أودّ الإشادة بإحياء هذا المؤتمر وهذا الملتقى، فمعرفتنا بالأئمّة (عليهم السلام) – نحن في المجتمع الشيعيّ قبل الحديث عن الآخرين – يشوبها كثير من النقص. أحياناً نبالغ بالاهتمام بجانب معيّن، ولكنّ ذلك يكون على حساب الجوانب الأخرى ومن دون أن يقترن هذا الاهتمام بالإتقان والإحكام المطلوبين، وأحياناً لا نبدي حتّى هذا النحو من الاهتمام ونقنع بالقشور والاهتمام السطحيّ والأمور الشكليّة. باعتقادي إنّ إحدى المسؤوليّات الكبرى التي على عاتقنا نحن الشيعة وأهل التشيّع هي تقديم أئمّتنا (عليهم السلام) للعالم
في رأيي هناك ثلاثة أبعاد في حياة الأئمّة (عليهم السلام) ينبغي العمل عليها، أحدها البعد المعنويّ والإلهيّ، أي تلك القداسة... إذ هذه ليست من المسائل التي نعمل فيها بالتقية، بل لا بدّ لنا من ذكر هذه المسائل وبيان الجانب المعنويّ والعرشيّ عند الأئمّة (عليهم السلام). كما هو الحال في خصوص النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، لا بدّ من تناول هذه القضايا: عصمتهم وعلاقتهم بالله تعالى وعلاقتهم بالملائكة وولايتهم بذلك البعد المعنويّ فيها، مثل هذه الجوانب التي تكتنفها شخصيّتهم (عليهم السلام)، فلا بّد أن يُعمل عليها على نحو علميّ ومحكم وجميل.
بعض الأئمّة (عليهم السلام) – لأسباب معيّنة – معروفون، كالإمام الحسين وأمير المؤمنين (عليهما السلام)، فقد كتب عنهم الآخرون وتحدّثوا عنهم وهناك معرفة نسبيّة بهم خارج الدائرة الشيعيّة، بل حتّى خارج الدائرة الإسلاميّة، ولكنّ أكثر أئمّتنا (عليهم السلام) غير معروفين للآخرين. الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) بتلك العظمة غير معروف والإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) والإمام الهادي (عليه السلام) والإمام الصادق (عليه السلام) مع تلك المنظومة العظيمة والنشاط الاستثنائيّ، هؤلاء لا زالوا مجهولين للآخرين. وإن تعرّض لهم غير الشيعة - حينما يكون المتحدّث ليس شيعيّاً، لن يتحدّث عن الإمام (عليه السلام) من حيث هو إمام الشيعة -، فإنّ ذلك قليل ومحدود.
في رأيي هناك ثلاثة أبعاد في حياة الأئمّة (عليهم السلام) ينبغي العمل عليها: أحدها... هو الجانب السياسيّ... لقد كان الأئمّة (عليهم السلام) يتطلّعون إلى أهداف كبرى، ويأتي على رأسها تأسيس المجتمع الإسلاميّ، الذي بدوره لا يمكن أن يتحقّق من دون إقامة الحكم الإسلاميّ، ما يعني أنّهم (عليهم السلام) كانوا يسعون إلى تحقيق حاكميّة الإسلام. هذا هو أحد الأبعاد المهمَّة للإمامة، فالإمامة تعني رئاسة الدين والدنيا ورئاسة المادة والمعنى، ومادّة الرئاسة هي هذه السياسة وإدارة البلاد وإدارة الحكومة، والأئمّة كلُّهم (عليهم السلام) كانوا يسعون وراء ذلك، كلّهم من دون استثناء. غاية الأمر، تختلف الأساليب تبعاً للمراحل المختلفة وتختلف المناهج وتختلف الأهداف القصيرة المدى، ولكنّ الهدف على المدى الطويل كان واحداً.
لدينا هذه الكتب كلّها، مثلاً لدينا بحار الأنوار مئة جزء وغيره كثير من هذا القبيل، ولكنّها في النهاية ضمن دائرة خاصّة. ذات يوم قرأت أبياتاً من الشعر:
شراب أنت خالص معتّق ليَ / خبيء أنت في قعر الخابية
ما دمت في العزلة الآبدة / ولا تملأُ الكأس ما الفائدة؟
لا بدّ للشراب الزلال الصافي أن يُسكب في الكأس ليروي، ولكنّه حبيس الجرّة. إنّ شرابنا الخالص هذا، هذا الشراب المعرفيّ لحياتنا الذي وصلنا من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)... فلا بدّ أن نظهر هذه الأمور للعالم بلغة اليوم وبأسلوب "فنيّ" وطُرقٍ صحيحة. لقد غدا التواصل مع العالم اليوم أمراً هيّناً.