قال قائد الثوة الإسلامية، الإمام الخامنئي، في إشارة إلى الحرب المركبة للعدو ضد الشعب الإيراني في أحداث الشغب الأخيرة واستخدام الإمكانات كافة على المستويين الصلب والناعم لتوجيه ضربة إلى البلاد: «لم تكن هذه الأحداث التي وقعت خلال الأسابيع القليلة الماضية مجرّد أعمال شغب في الشوارع، بل هناك مخطّطاتٌ أعمق بكثير خلفها. لقد أطلق العدوّ حرباً مركّبة، وأنا أقول لكم ذلك بناء على المعلومات. العدوّ، أي أمريكا وإسرائيل، وبعض القوى الأوروبيّة الشريرة والخبيثة، وبعض الجماعات والمجموعات، وظّفوا إمكاناتهم كافة في الميدان. ماذا تعني الإمكانات كافة؟ أي أجهزتهم الاستخباريّة والإعلاميّة وقدراتهم في الفضاء المجازي وما كسبوه من تجاربهم السابقة» (2/11/2022).

أجرى موقع KHAMENEI.IR الإعلامي حواراً مع الخبير في القضايا السياسية السيد رضا سراج بهدف دراسة الحرب المركبة للعدو ضد الشعب الإيراني وتحليل هندستها.

نرى في السنوات الأخيرة أن الموضوعات المتعلقة بالحرب المركبة تُستخدم في كثير من التحليلات والخطابات. أيّ نوع من الحروب هي المركبة، وما خصائصها؟

الحرب المركبة هي حرب يستخدم فيها أحد أطراف الصراع مجالات النزال المختلفة في الوقت نفسه لكي يضع آثارها في الخصم بشكل تآزري. يقال في تعريف الحرب المركبة إن الإستراتيجية العسكرية هي مزيج من الحرب السياسية، والكلاسيكية، وغير المنظمة، والمجازية، والأخبار المزيفة، والجهود الدبلوماسية والقانونية والقضائية، والتدخل في انتخابات الدول، والعبث في الهيكل الديموغرافي، والغزو الثقافي، واستغلال الخلافات الدينية وما إلى ذلك.

في تعريف آخر للحرب المركبة: إن نواة هذه الحرب هي الحرب الإدراكية التي يُفرض على أساسها أنواع أخرى من العمليات على الطرف المقابل. في النهاية، تترك هذه الأنواع المتعددة من الحروب، وخاصة الإدراكية، التأثيرات اللازمة في ذهن المخاطب وإدراكه. مجموع هذا كله هو في الواقع حرب لتغيير حسابات البلد المستهدف والتأثير فيه. لذلك إن الحرب المركبة حرب ذات ثمانية أضلاع، تتصدرها الحرب الإدراكية، ومن حولها الحرب المعلوماتية والأمنية والسياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وتؤدي إلى حد ما إلى زعزعة الاستقرار وتعزيز فعالية التهديد العسكري.

إذا تم التركيب بين هذه الأنواع كلها من العمليات معاً، فسيؤدي إلى الضغط على الرأي العام واستهداف إدراك المخاطبين من أجل الضغط على إدراك المسؤولين في البلد المستهدف وفي النهاية تغيير الحسابات.

كيف تعرّفون الفرق بين الحركة الأخيرة للعدو في أعمال الشغب عام 2022 وحالات مشابهة مثل فتنة 2009؟

هناك أوجه تشابه واختلاف مع الحركات الماضية. تشابهها مع فتنة 2009 أنه في كلتا الحالتين كان الأساس والأرضية الحرب الإدراكية. في فتنة 2009، كانت قضية التزوير في الانتخابات حرباً إدراكية، وحتى الآن تدور حرب إدراكية عبر تزييف القتل وبث الأكاذيب وأشياء من هذا القبيل.

نقطة البداية للحرب المركبة هي الإدراكية التي يكون لها تأثيرها في ذهن المخاطبين في البلد المستهدف. وسائل الإعلام الحديثة لها فعالية كبيرة في هذا النوع من الحروب، وهي فعلاً أهم الأدوات. في التكملة: إذا تم تنفيذ هذه المرحلة من الحرب بنجاح، وأسْرُ أذهان النخب في البلد المستهدف، فمن الطبيعي أيضاً أسْرُ أذهان عامة الناس.

الفرق بين أحداث الشغب عام 2022 وفتنة 2009 أنه في فتنة 2009 - بعد الحرب الإدراكية - كانت الحرب السياسية هي الساحة الأهم. نشأ شق سياسي داخل البلاد يتمحور حول الحرب الإدراكية (التلقين بحدوث تزوير في الانتخابات) وأدخل البلاد في حالة من الفوضى، وسعى إلى تغيير حسابات مسؤولي النظام لإلغاء الانتخابات من أجل جرّ البلاد إلى المزيد من الهرج والمرج. لكن في الأحداث الأخيرة نشأت حرب إدراكية عبر مسائل اجتماعية-ثقافية تتعلق بقضية المرأة، وبعد ذلك إثارة المسألة في مجال الثقافة والمجتمع والسياسة، وسرعان ما دخلت ميدان زعزعة الاستقرار، أيْ الحرب المعلوماتية والأمنية.

