السّؤال 1: قال قائد الثّورة الإسلاميّة في مراسم التخريج لطلّاب جامعات الضّبّاط التّابعة للقوّات المسلّحة: «استطاع طوفان الأقصى تدمير بعض الأُسس الرئيسيّة لحكم الكيان الغاصب، وليس من السّهل أن يعاد بناء تلك الأسس". نظراً إلى الضّربات التي تعرّض لها الصّهاينة خلال هذه العمليّة في أبعاد مختلفة، ما تحليلكم لهذا الجزء من تصريحات قائد الثّورة الإسلاميّة؟

بسم الله الرّحمن الرّحيم،

التصريحات الأخيرة لقائد الثورة الإسلامية في ما يتعلق بتعرض الأسس المهمة والرئيسية للكيان الصهيوني لأضرار جسيمة وغير قابلة للترميم، ومن أجل تحليل هذا التصريح، لا بد لي من الحديث عن الضربات التي تلقّاها الكيان الصهيوني في عملية طوفان الأقصى الناجحة. لقد وجّهت هذه العملية الناجحة ضربات قاسية وغير قابلة للترميم إلى العمود الفقري للكيان الصهيوني في المجالات الثلاثة: العسكري والأمني ​​والسياسي.

في المجال العسكري للجيش الرابع على مستوى العالم، ومع الأخذ بالحسبان جميع أوجه القصور التي كانت فيه، وأيضاً التاريخ الطويل من النجاح ضد ستّ دول، والهيمنة التي حصل عليها، هذه الهزيمة غير قابلة للتّرميم، خصوصاً أن قادة هذا الجيش والقوات العسكرية أُسروا وهم يرتدون ملابس النوم والملابس الداخلية على يد المقاومين الفلسطينيين! حسناً، هذه ضربة كبيرة جداً. ولم يعد ممكناً تعويض هذه الخسائر الكبيرة التي تكبّدها الجيش الصهيوني، خاصة في مجال السيطرة والصورة التي صنعوها للجيش الصهيوني خارج الأراضي المحتلة.

ثانياً في المجال الأمني: طبعاً يُعرف حالياً «الموساد» وجهاز الأمن الداخلي للكيان الصهيوني (الشاباك) أنهما أساتذة منظمات التجسس في دولٍ كثيرةٍ من العالم. تتمنى بعض الأجهزة الاستخباراتية والأمنية في العالم أن تتمكّن من إرسال أفرادها بضع ساعات إلى صفوف الدراسة عند «الموساد»، والاستفادة من هذه الصفوف. لذلك إن هذه العملية الكبيرة مع المباغتة التي حملتها والتي لا يمكن إنكارها وجّهت ضربات غير قابلة للتعويض والترميم إلى الهيمنة والعمود الفقري لأجهزة أمن الكيان الخارجية والداخلية وجيشه.

ثالثاً مسألة الضربات التي تلقاها المحيط، أو بالأحرى الهيكل السياسي للكيان: من المؤكّد أن هذه الحكومة لم تعد قادرة على الاستمرار في أعمالها كما كانت من قبل في أيّ مجال، لا الاقتصادي ولا الثقافي ولا السياسي ولا الاجتماعي ولا العسكري والأمني. ومن المؤكد أنّه عندما تُشكّل حكومة الطوارئ أو الحرب، سيُقصى بعض الوزراء من آليّة صنع القرار. طبعاً إنّ حكومة نتنياهو ستنهار، وستتوالى الانهيارات الكبيرة، وحتى بعد هدوء الأوضاع هناك احتمال لمساءلة حكومة نتنياهو واستقالتها.

يمكن الحديث عن هذه المجالات الثلاثة مطوّلاً، لكنّ الضربات التي تلقّتها هذه المجالات تبيّن أنّ قائد الثورة الإسلامية كان على دراية تامّة بالأبعاد المختلفة لمكوّنات القوة في الكيان الصهيوني، ويدرك أيضاً أبعاد ضرب مكونات القوة هذه أو استهدافها في هذا الحدث المذهل والمشرّف لعملية «طوفان الأقصى» المشرفة، وقد حلّلَ هذه المسألةَ تحليلاً دقيقاً للغاية.

