* في البداية، أرجو أن تخبرنا عن الأوضاع في لبنان في السنوات التي سبقت تشكيل حزب الله وعن أوضاع المقاومة ضد الكيان الإسرائيلي في هذا البلد.
أولاً، لا يمكننا دراسة أوضاع لبنان بعيداً عن الوضع الإقليمي والدولي والمعادلات التي أفرزها الإستعمار في هذه المنطقة لاسيما بعد اتفاقية "سايكسبيكو" وموضوع ما يسمى بالصراع العربي الإسرائيلي. ونعلم أيضاً أن المجتمع متعدد المذاهب والطوائف في لبنان والذي أنتج أو أثمر ــ طبعا بمساعدة من إستعمار والإتفاقيات التي عُقدت ــ أنتج نظاماً طائفياً في هذا البلد. شهد هذا المجتمع وهذا النظام على مرّ التاريخ الكثير من الصراعات والحروب والاقتتال والنزيف الداخلي إلى أن توصّل إلى ضرورة التعايش والحفاظ على نقطة التوازن المجتمعي للحيلولة دون إثارة حروب وفتن جديدة، وأينما تم الإخلال في نقطة التوازن هذه شهد المجتمع اللبناني جولة جديدة من الحروب والاقتتال.
هنا يمكننا القول أن الحضور الفلسطيني بعد أيلول الأسود عام 1970 وانتقال الكثير من المقاتلين الفلسطينيين إلى لبنان قد أثّر على هذا التوازن في المجتمع حيث هناك قوى سياسية كانت تريد التعايش مع الغرب، ومع إفرازات الإستعمار في المنطقة وحتى مع الكيان الصهيوني وقد أدى هذا الحضور بدوره، وعبر محاولات الأطراف الأخرى لإثارة الفتنة ومحاولة طرد الفلسطينيين من الأراضي اللبنانية، أدى إلى أحداث عسكرية إنتهت بعدها بتواجد الجيش العربي السوري في هذه الدولة مما جعل لبنان مسرحاً للكثير من الأحداث. حسناً... في هذا المجال وفي أجواء الفشل الحاصل في جميع الحروب العربية الإسرائيلية أو ما سُمي بالحروب العربية الإسرائيلية أي حرب 1948 التي كانت نتيجتها احتلال فلسطين بواسطة الصهاينة وحرب 1956 وحرب 1967 والتي أدت أيضاً إلى احتلال الجزء المتبقي من الأراضي الفلسطينية بالإضافة إلى الجولان وبالإضافة إلى جزء من صحراء سيناء وحرب 1973 وأيضاً ما سُمي بحروب الإستنزاف، يمكننا القول أن الحرب الخامسة والأخيرة كانت حرب 1982 ضد لبنان. في كل هذه الحروب، أولاً لم تحقق الدول العربية انتصاراً بل تراجعت أمام الجيش الإسرائيلي ما أدى إلى إيجاد ربما نكسة نفسية لدى الإنسان العربي والمسلم في إمكانية تحقيق النصر وتحرير فلسطين بالإضافة إلى أن الإيديولوجية القومية العربية أو الأحزاب القومية العربية، بل وحتى الحركات الإسلامية التي كانت ضعيفة آنذاك، لم تتمكن من إدارة هذا الصراع بنحو يحقق على الأقل بعض الانتصارات. إن جامعة الدول العربية التي تأسست في عام 1945، والتي تتمظهر فيها الوحدة العربية أيضاً، لم تحقق بدورها أي شيئ بل إتجهت شيئا فشيئا إلى القبول بالأمر الواقع لاسيما في العقود الأخيرة. طبعا بعد وفاة المرحوم "جمال عبدالناصر" والضغوط التي أوردتها الإدارة الأمريكية من أجل تحقيق ما سُمي بالسلام في المنطقة وفي العالم العربي بدءاً من "كامب ديفيد" عام 1977. في ظل هذا الجو العربي، وكما قلت في الداخل اللبناني حيث كان هناك جزء من لبنان يميل إلى التطبيع وإلى العلاقة مع إفرازات الاستعمار وإلى أن يكون لبنان جزءا من العالم الغربي وليس العالم العربي، حصل الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وحصلت المواجهات مع المقاومة الفلسطينية التي كانت قد استقرت في لبنان مع الجيش العربي السوري ومع بعض الأحزاب والقوى الوطنية.
حسناً... أدى هذا الاجتياح إلى وصول الجيش الإسرائيلي إلى بيروت وما بعد بيروت وإلى منطقة البقاع وتم تنفيذ الغارات الجوية المختلفة وأدى الاجتياح أيضاً إلى حصول صدامات بين الجيش الإسرائيلي وبين المقاومة اللبنانية، وأيضاً فُرض واقع جديد على لبنان وهو "جيش لبنان الجنوبي" بقيادة "أنطوان لحد" و"سعد حداد" وإيجاد شريط في جنوب لبنان يسيطر عليه هذا الجيش واحتلال الكثير من القرى والبلدات في الجنوب اللبناني والذي استمر في بعض الأحيان إلى أكثر من 22 سنة. هكذا كان الوضع في لبنان. في المقابل، في صفوف المقاومة كانت هناك المقاومة الوطنية والأحزاب السياسية التقدمية القومية اليسارية، بالرغم من وجود إطار تنسيقي لهذه الأحزاب الوطنية في لبنان لكن أيضاً كانت هذه الأحزاب تشهد الكثير من حالات الاقتتال الداخلي فيما بينها. أيضاً حصلت مواجهات عسكرية بين الفلسطينيين وبين محيطهم اللبناني وإلهاء الفصائل المقاومة الفلسطينية في بعض الأمور الهامشية وبعدها محاولة القيادة الفلسطينية من أجل السير باتجاه محاكاة الغرب حينما حمل الرئيس الراحل "ياسر عرفات" غصن الزيتون إلى منظمة الأمم المتحدة في ذلك الاجتماع المشهور، طبعا أدت كل هذه الأحداث بعد ذلك إلى انتقال منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس فيما بعد في التسعينيات وبعدها التحاق جزء من المقاومة الفلسطينية بركب مفاوضات أوسلو. لذلك حتى المقاومة الفلسطينية لم يتسنى لها أن تتجه نحو الصراع الحقيقي مع الكيان الصهيوني بل تقهقرت شيئا فشيئا. الأحزاب الوطنية أيضاً لم تكن قادرة على هذه المواجهة بل كانت تعاني أيضاً من الكثير من حالات الصراع الداخلي فيما بينها والاقتتال وهنا بدأت بذور المقاومة.
