الشهداء كانوا يشتاقون للزيارة أيضاً
هنيئاً للأشخاص الذين يملكون شرارة من هذه الشّعلة في قلوبهم. طبعاً مئات آلاف الشّهداء من شبابنا المؤمنين والمفعمين بالحماسة كانوا يحملون هذه الشرارة، لكنّهم استشهدوا ولم يستطيعوا [زيارة كربلاء]. اليوم هناك كثيرون بين جرحى الحرب وعائلات الشهداء وأُسرهم ممّن لا يملكون الإمكانات والقدرة على الذّهاب. بحمد الله، أنتم ذهبتم عبر الطريق الصّحيح والمشروع، وقد تفضّل الله عليكم بهذا التّوفيق. أشكروا الله على هذه النّعمة، واعلموا أن هناك الكثير من القلوب التي تتمنّى وتتحسّر لرؤية تلك المشاهد والمقامات التي زرتُموها. نسأل الله أن يتقبّل منكم وأن يوفّقكم... ونتمنّى منه أن يوفّقكم للزيارة مرّة أخرى، بل مرّات ومرّات. وفّقكم الله جميعاً