بسم الله الرحمن الرحيم،[1]
والحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد وآله الطاهرين، ولا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
أرحّب بالسادة المحترمين جميعهم، والإخوة الأعزاء من أنحاء البلاد كافة، والعاملين في مركزٍ شديد الحساسية ومهم للغاية. أنا سعيد أنّنا - بحمد الله - قد تمكّنا بعد بضع سنوات - سنتين أو ثلاث – أنْ نلتقي مجدّداً هذا الجمع من قرب، وأرى أنّ مصادفة هذا اللقاء مع الأيام المرتبطة بأهل البيت (ع) فأل خير، من عيد الغدير إلى يوم المباهلة ونزول «هل أتى» ونزول آية الولاية وهذه البركات الموجودة في هذه الأيام تقريباً من هذا الأسبوع. إن شاء الله، نتمنى ببركة النبي وأهل بيت النبي - عليهم الصلاة والسلام - أن يثبّتنا الله على نهجهم وفي طريقهم، ونتمكن من أن نسير في ذلك [الطريق]، إن شاء الله.
يوم المباهلة يوم مهم جدّاً. المباهلة هو يوم النبوة والولاية أيضاً. إنّ ما حدث في المباهلة دليل على النبوة، ودليل على الولاية والإمامة أيضاً، ولذا إنّ هذا اليوم مهمّ جدّاً. نسأل الله المتعالي أنْ يثبّت أقدامنا في هذه السّبُل المباركة، إن شاء الله.
كما أودّ أن أشكر الحاج علي أكبري على جهوده والموضوعات التي تحدّث عنها. ما قيل هنا صحيح وجيد.
أيها الإخوة الأعزاء، أعددت بعض المواضيع ودوّنتها لأعرضها عليكم. أحد المواضيع حول المكانة لصلاة الجمعة، إذ يجب أن نعرف - أئمةَ الجمعة - أهمية هذا العمل. عندما يدرك الإنسان أهمية عمل ما أو مسؤولية ما يعطيها الأولوية على المهمات الأخرى ويتطرقّ إلى جوانبها أكثر. فلنعلم والآخرين أيضاً وليقل المسؤولون ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون ذلك حتى يعرف الناس أن الجمعة ليست مجرد صلاة جماعة في مسجد ما، [بل] ظاهرة عظيمة ومهمة في المدينة، وسأشير الآن إلى بعض خصوصياتها.
أشير أولاً إلى هذا ثم سأتحدّث قليلاً عن المسافة بين [واقع] صلاة الجمعة اليوم وبين صلاة الجمعة التي من المفترض أن تكون. هل هناك مسافة أم لا؟ بالطبع، هناك مسافة، [كما أنّ] كيفية سد هذه الفجوة أمر مهمّ. حسناً يوجد - بحمد لله - نحو ألف إمام جمعة في البلاد، أو تسعمئة ونيف في المدن الكبيرة أو الصغيرة، وهو عدد مهم جدّاً. يجب أن يكونوا قادرين على أداء عمل عظيم! إذا كانت صلاة الجمعة - ما لدينا اليوم - هي تعريف صلاة الجمعة نفسها والمتوقع منها، يجب أن يكون الوضع أفضل من هذا بقدر ما، أي يجب أن تكون هناك فروق. لذلك هذه من قضايانا التي سأتناولها خلال حديثي [ويجب] أن نبذل الجهد لسدّ هذه الفجوة. من الذي سيبذل هذا الجهد الآن؟ جزء من هذا الجهد هو مسؤولية إمام الجمعة نفسه. على إمام الجمعة ذاته أن يبذل هذا الجهد. جزء آخر على عاتق هؤلاء المسؤولين المحترمين في [لجنة] وضع السياسات والإدارة الجماعية لإمامة الجمعة في طهران أو مراكز أخرى.
في ما يتعلق بمكانة صلاة الجمعة، أشير إلى ذلك بجملة: إن صلاة الجمعة بما تحمل من خصائص هي فريضة فريدة مئة بالمئة. ليس لدينا شيء مثل صلاة الجمعة. حسناً الحج هو جمع عظيم، [لكن] عندما ندخل في عمق صلاة الجمعة هذه وبواطن أعمالها، نرى أنها بما تحمل من خصائص هي أكثر استثنائية من الحجّ أيضاً. الآن سوف أشير إلى بعض الأمثلة على هذه الخصائص. فكّروا في الأمر وستجدون المزيد من الخصائص خاصة أنكم الآن على اتصال مع هذه الفريضة.
إحدى الخصوصيات أن صلاة الجمعة وصلت عنصري الحياة الطيّبة الأساسيّين بعضهما ببعض وربطتهما. ما هذان العنصران؟ أحدهما ذكر الله والآخر المشاركة الشعبيّة. {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (النحل، 97). إن هذه الحياة الطيبة لها أركان ولكن من أهم أركانها هذان الركنان: أحدهما التوجه إلى الله، أي الاتجاه نحو الله، و«يلي الرب»[2] وفق قول السادة، والآخر هو حضور الناس واجتماعهم. يجتمع هذان الشيئان في صلاة الجمعة. بالطبع هذه هي الحال أيضاً في بعض الواجبات والفرائض الأخرى، لكن عندما نجمعها مع بقية الخصوصيات، نرى أن صلاة الجمعة فريدة. حسناً، قلنا في صلاة الجمعة إن هاتين الخاصيتين موجودتان معاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، وأيضاً {إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (الجمعة، 9). هذه صلاة، وجُمُعة أيضاً. الصلاة ذكر محض، ذكر خالص. والجُمُعة أيضاً هي اجتماع الناس. فهذه إحدى تلك السمات، وربما أول ميزة خاصة لصلاة الجمعة.