على إثر ذلك، دخلت الدول الأوروبية والأمريكية الحرب في مجال الدبلوماسية بدعم مثيري الشغب ومتابعاتهم. لذلك، كان محبذاً لديهم أن تكون النتيجة النهائية للحرب المركبة التي أحاطت بأعمال الشغب عام 2022 هي تغيير الحسابات لدى الشعب والحكومة الإيرانية وقبول المطالب الأمريكية في إطار اتفاقية.

بصرف النظر عن التداعيات السياسية والأمنية، ما التوظيفات الأخرى التي أرادها العدو من أعمال الشغب الأخيرة، وفي أي اتجاه كانت تتحرك إيران حتى أراد العدو عرقلتها؟

اليوم، تحولت إيران إلى قوة وذات دور فعال أبعد من المنطقة في العلاقات العالمية. هذه الأهمية جعلت العدو يترصد فرصة الحرب المركبة هذه لكبح هذه القوة «الأبعد من الإقليمية». وكما أشار قائد الثورة الإسلامية، إن المفتاح لتحليل الأحداث الأخيرة هو مساعي الأعداء لمنع إيران من أن تصير قوية. لكي نفهم السبب في اندلاع هذه الحرب المركبة، علينا أن نتطرق إلى مسألة تقوية إيران.

في الواقع، إيران في ظروف الآن جعلتها على مفترق طرق عالمي وتؤدي دوراً رئيسياً في تغيير التوازن والتأثير في الحسابات والنظام العالمي. إلى جانب الصين وروسيا إيرانُ مليئة بالطاقة والموقع الجيو-سياسي وستكون لاعباً مؤثراً للغاية في العلاقات العالمية. من هذا المنطلق، سعى أعداؤنا إلى كبح القوة الإيرانية عبر بث الفتنة. في هذه الأيام، تواصل مؤسسات بلادنا، إضافة إلى الاستجابة للمطالب المهمة للشعب، العملَ في مجالات التقدم والاقتدار. في المدة الأخيرة، شهدنا مثلاً إزالة الستار عن مصاديق على تقدم البلاد في مجال الصواريخ الفرط صوتية التي تسمى «هايبرسونيك». من ناحية أخرى، أزلنا الستار عن النظام الدفاعي «باور 373» وصاروخ «قائم» الحامل للأقمار الاصطناعية. هذه الأمور كلها تظهر أن تقدم إيران غير قابل للتوقف عبر مثل هذه الحركات.

كما أشرتم، في هذه الحرب الإدراكية، كانت أنشطة وسائل الإعلام وأكاذيبهم ثقيلة للغاية. ما خصائص هذا النشاط الإعلامي وسماته، وما الوقائع التي استطاعت أن تُبيّنها للمراقبين في الخارج؟

الحرب الإعلامية أداة مهمة للحرب الإدراكية. اليوم، يجري تنفيذ إستراتيجية خداع وتضليل الرأي العام بصورة رئيسية عبر وسائل الإعلام. في الحرب الإدراكية، يجري أسر عقل المخاطبين، فيجب أن نسعى إلى تحرير أولئك المبتلين. إن السبيل لتحرير هؤلاء هو جهاد التبيين. على الخواص الآن أن ينظروا إلى مسألة التبيين على أنها جهاد. كلما نُفّذ جهاد التبيين بأسلوب صحيح وانفضحت أكاذيب العدو في الحرب الإدراكية، وكلما صارت وسائل الإعلام المهاجمة في الحرب الإدراكية، مثل «إيران إنترناشونال»​​ و«بي بي سي» وغيرها فاقدة للاعتبار، فسوف يساعد ذلك على تحرير أذهان الناس، وبخاصة الناشئة والشباب الذين صاروا اليوم أسرى أكثر من أي غيرهم في هذه الحرب الإدراكية.

هل تعتقدون أن أعمال الشغب هذه يمكن أن تؤثر في الحركة العامة لجمهورية إيران الإسلامية والشعب الإيراني؟

بطبيعة الحال هناك إنباتات وتسرّبات أيضاً في الفِتَن الأخيرة. لقد أثبتت التجربة أننا عانينا من ضربات في مجالات مختلفة على المدى القصير بسبب الفتن، ولكن أينما بادرت القوى الثورية وأسهمت في الميدان، فقد أعانهم الله أيضاً، وهذه النقطة أضفت علينا إنماءات كثيرة وجلبت بركات وفيرة.

شهدنا في فتنة 1999 تبيين المسألة وبعد ذلك رأينا آثارها وبركاتها. كان الأمر نفسه في فتنة 2009، وفي السنوات التالية، انبثقت بركات الثورة وإنماءاتها. في هذه الفتنة، ورغم أننا فقدنا «خرّم شهر» أذهان العموم إلى حد محدود في بعض الأماكن، فإن هذه الـ«خرّم شهر» ستجري استعادتها حتماً وسنحقق استقرار الأذهان وسيكون لدينا إنماءات في هذا الصدد.

في هذه المعركة، يمكن أن يكون أهم إنجازاتنا أن جيلنا الشاب سيلتفت إلى هذه الحرب المركبة ومؤامرات الأعداء وسيكون أكثر وعياً وخبرة مقارنة بالماضي. هذه القضايا تجعل شبابنا على دراية بهذه الحروب وآثارها السيئة، وتتضح لهم حقانية الجمهورية الإسلامية وصلابتها. في الوقت نفسه، تُظهر هذه الأحداث أن الجمهورية الإسلامية ستواصل عملها وتعزيز قوتها كما في الماضي وستكسب احترام العالم وثناءه أكثر فأكثر.