طبعا حركة "أمل" كان قد أسسها في آخر سنوات أو أيام حضوره السيد موسى الصدر في لبنان ولم تكن حركة قوية وأيضاً كانت تعاني من المشاكل التي ذكرناها بالإضافة إلى أنها واجهت بعض الخلافات في داخلها بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران حول مواصلة هذه المسيرة وحصل الانشقاق كما نعلم. هنا وفي هذه الأجواء حاول العلامة الراحل المرحوم "الشيخ محمد مهدي شمس الدين" أن يطرح المقاومة المدنية الشاملة. تأسست أيضاً المقاومة المؤمنة فيما بعد يعني أتصور في عام 1987 المقاومة المؤمنة وقبلها كان هناك انشقاق "السيد حسين الموسوي" (أبو هشام) من حركة "أمل" الإسلامية لذلك إنّ هذه الحركة قد واجهت هذه الحالات أيضاً. طبعا كانت هناك مجموعة من القوى على الأرض، لجان المقاومة وحزب الدعوة الإسلامية بالقيادة الروحية للعلامة الراحل آية الله "السيد محمد حسين فضل الله" وبعض المجموعات الأخرى وكان فيها بعض المجموعات القتالية مثل قوات الصف المجاهدة وما إلى ذلك، بالإضافة إلى وجود مقاتلين وإن كانوا بحدود صغيرة جدا من العراقيين حركة المجاهدين في العراق، وبالإضافة إلى بعض المقاتلين في الحركة الوطنية بالطبع. بالمقابل كانت هناك الأحزاب المسيحية على رأسها حزب الكتائب الذي أسس الجبهة اللبنانية وأسس أيضاً القوات اللبنانية لتكون الجناح العسكري لهذه الجبهة وحزب الكتائب والقوات اللبنانية كانا على علاقة مع الكيان الصهيوني بالإضافة إلى وجود قوات الردع العربية أو الجيش العربي السوري على هذه الأرض.
هنا حصل الاجتياح وكانت العمليات، عمليات المقاومة ربما لم تكن منتظمة في البداية حتى قرّرت مجموعة من الفصائل الموجودة على الأرض من حركة "أمل" ومن لجان المقاومة أن تضع أسس تنظيم جديد. طبعاً، كانت هنا فكرتان، الفكرة الأولى هي تحويل أحد هذه التشكيلات أو التنظيمات إلى تنظيم قوي، والثانية البناء من جديد، وقد استقر الرأي طبعاً بإشارة من الإمام الخميني الراحل (رضوان الله تعالى عليه) على البناء من جديد فكان تأسيس حزب الله الذي عمل ميدانياً من دون الإعلان عن تأسيس هذا التنظيم حتى كان البيان المفتوح للمستضعفين في العالم والإعلان عن التأسيس بشكل رسمي. لذلك كان لبنان يُعاني من اقتتال داخلي بين الأحزاب اليمينية واليسارية إذا صح التعبير، بين المقاومة الفلسطينية وبعض الأحزاب اليمينية اللبنانية، وحصلت الهجمات العسكرية الإسرائيلية التي كانت تتتالى وانتهت إلى احتلال جنوب لبنان وإلى تأسيس جيش لبنان الجنوبي وإلى الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 والذي طال أجزاء كبيرة من لبنان. وأيضاً شهد لبنان وجود الجيش العربي السوري وقوات الردع العربية ووجود المقاومة الفلسطينية، لذلك كان لبنان مسرحاً للحروب ولنزيف الدم من دون أن تكون هناك قوة لبنانية مقاومة ومتماسكة لها إستراتيجية واضحة في مواجهة العدوان الإسرائيلي. هكذا يمكننا أن نصور الوضع اللبناني ووضع المقاومة في لبنان آنذاك. لا نقلل من شأن أي فصيل لبناني أو فلسطيني أو أيضاً الجيش السوري في التصدي للاعتداءات الإسرائيلية لكن نؤكد أنه ما قبل حزب الله والمقاومة ضد العدو الإسرائيلي يختلف تماماً عما بعده حيث أسس حزب الله لمرحلة جديدة في لبنان ليس فقط على صعيد الصراع، ما يُسمى بالصراع العربي الإسرائيلي والمواجهة للاعتداءات الإسرائيلية، بل على الصعيد السياسي والاجتماعي في الداخل اللبناني وعلى صعيد المنطقة حيث يمكننا اليوم أن نتحدث عن وجود محور للمقاومة يشمل الكثير من القوى والدول في هذه المنطقة وربما يعود الفضل في أغلبه لحزب الله الذي كان بدعم من الجمهورية الإسلامية شكل النواة الأساسية لهذا المحور ولهذا المشروع ولهذا التوجه في المنطقة، المشروع الذي استطاع أن يحبط ويفشل الكثير أو جميع المؤامرات والمحاولات الصهيوالأمريكية ومحاولات التكفيريين والإرهابيين في هذه المنطقة، وأن يُنقذ قوى المقاومة فيها من الهزيمة أمام هذه القوى المدعومة عالميا بكل الوسائل.