ثانياً هذا الذكر الجماعي يؤدي إلى نزول بركات والذِّكر وآثاره على الجماعة. إنّ لذكر الله آثاراً مذكورة في القرآن: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد، 28)، وهذا ينتشر في أرجاء صلاة الجمعة عندما يعمد الجميع إلى ذكر الله معاً. أشرت ذات مرة إلى الآية الشريفة: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران، 103) وقلت: حتّى الاعتصام بحبل الله يجب أن يكون جمعيّاً: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا}. هذا الاجتماع هو أمر عجيب في الإسلام. إن اجتماع الناس نفسه وحضورهم أمر مهم، وهذا هو المكان الذي يجب أن تكونوا حساسين فيه. إذا كان عدد الأشخاص في صلاة الجمعة في هذا الأسبوع أقل من قبل شهر، يجب أن تشعروا بالقلق. أساس هذا العمل هو حضور الناس.
عندما تعمدون إلى الذِّكر جماعياً، سوف تنزل آثار الذكر وبركاته على الجمع. جاء في القرآن: {فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (الذاريات، 55). هذا النفع يصيب الجميع. نعم، أنتم عندما تؤدّون صلاة الليل بمفردكم في الغرفة، فإن الله يجزيكم على ذلك، لكن النفع هنا نفع عام. الجميع ينتفعون من ذلك. أو: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} (البقرة، 152). «أَذْكُرْكُمْ»؛ هذه العناية الإلهية الخاصّة تترتّب على الذِكر. الذِّكر هنا ذِكر جماعي، ولذا تلك العناية مرتبطة بالجمع أيضاً. أو: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الأنفال، 45) وعدد من الآيات الأخرى الموجودة في القرآن إذ إني استطعت الرجوع بهذا القدر إلى المعجم المفهرس، وهذه هي الآيات القليلة التي خطرت في بالي ودونتها. إذا راجعتم، فسوف تجدون آيات كثيرة [تتحدّث عن] بركات الذكر. هذه خصوصية أيضاً: الذِّكر الجماعي وبركاته.
الخصوصية التالية هي استمرارية هذا الحدث: اجتماع أسبوعي. حسناً، الحج مرة في العمر - هكذا هو – أما هذا، فكل أسبوع؛ إنه مهم جداً. على حد علمي - لقد بحثت قليلاً - لا يوجد في أيّ دين أو مكان اجتماعٌ يترافق مع الروحانية أسبوعياً على نحوٍ يجتمع فيه سكان مدينة أو مجموعة كبيرة من الناس في المدينة كل أسبوع في مكان واحد ومركز تجمّع ما. الآن، في ما يخصّ مضمون ذلك الاجتماع، هذا هو الموضوع التالي. [إذاً] هذه خصوصيّة مهمة للغاية. هنا تبرز أرجحيتها. فمن هذه الناحية، تظهر هذه [الأرجحية] حتّى على الحجّ. أي التوالي، هذا الأسبوع، فالأسبوع المقبل، فالأسبوع التالي، فالأسبوع الذي يليه حتى النهاية. حسناً، هذا هو المصداق نفسه لما نقرأه في «دعاء كميل»: «حَتَّى تَكُونَ أَعْمالِي وأوْرَادِي كُلُّها وِرْداً وَاحِداً، وَحَالِي فِي خِدْمَتِكَ سَرْمَداً»[3]. ليس أن أكون في يوم، وفي يوم آخر لا، ولا أن أكون في مكان وفي مكان آخر لا، [بل] أن أكون متّصلاً بخدمتك: «وَحَالِي فِي خِدْمَتِكَ سَرْمَداً». بهذا الاجتماع الأسبوعي على هذا النحو، يتحقق: «حَالِي فِي خِدْمَتِكَ سَرْمَداً».
حسناً، عندما يكون هناك اجتماعٌ مثل هذا حيث يجتمع عدد كبير من الناس في مدينة ما وفي مكان ما كل أسبوع، يُمكن له أن يكون مقرّاً وقاعدةً للقضايا المهمة كافة في المجتمع. عندما يُفترض أن يشارك الجميع، يتبادر إلى ذهن الأفراد أمور وكلام، والمجتمع يحتاج إلى أمر ما وحدث ما: من القضايا الفكرية إلى الخدمات الاجتماعية، ومن التعاون الشعبي إلى الاستعدادات والتعبئة العسكرية... كل شيء يتحقق في هذا التجمع الأسبوعي المستمر. هذا يعني أنه من الممكن أن يحدث. هناك فرصة بهذه الأهميّة وهذه العظمة في هذا العمل. لذلك هذا كنز عظيم وفرصة استثنائية بين أيدينا وأيديكم.
ميزة أخرى لصلاة الجمعة هي اندماج الروحانيات والسياسة، الشيء المستبعد لدى أهل الدنيا والأشخاص الذين لا يتأملون كثيراً في الأمور. أين السياسة من الروحانية والإيمان بالله؟ للسياسة أسس تتعارض وتتنافى جميعها في الظاهر مع التوجّه إلى الله وأمثال ذلك. عندما تجتمع السياسية مع الروحانية في فريضة ما، فهذا فن الإسلام وهذه مهارة الإسلام. جاء في تلك الرواية للرضا (ع) أن خطيب الجمعة «يخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق من الأهوال التي لهم فيها المضرة والمنفعة»[4]. هائل [أي] أمر مهم وعظيم. يُبيّن [خطيب الجمعة] للناس القضايا التي تحدث في العالم ولها علاقة بمجتمعنا على نحو الضرر أو النفع. افرضوا مثلاً القضية النووية، أو لنقل الحرب في أوكرانيا على سبيل المثال - إنها قضيّة قد طرأت على العالم - أو القضايا المختلفة للسياسات في الشرق والغرب. هذه الأشياء على ارتباط ببلدنا ومجتمعنا وحياتنا وسياستنا. عندما يبيّن خطيب الجمعة هذه [القضايا] للناس ويشرحها بصورة صحيحة وفق معلومات كافية وصحيحة، هذا يعني ربط السياسة بالروحانية. يقول: «اتقوا الله» - يجب أن يكون هناك أمر بالتقوى حتماً في خطبة الجمعة - ويبيّن في الوقت نفسه للناس السياسة: السياسية على هذا النحو، السياسة الدولية، ولبّ القضايا السياسية. هذا يُعدّ أيضاً [جزءاً من] هذه الخصائص. قلت إن لها بالطبع خصائص أخرى لكنني شرحت بإيجاز.
