حضرة جنابكم بصفتكم أحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية، كيف تشرحون موقف الجمهورية الإسلامية الحازم من الحظر لرؤساء ومسؤولي وزارات خارجية الدول الأخرى؟
يقوم الاتفاق النووي على ركيزتين، أحدهما نشاطات إيران النووية، التي حصلت على مدى فترة محددة من الزمن، والأخرى هي الحظر ضد إيران الذي يجب على الطرف الآخر رفعه. بطبيعة الحال، إذا لم تكن أي من هاتين القاعدتين موجودة، فإن الاتفاق يفقد موضوعيته. عندما نقول رفع الحظر، فإننا نعني جميع الحظر الذي تم إقراره في الاتفاق والذي أعيد فرضه بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق، وكذلك الحظر الذي تم فرضه أخيراً تحت مسميات أخرى. هذا الموقف منطقي تماماً. ما نفعله الآن من تقليل التزاماتنا هو رد فعل على ما فعلته أمريكا.

ذكرتم في حديثكم موارد الحظر ذات المسميات الجديدة التي تم فرضها على الشعب الإيراني. ما هي هذه الموارد من الحظر؟ ما هو الحظر المتعلق بالملف النووي والحظر بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي؟ قال قائد الثورة الإسلامية أنه إذا أراد الأمريكيون العودة إلى الاتفاق دون رفع الحظر، فقد يضر ذلك بنا. اشرحوا لنا هذا أيضاً.
إن الحل الذي لا يتضمن رفع الحظر لا قيمة له على الإطلاق بالنسبة لنا سواء عادت إليه أمريكا أو لم تعد. بطبيعة الحال، إذا أرادت أمريكا أن تصبح عضواً في الاتفاق النووي مرة أخرى، فيجب أن تفي تلك العضوية بجميع التزاماتها، أي أنّ عضويتها تكون ذات معنى، إذا أوفت بالتزاماتها كعضو. إذا كانت تنوي العودة ولم تفي بالتزاماتها، فمن وجهة نظرنا، هي في الأساس لم تعد ولم تتحقق عضويتها. يشمل رفع الحظر أولاً جميع الحظر الذي كان مقرراً في الاتفاق والذي كان يجب أن ترفعه أمريكا، وثانياً الحظر الذي فُرض بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق، وثالثاً الحظر الذي حاولوا تغيير اسمه واعطائه شكلاً جديداً عبر حيلٍ قانونية. حاولوا إعطاء مسميات جديدة على بعض موارد الحظر والتي لا علاقة له بالملف النووي، ولكنها لأسباب أخرى، ونحن لا نقبلها، لذلك، فإن معيارنا واضح جداً ويجب أن تعود حالة الحظر تماماً إلى يناير/كانون الثاني 2017، أي أن أي حظر لم يكن موجود في ذلك التاريخ يجب ألا يكون موجود الآن. هذا المعيار واضح تماماً. إذا حصل هذا، بعد التحقق منه، ستعود الجمهورية الإسلامية إلى التزاماتها.

في مرحلة ما، رفعت أمريكا الحظر مؤقتاً، لكنها انتهكت المعاهدة ثم ضاعفت الحظر. ماذا يمكننا أن نفعل إذا أردنا إجراء التحقق من صحة رفع الحظر؟
للتحقق من ذلك، يجب أن يُنظر إلى تأثير رفع الحظر فعلياً. ما يهمنا هو تأثير رفع الحظر، وليس بالضرورة رفع الحظر. إن رفع الحظر توقيع على الورق، لكن أثر رفع الحظر يحدث على أرض الواقع. لا يهمنا أن توقع أمريكا على أنه يمكن لإيران بيع النفط، أو رفع أو تعليق حظرها على النفط الإيراني، ولكن من المهم أن يتم بيع نفطنا وأن يتم حل مشاكل النقل والتأمين وجميع القضايا الجانبية. في الواقع، أن يصل نفطنا إلى المشتري وأن يصل إلينا ثمنه عن طريق البنك. يجب إثبات تأثير رفع الحظر في الممارسة العملية. كما أن لبعض الحظر آثار فورية في الممارسة العملية. على سبيل المثال، تتم المعاملات المصرفية بسرعة. إذا كان الأمر كذلك، فيتبين أن الحظر قد رُفع، لكن بعض موارد الحظر تستغرق وقتاً أطول قليلاً. لنفترض أنه إذا تم رفع حظر الاستثمار في إيران، فسيتم معرفة تأثيره عندما تأتي شركة أجنبية مهتمة بالاستثمار في إيران إلى البلاد وتبدأ عملها. عادةً ما يكون لدى الشركات دراسات عن الاستثمار وعليهم الدراسة لبضعة أشهر والعثور على شريك إيراني والتوصل إلى اتفاق وعقد ثم يتم تحويل رأس مالهم.