كيف تأسست المقاومة الإسلامية "حزب الله"، ومن شارك في تأسيس هذه المقاومة؟
هناك الرواية الرسمية التي يقدمها بالتحديد "الشيخ نعيم قاسم" في كتابه "حزب الله، المنهج التجربة المستقبل"، على سبيل المثال. الكتاب الذي كان لي الفخر أو الشرف في أن أترجمه باللغة الفارسية ونُشر لحد الآن وطُبع أتصور أربع طبعات وأيضاً تُرجم إلى لغات الأخرى. الكتاب أتصور أنه نُشر في عام 2002، منذ عام 2002 وحتى الطبعة الفارسية الثالثة التي نُشرت، شهد لبنان الكثير من الأحداث منها حرب تموز وما إلى ذلك، لذلك أنا قدمت اقتراحا لسماحة "الشيخ نعيم قاسم" نائب الأمين العام لحزب الله أن يكتب ملحقاً أو فصلا جديداً للكتاب لتوضيح الأحداث التي تلت ما بعد نشر الكتاب أو طبعته الأولى العربية. وكان ذلك بحدود 50 أو 60 صفحة كتبها سماحة "الشيخ نعيم قاسم" ونُشرت لأول مرة في الطبعة الفارسية الثالثة ولست أدري هل تمت إعادة صياغتها ونشرها في الطبعات العربية اللاحقة أم لا. على كل حال فإن هذه الرواية التي يذكرها سماحة "الشيخ نعيم قاسم" يمكن الرجوع إليها، لكن هناك تفاصيل أخرى ما قبل التأسيس ربما لم تُذكر وهنا أود أن أثني على الإخوة الذين قموا بتسجيل التاريخ الشفوي لقادة المقاومة وأسأل الله تعالى أن ترى هذه المجموعة من المذكرات أو الذكريات التي ذكرها قادة المقاومة الإسلامية في لبنان النور وتُنشر للاستفادة منها.
في موضوع ما وراء هذه الرواية الرسمية علينا أن نعود إلى الوراء قليلاً. طبعاً، كما يتحدث "الشيخ نعيم قاسم" عن دور ثلاثة من العلماء وهم "الإمام السيد موسى الصدر" والعلامة الراحل "السيد محمد حسين فضل الله" والعلامة الراحل "الشيخ محمد مهدي شمس الدين" أولاً، وثانياً تبلور أو بدايات تكوين الحركة الإسلامية في لبنان والنشاط والتحرك الإسلامي في لبنان، كان ذلك في نشاطات هؤلاء العلماء الثلاثة. "السيد موسى الصدر" اهتم بالجانب المؤسساتي وبناء مجموعة من المؤسسات الخيرية والثقافية والتربوية، وبعد ذلك المؤسسات الرسمية التي أصبحت تشرف على شؤون مجالس على رأسها المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، وسماحة "الشيخ محمد مهدي شمس الدين" اهتم بالجانب التثقيفي والكتابة ونشر العديد من الكتب واقتصر نشاطه على الجانب الثقافي ولم يكن له جانب اجتماعي واسع وملحوظ ومؤسساتي، وإن بنى بعد ذلك بعض المؤسسات، وأيضاً بعدما استلم موقع نيابة رئاسة المجلس. طبعاً هو لم يوافق على ذلك بسهولة، لأنه كان يتوجه نحو العمل الثقافي لكن بعد ذلك وافق على قبول هذا المنصب ومن ثم وبعد تغييب الإمام "السيد موسى الصدر" كان حريصاً على المجلس ومن خلال هذه المؤسسة والمؤسسات التابعة لها، كان له عمل مؤسساتي لكن لم يكن نشاطه الاجتماعي كما كان نشاط العلامة "السيد محمد حسين فضل الله" الذي اهتم بالجانب العلمي والتدريس والتثقيف والكتابة والنشر بالإضافة إلى عمل مؤسساتي اجتماعي واسع الأطراف، ومحاولة استقطاب شرائح الشباب وما إلى ذلك.
طبعاً، بعد هؤلاء العلماء الثلاثة كانت هناك بدايات التحرك الإسلامي. اللجان التي تأسست في المساجد حزب الدعوة الذي أسس له فرعاً لبنانياً إذا صح التعبير، حركة المحرومين وبعد ذلك أفواج المقاومة اللبنانية "أمل"، وكان هناك أيضاً بعض العلماء المتوزعين على مختلف المناطق اللبنانية والذين يمكن اعتبارهم علماء مستقلين. على مستوى الجامعات أيضاً، انبثق إذا صح التعبير عن تيار حزب الدعوة، انبثق الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين وكانت له نشاطات واسعة وكان ينشر مجلة المنطلق. أيضاً يمكننا التحدث عن لجنة التعليم الديني آنذاك التي تحولت لاحقا إلى جمعية التعليم الديني الإسلامي وكان دورها تحضير مجموعة من كراسات التعليم الديني وإعداد بعض المعلمين لأنه في لبنان لا يوجد تعليم ديني رسمي على مستوى وزارة التربية والتعليم، وإنما لكل طائفة الحق في أن يكون لها مادة لتعليم العلوم الدينية وفق تلك الطائفة، ولذلك بدأ مشروع لجنة التعليم الديني بإمكانيات صغيرة جداً وبعدد محدود من الأفراد. أيضاً يمكننا أن نقول أن هذا المشروع قد انبثق عن تيار حزب الدعوة الإسلامية وإن لم يكن نشاط الجمعية أو اللجنة آنذاك تابعا لتنظيم معين أو لسياسة معينة. بعد انتصار الثورة الإسلامية، عمدت كل هذه الحالات إلى تأييد هذه الثورة بنسب متفاوتة، بالنسبة لعلماء الدين الإمام "السيد موسى الصدر" كان مغيباً، علاقة سماحة "الشيخ محمد مهدي شمس الدين" تأثرت أحياناً مع هذه الثورة لكن بشكل عام ولأسباب لا مجال الآن لذكرها استمرت العلاقة حتى نهاية حياته رحمه الله، "السيد محمد حسين فضل الله" كانت علاقته مستمرة بالثورة وكان يحضر في الكثير من النشاطات والفعاليات والمؤتمرات وما إلى ذلك وخطبه وكلماته كانت تصب في تأييد هذه الثورة وما أفرزته من حركات إسلامية في المنطقة.