عندما ننظر إلى مجموع هذه الخصائص، نصل إلى استنتاج مفاده أن صلاة الجمعة هي حلقة مهمة للغاية في سلسلة القوة الناعمة للنظام الإسلامي، لأن ما هو مؤثر اليوم ويفتح الطريق هو القوة الناعمة. تأتي القوّة الصلبة اليوم، الرصاص والبنادق وأمثالها، في الدرجة التالية. إن القوّة الناعمة تؤثّر في القلوب والأذهان والأرواح، وهذا مهم. بالطبع إن سلسلة قوتنا الناعمة سلسلة طويلة ومفصلة، وصلاة الجمعة من أهم حلقات هذه السلسلة من القوة الناعمة. عندما ننظر إلى هذه الخصائص، نصل إلى هذا الاستنتاج.
فهل استطعنا في الجمهورية الإسلامية أن نصل بصلاة الجمعة إلى هذه المكانة الرفيعة أو لا؟ يبدو لي أن لدينا بعض التقصير. أنتم تعلمون الآن أنني شريك معكم في هذا المجال. [نعم] لدينا بعض التقصير في هذا المجال. وعليكم أن تبذلوا هممكم. علينا جميعاً أن نبذل الهمم لمعالجة هذا التقصير. قلنا إن بعضها على عاتق أئمة الجمعة أنفسهم، وبعضها في عهدة المسؤولين عن الإدارة العامة لأئمة الجمعة. يجب أن ننتبه إلى هذا.
الآن، في ما يخصّ أئمّة الجمعة، وإذ قلنا «بعضها على عاتق أئمة الجمعة أنفسهم»، بعضُ الأمور لها علاقة بشخصية إمام الجمعة. تتعلق بعض هذه الخصائص التي تجب مراعاتها لتكون صلاة الجمعة في مكانها الصحيح بشخصية إمام الجمعة وطريقته وأسلوب حياته، وسأذكر الآن عنوانين أو ثلاثة حول ذلك. وبعضها مرتبط أيضاً بالخطب، إذ لا تتعلّق بالشخصية والأسلوب وأمثال ذلك. يُمكن لمحتوى الخطب في صلاة الجمعة أن يكون على نحو يعيدها إلى مسارها الحقيقي.
في ما يتعلق بأسلوب إمام الجمعة، التفتوا - أيها الإخوة الأعزاء، وأيها السادة المحترمون - إلى أن إمام الجمعة يأمر الناس بلسانه بالتقوى يوم الجمعة. أقول لكم: مُروا الناس بالتقوى أيام السبت والأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس بسلوككم. وإلا إذا دعونا للتقوى الجمعة، ولكن صدر منّا السبت عمل لا يتناسب مع التقوى هذا يبطل ذاك تماماً، أي لا يبطله الآن فحسب، بل له أثر معاكس، ويجعل المستمع يتساءل حول ما يقولونه. أقل ما يمكن أن يفعله هو أن يتوقف عن المجيء إلى الصلاة. هذا أقل ما يمكنه فعله، ويفعلون أكثر من هذا. لذلك هذه قضيّة. يجب أن يكون الأمر بالتقوى مساعداً على تحصيل التقوى في النفس. التفتوا! رجعت إلى المعجم المفهرس - للأسف ليس لدي الآن الوقت لفعل هذه الأشياء [لكن] كنت أفعلها بدقّة في السابق، والآن لم يعد لدي الوقت، فمررت سريعاً - ورأيت أن كلمة «اتقوا» وردت ستين مرّة في القرآن. يقول الله المتعالي لنا نحو ستين مرّة: «اتقوا»، لكن حالتين من هذه الحالات الستين صادمة. إحداها قوله في سورة آل عمران: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} (102). هذا عمل عظيم جداً. والأخرى في سورة التغابن حيث يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (16). لا تأخذوا «مَا اسْتَطَعْتُمْ» على أنها متى تستطيعون. لا، إنها تعني ابذلوا كل استطاعتكم وإمكاناتكم من أجل التقوى. حسناً، نحن نعرف هذه الأشياء ونقولها، ونسأل الله أن يهيّئ قلوبنا ويلينها حتى نستطيع العمل بهذه الأشياء، إن شاء الله؛ {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}. بناءً عليه النقطةُ الأولى هي: علينا نحن الذين نأمر بالتقوى في خطبة الجمعة أن نبذل قصارى جهدنا في التزام التقوى، وأن نبتعد عن موارد الشبهة قدر الإمكان. {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} (النازعات، 40)... ومن قبيل هذه الأمور إلى ما شاء الله. هذه خصوصية وأعتقد أن لديها هذا المعنى ضمن واجباتنا نحن أئمةَ الجمعة.
