أكّد الإمام الخامنئي في كلمته يوم الثلاثاء على أنّ «الصهاينة تكبّدوا في عمليّة طوفان الأقصى هزيمة لا ترمّم في الجانبين الاستخباراتي والأمني». حدث هذا الأمر بينما كان الصهاينة يتباهون دائماً بقدرتهم في الساحتين العسكريّة والاستخباراتيّة. ما هي الأسباب والعوامل التي حوّلت الهزيمة العسكريّة والأمنيّة للكيان الصهيوني إلى هزيمة لا يمكن ترميمها؟

طوفان الأقصى هي عملية عسكرية نوعية غير مسبوقة نفذتها المقاومة الإسلامية في منطقة غزة وأنزلت بالعدو الصهيوني هزيمة عسكرية وأمنية إستراتيجية وصفها سماحة الإمام القائد بأنها هزيمة لا ترمم وبالواقع إن هذه الهزيمة تستعصي على الترميم لاعتبارات متعددة.

الاعتبار الأول طبيعة هذه الهزيمة. هذه الهزيمة نزلت بالعدو لثلاثة أسباب رئيسة. السبب الأول هو الانهيار المعنوي والإدراكي وانطفاء إرادة القتال عند الجندي الصهيوني، وإرادة القتال هذه لا تنشأ بالإغراءات المادية إنما تنشأ بالمسألة المعنوية والعقائدية والشحن الذاتي. إسرائيل دخلت في الآونة الأخيرة في مرحلة التشتت ومرحلة التخلف المعنوي ودليلنا على ذلك ما يحصل على صعيد الجيش فالكثير من المتطوعين لا يلتحقون بمراكز تدريبهم. القوات المظلية يقال عنها غير جاهزة معنويا للعمل خلف الخطوط. قوات المشاة يقال عنها لا تمتلك إرادة القتال ولا تمتلك المعنويات.

هذا الأمر أي، انطفاء إرادة القتال وانطفاء المعنويات لا يمكن أن يرمم بيوم أو يومين لأن طبيعته تستلزم الترميم الجذري وهذا أمر غير متاح بعد انكشاف أمر إسرائيل. ثانيا الوهم البنيوي صحيح أن إسرائيل أقامت التحصينات وجمعت التجهيزات الكبيرة التي تحميها أمام شر هجوم يشن عليها لكن هذه التحصينات ثبت أنها عاجزة عن تقديم أو عاجزة عن منع الهجوم وأن العدو يملك من القدرات ما يستطيع أن يتخطى به هذه المسائل، فبالتالي يضاف إلى التخلف المعنوي غير القابل للترميم، الوهن البنيوي غير القابل للمعالجة لأن إسرائيل قامت بكل ما يمكن أن تقوم به من تحصينات لمواجهة خطر الهجوم ولم تنفع هذه. ثالثا مسألة الاستباق والحرب الاستباقية. كانت إسرائيل دائما تبتعد عن الخطر بحرب استباقية، لكن اليوم الوضع العام في المنطقة ووجود محور المقاومة على جهوزيته وفعاليته يمنع إسرائيل من تحقيق أهداف الحرب الاستباقية حتى أنه يمنعها من الحرب الاستباقية بذاتها، وهذه نقطة أساسية أيضا تسجل سلبا في الجانب الإسرائيلي. لذلك نحن نقول إن الهزيمة التي نشأت لترد معنوي وتخلف بنيوي وعجز تنظيمي، هذه الهزيمة انقلبت من هزيمة عارضة إلى هزيمة استراتيجية غير قابلة للترميم. ولذلك يمكن أن يبنى على هذا الأمر وتتخذ عملية طوفان الأقصى نموذجا عينيا يبنى عليه لتخطيط الحرب النهائية الشاملة التي تقتلع إسرائيل من الوجود.

يضاف إلى ما ذكرت أن إسرائيل في المجال الاستخباراتي، والتي فاخرت الأمم بأنها تملك المخابرات التي تعرف كل شيء حتى في الغرف المغلقة، تبين أن هذه المخابرات وهذه الاستخبارات هي منظمات للقتل وليست للمعلومات، وفي العام 1973 كان هناك فشل استخباري ولم تستطع المخابرات الإسرائيلية توقع الحرب. في العام 2006 تكرر الفشل بذاته رغم كل ما قمت به إسرائيل من ترميم للقدرات، تبين أنها عاجزة استخباراتيا وأكدت لجنة وينكوراد هذا العجز، فألحق بإسرائيل هزيمة نكراء، وأهم أسباب هذه الهزيمة هو الفشل الاستخباراتي. هذا الفشل يتكرر اليوم في عام 2023 أي بعد خمسين سنة. فبات الفشل هذا لازمة لصيقة بمنظمات الاستخبارات الإسرائيلية، ولو كانت إسرائيل قادرة على ترميم هذا الفشل لفعلت ولكن مرور خمسين سنة على تسجيل الفشل دون معالجته يؤكد أن هذا الفشل فشل بنيوي ثابت وراسخ وهذا أيضا لا يرمم.