مجموعة اللجان واتحاد الطلبة وبالتعاون مع حركة "أمل" أو عناصر من حركة "أمل" بعد انتصار الثورة الإسلامية أسسوا لجان مساندة الثورة الإسلامية في إيران وبدأ التواصل الثورة الإسلامية في إيران. أيضاً هنا يمكننا أن نذكر بعض التأسيسات أو بعض المؤسسات التي تم إيجادها مثلاً مكتبة "الشهيد مطهري" في الضاحية كان لها دور في التثقيف والدعوة إلى تأييد هذه الثورة، بالإضافة إلى بعض التشكيلات العسكرية كما قلنا سابقاً قوات الصف المجاهدة أو ما إلى ذلك. أيضاً قوات الصف المجاهدة كانت متأثرة أو منبثقة عن التيار العام للدعوة الإسلامية في لبنان. حسناً، بدأ التواصل بين هذه الجهات مع الثورة الإسلامية في إيران حتى قبل الاجتياح الصهيوني للبنان، أنا أتذكر مثلا سماحة "الشيخ حسين كوراني" وأيضاً أخيه سماحة "الشيخ علي كوراني" كانا على تواصل. بدأ انعقاد بعض الاجتماعات في وزارة الخارجية برعاية الأخ المرحوم الذي له الفضل الكبير في مجمل المبادرات التي أدت إلى تأسيس المقاومة في المنطقة وحزب الله، المرحوم "حسين شيخ الإسلام"، وذلك في المعاونية السياسية آنذاك في وزارة الخارجية قبل أن تنقسم المعاونية السياسية إلى ثلاث معاونيات مناطقية أي معاونية شؤون الدول العربية والإفريقية ومعاونية شؤون أوروبا وأمريكا ومعاونية شؤون آسيا وأستراليا.
وأنا كان لي الشرف أن أعمل مع الأخ "شيخ الإسلام" في هذا الملف وأن نؤسس لمجموعة من الدراسات والتقارير المرتبطة بالشأن اللبناني وبشأن منطقة غرب آسيا بشكل عام وبالتحديد بالشأن الفلسطيني أيضاً. أتذكر أن سماحة "الشيخ حسين كوراني" وسماحة "الشيخ علي كوراني" كان لهما العديد من الجلسات وكانت تنعقد هذه الجلسات في الخارجية وأحياناً في بيت سماحة "الشيخ علي كوراني" حينما كان يسكن في طهران آنذاك أو حتى في بيت الأخ "حسين شيخ الإسلام" وفي بيت والده بالتحديد. انعقدت مجموعة من الاجتماعات. أيضاً حضر بعض الرواد أو بعض رجال الحركة الإسلامية في لبنان إن صح التعبير، بعضهم الآن لهم مهام خاصة، وبعضهم هناك شخص أو شخصين ربما انفصلوا عن هذا الجو لا أريد أن أذكر الأسماء، لكن ممن يمكن أن أذكر أسماءهم الأخ "محمد رعد" الذي كان من أوائل الذين حضروا و"السيد حسين الموسوي" (أبو هشام) وبعدها "السيد إبراهيم أمين السيد" و"الشيخ صبحي الطفيلي" والآخرين. إلى أن حصل الاجتياح الصهيوني ضد لبنان ووصلوا إلى مشارف بيروت وحتى إلى منطقة البقاع. هنا يتكون جو يؤكد ضرورة تأسيس حركة مقاومة شاملة تقف بوجه الاعتداءات الصهيونية المتكررة. النواة الأولى، وهذا أيضاً من ضمن الرواية الرسمية في كتاب سماحة "الشيخ نعيم قاسم" أو في أدبيات الحزب بشكل عام، ربما يمكننا أن نقول أنّه كانت هناك ثلاثة تيارات، التيار الأول هو اللجان يعني لجان المساندة أو اللجان الإسلامية أو لجان المساجد سابقاً، التيار الثاني هو حركة الأمل الإسلامية بعد أن انشق "السيد حسين الموسوي" (أبو هشام) من حركة "أمل" والتيار الثالث هم العلماء المسلمون الذين كان قسم مهم منهم من تيار الدعوة الإسلامية. هؤلاء العلماء خاضوا هذه التجربة باسم تجمع العلماء في البقاع لكن هو لم يكن فقط يشمل البقاع.
