الصوم يوجب التقوى ويُنشئها إنما الصوم بتوجّه... الصوم ليس مجرد أنّ الإنسان لا يأكل ولا يشرب؛ الصوم نوع من التربية لأرواحكم. يمكنكم أن تنمّوا جوارح روحكم بالصوم وتصيروا أصفياء وأنقياء وأن تتطهروا.
هذه الزكاة والإنفاق، التي تُعدّ عبادة عظيمة، أيضاً لديها جسد وروح. {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر، 9)؛ ينبغي أن تكسر هذه الزكاة حرصنا وبخلنا الداخلي وتقضي على تعلّقنا بالمال والزخارف الدنيوية. هذه الزكاة زكاةٌ جيدة.
لقد صمتم ثلاثين يوماً وصلّيتم بتوجّه ودَعوتم. هذا حتماً فيه ثمرةٌ داخلكم. يجب أن يكون سعينا من أجل الحفاظ على هذه الثمرة التي هي قيّمة أيضاً. إذا كان لدينا الصلاة والصوم بتوجّه والذِّكر المنبّه والموقظ للإنسان، فسنكون مسلمين نسير قدُماً نحو أهداف الإسلام يوماً بعد يوم. إذا رأيتم أنه كان هناك، أو يوجد، مسلمون في مجتمعاتٍ لم يقتربوا من أهداف الإسلام وابتعدوا عنها، فهذا أحد عيوب عملهم. ربما يكون هناك عيوب متعددة، وهذا أحدها.
إذا لم يكن هناك توجه أثناء العبادة ولم يتم الالتفات إلى روح العبادة، التي هي تلك العبودية والأُنس بالله والتسليم أمامه، فستبرز مخاطر مختلفة في طريق الإنسان، والتحجّر واحد منها.
بعض هؤلاء الخوارج، الذين سمعتم أسماءهم كثيراً هذه الأيام، كم كانوا يتعبّدون ويتلون آيات «القرآن» ويصلون بطريقة رائعة حتى أنهم كانوا يجعلون أصحاب أمير المؤمنين (ع) معجبين بهم! في أيام حرب الجمل، كان أحد أصحاب أمير المؤمنين (ع) يمر فرأى أحدهم يتعبّد في منتصف الليل ويقرأ هذه الآيات بصوت حسن: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} (الزمر، 9). فتأثر وجاء إلى أمير المؤمنين (ع). حتى الأشخاص الأذكياء والحاذقون والواعون - كانت غالبية أصحاب أمير المؤمنين (ع) هكذا - كانوا يشتبهون أيضاً.
المقصود هو أن روح العبادة هي عبودية الله. أيها الإخوة والإخوات، يجب أن نسعى إلى إحياء روح العبودية في أنفسنا. العبودية تعني التسليم لله، أيْ كسر ذلك الصنم داخلنا، فذلك الصنم داخلنا، أي الأنا، يظهر نفسه في عدد من المواضع. مثلاً عندما تكون المصالح في خطر، وعندما لا أحد يقبل كلامك أحد، أو يظهر شيء غير مطابق لرغبتك - حتى لو كان مخالفاً للشريعة - أو تجد نفسك على مفترق طرق: المصالح الشخصية في طرف، والواجب والتكليف في الطرف الآخر. في مثل هذه المآزق واللحظات الحساسة، يرفع ذلك الأنا الداخلي للإنسان رأسه ويظهر نفسه.
إذا تمكّنا من السيطرة على هذا الأنا الداخلي، هوى النفس هذا، الفرعون الباطني، هذا الشيطان داخلنا، أو على الأقل أن نسيطر عليه بعض الشيء، فسوف تصلح الأمور كافة. قبل كل شيء، سنَحقق إنسانيتنا ونصل إلى فلاحنا. شهر رمضان مقدمة ذلك. والصوم والصلاة بتوجه، والإنفاقات، وحتى الجهاد في سبيل الله، كلها من أجل الوصول إلى عالمٍ يكون فيه الناس عباداً لله.
اللهم بمحمد وآل محمد، اجعلنا من عبادك.
~ الإمام الخامنئي | 26/4/1990