ثانياً السلوك الأبوي تجاه الجميع. عاملوا كافة أنماط الناس الذين يشاركون في صلاة الجمعة، عاملوهم جميعاً بأسلوب أبوي، فكلهم أبناؤكم. نعم، قد تكون لديكم محبّة أكبر لذاك الشابّ الثوري والمجاهد – الحق كذلك، ولا ضير - لكنّ الذي ليس على هذا النحو هو ابنكم أيضاً. هو نجلكم. كلهم [أبناؤكم]. قد يكون الإنسان في بيته أكثر محبّةً لأحد أبنائه لسبب ما، ولكن لا ينبغي أن يحرم الآخرين أبوّته. السلوك الأبوي تجاه الجميع! إن هؤلاء جميعاً هم أبناؤكم. إن مهرجان الغدير في طهران كان شيئاً عجيباً جدّاً! لا أدري هل رأيتموه أم لا. قد شاهدته بنفسي في التلفاز، وبعض الذين ذهبوا جاؤوا وأخبروني. هل رأيتم كيف شارك في هذا المهرجان المليونيّ [بمناسبة عيد الغدير] الأنماط كافة من الناس؟ هؤلاء يناصرون الدّين ويحبّونه. قلت ذات مرّت في إحدى زياراتي إلى المحافظات لجمع من العلماء في تلك المحافظة حيث كان لنا اجتماع معهم، قلت: اليوم أو أمس حين كنت قادماً كان بين أولئك الذين كانوا حول السيارة وأظهروا محبّتهم، وبعضهم كانوا يبكون – يأتي الناس ويُبرزون مظاهر الحب – هناك أشخاص إذا ما قابلتموهم مثلاً، فقد لا تحتملون أنهم حتى يؤمنون بالدين، لكن هذه هي [حقيقة] الحال: هم يعتقدون بالدين. لدي الكثير لأقوله في هذا المجال وسبق أن قلته. الآن لا يتسع المجال هنا. أجلسوا الجميع على مائدة الدين والمعنوية والشريعة. هذا موضوع أيضاً.
الشيء الآخر أن يكون سلوك إمام الجمعة شعبياً... السلوك الشعبي. ما «السلوك الشعبي»؟ هو أنّكم بصفتكم فرداً من أبناء الشعب اذهبوا إلى الناس وتحدثوا إليهم، ولا تبتعدوا عن الناس ولا تجالسوا وتسيروا مع فئة خاصة منهم. في بعض الأحيان، [لو] احتاج الأمر، زوروا بيوت الناس واجلسوا تحت أسقفها وعلى سجاداتها، واسألوهم عن أحوالهم. إنّ مجرد الحضور بين الناس أمر مهمّ للغاية. وحقيقةُ أن بعض الناس يصفون اللقاءات الشعبية الفائقة القيمة للمسؤولين بتعبيرات غير مناسبة هو أمرٌ خطأ. هذا انحرافٌ حقاً. الذهاب بين الناس والتحدث إليهم والاستماع لهم [كله مهم]. قد لا تقبل ما يقوله لكن استمع إليه. لا حرج في أن تقول بعد ذلك: حسناً، أنا لا أقبل هذا. لا ضير في ذلك لكن دعه يتحدث. هذا موضوع أيضاً، أي الحضور بين الناس. بالطبع، يأتي الناس ولديهم توقعات من إمام الجمعة، وهي ليست من مسؤوليته، بل مسؤولية الجهاز الحكومي الفلاني، أو الجهاز القضائي الفلاني. بدلاً من الذهاب إلى هناك يذهبون إلى إمام الجمعة الذي هو بين متناول أيديهم. بالطبع هذا قائم. أعلم ذلك وقد كنت كذلك أيضاً ورأيت أنّه يسبب المشكلة لإمام الجمعة، لكن يجب إخبار الناس أن هذه ليست مهماتنا، فهناك مسؤولون محددون لهذا، لكن في الوقت نفسه، إذا حدث الرجوع إليه، فليستمع. طبعاً يجب أن أقول هذا حتماً: إن شبكة إمامة الجمعة هي من بين مؤسسات الثورة الأكثر شعبية. يجب أن يكون هذا معروفاً أيضاً. فعندما ينظر المرء إلى مجموعة المؤسسات الثورية - تتمتع بحمد الله ببركات كثيرة - يرى أن إحدى الشبكات الثورية الأكثر شعبيةً هي شبكةُ أئمة الجمعة.
توصية أخرى مهمة للغاية هي التواصل مع الشباب. من أجل هذا عليكم الجلوس والتفكير في توفير آلية عمل، فالتواصل مع الشباب ليس على هذا النحو: أن تقولوا للشباب أن يأتوا، فينهضون ويأتون! عليكم أن تجلسوا وتفكروا في إيجاد حل، وأن تجدوا آلية عمل. اليوم، هناك مجموعات عفوية ومجهولة الاسم ومنخفضة التكلفة وغير مدّعية، تنفذ أعمالاً ثقافية واجتماعية وتقدم خدمات في أنحاء البلاد كافة. إنها موجودة في كل مكان من البلاد. لأنني مهتم بهذه المجموعات - أحياناً يتصلون ويقولون أو يطلبون شيئاً ما - أعلم أن هناك الآن مجموعات مثل هذه في أنحاء البلاد شتى وفي المدن كلها تقريباً، المدن الكبيرة والصغيرة. ابحثوا عن هؤلاء في مدينتكم، واعثروا عليهم، وساعدوهم، وامسحوا على رؤوسهم بيد الحنان، فهؤلاء مجموعة شابة. اجلسوا مع الطلاب الجامعيين الشباب والطلاب الحوزويين الشباب - توجد اليوم في معظم مدننا الجامعات والحوزات العلمية أيضاً... حسناً هؤلاء كلهم شباب - وتحدثوا معهم واذهبوا إلى مؤسساتهم ومدارسهم وجامعاتهم. تحدثوا معهم وادعوهم. إن التواصل مع الشباب مفيد لإمام الجمعة نفسه وله فوائد معنوية، لأن الأجيال تنتج عادة وبطبيعة الحال لغةً جديدة وفكراً جديداً وأدباً جديداً - هذه هي طبيعة الأمر - فلا تبتعدوا عن هذه الحركة الجديدة للشباب. عندما تذهبون وتدخلون بين هؤلاء وتجدون الأُنس معهم، ستصيرون أكثر دراية بلغتهم وأدبهم ومصطلحاتهم. هذا سيساعدكم كثيراً على التواصل معهم، خاصة مع المجموعات التعبوية. فترددوا واجلسوا مع هؤلاء الشباب الطيبين في المحافظات والمدن كافة.