بين كل جهة من هذه الجهات الثلاث تم اختيار ثلاثة أشخاص، عقدوا اجتماعات ثم تم اختيار تسعة أشخاص جاؤوا إلى إيران والتقوا بالإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) وكان تأسيس المقاومة الإسلاميّة حزب الله بمباركة من الإمام الخميني. ينبغي هنا أن أقول إن مشروعين أو اقتراحين قد تم تقديمهما. مقترح أن يتم التكييف والبلورة والتغيير في أحد التشكيلات والتنظيمات الموجودة ليكون تنظيماً مقاوماً شاملاً أو أن نبدأ من الصفر ونؤسس تنظيماً جديداً. كان هناك رأيان لدى الإخوة اللبنانيين وحتى بين القيادات الإيرانية كان هناك رأيان؛ رأي مع إعادة تنظيم ما هو موجود ورأي آخر مع التأسيس والبدء من الصفر. طبعا لا أريد ذكر الأسماء لاسيما من القادة الإيرانيين، من كان مع أي من المقترحين ولكن في النهاية الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) قال جملته المعروفة: "إبدؤوا من الصفر" ولذلك كان تأسيس حزب الله الذي تم العمل عليه بعد عودة هؤلاء الأشخاص التسعة.
حصل كل هذا بالتزامن مع حضور قوات من الحرس الثورة الإسلامية في البداية في منطقة "الزبداني" في سوريا وبعد ذلك في "بعلبك" وفي "البقاع" بالتحديد. حتى قبل ذلك كانت هناك محاولات للتواجد الإيراني للدفاع عن القضية الفلسطينية في مواجهة الكيان الصهيوني المحتل. الشهيد "محمد منتظري" سبق وأن أرسل بعض من هذه القوات المكونة من بعض المتطوعين وحتى استشهد أحدهم أو استشهد منهم من استشهد. أيضاً كانت هناك حالة عكسية حينما شن نظام صدام حسين الحرب على إيران، وإيران لم تكن على جهوزية كاملة وتجربة ميدانية، الشهيد "چمران" الذي كان له خبرة في جنوب لبنان والذي استلم مهام أو منصب وزير الدفاع لاحقاً في إيران استقدم مجموعة مكونة من 70 أو أكثر من 70 عنصر من المقاتلين من لبنان ليشكلوا نواة تشكيلات عسكرية سُميت بالحروب غير المنظمة. طبعاً، هؤلاء كان لهم دور كبير في تدريب الكثير من المقاتلين اللبنانيين في جبهات القتال أو حتى مهام قتالية وأيضاً استشهد منهم من استشهد، وهناك من الشهداء اللبنانيين من قد دفنوا في إيران. بعدها، كما قلت سابقاً، حضور قوات من الحرس الثوري الإسلامي وكان لهذه القوات الدور الكبير في التدريب العسكري بعد أن كانت قد كسبت خبرة كبيرة في الحرب المفروضة على إيران من قبل النظام الصدامي. وعلى الرغم من أن إيران كانت لا تزال تخوض هذه الحرب ومازالت مستمرة في عملياتها العسكرية من أجل طرد القوات الصدامية من داخل الأراضي الإيرانية وكانت بحاجة إلى هذه القوات العسكرية لكن بسبب أهداف ومبادئ الثورة ومبادئ الدعم للمستضعفين وللقضايا العادلة في المنطقة، لم تتورع ولم تمتنع الجمهورية الإسلامية من إيفاد هذه القوات التي كان لها الدور التدريبي، أي الدور التدريبي العسكري أولا، والدور التثقيفي الكبير، في الثقافة الإسلامية وثقافة الثورة والمقاومة والوحدة الإسلامية، الأمر الذي ترك آثاراً كبيرة في مجتمع المقاومة.
هنا التقت هاتان الترجمتان، أي تجربة الإخوة الذين كانوا بصدد تأسيس المقاومة مع تجربة تواجد قوات الحرس في منطقة البقاع، وتم التواصل مع هذه القوات والبدء بتدريب القوات لكن في البداية لم يُعلن عن هذا التأسيس. كان له دور كبير في التصدي للغزاة الصهاينة في مختلف المناطق مثل معركة "خلدة" المعروفة. بهذا الشكل تم تأسيس حزب الله الذي لم يكن له قيادة في البداية. تشكلت شورى في البداية، ليس بالضرورة من الأشخاص الذين حضروا في إيران والتقوا بالإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)ــ الذين أتذكرهم : "السيد عباس الموسوي" على ما أذكر، الحاج "هاني قاسم" أخ "الشيخ قاسم" وكان "أبو سعيد الخنسا" وكان الحاج "حسين خليق" والشيخ "محمد يزبك" وأتصور أيضاً أنّ "السيد إبراهيم أمين السيد" كان موجوداً؛ هؤلاء من أتذكر من هؤلاء التسعة. في البداية تم تشكيل شورى من ثلاثة أشخاص، لم يكن هناك أمين عام بعد. تغيّر الهيكل التنظيمي لاحقاً حيث كان هناك شورى من تسعة أشخاص ثم سبعة أشخاص. أولا، الحزب تم الإعلان عنه في عام 1985 بعد إعلان الرسالة المفتوحة للمستضعفين في العالم، وأيضاً تم استحداث منصب الأمين العام وبعده نائب الأمين العام. الأمين العام الأول كان "الشيخ صبحي الطفيلي" والأمين العام الثاني كان "السيد عباس الموسوي" وحينما استشهد "السيد عباس الموسوي" تم اختيار سماحة "السيد حسن نصر الله" لحد الآن. يمكننا القول إن الستينيات كانت هي البداية لتأسيس هذه الحركة لكن خلال السبعينيات تبلورت الحركة الإسلامية إلى أن التقت الحركة الإسلامية بالثورة الإسلامية في إيران. الإمام "السيد موسى الصدر" يبدأ عمله في أواخر 1959، يعني يمكننا أن نقول منذ العام 1960. "السيد فضل الله" يعود إلى لبنان من النجف الأشرف في العام 1966 و"الشيخ شمس الدين" يعود إلى لبنان في العام 1969 يعني في نهاية الستينيات. يمكننا أن نقول بأن الاتجاهات الثلاثة إن صح التعبير كانت متواجدة، المجلس تم تأسيسه في نهاية الستينيات. أتصور أنّ أول هيئة تم انتخابها كانت في العام 1969، وفي العام 1975 اختير "الشيخ محمد مهدي شمس الدين" نائبا للرئيس وفي العام 1978 تم تغييب "السيد موسى الصدر".
