بسم الله الرحمن الرحيم

* من الأهداف التي سعت السفارة الأمريكيّة في لبنان دوماً إلى تحقيقها إطلاق أعمال الشغب في هذا البلد. ما المصاديق المتوفّرة والدالّة على سعي واشنطن إلى التسبّب في الفوضى وإطلاق أعمال الشغب في لبنان؟

لا شكّ أن الولايات المتحدة الأمريكية حاولت قبل 2019 إثارة أعمال الشغب في لبنان وقلب البيئة اللبنانية والشعب اللبناني على السلطة ثم على حزب الله والمقاومة.

هذا العمل كان قد بدأ منذ 2005 مروراً بمحطات كثيرة بعد الربيع العربي عبر منظمات المجتمع المدني، لكن المصداق الأكبر لما جرى من محاولات شغب واستغلال من الولايات المتحدة من أجل نشر الفوضى في لبنان كان ما بعد 17/10/2019. في محطات كثيرة، نفذ ناشطون تابعون للسفارة الأمريكية ومنتمون إلى منظمات المجتمع المدني (NGO) أعمال شغب بقطع طرقات وما إلى هنالك من أمور في لبنان كله، والاعتداء على السيارات والمارة، ومحاولة محاصرة لبنان وزعزعة استقراره وضرب بنية الاقتصاد اللبناني وحصاره من أجل هدف واضح وأساسي هو محاصرة حزب الله، لأن الولايات المتحدة لم تستطع الانتصار أو القضاء على قوة الحزب بحرب تموز 2006 التي شنها العدو الإسرائيلي بدعم أمريكي لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير، فوصلت الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي إلى قناعة خاصة بعد الحرب السورية وإثبات المقاومة جدارتها في مواجهة المنظمات الإرهابية أن حزب الله لا يمكن كسره عسكرياً، فكان الخيار الأفضل استخدام أدوات الإرغام ضد الحزب وعلى رأسها ما يتعلق بالشق الاقتصادي واستخدام وسائل متعددة لمحاصرة لبنان.

 

* بسبب الدور الذي لعبته المقاومة في إرساء الأمن داخل لبنان، تعرّضت في مختلف المراحل لهجمات سفارة الولايات المتحدة الأمريكيّة، لدرجة أنّ السفيرة الأمريكية في لبنان، دوروثي شيا، وصفت حزب الله بالمجموعة الإرهابيّة. ما الأسباب التي دفعت السفارة الأمريكية إلى مهاجمة المقاومة بهذه الطريقة؟

في السؤال الأول، أجبنا عن جزء من السؤال الثاني في ما يتعلق بالمقاومة، وأضيف أن المتتبع لمسار الأحداث على الساحة الإقليمية يعلم جيداً أن المقاومة استطاعت كسر مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي أعلنته كونداليزا رايس في عهد جورج بوش الابن.

كان هذا المشروع يتطلع إلى جعل المنطقة كلها تابعة للولايات المتحدة وتقسيم الدول العربية إلى دويلات، وكان في مقدمة ذلك لبنان، لتحويله إلى بلد تابع كلياً للعدو الإسرائيلي.

استطاعت المقاومة أن تكسر هذا المشروع عام 2006، واستطاعت عام 2008 منع إسقاط ما يتعلق بشبكة الاتصالات التابعة للمقاومة، وأيضاً منعت فتنة وحرباً أهلية في لبنان وصارت لاعباً رئيسياً في السياسة اللبنانية، ثم أتت الحرب السورية واستطاعت المقاومة القضاء على المشروع الأمريكي. إن لم نقل إنّها قضت عليه، فسنقول ضرب المشروع الأمريكي في الصميم، الذي كان يقوم على تغذية الجماعات الإرهابية كـ«داعش» و«جبهة النصرة» وغيرها من التنظيمات لتقويض أمن الدولة السورية وأيضاً لبنان والدخول إلى لبنان والعراق.

تمكّن حزب الله فعلاً أن يكون رأس حربة وعاملاً أساسياً في انتصار «محور المقاومة» على الإرهاب، وهذا ما جعل الولايات المتحدة تسعى دائماً إلى تشويه صورة حزب الله وتحاول محاصرته والقضاء عليه.

 

* كان جفري فيلتمان، وهو سفير واشنطن في بيروت بين 2004 و2008، قد أقر في حزيران/يونيو 2010 بأنّ واشنطن أنفقت بعد حرب تمّوز 2006 مبلغ 500 مليون دولار من أجل تشويه صورة حزب الله. ما الخطوات التي أقدم عليها الأمريكيّون في الشأن الاقتصادي من أجل توجيه ضربة إلى مصالح لبنان والمقاومة في هذا البلد؟

أنا لست خبيراً اقتصادياً لكن سوف أحاول أن ألخص لكم باختصار الخطوات التي حدثت.

أولاً في المشهد الواضح أمامنا منذ ما قبل 2019 -لربما 2017-2018 - بدأ إغلاق بعض البنوك التي اتهمت بأنها تتعامل مع حزب الله، وأيضاً بدأت أمريكا فرض عقوبات على مسؤولين في حزب الله والدولة اللبنانية وعلى شركات وكيانات متعددة. بعد 2019 أُرغمت البنوك على الإقفال وتجميد ودائع الناس. كانت هذه الودائع بمليارات الدولارات، ثمّ بدأ اللعب بسعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار. هذه النماذج التي أتحدث عنها أو الخطوات تتعامل بها الولايات المتحدة في كل حصار اقتصادي في العراق وسوريا واليمن وما إلى هنالك.