 

السؤال 2: الخسائر الفادحة في صفوف الصهاينة، التي تبلغ مئات القتلى وآلاف الجرحى، لم تكن متوقعة لدى «تل أبيب». من ناحية أخرى، واجه الصهاينة خلال «طوفان الأقصى» عملية واسعة وشاملة في السماء وعلى الأرض، وأخفقوا في منع استمرار هذه الهجمات والحد من نطاقها. كذلك أكد قائد الثورة الإسلامية أن الصهاينة أصابتهم هزيمة لا ترمم في البعدين العسكري والأمني. ما تقييمكم لهذه الهزيمة التي لا يمكن ترميمها؟

نظراً إلى ضخامة فعل المقاومة الواسع والعميق والمباغت، وتحديدها ميدانَ المعركة، وبدلاً من أن يكون في الأرض والجغرافيا الواقعة تحت سيطرة فلسطين، أخذتها إلى جغرافيا الأراضي المحتلة التي هي تحت سيطرة الكيان الصهيوني. من أهم الموضوعات التي تُظهر النجاح في المجال العسكري أخذ المعركة إلى أرض العدو.

لهذا، يمكننا أن نعطي تعريفاً للقضايا الثلاث التي ذكرتها عبر هذا التصريح الأخير لقائد الثورة الإسلامية: إنها هزيمة لا يمكن تحمّلها وليس من الممكن ترميمها. الآن، ونحن نتحدّث مع بعضنا بعضاً، وإذا عاد المقاومون إلى مكانهم الذي جاؤوا منه قبل خمسة أيام، وعاد الكيان الصهيوني إلى مكانه حيث كان قبل خمسة أيام، فلن يكون له اعتبار في مجال التسليح، ولا استخباراتياً وأمنياً، ولا في ما يتعلق بقدرة الحكومة الحالية للكيان الصهيوني وقوتها. لا تمكن استعادة شيء من ذلك وإعادته إلى حاله كما في الأيام السابقة. لو افترضنا أنه بأي طريقة ولأي سبب ومع أي مفاوضات، ومع أي وقف للنار ومهما حدث، ولو نتخيل أننا نعيد الفيلم إلى الوراء وأن المناضلين يعودون أدراجهم، وكذلك الكيان الصهيوني، فإن هذا الكيان الصهيوني لن يعود نفسه الذي كان عليه قبل أيام.

 

السؤال 3: نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية في الأيام الأخيرة تقريراً عن دور إيران في «طوفان الأقصى» ضد الكيان الصهيوني، مع أن التخطيط والتدبير لهذه العملية كله من جانب المقاومة الفلسطينية وحدها. أساساً لماذا يسعى الأجانب لجعل «طوفان الأقصى» كأنه غير فلسطيني عبر الدعايات الكاذبة؟

لماذا ينسب الأجانب هذه العملية الكبيرة والمهمة إلى الجمهورية الإسلامية؟ في رأيي هناك مسألتان: الأولى التخويف من إيران في المنطقة والنظام الدولي، فخلال السنوات العشرين الماضية، كان ذلك جزءاً من أجندة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ووسائل الإعلام الموصوفة بالإمبراطورية الإعلامية، والثانية تقليص مكانة المقاومة، وبث اليأس في جسم المقاومة في أنحاء العالم كله. الآن بالطبع هناك إصرار على أن تشعر المقاومة الفلسطينية بأنها تعتمد على مكان مثل إيران، أو أن إيران هي التي تنجز عملها. بالطبع ليست هذه الحال، فقد وصلت المقاومة الفلسطينية إلى مرحلة من النضج، ولا يمكن لهذه الكلمات غير ذات الصلة وغير المُسندة أن تحيّدها عن طريقها.

في المقابل، يصرّ عددٌ من كبار المسؤولين في الولايات المتحدة ومن بينهم بايدن وآخرون في بريطانيا ودول مختلفة على تلك الادّعاءات، لكنّ «وول ستريت جورنال» قالت إنّه لا توجد مؤشرات أو ما يدل على أن الجمهورية الإسلامية أدّت دوراً في هذا الصدد. حتى المسؤولون الأمنيون والعسكريون في الكيان الصهيوني قالوا ذلك أيضاً. لكن للسببين اللّذين قلتهما هم يختلقون سجالات هامشيّة لهذا النّصر، ويبنون مكاناً لمسألة الخوف من إيران في هذه العملية حتى يتمكّنوا من استثماره لاحقاً وركوب موجته، وفي سياق تعليل استمرارية التخويف من إيران سيقولون: كان العامل في انتصار هذه العملية مشاركة الجمهورية الإسلامية وتدخّلها.