الستينيات كانت فترة التهيّؤ للتأسيس وفي السبعينيات بدأ التأسيس لكل هذه المؤسسات وأيضاً لكل هذه الحالات وأيضاً يمكننا أن نقول إنه منذ أواسط السبعينيات بدأ ما أسميناه بالحركة الإسلامية في لبنان التي التقت بالثورة الإسلامية في إيران وكانت الضرورة لتشكيل جديد لمقاومة العدو الصهيوني، فكما قلنا سابقا قد تم هذا بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وبقي تقريباً أكثر من 3 سنوات دون إعلان إلى أن أُعلن عنه في عام 1985 وتمكن هذا التنظيم من أن يكون له الدور الأول على الساحة اللبنانية في مواجهة المقاومة. هنا نلاحظ أن العناوين الأخرى تبدأ بالانحسار شيئا فشيئا، الجيش العربي السوري يضطر إلى الخروج من لبنان والمقاومة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية خرجت من لبنان إلى تونس في عام 1982 والأحزاب الوطنية تقلص دورها في المواجهة مع الكيان الصهيوني باستثناء بعض الحالات الخاصة وبقي في الميدان حركة "أمل" و"حزب الله". تعاظم دور حزب الله في المقاومة ضد "إسرائيل" وبقيت الجهة الوحيدة الفاعلة عملياتياً ضد الاعتداءات الصهيونية بينما تحولت كل الجهات الأخرى إلى أحزاب سياسية وإن كان لها دورها في الساحة السياسية ولكن في الميدان وفي العمليات العسكرية يمكننا أن نقول أنّ هذه العمليات تنحصر اليوم بالمقاومة الإسلامية في لبنان.
*ما هو الدور الذي لعبه الشهداء القادة، الشيخ راغب حرب والسيد عباس الموسوي والحاج عماد مغنية في تأسيس حزب الله وحركته؟
فيما يرتبط بالقادة الشهداء أي الشهيد "راغب حرب" والشهيد "السيد عباس الموسوي" والشهيد "عماد مغنية الحاج رضوان". أولا عن الشهيد "راغب حرب" ينبغي أن أقول إنه لم يتمكن أن يلتحق بشكل كامل بالمقاومة الإسلامية في لبنان. أولا الشهيد "راغب حرب" كان إمام بلدة "جبشيت" وكان يرتبط بالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وكانت علاقته جيدة جدا مع العلامة الراحل "الشيخ محمد مهدي شمس الدين" ويدير مشاريع "الشيخ محمد مهدي شمس الدين" في موضوع رعاية الأيتام وما إلى ذلك وكان "الشيخ شمس الدين" (رحمه الله) يدعمه ماليا بل وحتى أكثر من ذلك يُروى ويُنقل أن الشهيد "راغب حرب" يستلم بعض الأموال لدعم المجاهدين والمقاومين وطبعا بعلم من "الشيخ محمد مهدي شمس الدين" لكن دون إعلان عام. الشهيد "راغب حرب" خصوصيته الأخلاقية مهمة جداً، ارتباطاته بالثورة الإسلامية في إيران. يعني زار إيران عدة مرات وفي كل المناسبات والمؤتمرات وما إلى ذلك، لكن هو أساساً تم انتخابه في عام 1983 عضواً في شورى قيادة حزب الله في الجنوب اللبناني و استشهد في أوائل عام 1984. لذلك فيما يرتبط بالتنظيم هو لم يكن في التنظيم إلا مدة أقل من سنة، وكان ذلك قبل أن يتأسس التنظيم وينتشر وقبل الإعلان الرسمي عن تأسيس الحزب يعني هو كان ينشط في مرحلة التأسيس. لذلك لا يمكن أن نقول إن له دور في تنظيم حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان إلا عبر خطاباته طبعاً وتوجهه العام الذي كان توجّهاً مقاوماً للكيان الصهيوني بكل معنى الكلمة، وهو معروف ومواقفه معروفه ولذلك تم خطفه أولا واعتقاله من قبل الكيان الصهيوني ثم إضطروا لإطلاق سراحه ومن ثم تمت عملية الاغتيال والإستشهاد. كان للشيخ "راغب حرب" دور مهم وتأسيسي في الخطاب المقاوم، وأما في التنظيم فقد تم إختياره لمدة أقل من سنة لأنه استشهد. تم اختياره كعضو في شورى حزب الله في جنوب لبنان أولاً لمدة أقل من سنة، وكان قبل الإعلان عن حزب الله وقبل اكتمال أركان هذا التنظيم. هذا عن الشهيد "راغب حرب".