الاتجاه الآخر الذي نوصي به هو المشاركة في الخدمات الاجتماعية العامة. بعض أئمة الجمعة المحترمين تألّقوا جيداً في هذه المجالات إنصافاً. في الزلزال والفيضانات وقضية كورونا وتجميع الخدمات الاجتماعية والمساعدات الشعبية والإيمانية ومختلف القضايا الأخرى، دخل أئمة الجمعة إلى الميدان وعملوا. هذا أيضاً واحد من تلك الأعمال التي في اعتقادنا أنها جيدة جداً. يجب أن تكون مساعدة الطبقات المحرومة والمستضعفين والمحرومين بين مهماتكم الضرورية. إننا نناصر العدالة، ونرفع راية العدالة، ولكن لا معنى للعدالة من دون مساعدة ورعاية الطبقة المستضعفة والمحرومة وأمثال ذلك. إذا استطعتم تقديم المساعدة إلى الطبقات المحرومة في بيئتكم تلك، فهذا بين أفضل الأعمال.
نقطة أخرى هي الإشراف على هذه اللجان. بالطبع، يجب أن أشكر اللجان حقاً. إن لجان إقامة الجمعة هذه في أنحاء البلاد كافة تبذل عناء كثيراً وتعمل وتسعى كثيراً. رافقوهم وشاهدوا أعمالهم، وراقبوا أعمالهم واطمئنوا إلى سلامة [أعمالهم]. بالطبع إنهم طيبون، وإنهم أناس صالحون ومؤمنون، لكن في النهاية وفي كل مكان قد تتدخل بعض الأشياء بطريقة كما النمل الأبيض (الأرضة)، فكونوا حذرين من هذا الأمر أيضاً.
نقطة أخرى وتذكير آخر قد قلته مرات عدة من قبل: تجنّبوا الانخراط في الأنشطة الاقتصادية. أن يكون لإمام الجمعة نوع من النشاط الاقتصادي بسبب أن «صلاة الجمعة تحتاج إلى مال... إنها بحاجة إلى دخل وليس لدينا دخل» ليست فكرة سديدة. بعض السادة المحترمين من أئمة الجمعة دخلوا في النشاط الاقتصادي ولم يكونوا ذات معرفة به وأخفقوا، وقد استغل الآخرون هذا، وبقي وزره ووَباله في عنق النظام، وبعض ذلك مستمر أيضاً! لا تدخلوا في الأمور الاقتصادية مطلقاً. إنّ الإدارة لتشكيلات الحوزويين تكون عبر الناس. أيها السادة، بعضهم يستعيبون [على أنفسهم] أن يقولوا إن الحوزات العلمية تسترزق من الناس. هذا ليس عاراً. هذا فخر. هذا يعني أنهم لا يحتاجون إلى الحكومات والسلطات. هذا امتياز كبير. لذا هم يستطيعون الوقوف إلى جانب الناس بسهولة. انظروا: في الحالات المختلفة، وقفت الحوزات العلمية إلى جانب الناس، وبقيت معهم، ولم تجامل الحكومات والسلطات. إذا كان هناك بين علماء الدين أشخاص مرتبطون بوقفٍ أو مكان ما، لم يستطيعوا [الوقوف بجانب الناس] وتخلّفوا عنهم. كلّا! نحن نرتزق من الناس، ولا إشكال في ذلك. صلاة الجمعة أيضاً على هذا النحو. على الناس أن يساعدوا وهم يفعلون ذلك. عندما تنفذون أنشطة اقتصادية وتؤسسون دكاناً وأعمالاً من هذا القبيل، يقول الناس: حسناً، هؤلاء لديهم [المال]. ليس الأمر أنهم لن يساعدوكم فحسب، بل سيتوقعون منكم [المساعدة]. حسناً، هذه بعض النقاط حول سجيّة إمام الجمعة.
لنتحدث ببعض النقاط عن الخطب أيضاً. أولاً يجب الالتفات إلى أن خطبة الجمعة وخطيب الجمعة هما المتحدثان باسم الثورة الإسلامية. انتهى! لا ينبغي لأحد أن يكون لديه توقعات أخرى من خطيب الجمعة. إنه المتحدث باسم الثورة الإسلامية، وهو المبيّن لمبادئ الثورة والمطالِب بمطالبها، وهو مِلك الثورة. لقد كان على هذا النحو دائماً، وهو هكذا على مر التاريخ أيضاً. يتمثل الإنجاز العظيم لخطيب الجمعة في قدرته على إعادة إنتاج المفاهيم المعرفية والثورية وفقاً لاحتياجات اليوم. هناك مفاهيم كثيرة للثورة أطلقنا شعاراتها ذات يوم، وكنا نتبعها أيضاً ولا نزال، لكن اليوم يجب تبيين تلك المفاهيم نفسها وإعادة إنتاجها بأدبيات جديدة ومناسبة لليوم. إنجاز إمام الجمعة هو أن يكون قادراً على إعادة الإنتاج لمسألة العدالة، والاستقلال، ومساندة المستضعفين، واتباع الشريعة، وهذه الأشياء التي هي من مبادئ الثورة وأسسها، وهذه المفاهيم العظيمة، بلغة اليوم وبلغة جيل الشباب، [فهو] المتحدث باسم الثورة.
يجب أن تكون الخطب مليئة بالمضمون وهادفة وتجيب أسئلة الناس. هناك أسئلة، فيمكنكم في الخطبة حتى دون أن تشيروا إلى السؤال أن تبيّنوا إجابة السؤال الذي يدور في أذهان الناس.