أما في المجال العسكري فإسرائيل أعطيت أفضل ما في مخازن الغرب من السلاح والذخيرة وجهزت بأفضل التقنيات الإلكترونية ولكن تبين أن كل هذه الأمور رغم أنها وصلت في تقنيتها ومستواها إلى الحد الأقصى، لم تستطع أن تمنع هزيمة إسرائيل. أيضا في هذه النقطة نستطيع أن نقول إن هذه الثغرة لا ترمم لأنه بذل في سبيلها كل شيء ولم تنتج ولم تعط النتيجة المطلوبة.

نظراً إلى حجم عمليّة طوفان الأقصى ووسعتها والضربات التي تكبّدها الكيان الصهيوني خلال هذه العمليّة، من البديهي أنّ وضع هذا الكيان بعد تاريخ السابع من أكتوبر سيختلف عمّا كان الحال عليه سابقاً. ما هو برأيكم فرق الكيان الصهيوني اليوم عن الفترة السابقة بعد طوفان الأقصى؟

نحن نستطيع أن نقول إن عملية طوفان الأقصى بشكلها ونتائجها غيرت المشهد في المنطقة، ليس في محيط إسرائيل فقط بل في كامل منطقة غرب آسيا والشرق الأوسط. فهذه العملية وضعت حدا لمشاريع كبيرة، من مشاريع دمج إسرائيل بالمنطقة ومن مشاريع التطبيع ومن مشاريع إقامة الأحلاف ضد إيران ومن مشاريع قيادة إسرائيل وأمريكا اقتصاديات المنطقة من خلال الممر الاقتصادي الهندي إلى أوروبا. كل هذه المشاريع تأثرت سلبا من جراء هذه العملية، وإسرائيل انحصر اهتمامها، فبدل أن يكون متركزا على كيفية التوسع ومد النفوذ وامتلاك السيطرة الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية في المنطقة، لقيادة المنطقة التي تريد أمريكا أن تكون بمثابة المستعمرة الأمريكية، انقلب اهتمامها من التوسع إلى المحافظة على الوجود. ولذلك، فإن هذه العملية أعادت إسرائيل إلى نقطة الصفر إلى العام 1948 يوم اغتصابها لفلسطين.

ولكن هناك فارق، ففي العام 1948 لم يكن هناك في مواجهة إسرائيل، القوة العسكرية التي تهدد وجودها اليوم، وإن كان هناك الرفض السياسي، فالآن بات في مواجهة إسرائيل القوة العسكرية الفاعلة. فإذا كانت إسرائيل لم تستطع الصمود أمام فصيل ومكون واحد من محور المقاومة فكيف بها إذا كانت مكونات محور المقاومة برمتها ستتدخل. وهنا أتذكر قول الإمام الراحل رضوان الله عليه آية الله السيد الخميني (قدس سره) عندما قال: "لو ألقى كل مسلم بدلو من ماء على إسرائيل لغرقت إسرائيل". اليوم محور المقاومة لا يلقي دلوا من الماء بل يلقي الصاروخ والرصاصة والمتفجرة وهي كفيلة بإزالة إسرائيل. نحن نستطيع أن نقول جازمين وبشكل منهجي ومنطقي وعلمي، أن عملية طوفان الأقصى شكلت النموذج العيني للحرب الشاملة التي تنهي وجود إسرائيل في المنطقة وتقتلع هذه الغدة السرطانية وحتى إننا بجانب آخر نقول إن إسرائيل قد تستخلص العبر، وقد لا تكون بحاجة للحرب الشاملة بل تسقط بالانهيار الادراكي المعنوي، وتنهي وجودها بذاتها لأنها تخشى من المواجهة. هذا أمر بات يقينيا، يعني ما حصل في 7 أكتوبر أكد الاعتقاد الديني الراسخ بأن إسرائيل زائلة، واليوم هذا الكيان يمكن وصفه من الآن وصاعدا بالكيان الزائل حتما إن شاء الله.