 

السؤال 4: منذ بدء «طوفان الأقصى» سعت وسائل الإعلام التابعة للاستكبار العالمي للتظاهر بمظلوميّة الكيان الصّهيوني. حتّى إنّ جون كيربي حضر في وسائل الإعلام وتظاهر بالبكاء من أجل الصهاينة. فعل هذا كلّه والصّهاينة يرتكبون طوال الأعوام السبعين الماضية أفظع الجرائم بحقّ الفلسطينيّين. ما الذي يؤدّي إلى اتخاذ داعمي الكيان الصهيوني مثل هذه المواقف الازدواجيّة حيال حقوق الإنسان؟

إنّ النقطة التي أشرتم إليها في السؤال الرابع هي ازدواجيّة المعايير، وهذه التصرّفات بدأت منذ انتصار الثورة الإسلاميّة واستمرّت حتى اليوم. هي قضيّة تُعامل في مجال حقوق الإنسان بازدواجيّة في المعايير. بالنسبة إلى الأوروبيين والأمريكيّين هناك أولويّة مؤكّدة طوال الأعوام الخمسة والأربعين الماضية في ما يرتبط بألوان البشرة، وأن دماء الأوروبيّين أكثر حمرة، خاصّة بالنسبة إلى البيض من الأوروبيّين والأمريكيّين الذين كانوا يرون أنّ دماءهم أكثر حمرة من الآخرين. أحياناً كانوا يقيمون اعتباراً أكبر لبعض الحيوانات الأوروبيّة من حياة الأفريقيّين والآسيويّين وأرواحهم. أجرى جون كيربي استعراضاً مقابل عدسات القنوات التلفزيونيّة وتظاهر بكونهم أكثر عطفاً على البشريّة وأشدّ اهتماماً بها.

طوال الأعوام السبعين الماضية، لم يُترك أيّ فعل ولم يُوفّر أيّ ظلم بحقّ الشعب الفلسطيني المظلوم. وهم يرون الشعوب حول العالم كافة، سواء أكانوا ذوي بشرة بيضاء أم غير بيضاء، ومسلمين أم غير مسلمين، أبناء لهم. الآن وقعت أحداثٌ في إحدى زوايا العالم وها هم يذرفون الدموع من أجلهم. إنّها كذبة ومسرحيّة وهم يعملون على استغلال مشاعر الناس في مختلف أرجاء العالم.

على أيّ حال، يُبدي الناس جميعهم في أوروبا وأمريكا ومختلف نقاط العالم حساسيّة تجاه مقتل الناس خاصّة الأطفال والنساء. هؤلاء يحاولون إثارة المشاعر وتشكيل إجماع ضدّ المقاومة في فلسطين، كما يسعون إلى إطلاق حربٍ صليبيّة جديدة تُمكّنهم من نهب أموال الشعوب ومصادرها، وأن يعملوا على إبقاء غدّة سرطانيّة مثل الكيان الصهيوني في قلب العالم الإسلامي حتى يتمكّنوا من بلوغ مطامعهم.

واقع الأمر أنّ منظّمات حقوق الإنسان الدوليّة ومنظّمة الأمم المتّحدة لم تبادر - للأسف - على مرّ الأعوام الطويلة إلى أيّ خطوة عمليّة في سبيل إحقاق حقوق الإنسان في غير أوروبا وأمريكا، هذا طوال الأعوام الثمانين الماضية، واكتفت في بعض الأحيان بإصدار بعض البيانات. كما مارست منظّمات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ظلماً مضاعفاً في ما يخصّ جغرافيا فلسطين، ولذلك أودّ تأكيد هذه النقطة: نحن نعيش اليوم ظروفاً تستدعي أن تحدّد هذه المنظّمات موقفها من ميثاق الأمم المتّحدة ومسؤوليّاتها الذاتيّة والحقيقيّة.

هل يرغبون في أن يكونوا خاضعين لتأثير الدموع المصطنعة لبعض الأشخاص من قبيل جون كيربي، أو سيقرّرون بمشاهدة حقيقة الظلم الذي مورس طوال العقود السابقة بحقّ الشعب الفلسطيني وأن يروا هذه الحركة الناجحة التي تمثّلت في «طوفان الأقصى» ردّ فعل في وجه هذا الظلم؟ إنّ أنظار الشعوب في العالم شاخصة اليوم نحو هذه المنظّمات الدوليّة والقرار الذي ستتّخذه في هذا الصّدد. بناءً عليه إنّ آخر جملة أودّ قولها: التعاطي الازدواجي يأتي ضمن الأخلاق الذاتيّة للمنظّمات الدوليّة وداعميها الغربيّين ومنهم الأمريكيّون.