يجب أن تكون أدبيات الخطبة دافئة حميمية باعثة على الوحدة خلّاقة للأمل. لا بدّ أن تكون أدبيات الخطبة خلّاقة للأمل. كل كلمة تقولونها في الخطبة في إمكانها أن تكون مصداقاً على هذه الآية الشريفة: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} (الفتح، 4)، ويمكن أن تكون مصداقاً على الاضطراب والهجْس. طبعاً الهاجس ليس سيئاً لكن يمكن أن تكون [الخطب] مصداقاً للاضطراب والتلاطم الروحي والتشاؤم بشأن الوضع، والتشاؤم من المستقبل وما إلى ذلك. يمكن التحدث في كلا الاتجاهين. يجب أن تكون خلّاقة للأمل والبصيرة. يمكن أن تكون أيضاً صانعة للسجالات الهامشية، كأن نقول شيئاً ويصير مستمسكاً لعدوكم ومعانديكم فيأخذونه بيدهم ويتحدثون ضدكم.
واحدة من النقاط في الخطب هي أن تكون قادرة على مواجهة بث العدو الشبهات باستمرار. انظروا! قلت اليوم إن ميدان المعركة هو ميدان معركة القوة الناعمة، والقوة الناعمة للعدو هي بث الشبهات. ماذا يعني «بث الشبهات»؟ أي لدينا شعب وقف مع الثورة بعقيدة وإيمان تامّين، وقدّم الأرواح، وبذل العناء، وحمّل نفسه العناء، وأوصل الثورة إلى الانتصار، ثم صمد ثماني سنوات في الحرب المفروضة، ثم أيضاً واجه الفتن التي كانت قائمة حتى اليوم، وحيثما كان لازماً، حضر. الناس على هذا النحو. حسناً الآن إذا أراد العدو تدمير هذا الحصن المتين أو إحداث صدع فيه، فماذا سيفعل؟ لا بد لهم أن يخدشوا هذا الإيمان وأن يجادلوا فيه، وهذا يأتي ببثّ الشبهات. يجب ألا نستخف بالشبهة. لقد كان هناك أشخاص ممن ثبتوا أمام الرمح والسيف لكن سقطوا أرضاً أمام الشبهة والشك ولم يستطيعوا الوقوف. لقد رأينا أشخاصاً على هذا النحو. ثبتوا في ميادين القتال بقوة وشجاعة لكن حدثت لهم شبهة ولم يتمكنوا من حلها، فسقطوا أرضاً. هكذا هي الشبهة.
الهدف من بث الشبهات هو زعزعة الناس الذين هم القوى الرئيسية للبلاد، وإيمان الناس الذي هو العامل الأساسي في الحفاظ على البلاد والنظام الإسلامي. حسناً، هذه الأفعال ناجمة عن العداء. فالجمهورية الإسلامية قامت على عمل عظيم في مواجهة الغرب. الآن هذه الأشياء قد تقال أحياناً ويتكرر قولها ويخف وهجها، أي لا يُنتبه إلى مضمون الموضوع ومحتواه جيداً، وفي بعض الأحيان، لا يُعبّر بطريقة جيدة، ولكن هناك حقيقة عجيبة: الجمهورية الإسلامية بحضورها ووجودها أبطلت ادعاء الغرب الممتد مئتي عام أو ثلاثمئة.
تتمثل النقطة المركزية لهوية الحضارة الغربية في الفصل بين الدين والتقدم. هذه هي النقطة المركزية: إذا أردتم أن تتقدموا، فعليكم أن تضعوا الدين جانباً. أيْ لا إشكال في أن يكون لديكم معتقد شخصي، لكن يجب ألا تدخلوا الدين في شؤون الحياة إذا أردتم أن تتقدموا. هذه هي النقطة الأساسية والمركزية لهوية الحضارة الغربية. لقد استهدفت الجمهورية الإسلامية هذا المركز تحديداً وأطلقت النار وأصابت الهدف.
دخلت الجمهورية الإسلامية الميدان بشعار الدين، وإلى جانب أنها استطاعت أن تحافظ على نفسها، استطاعت أن تنمو وأن تنشر هذا المنطق وأن ترسّخه. {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} (إبراهيم، 24)، هذه الآية نفسها التي تلوتها. الجمهورية الإسلامية دحضت بوجودها الهوية المركزية للحضارة الغربية ووضعتها على المحك. حسناً، إنهم غاضبون. هؤلاء غاضبون. حقيقةَ القوى الغربية هي مافيا، وعلى رأس هذه المافيا الصهاينة والتجار اليهود البارزون والسياسيون التابعون لهم، وتُشكّل أمريكا واجهة عرضهم، وهم منتشرون في كل مكان. هذه هي القوة الغربية. حسناً هذه لا يمكنها تحمّل هذا الأمر. كل يوم تفكر في أن تفعل شيئاً، وأن توجّه ضربة إلى الجمهورية الإسلامية.
