أحد أهم الأهداف التي أعلنها الكيان الصهيوني بعد دخوله حرب غزة هو القضاء على المقاومة وتحرير الأسرى الصهاينة. لم تُفشِل المقاومة الفلسطينية تحقيق هذه الأهداف فقط، بل تواصل مطاردة جنود الجيش في ساحة المعركة بمزيد من القوة، وتستهدف المستوطنات بهجماتها الصاروخية. ما سرّ تنامي القوة القتالية للمقاومة رغم الهجمات الصهيونية المكثّفة؟
من أهم الأهداف التي أعلنها الكيان الصهيوني بعد عملية «طوفان الأقصى» هي «القضاء على حماس» و«تحرير الأسرى» و«تدمير الأنفاق»، وطرحَ ما كان يتصورّه بأنّه من شأنه أن يعدّ إنجازاً في تحديد الحكم في غزة بعد الحرب. ورغم هذا الأمر فإن الصهاينة لم يحققوا أيّاً من أهدافهم، وكان الجيش الصهيوني يواجه استنزافاً واضحاً يوماً بعد يوم. في المقابل، تمكنت المقاومة الفلسطينية من السيطرة على الوضع، وتوجيه ضربات مؤثرة في آلة الحرب الصهيونية. في الواقع، استطاعت المقاومة توجيه ضربات قوية لجيش الكيان الصهيوني، لدرجة يمكن القول إن جيش الكيان غدا كالعربة الحربية العالقة في الوحل.
بالتأكيد إنّ إحدى النقاط الأساسية التي يمكن أن تكون سبباً في هذا النجاح هي الانسجام في القيادة، والتزام المقاومين بأوامر القيادة، والمساندة الفعلية لأهالي غزة، وكذلك التخطيط والإحاطة الاستخباراتية لدى قوات المقاومة قبل تنفيذ العمليات. من ناحية أخرى، دخلت المقاومة الفلسطينية عملية «طوفان الأقصى» باستعداد تام لحرب أطول بكثير من الحروب السابقة، وباتت نجاحاتها تتجلى بعد مرور أكثر من 9 أشهر.
اغتال الكيان الصهيوني خلال الأشهر الماضية عدداً من القادة العسكريين في المقاومة اللبنانية والعراقية والفلسطينية. كما جرى اغتيال عدد من المستشارين الإيرانيين في سوريا على يد تل أبيب. غير أنّ عمليات جبهة المقاومة ضد الكيان الصهيوني لم تتوقف، بل تكثفت أيضًا. ما هي أسباب وعوامل تنامي قوة هذه الجبهة رغم هذه الظروف؟
جبهة المقاومة وقوى المقاومة لا تعتمد على الأفراد - حتى قادة الوحدات - بأي شكل من الأشكال. طبعاً، يعدّ دور القائد دوراً لا يمكن الاستغناء عنه، ولكن قوى المقاومة مُدَرَّبة مثل تدريب كل قوى حرب العصابات والـ«بارتيزان»، والذي لا يتوقف عند القائد، بل إنّ نوع التدريب هو بنحو بحيث يكون كلّ عنصر تحت إمرة قائد ما في كلّ لحظة، لكنه عندما يقاتل العدو ويشتبك معه، يصير قائد نفسه. ولذلك يؤخذ في الاعتبار عند المقاومين قول سماحة الإمام الخميني (قده) «كلما سقطت الراية من يد قائد حملَ الراية قائد آخر»، ونلاحظ عملياً أنّ مثل هذا الأمر قد برز تماماً عند مناضلي المقاومة الفلسطينية.
على مدى الأشهر التسعة الماضية استشهد عدد من القادة اللبنانيين والفلسطينيين والمستشارين الإيرانيين. ومع ذلك، لم تنقص القوة القاتالية للمقاومة، بل إنّ دماء الشهداء أسست المزيد من الحافزية للمبادرات العملية وتوجيه ضربات موجعة للكيان الصهيوني. تعدّ هذه الزيادة في إرادة المقاومين بعد استشهاد كل شخص من القادة والمستشارين مبدءاً بحدّ ذاتها. وهذه ميزة غير متوفرة قطعاً لدى الجيوش الكلاسيكية، ومن الخطأ تماماً مقارنة مقاتلي المقاومة في جبهات المقاومة بالجيوش الكلاسيكية. ولذلك فإن من أهم عوامل تنامي قوة جبهة المقاومة هو «الاعتماد على الأفراد» و«تقديم التدريب اللازم لكل فرد من هؤلاء الأفراد» و«ثقة هؤلاء الأفراد بأنفسهم وتوكلهم على الله».