لقد ذكرتم أن ما يحدث عملياً هو المهم بالنسبة لنا، لكن الأمريكيين، حتى في إدارة أوباما، أظهروا عدم التزام بجسم وروح الاتفاق. أي على الرغم من أنه كان لديهم سلسلة من الإجراءات الرسمية أو المؤقتة، إلا أنهم حاولوا في نفس الوقت تعطيل استثمار الشركات الاقتصادية في إيران وإخافة الشركات الأوروبية. ما رأيكم بهذا الموضوع؟
الأمريكيون صاروا مدمنين على الحظر. صار الحظر أداتهم الرئيسية في العلاقات العالمية. إنها ليست فقط ضد إيران، بل هي ضد الجميع. الحظر أداة في يد السياسة الخارجية الأمريكية من أجل تحقيق أهدافها. وافق الأمريكيون في الاتفاق على رفع العديد من موارد الحظر. لكن من الناحية العملية، بدأ الأمريكيون سلسلة من الأعمال التخريبية التي تقلل من مزايا انتفاع إيران من الاتفاق قدر الإمكان. حدث هذا حتى في عهد أوباما. فرض التأشيرات على المسافرين إلى إيران، وهذا يعني أن عدداً من الدول لديها اتفاقيات مع أمريكا، والتي أعتقد أن مواطنيها يمكنهم السفر لمدة تصل إلى تسعين يوماً بدون تأشيرة. أقر الكونغرس قانوناً يفيد بأنه إذا ذهب شخص ما إلى إيران، فلن يتمتع بهذه الميزة ويجب أن يحصل على تأشيرة للعودة إلى أمريكا. لم تكن هذه العقوبات ضد إيران في ظاهرها، لكنها كانت تهدف إلى تخويف أولئك الذين يريدون القدوم إلى إيران من أجل التعاون الاقتصادي والتجاري، فصاروا يخشون من أنهم عندما يأتون إلى إيران ثم يذهبون إلى أمريكا، لن يتم منحهم تأشيرات دخول. كان هذا في الواقع عملاً تخريبياً وحظراً مخفيّاً يتعارض مع روح الاتفاق النووي.

في الآونة الأخيرة، اتخذ كل من البرلمان والحكومة خطوات لتقليص بعض التزامات الجمهورية الإسلامية. ومن القضايا التي ذكرها قائد الثورة الإسلامية موضوع "الالتزام مقابل الالتزام" والإجراءات المتقابلة. برأيكم، كيف يمكن لهذه الإجراءات أن تصبّ في مصلحتنا الوطنية؟
إن تخفيض الالتزامات هو عين المصلحة الوطنية. مصلحتنا الوطنية تقتضي أن نفعل ذلك. عندما انسحبت أمريكا من الاتفاق النووي وأعادت فرض الحظر، بناءً على بعض الأسباب انتظرنا لمدة سنة وأعطينا بقية أعضاء الاتفاق النووي فرصةً للوفاء بوعودهم لتعويض غياب أمريكا عن الاتفاق النووي كما يزعمون، لكنهم فشلوا في الحلول العملية التي وعدوا بها. لذلك، إن مصلحتنا الوطنية تقتضي منا تقليص التزاماتنا في مواجهة عودة الحظر. بالنسبة لنا، فإن ضمان تنفيذ الاتفاق النووي هو أنه كلما شعرنا أن الطرف الآخر لا يقوم بواجباته والتزاماته، فإننا أيضاً سنضع التزاماتنا جانباً.
تمنحنا المادة 36 من الاتفاق النووي حق تقليص التزاماتنا كلياً أو جزئياً. استخدمنا هذه الآلية أيضاً وقررنا تقليل التزاماتنا خطوة بخطوة، وفي خمس خطوات، فعلنا ذلك عدا مسألة الرقابة. أي أنه في الأمور التنفيذية، وضعنا جانباً جميع التزاماتنا في مجال التخصيب، وما إلى ذلك، وبقي فقط الجزء المرتبط بالتزاماتنا الرقابية، 
ووفق قانون مجلس الشورى الإسلامي أيضاً، والذي سيتأثر إذا لم يتم استيفاء متطلبات القانون. لذلك في رأيي، كان هذا عين المصلحة الوطنية وينبغي القيام به. الآن وبعد أن أصبحت أمريكا على استعداد للعودة إلى الاتفاق النووي، إذا لم نكن قد قمنا بذلك، فسنكون بالتأكيد في موقف صعب للغاية، وستظل أمريكا على موقفها وتطمح إلى المزيد.

هل تقصدون من عودة أمريكا، العودة إلى الاتفاق النووي مع رفع الحظر؟
انظروا، عندما نقول عودة أمريكا، يعني العودة إلى  العمل بالالتزامات في الاتفاق النووي. إن عودة أمريكا دون رفع الحظر ليس لها معنى على الإطلاق. يظن البعض أننا نبحث عن عودة أمريكا دون رفع الحظر، لا يمكن تصور ذلك على الإطلاق. تصبح عودة أمريكا ذات معنى، عندما تفي بالتزاماتها في الاتفاق النووي. هذه الالتزامات هي رفع الحظر ويتوجب عليها أن تفي بها.

