لماذا الغربيون، وتحديداً الحكومة الامريكية، ملزمون برفع كافّة أنواع الحظر عن الشعب الايراني؟ ولماذا يُعتبر رفع الحظر أولوية على عودة أمريكا إلى الإتفاق النووي؟
بعد خروج الأمريكيين من الإتفاق النووي، أعادوا تفعيل كافّة أنواع الحظر السابقة، كما زادو من حدّة الحظر بعناويين جديدة. لذلك، فإن مُجرّد عودة أمريكا إلى الإتفاق النووي غير كافية في الظروف الراهنة. لأنّه أثناء التفاوض على الإتفاق النووي كان هناك نوع آخر من أنواع الحظر، وتم شرح رفع هذا الحظر في الإتفاق النووي؛ أي أن هدف الإتفاق النووي هو رفع هذا الحظر. اليوم، من أجل توفير تلك الظروف، لا يكفي أن تعود أمريكا للاتفاق النووي فحسب، بل عليها أن ترفع الحظر، لا أن تقول، على سبيل المثال، إنني أقوم بتنفيذ نفس كلمات الإتفاق النووي. حاول ترامب خلال هذه السنوات الأربع، تفريغ الإتفاق النووي من مضمونه وفرض أنواع جديدة من الحظر تظلّ سارية المفعول إذا عادت أمريكا إلى الإتفاق النووي. على سبيل المثال، غيّروا عنوان الحظر على البنك المركزي ووزارة النفط من الحظر تحت الشعار النووي إلى الحظر تحت شعار الإرهاب. قاموا بتغيير العناوين وطريقة فرض الحظر.
رُغم أنّ أوباما لم يؤدِ واجباته على قدر كبير من الالتزام، لكن هدف ترامب، على مدى السنوات الأربع الماضية، كان تدمير الإتفاق النووي. يجب على أمريكا أولاً أن تفي بالتزاماتها، ثم تصبح قضية عودة أمريكا إلى الإتفاق النووي قضية ثانوية. القضية الرئيسية هي أن تصبح علاقاتنا الاقتصادية مع الدول طبيعيّة. إذا نظرت إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، ستجد أن الالتزام كان في الواقع بتطبيع العلاقات الاقتصادية الإيرانية مع العالم، والتي أصبحت غير عادية دون أي منطق قانوني وبسبب الحظر الذي فرضته أمريكا والاتحاد الأوروبي وبسبب تبعية الكثيرين لأمريكا، وقد استمرّ هذا الوضع في هذه السنوات الأربع مع ضغوط ترامب.
يتعيّن على أمريكا وأوروبا اتخاذ عدد من الخطوات العملية لرفع الحظر. ما هي هذه الإجراءات؟ ما الضرر الذي لحق بنا منذ انسحاب أمريكا من الإتفاق النووي، وكيف يمكن تعويض هذه الأضرار؟
إن الخطوات العمليّة هي أن تصبح علاقات إيران الاقتصادية مع العالم طبيعيّة. أي حل ومعالجة جميع الإجراءات التي اتخذتها أمريكا والتي حدّت من العلاقات الاقتصادية مع إيران. لا علاقة لنا بأمريكا.
لكن إذا أردنا الخوض في التفاصيل، فعليهم إزالة القيود التي فرضوها على بيع النفط الإيراني. النفط الإيراني له زبائنه، لكن الأمريكيين استخدموا القوة والضغط لمنع العملاء من شراء النفط الإيراني. حسنًا، هذا أيضاً يجب أن يتوقّف. يجب أن تعود علاقاتنا المصرفية إلى طبيعتها. يجب تنفيذ العقود التي أبرمناها مع مختلف الشركات. يجب أن تعود الجوانب المختلفة للوساطة المصرفية لدينا إلى حالتها الأولى. يجب أن يتراجعوا عن المشاكل التي أوجدوها لوسائل النقل وللتأمين.