استهدفت قوات المقاومة اليمنية قلب تل أبيب بطائرة «يافا» المسيرة في عملية استراتيجية وناجحة. حدث هذا في بعد قصف التحالف الأمريكي-البريطاني أجزاء مختلفة من اليمن منذ أشهر. ما هي الأسباب والعوامل التي أدت إلى تنامي قدرات المقاومة اليمنية رغم تلك الأوضاع؟
إن الحرب الـ9 سنوات في اليمن ضد التحالف السعودي المعادي لليمن جعلت الشعب اليمني وكذلك مقاتلي الجيش الوطني أقوياء للغاية لدرجة أنهم استطاعوا بالاستفادة الخبرات العملية والاستفادة من القابليات الجغرافية المحلية أن يتحوّلوا إلى قوة بلا منازع في المنطقة. واليوم، امتاك الجيش الوطني اليمني القدرة على تعطيل كل الاستراتيجيات البحرية للدول القوية، بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وهما دولتان عضوتان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وتمتلكان أسلحة متطورة. في الوقت الحالي، لا تعرف أمريكا وبريطانيا ما الحل الذي ينبغي أن تفكر فيه بشأن ممارسات الجيش اليمني. ولهذا السبب يستهدف التحالف الأمريكي-البريطاني المراكز الخدماتية للشعب اليمني بما في ذلك محطات توليد الكهرباء.
لذلك، وفقاً لنمط عيشهم وأسلوب قتالهم أمام الأسلحة الحديثة، تمكّن اليمنيون من امتلاك تجهيزات كبيرة عبر إمكاناتهم المحلية، وبالطبع، نظراً إلى شكل إدارة حكومة الإنقاذ الوطني، فقد تمكنوا من الحصول على جزء مهم من الأسلحة التي يحتاجونها عبر التصنيع المحلي. والاستخدام الأمثل للإمكانات والدقة اللازمة في استخدام هذه الأدوات قد جنّبها العوَز وجعلها غنية عن مدّ اليد إلى الدول الغربية والمغرضة للشعب اليمني. ولذلك فإن جذور قدرات الجيش الوطني اليمني تعود إلى هذه المنهجية. وبناء على ذلك، فإنّ الجيش الوطني اليمني يزداد قوة يوماً بعد يوم، ويمتلك إمكانية الكشف عن أوراق جديدة في ساحة المعركة. استطاع الجيش اليمني على مدى الأشهر التي دخل فيها ساحة المعركة ضد الصهاينة لإسناد أهالي غزة، ضرب العمود الفقري الاقتصادي للكيان الصهيوني. وخلال الأيام الماضية، استهدفت القوات اليمنية قلب تل أبيب وأثبتت أنها تمتلك تجهيزات وإمكانات وتدريبات عالية المستوى في مسار أداء دورها في «الجبهة الموحدة للمقاومة».
إن «اتحاد وانسجام» محور المقاومة في المواجهة مع الصهاينة هو من مكونات قوة جبهة المقاومة على مدى الأشهر الماضية. على سبيل المثال، في منتصف شهر تموز/يوليو، نفذت المقاومة اليمنية والعراقية، في عمل مشترك، عملية ضد هدف حيوي في حيفا. برأيكم إلى ماذا يعود هذا الانسجام والاتحاد في صفوف جبهة المقاومة بعد مرور أكثر من 9 أشهر من الحرب؟
أحد أسباب هذه القوة المتنامية هو الهدف المشترك لدى جبهة المقاومة بمحاورها كافة، وكان هذا الهدف المشترك نصرة أهالي غزة المظلومين والمقتدرين. وقد جعل هذا الهدف المشترك انسجام واتحاد جبهة المقاومة أضعافاً مضاعفة. النقطة الأخرى، هي أن جميع جبهات المقاومة المختلفة لديها عدو ثابت، وهذا العدو هو الذي جعلها تتوحد أيضاً. والمقصود بالعدو الدائم هو أمريكا والكيان الصهيوني ونظام الهيمنة. لذلك، إنّ من بين مكونات الأخرى للانسجام والاتحاد في بنية المقاومة، وجود عدو ثابت.
المكوّن الآخر هو «القيادة المشتركة» للجبهات المختلفة. جميع جبهات المقاومة لديها قائد قوي، ثابت الخطى، يقظ، متفكر، حكيم ومؤثر اسمه آية الله العظمى، الإمام الخامنئي (مدّ ظلّه العالي». وعلى الرغم من أن كل فصيل من فصائل المقاومة لديه قائده الخاص، وهيكله وتنظيمه المستقل، ومعداته وقواه المقاتلة، إلّا أنّ كل ذلك يقع تحت راية قيادة الإمام الخامنئي المقتدرة والذكية واليقظة تمامًا والتي لا يمكن اختراقها. وبناء على ما قيل فإن أحد مكوّنات التنسيق المهمة بين مختلف مكونات جبهة المقاومة هو وجود قائد عظيم ومقتدر بعنوان قائد الثورة الإسلامية.
وعليه، يمكن من خلال وجود «هدف مشترك» و«عدو مشترك» و«قائد مشترك» خلقِ رابطٍ غير قابل للتفكك بين مختلف مكونات المقاومة. وقد تمكنت العمليات المشتركة بين الجيش اليمني والمقاومة العراقية والمقاومة الفلسطينية والمقاومة السورية من وضع النظام الصهيوني أمام تحدٍّ خطير، والأضرار التي لحقت بتل أبيب هي مصداق واضح لفاعلية هذه العمليات المشتركة.