الشهيد "السيد عباس الموسوي" كان له دور كبير في تأسيس المقاومة. أولاً هو كان من تلامذة السيد الشهيد محمد باقر الصدر في النجف الأشرف وهرب في ظروف خاصة من النجف الأشرف بعد ملاحقة العلماء والطلاب اللبنانيين وقد كان يعتمد عليه السيد الشهيد الصدر. بعد مجيئه إلى لبنان، بدأ حركته الثقافية والدينية وأسس حوزة في البقاع في بعلبك وبالمناسبة كان "السيد حسن نصر الله" من طلاب العلوم الدينية الذين التحقوا بهذه الحوزة وكان الشهيد "السيد عباس الموسوي" أستاذه، وكما قلنا سابقا كان السيد عباس من ضمن الأشخاص التسعة الذين حملوا إلى إيران وإلى الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) أطروحة تأسيس المقاومة الإسلامية في لبنان وأسسوا المقاومة بعد أن حظوا بمباركة وموافقة الإمام القائد. لذلك هو من المؤسسين الأوائل وربما يمكننا أن نقول إنه كان أشهر وأهم المؤسسين يعني بين تجمع العلماء في البقاع الذي كان يقوده الشهيد "السيد عباس الموسوي" واللجان وحركة "أمل" الإسلامية كان هو صاحب الشخصية الأقوى، ومن الناحية العلمية كان من تلامذة الشهيد الصدر وحوزة النجف الأشرف وكان أستاذا للكثير من العلماء الذين تدربوا وتعلموا في مدرسته. لكن في بداية الحزب كما قلنا، وفي بداية المقاومة الإسلامية، لم تكن هناك التشكيلات، لم تكن هناك القيادة حتى الشورى كانت غير منتخبة ثم أصبحت منتخبة ومرت بمراحل مختلفة حتى في أوائل العام 1985، أتصور في شباط 1985 حينما تم الإعلان عن تأسيس حزب الله عبر الرسالة المفتوحة للمستضعفين في العالم لم تكن قيادات الحزب معروفةً ومُعلن عنها ولذلك تم اختيار "السيد إبراهيم أمين السيد" لتلاوة هذا البيان والذي يمكننا أن نقول إنه كان الناطق الرسمي الأول باسمه. لم يكن حينها "السيد عباس الموسوي" معروفا لدى المجتمع بأنه من قيادات حزب الله.
طبعا بعد أن تم استحداث منصب الأمين العام، في أواخر 1989 أتصور في الشهر الأخير من عام 1989تم انتخاب "الشيخ صبحي الطفيلي" الذي استمر في منصب الأمين العام لمدة سنة ونصف تقريبا أو أقل من سنة ونصف ثم حصل ما حصل بالنسبة له، فعندها تم انتخاب "السيد عباس الموسوي" في أيار من العام 1991 أميناً عاما للحزب واستشهد في شباط من عام 1992. يعني أيضاً لم يبقَ أميناً عامّاً للحزب سوى أقل من سنة؛ لكن كان له الدور التثقيفي الكبير، الدور في الدعم الروحي والمعنوي للمقاتلين، حضوره في الصفوف الأمامية وفي الجبهات وفي الجبال ومواكبته للمسيرة المعنوية والروحية والدينية والإيمانية للمقاتلين وتلاوته لدعاء كميل والأدعية المختلفة والقيام ببعض الطقوس الدينية والمعنوية والإيمانية، كل ذلك كان له التأثير الكبير بالإضافة إلى ذلك علم سماحة "السيد عباس الموسوي" وتأسيسه للحوزة العلمية في البقاع وتربيته لطلاب العلوم الدينية الذين أصبحوا لاحقا من قادة المقاومة الإسلامية، وهذا هو التأثير الأول أي التأثير العلمي والمعنوي الأول، وبالإضافة إلى ذلك أنه كان له الدور التأسيسي في حزبالله لأنه كان من جملة التسعة الذين حملوا المقترح إلى إيران وحصلوا على موافقة الإمام الخميني الراحل (رضوان الله تعالى عليه) وهو الذي كان له الدور الأساسي في بناء التنظيم. مثلاً كان هو الذي قام باختيار المسؤولين في العلاقات العامة والمسؤولين في المناطق المختلفة وما إلى ذلك. أيضاً كان له الدور المعنوي والتثقيفي لشباب حزب الله والمقاومة الإسلامية، وأيضاً كان له دور الأمين العام للحزب الذي باستشهاده ربما يمكننا أن نقول إنه قد ترك تأثيراً إيجابياً كبيراً على الحزب ومعنويات الحزب والذي أدى أيضاً إلى انتخاب سماحة "السيد حسن نصر الله" أمينا عاما لحزب الله حيث يمكن أن نعتبر هذه الفترة أي فترة الأمانة العامة لسماحة "السيد حسن نصر الله" فترة ذهبية في تاريخ هذا الحزب.
أما عن الشهيد "عماد مغنية" فهو التحق ربما حينما كان بعمر 13، 14 أو 15 سنة، التحق بالمقاومة الفلسطينية، وفي بدايات الثمانينيات التحق بقوة السبعة عشر، القوة الأمنية الفلسطينية المهمة التي كان من مهامها حماية القادة الفلسطينيين، ثم في العام 1988 التحق بحركة "أمل" وأيضاً كان في حماية سماحة "السيد محمد حسين فضل الله" (رحمه الله). وبعد ما حصل انشقاق في حركة "أمل" وخروج بعض الإسلاميين من هذه الحركة، خرج وسماحة "السيد حسن نصر الله" من الحركة والتحقوا بحزب الله بعد تأسيسه. طبعاً، منذ البداية كان صاحب شخصية عسكرية وخبرة عسكرية متميزة لأنه رغم صغر سنه. كان قد تدرب لدى القوات الفلسطينية ودرب أيضاً في حركة "أمل" وكان له مستوى متميز من العمل الأمني والعسكري في منظمة التحرير الفلسطينية، وأيضاً قاد مجموعة من العمليات على أكثر من صعيد. لذلك كان من الطبيعي أن يكون هو القائد العسكري والميداني الأول للمقاومة الإسلامية في لبنان. دوره في العمليات التي حصلت منذ التحرير في مواجهة الجيش الصهيوني في لبنان في عام 1982 إلى عملية التحرير الكامل للأراضي اللبنانية عام 2000 إلى حرب تموز في عام 2006 في كل هذه المراحل كان له دور متميز على الرغم من أنه كان ملاحقا والحديث عن "عماد المغنية" هو بحاجة إلى ساعات وساعات ربما لا يسع المجال هنا للتطرق إلى ذلك أكثر من هذا.