أودّ أن أقدم مثالاً لا يزال مطروحاً هذه الأيام أيضاً: قضية المرأة في المجتمع الإسلامي. طبعاً منذ بداية الثورة أثاروا قضية المرأة. لقد أطلقوا ادعاءات فارغة بأنهم يريدون مساندة المرأة الإيرانية وما شابه. مرة جديدة أثاروا قضية المرأة أخيراً بحجة الحجاب ونحوه، ويكررون المحاولات الفاشلة عينها مرة أخرى. حسناً، مرة قبل بضع سنوات سألني شخص من جمع ما: ما دفاعك مقابل الغرب في ما يتعلق بقضية المرأة؟ قلت: ليس لدي دفاع، لدي هجوم! هم عليهم أن يدافعوا وأن يجيبوا. لقد حوّلوا المرأة إلى سلعة. دفاع؟ أنا لا أدافع. نحن المدّعون في قضية المرأة. إذن، ما المسألة الآن؟ ما السبب في أنكم فجأة ترون أدوات الدعاية ووسائل الإعلام الرسمية والحكومية لأمريكا وبريطانيا وبعض الأماكن الأخرى ومرتزقتها وأتباعها فجأة يتهافتون على قضية المرأة في مدة معينة ويجدون ذريعة أيضاً [مثل] قضية الحجاب وما إلى ذلك؟ لماذا يفعلون ذلك؟ هل حقاً هؤلاء يريدون الدفاع عن حقوق المرأة والمرأة الإيرانية؟ أليس هؤلاء هم أنفسهم الأشخاص الذين لو استطاعوا أن يقطعوا المياه عن هذا الشعب، لَقطعوها؟ هل هؤلاء تحترق قلوبهم على المرأة الإيرانية؟ لقد منعوا وحظروا أدوية الأطفال المصابين بمرض الفراشة[5] وهم أطفال! الحظر الشامل على الشعب الإيراني! هل هؤلاء حريصون على المرأة الإيرانية؟ هل يمكن لأحد أن يصدق ذلك؟
فما القضية؟ إن حقيقة المسألة هي أن المرأة الإيرانية الشريفة والموهوبة وجّهت إحدى أكبر الضربات إلى الحضارة الغربية. هؤلاء قلوبهم مليئة [بالحقد]. [هذا العمل] فعلته النساء. ناهيكم عن مجموع تحرّكات الجمهورية الإسلامية، وجهت المرأة الإيرانية إحدى أهم الضربات إلى المزاعم والأكاذيب الغربية. كيف؟ منذ سنوات –مئتي عام - كانوا يقولون إنه إذا لم تتحرر المرأة من القيود الأخلاقية والشرعية ومثل هذه الأشياء، فلن تكون قادرة على التقدم أو الوصول إلى المستويات العالية العلمية والسياسية والاجتماعية وغيرها. يقولون مثل ذلك. إن شرط وصول المرأة إلى مراتب اجتماعية وسياسية عالية وما إلى ذلك هو التخلي عن هذه القيود الأخلاقية.
لقد دحضت المرأة الإيرانية ذلك عملياً. ظهرت المرأة الإيرانية في المجالات كافة بنجاح واعتزاز وبحجاب إسلامي. هذه ليست رَجْزاً. إنها الحقائق الملموسة لمجتمعنا. إن الداخلين إلى جامعاتنا إما 50% وإما أكثر من 50% هم من فتياتنا ونسائنا. وعالماتنا يؤدين دوراً في المراكز العلمية الحساسة والمهمة التي زرت بعضها بنفسي شخصياً. إن النساء بين الأبرز في مجال الأدب والأدبيّات والشعر والرواية والسيرة. في مجال المسابقات الرياضية - أحياناً لا يملك المرء حقاً القدرة على الثناء على هذه الشخصيات بالقدر الذي يستحققنه - تقف الفتاة الإيرانية على المنصة الأولى للمسابقات وترفع العلم والنشيد الوطني الإيراني أمام أعين مئات الملايين من مشاهدي التلفاز حول العالم وهي محجبة، ولا تصافح ذلك الرجل الذي يأتي لتقديم الميدالية لها، أي تراعي الحد الشرعيّ. فهل هذا شيء بسيط؟ سأذكر حالة في المجال السياسي. في زمن الاتحاد السوفييتي السابق، وفي إحدى أهم الحالات لتسليم الرسائل السياسية بين البلدين،[6] أرسل الإمام وفداً من ثلاثة أشخاص كان أحدهم امرأة[7]. امرأة قوية! رحمة الله عليها. في مسؤوليات الإدارة الحكومية، قامت نساؤنا، بالحجاب وبالعباءة، بأفضل نحو من الإدارة في ذلك القسم المتعلق بهن. في القضايا العلمية والأدبية، ومقدمي البرامج في الإذاعة والتلفاز، هنّ أفضل المقدمين. في مختلف المجالات، كانت المرأة الإيرانية حاضرة ووصلت إلى أعلى المستويات بالحجاب الإسلامي وبمراعاة الحجاب. هذا أمر مهم جداً. وهو المُبطل لمئتين أو ثلاثمئة عام من الجهد والسعي للغرب. لا يمكنهم تحمّل ذلك. يغضبون ويخبطون رؤوسهم بالأبواب والجدران حتى يتمكنوا من فعل شيء، ثم تشبثوا بقضية الحجاب. يتشبثون بشيء واحد وينفذون الدعاية. انظروا! هذا هو السبب في بث الشبهات ذاك، وتظاهر العدو هو ما تشاهدونه وترونه. على أي حال هذه أشياء مهمة.
كما أبلغونا، أُثيرت مسألة الحجاب في كثير من خطب صلاة الجمعة هذا الأسبوع. هذه القضايا الجارية اليوم نفسها والموجودة أيضاً في الفضاء المجازي وما شابه، وأيضاً في بعض الصحف، قد أثيرت أيضاً في كثير من الخطب. حسناً، في هذه المجالات، يجب أن يتعامل المرء بأسلوب متين ومنطقي جداً وبعيداً عن العواطف غير الضرورية. طبعاً العواطف شيء جيد، وليست سيئة، لكن هناك مكان للعمل بالعواطف. في النهاية، وفي مثل هذه الحالات، يجب أن تفضحوا المنطق الاستعماري الغربي الذي هو المحرض على الحرب ويده منغمسة في العمل أيضاً. افضحوه وبيّنوه للناس بدلائل واضحة. يفعل الغربيون الآن أفعالاً على مستوى وسائل الإعلام الحكومية الكبيرة لديهم وكذلك على مستوى خدّامهم الحقيرين. لا إشكال في ذلك، لا تتواجهوا مع هؤلاء ولا تجابهوهم، [بل] اجعلوا أساس الموضوع التبيين للناس. بالطبع هذه توصية بالمجمل. قلنا: ينبغي التعامل برصانة ومن دون أن نصاب بالمبالغة. وهذا ينطبق أيضاً على كثير من الحالات الأخرى. إذا كان هناك اختلال ورأى إمام الجمعة أن من الضروري طرحه لأي سبب، فليطرحه. فالدراية بوضع المدينة والناس والذهنية وما شابه تقوده إلى هذا الاستنتاج، ولا إشكال في ذلك. لكن يجب أن تكون جودة الطرح مناسبة لمكانة إمام الجمعة، أي بشكل متقن ورصين.