 

السؤال 5: أعلن وزير الدفاع الأمريكي حديثاً أنّ هذا البلد سيُرسل حاملاتٍ للطائرات وسفناً حربيّة إلى شرق المتوسّط دعماً لإسرائيل، كما أنّ أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا أصدروا بيانات مشتركة تؤكّد دعمهم الكيان الصهيوني. كيف يمكن في هذه الظروف، ونظراً إلى تأكيد قائد الثورة الإسلاميّة، أن يؤدّي هذا إلى اتّحاد الأمّة الإسلاميّة وتلاحمها بصفة ذلك قوّة رادعة مقابل القوى المتغطرسة، وأن يؤول إلى اتّخاذ سياسة وإستراتيجيّة واحدة تجمع الدول الإسلاميّة على دعم فلسطين، وأن يساهم في تحقيق المقاومة النّصر؟

هناك نقطة دقيقة جدّاً في السؤال الخامس هي إشارتكم إلى كلام الإمام الخامنئي، إذ إنّ قائد الثورة الإسلاميّة تحدّث على مدى أعوام طويلة عن وحدة العالم الإسلاميّ. وفي السابع عشر من ربيع الأوّل الذي مرّ منذ مدة وجيزة وصادف الميلاد السعيد للرسول العظيم الشأن (ص)، ذكر سماحته هذه النقطة أيضاً، وأشار إلى أنّ الوحدة بين الدول الإسلاميّة يمكن أن تضاعف قوّة الرّدع للمسلمين والعالم الإسلامي. يجب أن نتحدّث في هذا المضمار عن هذه النقطة: إن حركة البوارج والبيانات المشتركة لبعض الدول الأوروبيّة وأمريكا لن تُحدث أيّ خلل في الإرادة الصلبة للمقاومة وخاصّة المقاومة الفلسطينيّة خلال الظروف الحالية وفي المستقبل. هذه نقطة مهمّة. لذلك، لا بدّ أن يحدّدوا موقفهم، فهل يرغبون في مواصلة دعمهم الظالم أو يودّون التزام الصّمت، أو يريدون الدفاع عن المظلوم؟

لذلك إنّ اتّحاد الدول الإسلاميّة يمكن أن يوضح موقفهم. لقد طلبت الجمهوريّة الإسلاميّة تشكيل جلسة استثنائيّة وطارئة تضمّ الدول الإسلاميّة لكن المؤسف أنّه رغم مرور أكثر من 24 ساعة على الدعوة لا نجد أثراً لهذه الدول ولا رغبة في عقد هذه الجلسة. طبعاً لا أقول إنّ الوقت تأخّر لكن لو أبدوا حساسيّة كبيرة تجاه الأوضاع في العالم الإسلامي والمسلمين في فلسطين، فعليهم أن يعلنوا ذلك فوراً بمطالبتهم تشكيل هذه الجلسة حضورياً أو عبر الاتصال المتلفز. طالب «مجلس الشورى الإسلامي» في إيران أيضاً بعقد جلسة بين المجالس الإسلاميّة حتى يتمكّن ممثّلو مجالس الدول الإسلاميّة من اتخاذ قرار عاجل وحاسم بشأن الجرائم اليوم في غزّة وفلسطين، وكذلك حيال المظلومين الذين يشكّلون أعداداً كبيرة تعدّت ألف شهيد ممّن قُتلوا في منازلهم جرّاء القصف الهمجي للكيان الصهيوني وعشرات آلاف المهجّرين والبيوت المدمّرة.

أيضاً لكي يتمكّنوا من اتخاذ قرار بشأن إنقاذ المسلمين في غزّة المحرومين الماء والكهرباء والطعام والدواء ويتعرّضون لقصف المقاتلات الحربيّة التي أهدتها أمريكا وأوروبا أخيراً للكيان الصهيوني، وكي يواصلوا حياتهم تحت هذه الصواريخ والقنابل والدفاع عن مقاومة فلسطين ومجاهديها من أجل حياتهم الكريمة. نعيش اليوم ظروفاً تحتّم على الإسلام اتخاذ قراره واتخاذ سياسة وإستراتيجيّة واحدة ومناسبة من أجل الدفاع عن المجاهدين في فلسطين وشعب غزّة المظلوم، وليعرف المجرمون الغربيّون الذين يستحوذون على الحكومات ويطلقون بيانات مشتركة خلافاً لعواطف الناس وشعوبهم في الأزقّة والشوارع الأوروبيّة دعماً لأمريكا والكيان الصهيوني. حتى في بريطانيا يعلنون أنّ كلّ من يدعم فلسطين إرهابيّ، وأنّ الداعم للإرهابيّ إرهابيّ ويجب إلقاء القبض عليه. على المسلمين والدول الإسلامية أن يتخذوا موقفاً في وجه هؤلاء الحكام السياسيّين في أوروبا وأمريكا. كما قلت، هؤلاء الحكام وقفوا أيضاً في وجه إرادة شعوبهم التي تنادي بدعم الشعب الفلسطيني، وإدانة وقمع الكيان الصهيوني وممارسة الضغوط عليه. لذلك لا بدّ هنا من اتخاذ المسؤولين والشخصيات في الدول الإسلاميّة موقفاً تجاه فلسطين واستنكار جرائم الكيان الصهيوني وتغيير الموازين العالميّة.