*ما هو الدور الذي لعبه السيد حسن نصر الله في عملية تشكيل حزب الله وكيف كان دوره بعد ذلك، وما هي مسؤولياته في الحزب قبل انتخابه أميناً عاماً؟
فيما يرتبط بدور سماحة "السيد حسن نصر الله" في عملية تأسيس حزب الله وبعد ذلك وقبل انتخابه أمينا عاما للحزب، ينبغي القول أن سماحة "السيد حسن نصر الله" منذ أن كان صغير السن، منذ السن الخامسة عشر، التحق بحركة "أمل" ثم ذهب إلى النجف الأشرف للدراسة الحوزوية، وبقي هناك سنتين ثم عاد إلى لبنان فالتحق في مدرسة الإمام المنتظر في البقاع عام 1978، وكان في تلك الفترة في صفوف حركة "أمل" وانتخب عضواً في المجلس السياسي للحركة. لكن في بداية الثمانينيات، وبالتحديد في عام 1982 وبعد الاجتياح الإسرائيلي وبعد الخلاف الذي حصل داخل صفوف حركة "أمل" وانشقاق مجموعة من الإسلاميين في حركة "أمل" وتأسيس حركة "أمل" الإسلامية، كان هو و"عماد مغنية" أيضاً من ضمن الذين انشقوا عن حركة "أمل" والتحقوا بالمجموعة التي قامت لاحقا بتأسيس حزب الله في لبنان.
في هذه الفترة كان مازال في مدرسة الإمام المنتظر. في سنة 1981 جاء على رأسه وفد من حركة "أمل" إلى إيران، واضطر أن يعود بسبب ما حصل في 1982 وحصل على وكالة شرعية من الإمام الخميني الراحل (رضوان الله تعالى عليه) في عام 1981. لذلك حينما تأسس حزب الله أو المقاومة الإسلامية كان ضمن صفوف الحزب. في العام 1985 ازداد نشاطه بعد مجيئه إلى بيروت حيث كان ناشطاً في إعداد تشكيلات المقاومة والجانب الجهادي والعسكري وكان أيضاً مساعداً للسيد إبراهيم أمين السيد في كتلة حزب الله في البرلمان ثم استلم رئاسة المجلس التنفيذي. بعد ذلك كان في شورى القرار حتى انتخب في سنة 1992 أميناً عاما للحزب. في هذه الفترة، عام 1989، جاء إلى قم المقدسة لاستكمال دراسته لكنه اضطر أن يعود بعد سنة تقريباً إلى بيروت لأسباب ترتبط بالعمل التنظيمي والجهادي. يمكننا أن نقول إن سماحة "السيد حسن نصر الله" كان بسبب خبرته السابقة وبسبب تأييده للثورة الإسلامية في إيران ولولاية الفقيه من المؤسسين للحزب ومن الأشخاص الأوائل الذين أُعطوا وكالة شرعية من قبل الإمام الخميني الراحل (رضوان الله تعالى عليه) رغم صغر سنه، أعتقد كان عمره 21 سنة. الإمام يُقال إنه أشار عليه في إحدى اجتماعاته بأنه يمكن الاستفادة منه في المناصب التنفيذية العليا، رُغم أنه استلم منصب الأمين العام بعد وفاة الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، يُقال إن الإمام كان قد أشار إليه.
وبسبب عمله كأحد أقرب الناس إلى الشهيد "السيد عباس الموسوي" لأنه كان تلميذه وكلمته عن "السيد عباس الموسوي" في الذكرى السنوية لتأسيس الحوزة العلمية الدينية في بعلبك في كلمته الشهيرة يدل على ذلك، وبسبب خبرته السياسية السابقة في حركة "أمل" وفي العمل السياسي والجهادي، وكونه كان أقرب الناس إلى الأمين العام لحزب الله، وبسبب دراسته الدينية إن كان ذلك في النجف الأشرف أو في مدرسة الإمام المنتظر في بعلبك أو محاولته لاستكمال دراسته في قم المقدسة، لكنه لم يتمكن من ذلك، وبسبب خصوصياته الشخصية بعد استشهاد "السيد عباس الموسوي"، وأيضاً بسبب دوره في التنظيم في الجانب العسكري وفي الجانب التنظيمي لا سيما بعد انتقاله إلى بيروت، وبيروت هي الأساس المنطقة الأولى والمهمة والأهم في التنظيم، بسبب كل ذلك انتُخب أميناً عاماً لحزب الله. يمكننا أن نقول بأنه على الرغم من وجود أشخاص ربما كانوا من المؤسسين أو كانوا أكبر سناً أو كانوا أقدم في العمل السياسي، لكنه تم اختياره بالإجماع بل وبقي أعضاء شورى القرار في حزب الله خلال كل هذه السنين يعني منذ 1992 إلى اليوم تقريبا 30 سنة؛ بقوا يؤكدون على ضرورة بقائه أمينا عاما بل وتم تغيير النظام الأساسي للحزب كي لا يكون هناك تحديد في مدة أو عدد دورات انتخاب الأمين العام لحزب الله. طبعا هذا الانتخاب كما قلنا سابقاً تم بواسطة الشورى أي شورى حزب الله وبقيت هذه الشورى على رأيها حتى يومنا هذا.