وبعبارة أخرى، فإن ما ورد في الملحق الثاني من الإتفاق النووي يؤكد تبعات الإجراءات. ليس فقط أن يوقّع الرئيس بايدن نصّاً. التوقيع شرط ضروري، لكنه غير كاف. يجب أن نرى آثار وتبعات الإجراءات الأمريكية. وقد تم الإشارة والتأكيد عليها في الإتفاق النووي، وفي التزامات الاتحاد الأوروبي والتزامات أمريكا. ما قلناه للأوروبيين في السنوات الأربع الماضية، هو أنه صحيح أنّكم وقعتم على سلسلة من القرارات ورُفعت سلسلة إجراءات من الحظر، لكن الشعب الإيراني لا يرى أي أثر لذلك. يرى الشعب الإيراني الآن أن الشركات الأوروبية قد غادرت إيران. هذه هي الآثار التي يجب أن نراها!
وبشأن الأضرار أيضاً، أشار قائد الثورة الإسلامية سواءً في كلامه معنا، أو وفي خطابه العلني أن موضوع الأضرار هو أحد الموضوعات التي يجب مناقشتها في الخطوات المقبلة. يجب أن يكون واضحًا حقّاً أن الإتفاق النووي ليس مثل الباب الدوار الذي تدخله من جانب وتخرج من الجانب الآخر. في النهاية هناك قواعد للعلاقات الدولية. لقد تسبّبت التصرفات الأمريكية في إلحاق الضرر بالشعب الإيراني، وبالتأكيد في المراحل التالية من القضايا التي نبحثها، هناك بعض التجاوزات التي قد يرتكبونها، فضلاً عن منع تكرار الإجراءات التي قامت بها أمريكا. يجب ألا ننسى أن خمسين شركة صينية قد فرض عليها ترامب الحظر في السنوات الأربع الماضية، فقد تضرّر شركاؤنا وعانوا. يجب أيضًا تعويض هذه الخسائر.
قضيّة أخرى في تصريحات قائد الثورة الإسلاميّة وسائر المسؤولين، هو موضوع الالتزامات المتبادلة. ما هو تحليلكم للقانون الذي اتخذه مجلس الشورى الإسلامي والإجراءات الحكومية الأخيرة؟ ما هي خطط وزارة الخارجية والحكومة لإعادة الالتزامات فيما يخصّ الإتفاق النووي؟
لقد سلكنا اتجاه بعد انسحاب أمريكا من الإتفاق النووي، وانتهينا من جولتين من هذه العملية. في كانون الأول/ديسمبر 2018 وجّهنا رسالة إلى الأوروبيين قلنا فيها أننا أعطيناكم فترتين حتى الآن (من أيار/مايو 2018 إلى كانون الأول/ديسمبر 2018، أكثر من ستة أشهر). إذا لم تجدوا طريقاً الآن، فسنبدأ في ممارسة حقوقنا في المادة 36. كان لديهم مهلة ستة أشهر أخرى حتى أيار/مايو 2019، عندما بدأنا ونفذنا أعمالنا على خمس مراحل. خطّطنا ونفّذنا هذه المراحل الخمس بالتنسيق مع هيئة الرقابة العليا على الإتفاق النووي والتي تم تفعيلها بأمر من قائد الثورة الإسلاميّة بعد توقيع الإتفاق النووي، وفي المرحلة الخامسة قد أعلنا أننا لا نقبل أي قيود أخرى سوى رقابة وكالة الطاقة الذريّة.
لم يقتصر الأمر على أنهم لم يفوا بوعدهم، بل انتهكوه أيضاً. بالطبع، قلنا دائماً أنه يمكننا الوفاء بإلتزاماتنا إذا ما التزم الطرف الآخر بتعهداته، نظراً لأننا دولة تحكمها سيادة القانون. لذلك، بدأ هذا العمل في أيّار/مايو 2019 واستمر على خمس مراحل. كانت المرحلة الأخيرة في بداية العام 2020، وأعلنّا رسمياً لأعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية أننا لم نعد ملزمين بقيودنا النووية؛ أي أنّه كان بإمكاننا التخصيب بنسبة 20% منذ ذلك الحين، وكان بإمكاننا فعل ذلك، وقد تم إجراء هذا الامر بعد وقت قصير جدّاً من موافقة مجلس الشورى الإسلامي.