 قد يرغب الأمريكيون في اتخاذ إجراءات شكلية. على سبيل المثال، يرفعون الحظر عن بعض الأشخاص ويقولون إننا رفعنا الحظر أو إعادة بعض الامتيازات المالية للجمهورية الإسلامية ليعتقد البعض أنه تم رفع الحظر. هل تتصور حصول مثل هذا الاحتمال؟ 
 إنه أمر ممكن. على حد علمنا، لم تصل أمريكا بعد إلى سياسة جديدة تجاه إيران ولم تتخذ موقفاً. الرئيس بايدن، الذي تحدث عن إيران في وزارة الخارجية الأسبوع الماضي، لم يقل شيئ. لذلك، يبدو أنهم لم يخلصوا إلى كيفية تصرّفهم بعد.

نظراً إلى تجربة نكث العهود من قبل أمريكا، وعدم التزام الأوروبيين، تم إلحاق أضرار بالجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني خلال هذه المدّة. أساساً، ما هي خطة وزارة الخارجية ومنهجيتها في المطالبة بهذه الأضرار؟
ستكون قضية الأضرار المتعلقة بالاتفاق النووي قضية أساسيّة في المفاوضات المستقبلية. تم كتابة الخطة لأوّل مرة من قبل وزارة الخارجية، وتم إرسالها إلى كبار المسؤولين. وقد أشار قائد الثورة الإسلامية إلى هذا الموضوع في خطابه وقال إن موضوع الأضرار سيكون موضوعاً أساسيّاً في مفاوضاتنا المستقبلية. هذه ليست مزحة فقد تكبدنا خسائر فادحة في اقتصادنا نتيجة انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي. كان لسياسة الضغط الأقصى تكاليفها علينا، تكبدنا هذه التكاليف وأفشلنا هذه السياسية، ولكن هذه التكاليف يجب أن تُعوّض. بالطبع، هذا ليس شرطاً مسبقاً لرفع الحظر.

إحدى النقاط التي ذَكَرتَها في خطابك، أنه ينبغي أن تكون سياساتنا المبدئية إبطال وتحييد أثر الحظر. وقد أكّد قائد الثورة الإسلامية أن لهذه السياسة الأسبقية على موضوع رفع الخظر، لأن تحييد الحظر وإبطال مفاعليه بأيدينا، ورفع الحظر بيد الآخرين. برأيكم، ما هي الإجراءات التي يجب أن نتخذها لإعطاء الأولوية لهذه السياسة؟
نحن في وزارة الخارجية نتحمل مسؤولية متابعة سياسة رفع الحظر. ولكن كما قال سماحته مرات عديدة، يجب أن يصل اقتصادنا إلى نقطة يستطيع فيها تحمل أي ضغط خارجي. أي كجسم قوي يقاوم أي ضربة من الخارج دون أن يقع أرضاً. اقتصاد مقاوم في مواجهة الضغوط الخارجية، بما في ذلك الحظر والأزمات المالية الدولية. في رأيي، يتم إبطال مفاعيل الحظر بطريقين. بالطبع، ليس هذا من واجب وزارة الخارجية فحسب بل هو واجب النظام ككل. الأول هو استخدام القدرات الداخلية للبلاد وتعزيزها والعمل على ازدهارها. اسمحوا لي أن أقدم لكم مثالاً. لدينا مشروع مع العراق ونزوده بالكهرباء. عندما فُرض الحظر الأمريكي، توصل الأمريكيون إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن إيقافه واضطروا إلى استبعاد صادرات الكهرباء الإيرانية إلى العراق. مثال آخر هو ميناء تشابهار (چابهار). اضطر الأمريكيون إلى إعفاء مشروع تشابهار من الحظر بسبب الاستثمار الهندي. يجب أن نستفيد من مزايانا في الترانزيت والطاقة والمزايا الجغرافية ونعمل على إقامة روابط اقتصادية قوية في المنطقة.

خلال هذه السنوات التي كنت حاضراً فيها في المفاوضات وأعلى السطوح الدبلوماسية، كان من الطبيعي أن تكون لديك زيارات وجلسات مع قائد الثورة الإسلامية. إذا كانت لديكم خاطرة أو سرد لوصيّة له حول موضوع التفاوض والتعامل مع العالم، يرجى التفضل بها.
إن أهم وأروع ذكرياتي هي الدعم الذي قدّمه قائد الثورة الإسلامية طوال فترة المفاوضات. لم يكن متفائلاً قط بالمفاوضات ونوايا الأطراف الأخرى، قال لنا، من اليوم الأول وإلى اليوم الأخير، إنه غير متفائل. طبعاً، تبيّن أنه كان على حق، واتضح هذا الأمر في كافّة الجوانب. نحن أيضاً، وبناءً على أوامر قائد الثورة، تفاوضنا على أساس عدم التفاؤل. كانت نصيحته لنا دائماً هي التفاوض بتشاؤم وعدم ثقة في الطرف الآخر.