أيضاً ضغطت على الحكومة لمنعها من التعامل مع الشرق، وأعني إيران أو روسيا أو الصين، وضغطت على الحكومة، أي على رؤساء الحكومات، لمنع تمرير كثير من المشاريع، ومنعت تشكيل الكثير من الحكومات، وقد ضغطت للتباطؤ في تشكيل الحكومات خاصة بعد استقالة الرئيس سعد الحريري عقب 17/10/2019... وخطوات أخرى كثيرة من أجل الحصار الاقتصادي على لبنان.

 

* تقول المصادر العسكريّة السابقة في لبنان إن «سفارة عوكر» في لبنان تُعدّ مؤسسة استخباريّة كاملة تحظى بغطاء دبلوماسي، وهي منشغلة في أعمال التجسس وجمع المعلومات [المهمّة] حول المؤسسات والمنظّمات الحساسة والأساسيّة في لبنان. كيف تنشط السفارة الأمريكيّة في أعمال التجسس ضدّ لبنان تحت الغطاء الدبلوماسي؟

من المعروف أن السفارات الأمريكية المنتشرة في العالم ومنها التي كانت في إيران هي وكر للتجسس، ومنها سفارة عوكر. تحدثت مصادر كثيرة أن سفارة عوكر تتحول حالياً إلى أكبر سفارة – لعلها كذلك - في الشرق الأوسط إلى جانب السفارة الأمريكية في العراق.

بطبيعة الحال ونتيجة الوجود الجغرافي يمكن القول إن هناك أدواراً متعددة تلعبها السفيرة الأمريكية في لبنان التي فعلت كما السفراء السابقين عدة أمور للتجسس تحت الغطاء الدبلوماسي.

 

* دوماً أثارت السفيرة شيا البلبلة والضجيج ببعض تصرّفاتها في لبنان. فهي التقت في آب/أغسطس الماضي رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» لكي تنقل بعض المعلومات حول المرشّحين لمنصب رئاسة الجمهوريّة إلى البيت الأبيض. ما الأهداف التي تسعى إليها السفيرة الأمريكيّة عبر هذه التدخّلات في شؤون لبنان؟

دائماً ما تتدخل الولايات المتحدة في لبنان منذ بدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مع تأسيس الكيان اللبناني. بدأت هذه السفارات هذا الأمر في أربعينيات القرن الماضي. بطبيعة الحال، ترى الولايات المتحدة في لبنان جزءاً جغرافيّاً مهمّاً لها، كونه قريباً من سوريا ومطلّاً على البحر المتوسط ويقع على الحدود مع فلسطين المحتلة. لبنان يشكل حجر عثرة في مشروع إسرائيل الكبرى، وهناك مقاومة اليوم تواجه إسرائيل وتشكل تهديداً وجوديّاً لها. لذلك، تتدخّل الولايات المتحدة دائماً في لبنان من أجل جعله مطية لها ولاستخدامه في أهداف إستراتيجية تخصّها في منطقة الشرق الأوسط.

أيضاً هي تسعى إلى إيصال رئيس جمهورية و، ذا أمكن رئيس حكومة تابعاً لها. منذ مدة لم تتمكن من ذلك، وأتى الرئيس ميشال عون المعروف بالمقاومة وموقفه الوطني والمقاوم.

 

* يبدو أنّ السفارة الأمريكيّة على تنسيق تامّ وكامل مع السعوديّة في قضيّة التدخّل في شؤون لبنان. ضمن هذا الإطار، وفي أيّار/مايو الماضي، سافرت شيا برفقة سفيرة فرنسا في بيروت، آن غريو، إلى السعوديّة حيث التقيتا مسؤولي الرياض وأجرتا محادثات معهم بخصوص الأوضاع السياسيّة والاقتصاديّة للبنان. ما العلاقة بين سفارة أمريكا والسعوديّة، التي تدفع كلتا الدولتين إلى التدخّل في شؤون لبنان؟

في المشهد العالمي هناك خلاف ما بين السعودية والولايات المتحدة، وحتى في المشهد الإقليمي، لكن للمفارقة هناك تقاطع مصالح بخصوص لبنان، خاصة أن الأهداف السعودية في لبنان قريبة من الأمريكية وتتمثل في محاصرة المقاومة وقلب الشعب اللبناني على المقاومة وإمكانية القضاء على حزب الله. لذلك هناك تقاطع كبير بين الفريقين، فيتدخلان وينسقان من أجل التآمر على لبنان والتدخل في شؤونه. لربما يمكنهما إيصال رئيس جمهورية تابع لهما وتنفيذ السياسات التي يريدونها مع بعض الأطراف في لبنان أمثال سمير جعجع وغيره من أجل محاصرة حزب الله، ولكن هذا لن يتم بطبيعة الحال. إن هذا الهدف مشترك بين الطرفين ويخلق تقارباً في وجهات النظر بين الولايات المتحدة والسعودية وفرنسا.