إحدى النقاط في كلام قائد الثورة الإسلاميّة هي "الالتزام مقابل الالتزام". تمت الإشارة إلى التزامات الأطراف، ولكن ما هي خارطة الطريق لدينا إزاء الالتزام والتعهد المحتمل؟
كما أشرت، القرارت والتوجيهات العامة والخاصة لقائد الثورة هي إحداها. لذلك، تلقينا تعليمات من قبل، وبناء على توجيهاته نفذنا سياسة البيان مقابل البيان والتوقيع مقابل التوقيع والتنفيذ مقابل التنفيذ. إذا كانوا يريدون العودة إلى الإتفاق النووي والوفاء بالتزاماتهم، فسنفي بالتزاماتنا. إذا وقع الرئيس بايدن على الأمر التنفيذي، فسنقوم بذلك. في أي وقت يبدأون التنفيذ، فإننا ننفّذ أيضاً. هذه خطوات مُحدّدة بوضوح وليست لفظيّة وشكليّة فقط. أمريكا هي التي خرجت وعليها أن تفي بالتزاماتها. وكما قال قائد الثورة الإسلاميّة، فإن العودة إلى الإتفاق النووي ليست هي المبدأ، بل المبدأ هو الوفاء بالتزامات.
اسمحوا لي أن أوضح نقطة أخرى؛ في السنوات الأربع الماضية، ثبت مرّة أخرى أن الضغط على إيران لا يجدي نفعاً. لقد اعتقد الأمريكيون أن الضغط على إيران في الماضي لم يكن كافياً ومارسوا أقصى قدر من الضغط عليها. ظنّوا أنهم سيصلون إلى نتيجة إذا مارسوا الضغط الأقصى. إذا كنت تذكر، في أيار/مايو 2018، عندما خرجوا من الإتفاق النووي، توقع السيد بولتون، مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب، أن إيران لن تكون قادرة على الاحتفال بالذكرى الأربعين لانتصار الثورة. حسنًا، لقد رأوا أن شعبنا قد احتفل بقوّة ليس بالذكرى الأربعين فحسب، بل أيضاً بذكرى الانتصار الحادية والأربعين والثانية والأربعين، وفي المستقبل إن شاء الله. حتى الآن، حاول سبعة رؤساء أمريكيين الضغط على إيران، لكنهم فشلوا. اليوم، يقول العالم كلّه إن سياسة الضغط الأقصى لم تفشل فحسب، بل سجّلت فشلاً كارثياً أيضاً.
ماذا سيكون موقفنا إذا أرادت أطراف الإتفاق النووي فرض شروط جديدة لرفع الحظر؟
ليس لديهم الحق أبداً في ذلك. أولاً، قضية الإتفاق النووي كانت حول برنامج إيران النووي، ولا علاقة للبرنامج الصاروخي بهذا الأمر. وصحيح أن قرار مجلس الأمن قد أشار إلى الموضوع الصاروخي، لكنّه أشار إلى الصواريخ التي تحمل رؤوس نووية. عندما لا تمتلك إيران سلاحاً نووياً، فلا معنى لصاروخ برأس نووي. لذلك، ليس أمر منطقيّ أبداً، فضلاً عن كونه خطّنا الأحمر. ثانياً، إن أطراف الإتفاق النووي التي تبيع سنوياً ما قيمته 100 مليار دولار من الأسلحة لدول المنطقة، ليست في وضع يسمح لها بالطلب من إيران التخلّي عن أسلحتها الدفاعيّة. عندما أثاروا هذا الموضوع، بالإضافة إلى قولنا أنّه لا علاقة له بالإتفاق النووي، قلنا: هل أنتم مستعدون لوقف بيع أسلحتكم لدول المنطقة؟ هل دول المنطقة مستعدة لتقليص إنفاقها العسكري بما يوازي الإنفاق العسكري الإيراني؟
الأمريكيون لديهم قول مأثور أن ما أملكه هو لي، ولكن ما تملكه قابل للتفاوض. إذا طبّقوا هذه القاعدة على الآخرين، فعليهم أن يدركوا أنه لا يمكنهم أبداً تطبيق مثل هذه القاعدة مع إيران باعتبارها أعرق دولة في العالم.