خذوا جهاد التبيين على محمل الجد، وخذوا إزالة الشبهات من ذهن المخاطبين على محمل الجد. الشبهة من الأمور التي قلنا إنها كالنمل الأبيض. العدو يعقد الأمل على هذا النمل الأبيض. إنها تشبه الفيروس. إنها مثل فيروس كورونا هذا: بمجرد دخولها يصعب إخراجها، وهي أيضاً من الأمراض المعدية وتنتقل. طبعاً [حقيقة] أنني قلت: «بعض الأشخاص ثبتوا أمام السهام والسيوف، لكنهم لم يستطيعوا الصمود أمام الشبهة»، فهناك مقدارٌ لدور طلب الدنيا في الأمر أيضاً، ولا ينبغي استبعاد ذلك. ما الدنيا؟ دنيا كل شخص تختلف عن غيرها. أحدهم دنياه المال، وآخر دنياه المقام، وآخر دنياه الشهوات الجنسية... هذه دُنى أشخاص مختلفين. كلها دُنىً. قد يصنع تبريراً لنفسه أيضاً في خضم طلب الدنيا ذلك لكنه في النهاية طلب دنيا. هذه [الأمور] أيضاً لها تأثير.
لذلك قلنا بشأن الخطبة إن خطبة الجمعة يجب أن تكون مركزاً لتبيين مضمون قوي ومنطق محكم وغني لقضايا الثورة المهمة مثل العدالة. قضية العدالة مهمة جداً. فكروا واعملوا وتحدثوا عن العدالة. [كذلك] بشأن الاستقلال. الاستقلال مسألة مهمة جداً. نصرة المستضعفين ووحدة العالم الإسلامي هي قضايا مهمة جداً. امنحوا الناس البصيرة.
بالطبع هذه الكلمات والنقاط التي قدمناها تنطبق أيضاً على خطب محرم المقبل قريباً و[ينبغي] أن تكون على نحوٍ ترون معه نتيجته في اجتماع صلاة الجمعة. فإذا كان ما تفعلونه ناجحاً، ينبغي أن يظهر أثره في اجتماع صلاة الجمعة. إذا رأيتم أن هذه الأعمال التي فعلتموها لم يكن لها تأثير في جذب المخاطب، فاعلموا أن ثمة خللاً في العمل. ابحثوا عن الخلل وعالجوه. لا يمكن إرجاع قلة الاهتمام إلى أن الناس مثلاً لديهم إيمان ضئيل بالقضايا الدينية وما شابه. كلّا! بعض الأشخاص يقولون مثل هذا الكلام. يبدو حقاً أنهم يتحدثون دون أن يفكروا، [فيقولون]: يا سيد، إن الناس دينهم صار كذا، وضعُف اعتقادهم. كلا، أبداً! لم يضعف. انظروا إلى مسألة احتفال الغدير هذه، ومجالس الخطابة الضخمة لمحرم وصفر في مختلف المدن. مَن هم الذين يشاركون؟ إنهم الناس طبعاً. انظروا إلى مجالس الرثاء والعزاء والحداد، وإلى مسيرة الأربعين. من هؤلاء؟ إنهم هؤلاء الناس طبعاً. لم يضعف دين الناس وإيمانهم وتديّنهم، بل صار أقوى، ولكن ربما على سبيل المثال قد تكون جلسة هذا العبد الذليل، أو صلاة هذا العبد الذليل، على نحو لا أستطيع فيه أن أجذب هؤلاء الناس المؤمنين، فلا ينبغي أن يُنسب هذا إلى قلة تديّن الناس. بعض الأشخاص يقولون دون دليل إن الناس أصبحوا هكذا، أو اعتقادهم قد ضعف. كلا، لم يضعف. لا يزال [وضع] الناس أفضل مِن قبل الثورة - نحن رأينا ما قبل الثورة، ولم يرَ معظمكم ما قبلها - سواء في اجتماعاتهم، أو مساعداتهم المالية للحوزات العلمية أكثر وصارت أكثر بأضعاف، وكذلك حضورهم في الخدمات الاجتماعية-الدينية بات أكبر وأكثر أهمية. الناس في الميدان، ونحن يجب ألاّ نتنحى من الميدان.
اللهم، بمحمد وآل محمد، اجعل كل ما قلناه وسمعناه من أجلك وفي سبيلك، وتفضل علينا بالإخلاص وتقبّله منا. اللهم، اجعلنا من العاملين بقولنا، واحشر الروح المطهرة للإمام [الخميني] الجليل (رض) الذي فتح لنا هذا الطريق، والروح المطهرة لشهدائنا الأعزاء الذين جاهدوا في هذا النهج وتاجروا مع الله بذخر عمرهم، مع أرواح شهداء صدر الإسلام وأئمة الهدى (ع)، وألحقنا بهم أيضاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء، قدّم تقريراً حجّة الإسلام والمسلمين محمد جواد حاج علي أكبر (رئيس لجنة وضع السياسات لأئمة الجمعة).
[2] إشارة إلى اصطلاح «يلي الحق» في العرفان، الذي يعني البُعد المعنوي والحقيقة الوجودية للإنسان، والأبعاد الإلهية له كافة.
[3] مصباح المتهجّد، ج. 2، ص. 849.
[4] وسائل الشيعة، ج. 7، ص. 344.
[5] اسمه العلمي انحلال البشرة الفقاعي.
[6] تسليم الرسالة التاريخية للإمام الخميني (قده) لميخائيل غورباتشوف (آخر زعيم للاتحاد السوفييتي).
[7] السيدة مرضية حديدتشي دباغ (خانم مرضیه حدیدچی دباغ).